الأربعاء، 26 يناير 2011

الغضب المصري

في يوم الغضب المصري 25 يناير 2011 أدركت فجأة أني لم أعد شابا، لقد بلغت الخمسين لكني لم أشعر بذلك مطلقا سوى يوم أمس حيث لم أنزل للشارع ولم يخطر ذلك على بالي أصلا. في شبابي لم تكن تفوتني مظاهرة من مظاهرات الاحتجاج على السادات واتفاقية كامب ديفيد، كانت تلك المظاهرات تغسل روحي وتُشعرني بالإنتشاء والتطهر. أما يوم أمس وما أدراك ما يوم أمس فقد كان يوما عظيما من أيام مصر.. كان يوما عظيما من أيام شباب مصر الذي أعتذر منه بحق فقد كان ظني بهم سيئا غاية السوء.. كنت أراه شبابا تافها متخاذلا لكن شباب مصر أثبت اليوم أنه ليس كذلك. وصدق رسولنا الكريم {بورك لهذه الأمة في شبابها}. وأيا كانت نتيجة هذه المظاهرات وبمعزل عن أي تحليلات سياسية.. فقد كان يوما عظيما للإنتشاء الروحي والتطهر وقد أوصل الشباب رسالة الشعب بوضوح ما بعده وضوح.. لقد مل الناس وأوشكوا على الانفجار العظيم الذي لا يُبقي ولا يذر، وإذا كسر الشعب حاجز الخوف فلن تقف في وجهه قوة على الأرض مهما بلغت من قمع وطغيان.
لكن أعجب شيء في لعبة السلطة أن المتسلطين يعرفون كل ذلك.. يعرفون سبيل الإصلاح لكن لا يتخذونه سبيلا لأنه يؤدي في النهاية إلى تسرب السلطة من بين أيديهم، ويعرفون عواقب التسلط وإحكام القبضة الحديدية وهي أفظع عليهم من تسرب السلطة لكنهم لا يجدون بدا من مواصلة القمع والتسلط والتزوير والإقصاء سائرين إلى حتفهم وعيونهم مفتوحة لكنهم لا يبصرون. كأنها قصة من المآسي الإغريقية حيث يسير أبطال الرواية إلى مصائرهم الفاجعة عارفين بها لكن لا يملكون إلا أن يسيروا نحوها. إن التجربة التونسية ماثلة أمام أعينهم حيث قدم الدكتاتور التنازل بعد التنازل لكنه كان دائما متأخرا في التنازل، لو قدم تنازلا معقولا في بداية الاحتجاجات.. لو قام ببعض الإصلاحات الجوهرية في بداية الأمر لما أضطر إلى الفرار بجلده من غضب الشعب.. هذه تجربة حية فهل يستطيع حكام العرب أخذ العبرة منها؟ قطعا لا يستطيعون لأن هذه طبيعة الاستبداد. في لحظات الخطر يكونون على استعداد لتقديم أي تنازل لكن بمجرد أن تهدأ المظاهرات لا يملكون إلا العودة للغطرسة والقمع والاستبداد..
وتلك هي المأساة.. إنها معادلة صفرية.. فإما أن تسحق السلطة الشعب وتجثم على صدره حتى الاختناق.. وإما أن يسحق الشعب السلطة ويسحل المتسلطين. هل المتسلطون أغبياء لا يدركون هذه الحقائق؟ كلا بل يدركونها تمام الإدراك لكنهم في غيهم سادرين لا يملكون إلا أن يمضوا في الطغيان إلى غايته.
حتى إذا لم تتواصل المظاهرات.. حتى إذا تمكن الأمن من وقف الاحتجاجات.. فليست هذه سوى البداية.. لقد حل التوانسة اللغز وفكوا الطلسم وعرفت كل الشعوب أنها أقوى من كل قوى القمع، وأنها بأيديها العارية تستطيع الإنتصار على ترسانات السلاح، فلن تعود عقارب الساعة إلى الوراء وليس أمام حكام العرب إلا الإصلاح الحقيقي أو الرحيل بالخزي والعار، وخيارهم الثالث أدهى وأمَّر.
د. أيمن محمد صبري

ليست هناك تعليقات: