الاثنين، 10 يناير 2011

"دوشونا.. وطلع نقبنا علي شونة"!!

بقلم : محمد أبو كريشة
أعترف بأنني اليوم لست في كامل لياقتي الذهنية.. ليس هناك سبب واضح.. لكن حالتي أو حالي تشبه رجلا فرغ لتوه من ضرب رأسه في الحائط بعد أن ظل سنوات يمارس نطح الحائط بلا انقطاع.. وهو الآن يشعر "بالدوخة" والإغماء ويفتقد التركيز ويعاني "الزغللة" وضبابية الرؤية.. لم يفقد البصر ولم يحتفظ به.. أو يشبه رجلا ظل يحفر بإبرة سنوات طويلة مثل الشيخ جلال في فيلم أمير الانتقام.. ظل يحفر ليخرج من سجنه الطويل المؤلم لكنه بعد عذاب السنين اكتشف انه حفر نفقا يوصله إلي الزنزانة المجاورة.. أو يشبه ذلك الذي ظل ينقب الجدار ليصل الكنز الذي خلفه فاكتشف بعد العناء أن نقبه علي "شونة" ليس فيها سوي التبن والقش.. وأن الكنز ليس سوي هشيم المحتظر.. هذه حالات صعبة جداً تؤدي إلي الترنح وتجعل أصحابها سكاري وما هم بسكاري.. يبدو صاحب أي حالة من تلك نصف حي ونصف ميت.. لا يخفف عنه العذاب ولا يقضي عليه ليموت.. كأنه في جهنم التي لا يموت فيها الأشقي ولا يحيا.. النقب علي شونة ومحاولة شق الجبل تجري بإبرة.. والجدار الذي نضرب فيه الرءوس لا يتململ بينما الرءوس تنزف.. وعلي كل رأس ألف بطحة.. "واللي علي راسه بطحة يحسس عليها".
أصابعنا تحت الأضراس لذلك لسنا أحرارا حتي لو ادعينا ذلك.. وعضة واحدة للأصابع المحشورة تحت أضراس من لا يرحم كفيلة بأن تجعلنا نرجع في كلامنا أو نتردد قبل أن نقوله.. ونحن نبدو في الظاهر أحرارا وصناديد ونقول ونتحرك ونكتب بحرية لكن أحداً لا يري أصابعنا تحت أضراس يمكن أن تطحننا بلا رحمة.. والصورة تكذب ألف مرة.. والمشهد أمام الأعين أن عدوك تحتك وانت جاثم علي صدره.. ولا أحد يتدخل لأنك في ظنهم الغالب والمنتصر.. ولا يري المارة أصابعك المحشورة بين أضراس عدوك.. ولا يرونه وهو يوسعك ضربا وانت فوقه.. ويسمعونك تقول: "إلحقوني يا عالم" ويضحكون فمن غير المعقول انك المغلوب وانت جاثم علي صدر عدوك.. بالتأكيد انت تمزح.. والنتيجة ان الناس يتدخلون في النهاية ولكن ضدك ويتعاطفون مع ذلك الذي تحتك وانت جاثم علي صدره.. وفي النهاية سيضربك الناس من فوق ويعض عدوك أصابعك المحشورة بين أضراسه من تحت.. وستصبح مطحونا بين شقي الرحي.. سيطحنك عدوك وعدو الناس وسيطحنك الناس الذين تدافع عنهم "وتروح فطيس".
"واللي ايده في المية موش زي اللي ايده في النار".. فالأيدي في النار والأصابع تحت الأضراس لذلك يصبح الحديث العربي عن الحرية والديمقراطية عبثيا.. "وحبة الحرية" التي ترونها في أمة العرب من أقصاها إلي أقصاها هي حرية من نسوا للحظة ان أصابعهم تحت الأضراس فساقوا فيها "وأخذتهم الجلالة بتاعة الممثلين" ولكنهم بعضة واحدة علي الأصابع يعودون إلي عبوديتهم.. فالعبودية في أمة العرب تغلغلت في الجينات وكرات الدم.. وهي موروثة منذ حكم المماليك الجلبان العبيد.. حتي الذين لم يتم حشر أصابعهم تحت الأضراس يتخيلون أصابعهم تحت الأضراس ويتقمصون دور "المعضوض" فيشعرون بالألم الوهمي كأنه حقيقي.. فالعربي ينفخ في الزبادي لأن جاره "اتلسع من الشوربة".. والعربي يخاف من جرة الحبل لأن صديقه عضته الحية.. وأصابعنا تحت الأضراس حقاً أو توهماً والنتيجة واحدة في الحالتين.. فالعربي يردد مثله السائر الذي يقول: "انج سعد فقد هلك سعيد".. وهو منهج زياد بن أبي سفيان في الحكم حيث كان يقول: والله لآخذن المحسن بذنب المسئ حتي يقول المرء لأخيه: انج سعد فقد هلك سعيد.
والناس في أمتي يأمنون بالعبودية ويخافون الحرية.. لأنهم يخافون الناس ولا يخافون الله.. ومن خاف الناس ولم يخش الله أخافه الله من كل شيء.. ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء.. من خاف الناس ولم يخش الله وجد أمنه في العبودية والذل والهوان.. ويكون قلبه في جناحي طائر.. يخاف جرة الحبل وينفخ في الزبادي.. ويعيش بهاجس المؤامرة.. ويظن أن الكل يتربص به ويترصد له.. والخوف من البشر وانعدام الخوف من الله هو الذي جعل العرب في حالة هذيان بالمؤامرة والتآمر والكيد والزنب والمهاميز والبمب والدس.. هو الذي جعل كل كلمة لها معنيان.. لذلك يكثر سؤالنا التقليدي لبعضنا: "تقصد ايه بالضبط؟".
والخوف رذيلة عربية أصيلة لكنه ليس خوفا من الله لأن الخوف من الله فضيلة.. والحديث عن الحرية في ظل تغلغل الخوف في جينات العربي حديث عبثي "هجاص".. لأن العربي أوتي رذيلة أقنعته بأن أمنه وسلامته في خوفه فهو يقول: "من خاف سلم".. وقد حذف من المثل لفظ الجلالة لان الأصل في هذا القول: "من خاف الله سلم".. لكن العربي جعل السلامة والأمان والأمن في خوفه من كل شيء إلا الله عز وجل فنحن نري جرأة في الباطل ونري جبنا في الحق.. نري حرية التطاول علي الدين وعلي الأنبياء والرسل والصحابة.. بل علي الله عز وجل.. ولا نري معشار أو مثقال ذرة من هذه الجرأة علي مسئول صغير "بتلاتة مليم".. وهذا هو الاستدراج الذي تحدث عنه القرآن الكريم: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون".. الاستدراج بالشجاعة في الباطل والنكوص والجبن في الحق.. الحرية في الجنس والإباحية والرذائل والعبودية والذل في الحق والصدق.
ومن الاستدراج أن نبالغ حتي الانفلات حين نطمع في رحمة الله وغفرانه.. ولا نجد في قلوبنا ذرة خوف من عقابه وبطشه مع ان الخوف مقدم علي الطمع في الدعاء والعبادة والعلاقة بالله.. "يدعون ربهم خوفا وطمعا".. والعبودية هي التي تجعلنا نبيع بالرخيص.. نبيع أصواتنا وارادتنا ونشهد الزور ونشيل القضايا نيابة عن الأسياد.. ونبيع لحمنا وأعضاءنا ومواقفنا.. ونرضي الدنية في قضايانا وشرفنا وأعراضنا.. العبودية تجعلنا نخاف من كل شيء حتي إذا كان وهمياً.. نحن لا نثق بالله لذلك نتحدث كثيرا عن ضرورة أن نأكل العيش بالجبن.. ونتحدث أكثر عن لقمة عيشنا ورزقنا ورزق عيالنا.. وضرورة المشي "جنب الحيط".. وان عندنا عيالا "عايزين نربيهم".
لا أستطيع أن أصدق أن هناك عربيا حراً حتي لو ملأ الدنيا ضجيجا ومظاهرات وجعجعة بلا طحن فالعربي أدمن حشر أصابعه بارادته بين أضراس أي سيد.. ونحن نتصارع علي مواقعنا في طابور العبودية لا علي مواقعنا في طابور السيادة والحرية.. "وحياة أبوك" يا صديقي د. أسامة حجازي المسدي ويا صديقي عماد سعيد حزين وياكل أصدقائي.. انظروا في الجهات الأصلية العربية وسترونها جهات غير أصلية ولا أصيلة.. تابعوا كل المعارك والصراعات وستجدون انها معارك علي العبودية لا علي السيادة.. وسباقات علي الذل لا علي العزة.. من يكون عبداً أكثر.. من يكون كلبا تابعا للسيد أكثر.. في الداخل العربي صراعات علي عظام يرميها السيد للكلاب.. لذلك أصبح كل شيء رخيصا ولا يستحق الصراع بين أناس في قلوبهم ذرة عزة نفس.. لكنه صراع العبيد علي فتات السادة وبقايا موائدهم.. صراع العبيد وهم يسقون بعد أن يصدر الرعاء ويتعكر الماء.. تطاحن علي الزبالة والقمامة.. وفي الداخل العربي لا يوجد سادة لكنني أستخدم التعبير مجازاً.. فالسيد الذي يرمي الفتات لمن دونه.. هو عبد لمن فوقه وينتظر فتاته وبقاياه.. والمواقع في أمة العرب يتولاها من يحسن العبودية أكثر ومن يجيد الذل والهوان أكثر.. فالتراتبية في الأقدار لدي العرب هي تراتبية في العبودية لا في السيادة.. والموظفون العرب الكبار لابد أن يكونوا صغار النفوس مسحوقي الارادة.. لذلك لا تصدقوا عبدا يدعو للحرية.. ولا ذليلا يدعو للعزة ولا محتل الإرادة يدعو للاستقلال.. فكثيرا ما يجند السيد عبيده ليهتفوا ضده كما جندهم ليهتفوا له.. والهتاف والتصفيق الحاد المتصل في أمة العرب مهنة ووظيفة للعبيد سواء كان هتافا مع أو هتافا ضد.. لكن لا تبحثوا عن عربي مؤمن بقضية ومخلص لهدف.. "وساعة البطون والفروج تتوه العقول وتضيع الحرية" وإذا كان السيد "يتربط من لسانه" فإن العبد "يتربط من بطنه وفرجه" وأصابعه المحشورة بين الأضراس.
* * *
وإذا تركنا الداخل العربي ونظرنا أبعد علي مستوي علاقات العرب بدول العالم فسنجد نفس السيناريو.. فلا توجد دولة عربية مستقلة وذات سيادة.. بل ان الدول العربية لا تطيق السيادة وتكره التحرر والاستقلال ولا يغرنك حديث العبيد عن السيادة فهو حديث "الجوعان الذي يحلم بسوق العيش" ولا تنخدع بحديث الأذلاء عن العزة فهو حديث الأعمي الذي يحلم بقفة عيون.. وهناك كما قلنا تناسب عكسي بين الشعارات والمضامين.. فكلما علا صوت الشعار خفت صوت المضمون وكلما ارتفع الشعار تدني وهبط المضمون.. فالعرب علي مستوي الأفراد والدول يجدون أمنهم في التبعية ويسمون احتلال العراق تحريرا.. حتي الذين يثورون ويدعون أن لهم حقوقا يطالبون بها إنما يثورون ثورة العبيد فتراهم يتقوون بالخارج ويتبنون أجندات خارجية ويأتون إلي كراسي القمة محمولين علي دبابات السيد الغربي.. حتي الذين يدعون إلي الاستنارة والتنوير بهدم القيم والثوابت والدين.. لا يفعلون ذلك لانهم أحرار وسادة ولكن لأنهم مرتزقة وعبيد قبضوا من السيد من أجل "تبويظ الوطن وإلقاء مائة كرسي في أي كلوب".. فالعبيد يملك ارادتهم ورقابهم من يدفع.. وهم ليست لهم شروط في السيد.. ويستوي عندهم أن يكون من جلدتهم أو من عدوهم.. ويقال إن العبيد وحدهم هم الذين ليس لهم أعداء لأنهم أحقر من أن يعاديهم أحد.. ولأنهم لا يفرضون أي شروط في السيد الذي يملك الرقاب.. وفكرة الوطن والأمة وكل الأفكار والقضايا العامة والمجردة ليس لها وجود في رءوس العبيد لأن وطن العبد الذليل التابع بطنه وأمته فرجه وأمنه في خوفه وحياته وعزته في ذله.
والعرب درجات في العبودية وليسوا درجات في السيادة.. والذي يتقوي بسيد في الداخل يتساوي في العبودية مع الذي يتقوي بسيد من الخارج.. والعبيد علي درجاتهم تجمعهم لغة مشتركة.. لا تختلف بين صاحب الموقع الكبير وصاحب الموقع الصغير.. لذلك توحدت مفردات لغة العبودية بين الزبالين والمكوجية وسائقي الميكروباص والإعلاميين والصحفيين والمحامين والقضاة والأطباء ورجال الأعمال.. توحدت مفردات اللغة بين النخبة والسوقة لان الاختلاف في درجة العبودية لا بين سادة وعبيد فالكل عبيد مع اختلاف الموقع.. هناك عبيد في القصور وعبيد في الحقول.. عبيد يربطون الحمار "مطرح ما يقول صاحبه".. وعبيد "يدعكون ضهر" السيد في الحمام.. عبيد في الحرملك.. وعبيد علي البوابة.. وعبيد للعيال "يودوهم المدرسة".. وعبيد يتولون أمر "زكزوكة.. اتفسحي يازكزوكة.. اتفسحي يا بكبوكة".. "عبيد البيه.. وعبيد ابن البيه وعبيد كلب البيه".
ومادام الأمر كذلك فإن المفردات واللغة لابد أن تكون مشتركة.. لقمة عيشي.. رزقي ورزق عيالي.. والعبيد لا يتحدثون عن آرائهم لكنهم يقولون: "البيه قال البيه عايز كده البيه بيقولك وأنا مالي ياعم أنا عبدالمأمور لو موش عاجبك روح قل له انت عايز تودينا في داهية".
وانت تستطيع أن تلعن سلسفيل أمريكا داخل أمريكا لكنك لا تستطيع أن تنتقد أمريكا في أي دولة عربية.. وهذا هو منطق العبيد الذين يخافون من جرة الحبل وينفخون في الزبادي.
* * *
والتحرر لا يكون بالنوايا وبالدعوات الصالحات ولكن بادراك المرء أولا انه عبد.. والعزة لا تتحقق إلا بادراك المرء أو الشعب انه ذليل.. والاستقلال لا يتحقق إلا بوعي الدول انها محتلة. لكن العرب بلغت بهم الحالة المرضية المستعصية حد مقاومة التحرر.. ورفض الاستقلال والتمسك بالعبودية لانهم لم يعرفوا معني الحرية.. والعبيد كما قلت لك يتحاسدون علي درجات العبودية.. فعبد الكلب يحسد عبدالهانم.. وعبد الهانم يحسد عبد "البيه".. وعبد الحقل يحقد علي عبدالقصر.. وعبدالحمام ودورة المياه.. يأكله الغيظ من عبدالمطبخ.. لذلك تكثر "الزنب والمهاميز والدس" بين العبيد.. كل يريد أن يأخذ مكان الآخر ودرجته الأعلي في سلم العبودية.. لذلك كله تراني في غاية القرف وفاقدا للياقتي الذهنية لأنني خارج لتوي من مباراة ضرب رأسي في الحائط وكان الفوز للحائط.. فلا تصدقوا جعجعة العبيد لأنها بلا طحن.. ولا تصدقوا هتافات العبيد للحرية.. "فالعرب صدعونا ودوشونا.. وأخرتها طلع نقبنا علي شونة!!".
نظرة
لا جدوي من الحوار مع أي عربي لأن العرب يتحاورون لقتل الوقت والمنظرة لا لأنهم مهمومون بقضايا أو مسكونون بأوجاع الأمة.. والعربي عندما يريد انهاء الحوار يوجه دفته إلي دهاليز وطرق فرعية لتتوه القضية الأساسية ولا نعرف من أين بدأنا.. أو يلجأ إلي المزاح والاستظراف لافقاد الموضوع قيمته مثل ذلك الذي راح يتحدث عن المقاومة الفلسطينية بوصفها عبثا وانتحارا.. "وذلك عندما كانت هناك مقاومة".. ومضي يخطب حول حقن الدماء والحفاظ علي الأرواح وعدم إلقاء النفس في التهلكة.. فقلت له: نحن ميتون ميتون.. وعلي المرء إذا أراد أن يختار طريقة موته.. هناك من يموت في بلاعة المجاري.. وهناك من يموت في ميدان الشرف والقتال.. وياسيدي العمر واحد.. فلما علم أن النقاش سيتحول إلي الجدية قال: "ما هي المشكلة أن العمر واحد.. ياريته كان اتنين ولا تلاتة"!!!

ليست هناك تعليقات: