الجمعة، 28 يناير 2011

تنميـة الرقــابة الذاتيـــة لدى الناشئة

في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل ! وذابتكثير من القيم والمبادئ! ووجهت العقول بتوجيهات ربما لا تؤمن بمسلماتنا العقدية ،وربما تؤمن بها ولكن تراها لا تناسب هذا العصر ، أو لا يمكن العمل بها في عصرالإنترنت والفضائيات .

يرى بعضهم أنه آن للناشئ أن ينطلق ويكون بصيراً على نفسهويختار الوجهة التي يريدها دون أن يكون ثَم اعتبار لتنشئته أو إعداده إعداداً يجعلهقادراً على مواجهة سلبيات امتزاج الحضارات بخلفياتها العقدية والاجتماعية. ويرىالبعض الآخر أن الحل في عزل الناشئ - إلى حد كبير - عن المجتمعات المنفتحة ؛ خشيةتأثره بسلبياتها أو ذوبانه في أفكارها .

ولعل الأول يخسر كثيرا إذ يصبح بلا هويةولا شخصية ، بل هو مسخ غير سوي . أما الآخر فمهما ترك الناس فلن يتركوه ، ومهماحاول الابتعاد بنشئه فلا بد أن يكون لتلك القنوات تأثير عليه بطريق غيرمباشر . . . فلابد أن يكون لنا وقفة جادة لدراسة حال الشباب غير المحصن وغير المهيأتهيئة تجعله قادراً على مواجهة ركام الحضارات المختلفة والمخالفة لمبادئهومعتقده.

إن سن التكليف هو المرحلة التي يمكن أن يُحاسب عليها الفرد ويُؤاخذ علىتقصيره أو خطئه. وهذه المرحلة التي حددها المنهج الإسلامي بالبلوغ حددها علماءالنفس غير المسلمين أيضا ، كما أكد ذلك ( بياجيه ) و ( كولبرج ) في نظريتهما ، فالفرد فيهذه المرحلة ينطلق من ذاته وقناعته ، ويفعل ما يراه صحيحاً دون التعويل على القيودالنظامية ، ودون التقيد بآراء الآخرين ، فهو يسلك وفقاً لمعاييره الذاتية ويشعر بتأنيبالضمير واحتقار الذات عند مخالفتها . . .
وإذا دققت النظر أيقنت أن الناشئة يتفاوتونفي الرقابة الذاتية وفي احترامهم للمبادئ والأخلاق ، بل وفي تطبيقهم وقناعاتهمبالعقائد والعبادات . فما هو السر في اختلافهم هذا؟

إن تعرضهم لأسباب وجودالرقابة الذاتية وتقويتها منذ الصغر هو المسؤول عن قوة دفاعهم عن مبادئهموأخلاقياتهم ، فضلاً عن تمسكهم بها وانقيادهم لها بقناعة. . . وقد أجملت عدة أسبابلتنمية الرقابة الذاتية مستقية هذه الأسباب من الهدى النبوي ؛ لأن رسولنا صلى اللهعليه وسلم - هو المربي الأول.

1) ربط الناشئ بالله:

ليكن أول شيء نعلمهللناشئ تعريفه بخالقه وربه بأسهل عبارة وأيسر صورة ، فإن رسول الله صلى الله عليهوسلم حين سأل الجارية " أين الله؟ " وأشارت إلى السماء قال: "أعتقها فإنهامؤمنة".

فأول شيء ينبغي أن يربى عليه الناشئ: معرفة الله بآياته ومخلوقاته ورزقهومعافاته ، وذلك عن طريق الحوار المبسط : (مثال: من أعطاك هذا؟). فارتباط الناشئوهو في سن الوعي والتميز بروابط اعتقادية.. وروحية.. وفكرية.. إلى أن يتدرجيافعاً.. إلى أن يترعرع شاباً.. إلى أن يصبح رجلا.ً. إلى أن ينحدر كهلاً.. فإنه بلاشك سيصبح عنده مناعة الإيمان وبرد اليقين وحصانة التقوى، مما يجعله يستعلي علىالجاهلية بكل تصوراتها واعتقاداتها. لأنك إذا عمقت في ولدك حقيقة الإيمان ورسختفي قلبه العقيدة الإلهية.. فإنه ينشأ على المراقبة لله والخشية منه والتسليملذلك. وسيكون عنده من حساسية الإيمان وإرهاف الضمير ما يكفه عن المفاسدالاجتماعية والوساوس النفسية والمساوئ الخلقية ويكتمل عقلياً وسلوكياً.

2)ربط الولد بالقرآن:
مع ما يردده البعض من أن القرآن يسهل على الصغير فهمه ، وأنتحفيظه ما هو إلا نوع من الببغاوية.. إلا أن هذا الرأي يشهد لضعفه الواقع ويخالفالحقيقة الشرعية ؛ إذ يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِفَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17 وليس أسهل من القرآن في الحفظ ولا أبلغ فيالنفوس ولا أوقع أثراً.

ولذا فإن أسلافنا الصالحين ينصحون به و يشيرون إلى تعليمأولادهم القرآن الكريم وتحفيظهم إياه حتى تتقوم به ألسنتهم وتسمو أرواحهم وتخشع بهقلوبهم ويترسخ الإيمان في نفوسهم . وقد لاحظت أثر القرآن في نفوس الناشئات عليهحتى ظهر ذلك في سلوكهم مع الوالدين والمعلمات والصديقات ، بل وجدتهن أكثر استقراراًنفسياً وأحسن إيجابية من غيرهن ،

كما يحسن ربط الناشئ في أول تمييزه بالمسجد إذا كانذكرا؛ ليتعلم حسن السمت ويجد الصحبة الصالحة والقدوة الحسنة.


3) تعميقالإيمان بصفات الله تعالى:

يزداد جانب المراقبة لله سبحانه وتعالى باستشعار أنالله سبحانه وتعالى يسمعنا ويرانا ويعلم سرنا ونجوانا ويعلم خائنة الأعين وما تخفيالصدور. وبإشعار الناشئ أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ،وأنه محيط بالأشياء كلها ؛ لأنها تحت قدرته ، لا يمكن لشيء منها الخروج عنإرادته . ويمكن باستخدام الأدلة البديهية الفطرية للإقناع ، مثل الاستدلال علىوجود شيء غير مرئي بوجود دلائل مرئية أو حسية عليه ، ومثل أن إعادة الشيء أسهل منإيجاده لأول مرة ، ودلالة الصنعة على الصانع والأثر على المؤثر.

ويمكن استخدامالحقائق والمكتشفات العلمية الحديثة للإقناع وإيجاد الكتب التي تكشف عن حقائق علميةأوحيت إلى رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قبل أربعة عشر قرناً ما كان للإنسان أنيكتشفها وما كان للعلم أن يكشفها قبل هذه العصور ، مثل كتاب ( العلم يدعو للإيمان )الذي ألفه (كريس موريسون) رئيس أكاديمية العلوم ، كذلك كتب وأشرطة الإعجاز العلميللشيخ (عبد المجيد الزنداني ) إذن المبدأ التربوي الذي نستخلصه: إذا أردنا أننربي الإيمان القوي يجب أن تكون التربية أولاً بالعلم والتبصير بالأدلة العلمية، لامجرد التلقينات فحسب..
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبداً شاهدُ
وفي كل شئ لهآية تدل على أنه واحد

ولو لم يكن شاهد على خلق الله ووجوده إلا هذا الإنسانبعجائب تركيبته {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21


4) تكوين عاطفة إيمانية قوية دافعة إلى السلوك:

منأهم هذه العواطف في هذا الميدان: عاطفة الحب وعاطفة الخوف إذ إنهما من أكبر الدوافعو الحوافز التي يمكن استخدامها في عمل الخيرات وتنفيذ المأمورات وترك الشروروالمنهيات ، يقول الدكتور (الكسيس كارل) عن أثر هاتين العاطفتين في السلوك : [وليسسوى عاطفتين قادرتين على البناء ، هما عاطفة الحب وعاطفة الخوف ، فالحب وحده هو الذييملك القدرة على نسف الأسوار التي تتحصن أثرتنا من خلفها ، وفي وسعه أن يلهب فيناالحماس ويجعلنا نسير مبتهجين في طريق التضحية الأليم ؛ لأن التضحية أمر لابد منهللسمو بالحياة ، فحب الصغير لأمه هو الذي يدفعه إلى حب الاستقامة تبعاً لأمرها ،والمؤمن بدينه يخضع لأشق النظم الخلقية من أجل حبه لربه . . .
ولكن كيف نستطيع تكوينعاطفة الحب عند الأطفال؟هناك وسائل، منها:

·بيان حاجة الطفل الدائمة إلىالله ، على أساس أن الأمور والأرزاق بيده تعالى ، ويوضع نصب عينيه قول الله تعالى فيالحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.." الحديث[4.
وهذا يؤصِّل الالتجاء إلى الله وقت الشدة خاصة. ولهذا فهو يخافسطوته ويخاف عقابه وسخطه؛ بحيث يدعوه في وقت حاجته فلا يستجيب له، وهكذا يجمع فيقلبه حب الله ورجاءه وخوفه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِوَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا..} [الأنبياء:90

·من أعظم أساليب التربيةوأعمقها في النفوس : الجمع بين الترغيب والترهيب {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَاالْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [الحجر:49-50ولذلك لَمّا شب بين الناشئة ، بل والرجال ، على الجمع بين هذينالأمرين ؛ تكونت لديهم رقابة ذاتية لأنفسهم ، ومهما خلو بأنفسهم فإنهم لا يرونهاخالية ، حدَّث أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب وقد دخل حائطاً، فسمعته يقول ـوبيني وبينه جدار ـ: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ.. بخ.. والله لتتقين الله ياابن الخطاب أو ليعذبنك.


5) غرس حب النبي – صلى الله عليه وسلم – في نفسالناشئ:

ففي شمائل الرسول – صلى الله عليه وسلم – وجوانب سيرته صور دقيقة تدلعلى مزيد حرص الرسول على التحبب للناس، ومنها أنه "كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم،ويلاطفهم ويمازحهم وكذلك كان مع أصحابه كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام قام معهفلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يدهناوله إياها فلم ينزع يده منها حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده".

وعُلم من تحببهإلى ضعاف الناس أنه كانت تستوقفه الجارية في الطريق وتحدثه فما ينصرف حتى تكون هيالتي تنصرف. "وكان لا يقول لشيء لا، فإذا سُئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لميرد أن يفعل سكت".كما كان يخدم نفسه، ولهذا كان الرجل يأتي النبي – صلى اللهعليه وسلم – وهو لا يطيقه فما ينصرف حتى يكون رسول الله أحب إليه من كل أحد، فهذاعمرو بن العاص يحدِّث عن نفسه "..لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى اللهعليه وسلم مني" فلما رآه وتعامل معه وعرف حسن خلقه قال: "وما كان أحد أحب إلىَّ منرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منهإجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عينيمنه".


فإذا قرأ الناشئسيرته وعلم حرصه – صلى الله عليه وسلم – على هداية الناس وعلم شفاعته لهم، وعلم أنصلاحه وفلاحه و نجاحه مربوط باتِّباعه؛ استحيا أن يخالفه، وتكوّن لديه شعور بتأنيبالضمير عند معصيته.
قال صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لاتبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنّة مالا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر علىقلب بشر" (رواه مسلم . وعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: "... ولو طلعت امرأة مننساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها (يعنيخمارها) على رأسها خير من الدنيا وما فيها" (رواه البخاري ومسلم .


6) تحبيب الناشئ في الجنة ووعده بها، وتبغيضه للنار وتوعدهبها:

إن التوازن بين هذين الجانبين كفيلٌ بأن يجعل الناشئ دائم الرقابة لنفسه. فكيف يوصل إلى تقوية هذا الجانب؟ لابد للمربي من غرس المبادئ الفاضلة مع ربطهابالثواب بالجنة مع وصفها له وتقريبها إلى ذهنه؛ عن طريق قراءة وحفظ الآيات ونعيمها،وقراءة الأحاديث الصحيحة التي تصف الجنة، فأنت ترين أن الشباب إذا سافر بعضهم إلىبلاد ما، وذكروا لزملائهم ما رأوا من أنوع المتعة طار قلب المُحدَّث حتى تصبح رؤيةهذه البلاد هاجساً يُذلل له كل السبل والإمكانات مع الفرق بين الاثنين.
وكذلكإذا وصف زميل لزميله ما لقيه من عنت ومشقة وضرب في الحبس عند مخالفته أو تعديه علىحقوق الآخرين؛ فإن هذا المحدَّث يجد في نفسه خوفاً من رجل الشرطة مثلاً، فإذا همّبمخالفة تذكر ما قد يلقاه وما حدّثه به صاحبه. وفرقٌ بين المُحدِّثين وبينالمحَدَّث عنهما أيضاً، فأين باق من زائل؟ وأين شديد من هين؟ وأين ما يعقبه راحةمما يعقبه عذاب ونصب؟! ومما ورد في الجنة: قال تعالى: {جنَّاتُ عدنٍ مُفتّحةلهمُ الأبوَاب..} وقال صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من يتوضأ ثم يقول أشهد ألاّإله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله إلاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل منأيهما يشاء" (رواه مسلم).ومعنى الحديث: ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلغ أو يُسبغالوضوء ثم يقول: أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمد عبد الله ورسوله، إلاّ فُتحت لهأبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها يشاء. وساحة الفضل متسعة الأرجاء في ظل هذهالحقيقة، فأنى تلفّت المؤمن وجد موائد العطاء منصوبة، وما عليه إلاّ أن يُقبل بقلبهوعقله وجوارحه، ويأخذ نفسه بذلك الهدي. وما أكثر وأوفر مشاهد الفضل الكبير يومالقيامة لأولئك السعداء الموفقين.
ومن الحقائق التي لا يتمارى بها مؤمن: أن يظلالمرء على ذكر من يوم المعاد وما يكون فيه، وأن يكون لديه مع رجاء النجاة والفوزبجنة الخلد، والخوف من أن يُلقى يوم الحشر في العذاب المهين.وقد وجّه النبي صلىالله عليه وسلم أمته وسلك بهم سبيل النجاة، فطوبى لمن استنارت منهم البصائر فاهتدوابهديه صلى الله عليه وسلم. فقد كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الدعاء كما يعلمهمالسورة من القرآن."اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر،وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"، وكيف لا يتعوذالمؤمن من عذاب النار وهي على ما هي عليه كما جاءت نصوص الكتاب والسنة في شأنها وفيأحوال أهلها وما ينزل بهم من الأهوال و الشدائد؟! قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ...} [الفرقــان:65]. وقال سبحانه: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ..} [الصافات:62وفيالحديث: أن رسول الله تلا هذه الآية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ} ـ [الغاشية:6] ـ وقال: "اتقوا الله حق تُقاته،لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معاشهم، فكيف بمنيكون طعامه" (رواه أحمد والترمذي وابن حبان وابن ماجه). ومن ذلك ما روى البخاريعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءبالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحماربرحاه، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروفوتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (رواه البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي. إنه مشهدٌ مخيفٌ حقاً، وهو مشهدٌجديرٌ ـ وأيم والله ـ أن يتدبره العالم.وفي متابعة الرحلة مع الكلمة الهاديةالبانية ، في حديث المصطفى، التي تقف بالمسلم على صور من مشاهد يوم الفصل، قال صلىالله عليه وسلم:- "تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا و كذا.. تغلي منها الهوام كما تغلي منها القدور، يعرقون فيها على قدر خطاياهم، منهم من يبلغإلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرقلجماً" (رواه أحمد في مسنده. اللهم اجعلنا من أهل اليقين ، واسلك بنا سبيلالنجاة يوم الدين، بفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

إن التفاعل مع دلالاتالنصوص المشرقة، بما يحصل يوم القيامة، والإحاطة بتلك المشاهد العظام يجعل النفستديم الاجتهاد في تزكية النفس وجلاء القلوب. وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذاالمنهج القويم يترسمون خطاه، ويعملون به جادّين على صعيد الفرد والأسرة والجماعة،والعاملين بذلك لهم بشارة الفوز المبين؛ مصداقاً للحقيقة القرآنية التي لا بُعدعنها: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُالْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20


7) تعزيز شعور الحب، والبعد عنالقسوة، وإشباع العاطفة لدى الناشئ؛ فيستحي أن يُرى منه سوء:

روى البخاري ومسلمعن عائشة: قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبلون الصبيان؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة". وروىمسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله لنفسه قط بيده،ولا امرأة ولا خادماً، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم منصاحبه، إلاّ أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله". وعنها رضي الله عنهاقالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً فيالأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح" ( رواه الترمذي) ومعلوم أنالإنسان لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه حتى يكون عنده شعورٌ نحو أخيهبالمحبة.


إشعال فتيلة التفكير الذاتي الإبداعي:

بالاعتماد على النفس: إنها صفة تزرع في أعماق الذات الثقة بما يصدر عنها، والحب لما تسعى إليه، والصبرعلى عوائق الطريق، واستشراف المستقبل، والسعي إلى امتلاك مقود الحياة.إنالاعتماد على النفس أصل كل نجاح فاعل حقيقي، وإذا اتصف به أفراد الأمة فانتظروثبتها إلى جبال المعرفة والسبق.. والتجربة اليابانية شاهد قرن يُفصلالإجمال. يقول الشاعر:
وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا علىرجل
وذلك لأن الرجل الخدوم المكفول يعيش قرير العين، كسل الأعضاء, لا يستطيع أنيكون ذا قيمة في صنع الحياة؛ لما في نفسه من الدعة. لذا ينبغي تجنب الحمايةالزائدة للأولاد (الذكور) مما يجعلهم لا يتفاعلون مع المحيطين بهم من أقارب أوأصدقاء.. فيحرمون من النصح الذي يتولد نتيجة التجارب المحيطة. فلا تفريط ولا إفراط،و كما قيل: "التجربة خير أستاذ، لكن تكاليفها باهظة".


9) استخدام وسائلالتربية الوجدانية:

·ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالامتناع،

ومنأنواع الامتناع: الصوم عن الأكل والشرب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، والتقليل منالأكل والعادات الضارة والإفراط في الملذات. ومن هذا النوع الالتزام ببعض المبادئالأخلاقية، مثل محاولة التغلب على السلوك الفطري، كالتغلب على الغضب وكظم الغيظودفع الإساءة بالإحسان.

·ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالأعمالالإيجابية.. {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آلعمران: 92].
·ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالتحمل، والصبر ثلاثةأنواع: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المصيبة..{اصبِرُواوصابروا ورابِطُوا..} [آل عمران:200]، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].

·ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالالتزامات إزاء العهودوالمواثيق والأيمان والنذور، وذلك يؤدي إلى تقوية الإرادة من ناحيتين:
oالأولى: أن الالتزام يقتضي ضبط النفس وربط الإرادة وتركيزها على العمل الذي عقد العزم علىتنفيذه.
oالثاني: أن الإنسان كلما التزم بعهده ونفذ عملياً ما وعد بتنفيذه؛ أدىذلك إلى الشعور بقوة ذاتية ثمّ إلى قوة إرادية، لا سيما إذا ارتبطت الإرادة بمايعززها كوجود الغرامات أو الكفّارات.

·الوسائل الخاصة بانتفاضة الإرادةوإنقاذها في حالات ضعفها: بلا ريب فأن النفس لها أوقات تنهزم فيها وتضعف؛ فلابد من تقويتها وشحنها. ويمكن تقسيم وسائل الانتفاضة إلي قسمين:
oالأولى: قبلالسقوط، ومنها ما بيّن الله أن من عزم على فعل معصية ثم عدل ذلك تكتب له حسنة ولاتكتب له سيئة.
oالثانية: بعد السقوط لإنقاذ الإرادة من الاستسلام النهائي، وهذهالوسائل عاطفية ووجدانية..
الوسائل العاطفية: تقبيح الرذيلة والنفور منها {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنيَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا..} [الحجرات:12]، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَىإِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].الوسائلالوجدانية: التوبة، فلولا التوبة لماتت الإرادة الأخلاقية.

·الوسائلالنفسية الشعورية الإيحائية لتقوية الإرادة. ومن مصادر الإيحاء الذاتي لقوةالاعتزاز بالإيمان: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُجَمِيعًا..} [فاطر:10، وذلك معروف بالفطرة السليمة أو الفطرة التي لا تجد بدامن السلامة في حالة الضعف: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ..} [العنكبوت:65]. يقول وليم جيمس: "يعني القلق والاضطراب حين نرده إلي أبسط معانيهأن فينا جزءاً خاطئاً إن نظرنا إلى أنفسنا نظرةً طبيعيةً. ويعني العلاج أننا ننقذأنفسنا من هذا الخطأ بأن نعقد صلة بيننا وبين قوى عُليا". ونحن المسلمين نربط صلتنابمدبر الكون والقادر عليه.

·من وسائل تقويةالإرادة: الاهتمام بالصحة العامة وصحة الأعصاب خاصة "إني لأصوم وأفطر وأصلي وأرقدوأتزوج النساء".

·تقوية الإرادة بالعمل الفكري {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِاللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا..} [الأنعام:76]. وكيف أثر ذلك على إرادته.. {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِيفَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا…} [الأنعام:79] وإذا أخذ الإنسان الشيءبقناعة وإعمال فكر؛ فيستحيل أن يتخلى عنه.

10) التربية بالموعظة:
وذلك عنالطريق المباشر تارة، والطريق غير المباشر مثل القصص، لاسيما القصص التي تمثلواقعاً يعيشه، مع محاولة استثارة عواطفه ووجدانه.

كاتب المقال: د. رقية المحارب
المصدر: لها أون لاين

ليست هناك تعليقات: