الاثنين، 1 مارس 2010

ضرب الزوجات بين الشرع ووهم العادات

ضرب الزوجات بين الشرع ووهم العادات
أجرى التحقيق : أسامة الهتيمي
27/12/2009

على الرغم من أن ظاهرة ضرب الأزواج لزوجاتهم ليست متفشية في العالم العربي والإسلامي فحسب إذ هي تمتد إلى غيره من الدول الغربية والآسيوية والإفريقية إلا أن ثمة إصرار من قبل البعض على أن حصرها في العالم الإسلامي في محاولة لتشويه صورة التشريع الإسلامي الذي اعتبر هذا النوع من الضرب أحد أشكال العقاب التي يمكن أن يوقعها الزوج على زوجته في حالة خاصة.
وتجاهل هؤلاء جهلا أو عمدا تلك الشروط والظروف التي اشترطتها الشريعة الإسلامية لممارسة هذا الحق كما تجاهلوا الكيفية التي يكون عليها والتي بتطبيقها لا يتطابق مفهوم الضرب المقصود في الإسلام مع الانطباع العام عن مفهوم الضرب المطلق.
في هذا الإطار أجرى موقع "وفاء" هذا التحقيق مع مجموعة من العلماء والكتاب حول مفهوم العقاب في الإسلام وما هي الحكمة من وراء تشريع الضرب كعقاب يمارسه الزوج على زوجته؟
فهم خاطئ
في البداية يقول الأستاذ الدكتور "محمود عمارة"، عضو مجمع البحوث الإسلامية ،وصاحب كتاب "تحرير المرأة من أوهام المتجاهلين"،: إن بعض المتسرعين يظن خطأ أن حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم القائل فيه: "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته " والذي راوه ابن ماجه يعني أن الرجل له الحق المطلق في ضرب زوجته إلى الحد الذي لا يجوز لأحد أن يسأله عن سبب ضربه لها لأن ذلك يعتبر تدخلا في شئونه الداخلية فله أن يضربها متى شاء ولا يُسأل عما يفعل وهذا فهم خاطئ إذ يجب أن يدرك هؤلاء أن الضرب في الإسلام وسيلة من وسائل التأديب التي حدد الإسلام كل ما يتعلق به حدد آلته وكيفيته ومكانه وزمانه أما آلته فهي حزمة من النبات الأخضر أو قضيب من شجر الأراك فهو في حجمه قريب من الأصبع الوسطى وأما كيفيته فهي الضرب غير المبرح أي الهين الذي لا يكسر عضوا ولا يحدث تشوها وهو بطبيعته لن يؤدي إلى ذلك مطلقا لأن آلته البسيطة تنبه فقط حتى لا يتكرر الخطأ وأما مكانه فيجب تجنب الوجه الذي هو أكرم ما في الإنسان وحتى تظل المرأة مقبولة الشكل صالحة – لو تم الطلاق – صالحة لأن تكون زوجة لآخر.. وأما عدد الضربات المشروعة فقد قرر العلماء أنها لا تتعدى الثلاث.
وأضاف الدكتور عمارة أن ضرب الزوج للزوجة لا يكون إلا عند الضرورة القصوى لأنه ليس الوسيلة الوحيدة للعقاب وإنما هو مسبوق بوعظ الزوجة بالكلمة الطيبة فإن لم تفلح الزوجة بالكلمة الطيبة هجرها وبالذات في الفراش كسرا لسلاح الأنوثة حتى تعود إلى صوابها فإن لم تجبرها هاتان الوسيلتان كان الضرب هو العلاج الاخير ولكنه الضرب لا بآلة حادة ولا بقبضة اليد.
وشدد الدكتور عمارة على أن الإسلام الذي يعطي الرجل حق الضرب بضوابطه السابقة هو نفسه الذي ما يفتأ يعلن أن الأخيار من الأزواج من شأنهم أن تمنعهم خيريتهم من الضرب لانه وسيلة العاجز وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "... ولن يضرب خياركم" وقوله " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم" راوه البخاري..ويعني ذلك أن الإسلام إذا أباح الضرب عدلا فإنه يبغض الأزواج فيه فضلا تحريضا للرجل على العفو ابتداء ثم استبعاد الضرب من قائمة وسائل التأديب ليكون فقط آخر الدواء إذ دعت إليه الضرورة الملحة وليكن التهذيب لا للتعذيب وهذا هو مسلك الأخيار من الأبرار وإلا فهل يقبل ذوق الإنسان أن يضرب زوجته فيعكر مزاجها ثم يدعوها إلى المباشرة في وقت لا يكون هذا المزاج فيه قابلا لهذا التضارب الغشوم؟
وأشار الدكتور عمارة إلى أن الإسلام أباح ضرب الزوجة في حالتين:
الأولى: إذا امتنعت الزوجة عن تلبية رغبة زوجها الجنسية ولم يكن لديها عذر شرعي أما إذا امتنعت عن خدمة البيت ففي المسألة خلاف.
والثانية: إذا تمردت المرأة أو نشزت وشكلت تحت سقف البيت دولة داخل الدولة أو صارت مركز قوة يهدد البيت بالخطر أي إذا صار امتناعها إباء وكبر وقد روي البيهقي في ذلك عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنهما "كان الرجال نهوا عن ضرب النساء..ثم شكوهن – أي الرجال – إلى رسول الله – صلى الله علي وسلم - بأنهن تمردن عليهم حتى قال عمر رضي الله عنه يارسول الله ذئر النساء (تجرأن) على أزواجهن فخل بينهم وبين ضربهن.. ثم قال: ولن يضرب خياركم".
وقال الدكتورعمارة إن هذا الحديث دليل على أن المرأة في بؤرة الشعور والقيادة المؤمنة ساهرة على صيانة كرامتها فلما تمادى بعض الرجال في الضرب تدخلت الدولة فنهت عن ذلك حماية للنساء من سوء استغلال الضرب كحق من حقوق الزوج فلما تمرد النساء تمردا يشبه التحدي عادت الوسيلة التي تجئ في أوانها وبضوابطها التي ذكرناها وإذن فالضرب رخصة وليس عزيمة ويكره كراهة تحريم التعدي فيه والإسراف.
نشوز الرجل
ويقول الأستاذ الدكتور "جمال الدين محمود"، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف،: إن ما نشاهده اليوم من صور شاذة في بعض المجتمعات الإسلامية في معاملة المرأة هو تقليد لمجتمعات غربية أو إستجابة لعادات اجتماعية غريبة عن الإسلام والمسلمين إذ تكشف لنا عشرات الاحاديث النبوية الشريفة في وضوح عن أدب الحياة الزوجية في الإسلام وتبين لنا معنى قول الله تعالى "وعاشروهن بالعروف" وهو تراث غني وله قيمته التشريعية إذ أنه يشكل عقل المسلم ووجدانه في موضوع العلاقة الزوجية والأسرة.
وأضاف فضيلته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" والرسول يكون "في مهنة أهله" أي يعاون أهله في أعمال البيت فيخيط ثوبه ويخصف نعله والرسول يسمع لزوجاته وهن يكثرن عليه الطلب ويرفعن الصوت أمامه والرسول يطلب إلى الزوج أن يترك حظه من الجهاد لكي يرافق زوجته في الحج ويعفي عثمان ابن عفان زوج ابنته من الجهاد لكي يظل ساهرا وراعيا لزوجته المريضة ابنه الرسول وينصح الرسول الأزواج بأن يتركوا للزوجة وقتا تتهيأ فيه للقاء الزوج حين يقدم من سفر فلا يطرق بيته ليلا دون علم الزوجة ويودع الرسول إحدى زوجاته حتى يسير معها في طريقها إلى بيتها ويضع ركبته حتى تصعد عليها زوجته لكي تركب البعير.
وأكد الدكتور جمال الدين أن المسلمين يستطيعوا أن يقولوا بحق إنه ليس في التراث الديني لأمة من الأمم مثل القواعد التي وضعها الإسلام للتعامل مع المرأة – أما وابنة وأختا وزوجة – وهي قواعد تشريعية فيما يتعلق بالحقوق والواجبات وهي أيضا قواعد خلقية واجتماعية فيما يتعلق بأداب الزواج والمعاشرة الزوجية في الإسلام والمقارنة في مجال الأسرة ووضع المرأة بين الشعوب الإسلامية وبين الشعوب الغربية التي تمثل الحضارة الغربية الحديثة.
وأوضح فضيلته أنه وبناء على ماسبق فإنه إذا لم يستطع الزوج المسلم أو الزوجة المسلمة أن يلتزم ما شرع الله فيما أعطاه لكل منهما من حقوق وما فرضه عليه من واجبات فإن الزوج يستطيع أن يقوم بتوجيه الزوجة ووعظها.. والوعظ والإرشاد ينبغي أن يكون بالقول الحسن وهي قاعدة الإسلام العامة في الدعوة إلى سبيل الله في كل مجالات الحياة ويستطيع الزوج أن يعرض عن زوجته بعض الوقت يهجرها في البيت وأقصى ما يصل إليه سلطان الزوج أن يكون له تأديب الزوجة بغير أن يهين كرامتها أو يضر بها جسديا أو نفسيا فالإضرار بالزوجة محرم قطعا وما ذكره القرآن في شأن المرأة التي يخشى نشوزها من وسائل الإصلاح قاصر على الهدف وهو إصلاح حالها وليس معناه إنزال عقوبة بدنية أو نفسية.
وقال فضيلته إن الإصلاح بالوعظ والإعراض يصلح لإرشاد المخطئ من الرجال والنساء كما أن المساس بالبدن ولو في أدنى الدرجات وأقلها وأهونها مما يخافه الناس ويحذرون منه وذلك ورد ضمن وسائل الإصلاح من غير أن يكون أسلوبا في المعاشرة أو طريقا للإيذاء ومن الواجب أن نذكر النساء اللواتي يجعلن المرأة مثلا لهن في حريتها وخروجها على طاعة زوجها بأن مئات الجمعيات قد تألفت في بلاد غنية كثيرة مثل فرنسا وألمانيا وإنجلترا بهدف الدفاع عن الزوجات اللاتي يتعرضن لاعتداء عليهن بالضرب المبرح من الأزواج والرجل المسلم مأمور بألا يهين الزوجة أو يضر بها جسديا أو نفسيا حتى وإن كان تحت دعوى المخالفة أو العصيان إذ لا يفرض الإسلام على الزوجة أن تحتمل الاعتداء عليها وإهانتها وإيقاع الضرر بها فإذا حدث ذلك من الزوج كان للزوجة في الإسلام مخرج من ذلك فالنشوز قد يكون من الزوج يقول الله تعالى " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير" أي خير من الفراق حتى لا تتضرر الزوجة أكثر بفراق زوجها ويعني ذلك أن تتصالح المرأة مع زوجها والصلح من طبيعته أن ينزل كل طرف عن جانب من حقه.
العبرة بالشرع
أما الناشط الحقوقي الإسلامي "أبو المعالي فائق" فأشار إلى أن العقاب فى الإسلام لم يكن بغرض التنكيل أو بغرض فرض الرأى بالقوة وبخاصة فيما يتعلق بعقاب المرأة (الزوجة) إذا جاز لنا أن نقول إنه عقاب فالعقاب دائما ما يأتى عقب جريمة تم ارتكابها لكن في حال ضرب الزوج لزوجته فإن ذلك يكون توجيها وتأديبا من منطلق الرؤية الإسلامية التي أعطت الحق للرجل الحق في ذلك بصفته القيم على الأسرة وبخاصة المرأة حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "الرجال قوامون على النساء".
وقال فائق: "لكن يخطئ من يظن أن هذا التصريح يعطى للرجل الحق فى التنكيل بالمرأة بحجة تأديبها وأيضا يخطئ من يظن أن الدين الإسلامى قد يكون محرضا على انتهاك حق المرأة كما يروج البعض من العلمانيين الذين يريدون أن يحذفوا من قاموس البشرية كلمة "دين" لا سيما الدين الإسلامى كما أن هناك إشكالية كبيرة وقع فيها البعض خاصة فى بعض المجتمعات العربية حيث خلط البعض بين الدين والعادات والأعراف في النظرة إلى المرأة ومن ذلك مسألة ضرب الزوجات التي يتوسع فيها البعض بدرجة لا علاقة لها بالدين مع أن الله عز وجل حينما ذكر قضية ضرب الزوجة إنما أراد الاستقرار للحياة الزوجية قبل استفحال الأخطاء ومن ثم الوصول إلى "الطلاق" ولم يكن الضرب هو الوسيلة الوحيدة لعملية التقويم بل سبقه وسائل أخرى كالموعظة الحسنة والهجر وهذا فى حالة النشوز ويكون الضرب غير مبرح.
وأضاف فائق أن العبرة في هذه المسألة ليس بما يفعله المسلمون إنما بما جاء فى القرآن والسنة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح " رواه مسلم ..فحينما يأتى إنسان تربى فى بيئة لا تفرق بين المرأة التى هى أرق مخلوق وبين الحيوانات التى يرعاها ويتعامل معها بقسوة فى حالة ضربها فلا يمكننا أن نلقى باللوم على الإسلام بسبب بعض هؤلاء الذين خالفوا النصوص الشرعية فى عملية التأديب..فالتأديب ليس هو الجلد بالسوط أو البطش باليد أو الركل بالقدم إنما يلجأ لهذا الأسلوب من فقدوا الحس الإنسانى وهؤلاء وأمثالهم كانوا سببا فى تهجم المتربصين بالإسلام واتخذوهم ذريعة فى الهجوم غير المبرر على الإسلام.
وتساءل فائق ..أيهما أفضل للأسرة المسلمة أن يكون هناك بعض الضرب الخفيف ولو بعودٍ من أراك (السواك) الذى قد يتحول إلى مداعبة بين الطرفين لكنه فى نفس الوقت يشعر الزوجة بالغضب تجاه زوجته الأمر الذى يجعلها تعود إلى جادة الصواب هل هذا أفضل أم أن يتهور الرجل فى لحظة غضب ومن ثم يلقى يمين الطلاق الأمر الذى يهدد كيان الأسرة المسلمة؟.
وقال فائق إنه وحتى يلتزم الناس بتطبيق الشرع فى قضية الضرب فعلى علماء الأمة أن يبينوا للناس الكيفية الحقيقية لعملية الضرب التى تشبه المزاح بين طرفين وليس كمبارزة بالسكاكين أو العصى ولا يكون هذا التبيان فقط عن طريق الإجابة على بعض الأسئلة إنما يكون عن طريق وضع برامج مختلفة وبخاصة فى الأماكن التى يغلب عليها الطابع الجاف أو الريفى أو المناطق التى لا تتمتع باقتصاديات تسمح لهم بمعيشة بعيدا عن التوتر النفسى وقبل أن تصل الأمور إلى مرحلة الضرب على الطرفين أن يتبعا سنة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فى قضية الاختيار فى التدقيق فى المرأة التى ستكون أمّا لأولاده وأيضا المرأة تدقق فى اختيار الرجل الذى إذا أحبها أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها وتلك نظرية تصلح للعالم أجمع ولكل الأديان والمذاهب والملل والنحل وتغنى الجميع عن الوصول لمرحلة الضرب..أى أنواع الضرب .
ويتفق الدكتور "إمام عبد الله"، (دكتوراة الفلسفة الإسلامية) ، مع ما ذهب إليه الأستاذ فائق من أن ضرب الزوجة حق شرعي للزوج إذ هو ثابت بالقرآن الكريم حيث يقول الله تعالى:"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34)"النساء.. وذلك في حال خرجت عن طاعته فحق الطاعة ثابت فيما لا يخالف الشرع.
وأضاف الدكتور "عبد الله" أن للرجل حقوق على الزوجة إذا خالفتها فإنها تكون في هذه الحالة ناشزا ومن ثم تستحق العقاب الذي تحدثت عنه الأية الكريمة ومن هذه الحقوق:
1- حق الطاعة وهو حق مقيد وغير مطلق في الشريعة.
2- حق القرار في البيت وهو الآخر مقيد فلا يجوز للزوج حبس زوجته فلا تخرج مطلقا.
3- حفظ مال الزوج.
4- حق التأديب.
5- خدمة الزوجة لزوجها.
6- حق الصحبة والقرار في البلد والمكان الذي به الزوج.
7- حق حفظ العرض وأن لا تأذن لأحد في البيت إلا من بعد إذنه.
وأكد الدكتور عبد الله أنه ليس ممن يشجع الزوج على تأديب زوجته بالضرب حتي ولو استنفد كل الوسائل الأخرى فالزمان تغير والنساء أصبحن يفضلن هجر منزل الزوجية وطلب الخلع لأدنى الأسباب وقبل أن يتطور أمر التأديب إلى الضرب. وأشار الدكتور عبد الله إلى أن الجهلاء الذين يلجأون للضرب ويفرطون في استخدام هذا الحق فهم يخالفون بذلك الشريعة الإسلامية وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك لأنهم يسرعون من خراب البيوت لأنهم يتعاملون مع المرأة بطريقة تحول المودة والرحمة إلى نزاع وشجار وغيره مما هو ضد مقصود الشرع الحنيف.
وقال الدكتور عبد الله إن هناك حقوقا مشتركة بين الزوجين إن التزما بها صحت العشرة ودامت الزوجية مثل حق حسن العشرة وحق حل الاستمتاع وثبوت النسب وحق التوارث بين الزوجين ...ولذلك لا زوجية مع إساءة كل طرف للطرف الآخر أو مع الشك فيه او مع ابتزازه أو اضطهاده أو احتقاره أو الإساءة إلى أهله أو أفكاره أو الاستهانة بآرائه وهكذا فالبيوت تخرب إذا أسقط أحد الطرفين حق الله في معاملته للطرف الآخر.
وأكد الدكتور عبد الله أن المشكلة الحقيقية بشأن هذه القضية هي تحول الشرع عند البعض إلى عرف والعرف إلى شرع فهنا تختلط الأمور وتتعدد المرجعيات ويراعي كل طرف من الأطراف عادات اجتماعية وسلوكيات بيئية ليست من الشرع ولم ينزل الله بها من سلطان وعندما تقع مشكلة نجد هؤلاء يلجأون للدين ليحل مشاكلهم الزوجية
عملية قمعية
من جانبه يقول الداعية الإسلامي المعروف الشيخ "محمد مسعد ياقوت"، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، إنه إذا نشزت الزوجة وصدر منها ما يُغضب الله ـ تعالى - كان على الرجل أن أن يتخذ الإجراء الشرعي الحكيم وأن يتدرج فيه كما قال الله ـ تعالى ـ : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } النساء34
فالواجب على الرجل أن يستخدم في البداية الوعظ والتذكير بالله والتخويف من عقابه فإن لم تجدِ المواعظ ولم تفلح الزواجر فاللجوء إلى الهجر في الفراش فإن فشل الهجران فاللجوء إلى الضرب غير المبرح ولكن ينبغي استخدام المرحلتين الأوليين جيدًا مرة ومرة قبل الشروع في الضرب غير المبرح.
أما المرحلة الأخيرة فهي إحضار حكما من أقاربه وحكمًا من أقاربها والاجتماع من أجل الإصلاح ووضع النقاط على الحروف والاتفاق على أسلوب جديد للحياة الزوجية ... {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }النساء35
فيما يقول "محمد أمين" ، الباحث في الشئون الخليجية ، : إن ظاهرة ضرب الأزواج لزوجاتهم تعد في بعض الأحيان التي فيها تجاوز عملية قمعية وتصل إلى حد الإرهاب الأسري إن جاز لنا التعبير، فالعشرة بالمعروف والمودة التي تحكم علاقة الزوجين داخل الأسرة الواحدة بالتأكيد يهدمها العنف والركل والسب والضرب، فكيف للزوج أن ينال احترام زوجته إذا أقدم في يوم من الأيام على ضربها وإهانتها، أو كيف للزوجة أن تحمل بين قلبها مشاعر لزوجها وهي التي قاست منه ويلات الضرب والإهانة، خاصة أن الأمر بات أمرا مستساغا في مجتمعاتنا وأصبح تناول مثل تلك الأخبار عادة يومية.
وأضاف أمين أن قضية ضرب الأزواج لزوجاتهم فيها خلط بين الشرع والعرف، فنجد أن الرجال دائما يلوحون بورقة "فاضربوهن" ويرفعون شعار أنها رخصة شرعية لممارسة حقهن في تأديب زوجاتهن ناسين أو متعمدين النسيان أن الضرب الذي يقصده الشرع بعيد تماما عما نشاهده هذه الأيام، فالضرب المقصود في الشرع هو ضرب "عتاب وليس ضرب عقاب" بمعنى أن يؤدي الهدف المرجو منه بدون أن يتسبب في مشاعر سلبية وجرح وإهانة الزوجة.
وأوضح أمين أن العرف يتعلق بإرثنا المقيت من تعاملنا مع المرأة بعدوانية خوفا من "انفلات عيارها"، ولك في أمثالنا الشعبية الكثير والكثير الذي يدلل على وجهة النظر السابقة ومنها على سبيل المثال "اضرب المدام تعاملك باحترام"، فكيف لأناس تربوا في مجتمعاتهم على هذه الثقافة أن تطالبهم باحترام المرأة أو حتى تطالبهم بوأد ثقافة العنف ضدها، فهو في أصالة نفسه تربى على أن العنف ضد المرأة أمر مقبول شرعا وعرفا، فما بالك إذا كانت هذه المرأة زوجته وله مطلق الحق في فرض سيطرته عليها وفقا لفهمه المحدود لأمور الشرع.
وأوضح أمين أن القضية لها أبعاد كثيرة جدا لا تقف عند حدود ضرب زوج لزوجته وفقط وإنما الأمر لها أبعاد ثقافية واجتماعية وشرعية فهو يحتاج إلى إعادة هيكلة للمنظومة التي تحكم علاقة الرجل والمرأة داخل المجتمع مع التأكيد على أنه إذا التزمنا بحدود شرعنا الإسلامي الحنيف فلن نجد مشكلات من هذا القبيل. مع مراعاة التأكيد على أنه مهما كانت الدوافع التي قادت الزوج إلى ضرب زوجته ضربا مبرحا غير منضبط بالضوابط الشرعية فإنها غير مبررة على الإطلاق، فليس معنى مرورك بضائقة مالية أو ظروف اقتصادية صعبة أن تمتلك رخصة ضرب زوجتك، فمن الحكمة أن تجعلها شريكة لك لا أن تحولها عداوة، والأمر في ذات الأمر يحتاج إلى فهم واسع من الزوجة لطبيعة أزواجهن ومتى يغضبون ومتى يضحكون حتى تتفادى على الأقل تصرف خاطئ منه في لحظة غضب.

http://www.wafa.com.sa/contents/173