الجمعة، 28 يناير 2011

النظـريات التربـويـة ( 2 ) ( 1-2) بين المعاصـرة و التأصـيل ..

المبـحـث الثالث :
الجـذور الأولى لمشـروع التأصـيل الإسلامي لعـلوم التربية
لنشغـل أنفسـنـا بعــلـو أبنـيـتـنــا الفـكــريــة ..
لا أنْ نـذهـل بدوار الارتفاعات ، إذْ رمنـا تسـلق القـمم
إنما نحـتـاج لاستخراج تلكـم الكـنـوز إلى وضـع الأنظـمـة الصغـرى ، في أنظـمـة أشـمـل .. إلى التنظـير
نحـتـاج فقـط إلى نقطـة الشــروع ،، والتي تحـتــاج دوماً – كشأن كل البدايات - إلى أكــبر عزم لتـبـدأ ، تحـقـيقـا للإقلاع الحضاري
وقـد بـدت ملامـحـه بالظـهـور في الأبحاث التربوية ، للانتقال به إلى مرحلـة النضـج ليلحـق بمجالات التـوجـيـه والتأصـيل الإسلامي للعـلوم الاجتماعية الأخرى كالاقتصـاد والثقـافـة ..
متمـثلين الهمة التي تضمنها بيت الشاعر :
ولي نفس ٌ تتوقُ إلى المعالـي …. سـتتـلـفُ أو أبَـلـّـغـُهـا مُـنـاهـا
يحمـل لوائها بعض قـدامـى الباحـثين المعاصرين في التأصـيل التربوي أمثـال د. مقـداد يالجـن ، الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسـلام ، إذ أمضـى قرابـة الـ40 عاما ونيف في هذا المجـال ، وقد قال رئيس لجنة مناقشـة رسالته للدكتوراه في جامعة القاهرة حينهـا : مقـداد هـديـة الجامعة إلى العالم الإسلامي [1]
ومن كانـتْ بـدايـتـه مُـحـرِقة .. كانـتْ نهـايـتــه مُـشــرِقــة [2]
كل ذلك بجوار معرفة آخر ما توصل إليه الفكر التربوي الحـديث ، حيث بالانفتاح المنضـبط ؛ تنمو الخبرات ، وتتناغم الأصالة والمعاصرة في نسق واحد ،
إذ من استشـار الرجـال ، شـاركـهـا عقـولهـا
على أن لانزلق بالاندماج المستغرق بالواقع الذي سنطـلع عليه ،
لنكـون بـذلك كـلـه في النهاية ، قد اشتغـلنـا بـ:
علو أبنيـتـنــا الفـكـريـة ، لا أن نـذهل بدوار الارتفاعات ، إذ رُمنـا تسلق الـقـمم
~~~~~~~~ ** ~~~~~~~~ ** ~~~~~~~~
وقد توصـّل بعض الباحـثـين بجـدّيـة في مرجعـياتـنــا – كتاباً وسنـّة وتطبيقاتهما عبر التاريخ الإسلامي – توصـلّـوا إلى نتائـج عاليـة القيمـة .. فـي ميادين أبحاث العلوم الاجتماعية
فـمـثـلا في علم الإدارة :
يشير د. علي مليباري إلى أن ( الفكر الإداري الإسلامي فكرا متميزا في ذاتيته العلمية ومصادره الحية ورواده الذين كان لهم فضل السبق في ترسيخ الأصول العلمية .. الخ ) [3].
أما د. عبد الرحمن الجويـبر فيـشير إلى ( تمـيز الفكر الإداري الإسلامي عن الفكر المعاصر غير الإسلامي .. بربط الإدارة بالعقـيـدة وثوابتهـا .. ودنيا الإدارة وآخرة المديرين ) مـرجعـاً ( ظهـور الفكر الإداري الإسلامي مع نشأة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية مباشرة إذ قامت على أسس قوية من العمليات الإدارية بالمفهـوم الإداري المعاصر ..) [4].
ويـرى ( جويبر، 1429هـ ، ص 25 ) في ضوء مدلولات قوله تعالى (( إن تنصروا الله ينصركم ويُـثـبـّت أقدامكم ))
( أن النصر هنا لا يخـتص بالعسـكري .. بل الأخذ بالمنهج الإسلامي في كل شؤون الحياة .. الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والتربــويــة ) [5]
وفي علوم التربـيـة ؛ نجـد الكـثيـر في كتاب ( دليل التأصـيل الإسلامي للتربية ) و ( معالم بناء نظرية التربية الإسلامية ) لمقـداد يالجـن[6]
وفي الإدارة التربويـة :
منهـم من توصـل إلى أن ( المبادئ التربوية الإسلامية تتبــادل التكــامـل فيما بينها .. وتثـري بعضهــا بعضـاً .. بينما المبادئ الحديثـة لا تعـدو أن تكون مجرد ثمـرة من ثمارها .. إذ لا يجـد الباحـث أي مبـدأ في الإدارة التربوية الحديثة ليس له أصل في الفكـر الإسلامي .. الخ ) [7]
و دعـوات العـقـلاء نحـو تفـعـيل ( دور جامعات العالم الاسلامي في مواجهة التحديات المعاصرة ) تـتــوالـى ؛ كما في المؤلف الذي يحمل اسما بـنفـس الجملة السابقة [8]
إلا أن ضعف أنفـة الباحـث العربـي الثقـافـيـة دعت أحد المفـكـرين العرب إلى التساؤل :
س : هل ينتـظـر الباحـثـون العرب نظراءهم الغربـيين أن يتفـضـلوا عليهم بنظـريات ومصطلحات لكي يستخدموها في محيط التربية والنفس والاجتماع والإدارة ؟ !
إن ذلك يجعلنـا نستمر في فضاء الفكر والتحضر – وهـمْـاً – متسلحين بعضـلات التفكير الميكانيكي نقلا للأفكار وتجربة لها ، إلا أننــا >> لا نصـنـعــهــا !
إذ ( أنّ نقـد الأطـر العامة شاق جـدا ، ومن مـارسـوه قليـلون لتطـلـّبـه الخروج عن أنماط التفكـير المألوفة … وطبيعـة تنشـئتـنـا الاجتماعية لا تشـجـع على الكـثير من ذلك ) [9].
وفي المقـابل ، فإن جملة متزايدة من الباحثـين الغربـيين بدأوا برفع شعارات مثل :
هذه الفكـرة قد لا تنـاسـبـكــم - هـذه الفلسـفـة ليسـت لكــم – انتـبـهــوا لخصـوصـيتكـم الثقـافـيـة ؛
بل طالب تريندز - متخـصصي التربية من قومه - بوجـوب مراعاة التـبــاين في الأنماط الثقافيـة والحضارية [10]
إذ يرد على المنادين بضرورة محاكاة الولايات المتحدة لمجمل نماذج التعليم الياباني أو بعضها : ( ما ينساه هؤلاء أنّ أي نظـام تعليـمـي يشكـّل نمـوا طبيعـيـاً لأوضـاع ثقافـيـة محـددة ، وإبعـاد ذلك النظام عن الأوضاع التي نشـأ فيهـا يعنـي فقـدانه لمسـوغـات وجـوده ، فالنظام الياباني لا يمكن لنا اقتـلاعـه وغرسـه بنجـاح في ثقـافـة أمريكـيـة مختـلـفـة اختلافا جذريا عن الثقافة اليابانية ، فإن أردنا تبنـي النظام الياباني كان لزاما عليها إعادة بناء مجمل حياتنا الثقافية .. بـيـد إن اليابانيين أمة تقوم أساسا على روح الجماعة ، بينما الولايات المتحدة أمة تجـلّ الفردية .. الخ ) [11].
وإذ تأصـلت العلوم الاجتماعية في الغرب في أجواء الصراع بين الدين والحياة .. فلم تخل من المنهج التنـصـلي - الأليق بالبحث العلمي[12] – وفق رؤيتهم ، فيجـدر بنـا حيـنـهـا التـذكـير بمقـولـة ولي عهد بريطانيا قبل عشر سنوات : ( نحن أبناء الغرب نحتـاج إلى معلمين مسلـمـين يعـلـموننـا كيف نتعـلم بقلوبنـا كما نتعلم بعقـولنـا ) [13].
مترجما بذلك الدعوات الآخـذة في التعـالي مـنـذ منتصـف القرن العشـرين بالاتجاه نحو الدين مقابل علمانية العلوم ابتـداء من نظرية النظم ( لودفيج برتالانفي ) ، حتى دراسات “باري روبين” (Religion and International Affairs) و”جوناثان فوكس” و جورج فيجل في دراستـه (Religion and Peace: An Argument Complexities) مؤكـدا على اتجاه العالم إلى اللا-علمانية unsecularization of the world
وهاهو “جوناثان فوكس”، ينتقـد – في بحثه (Religion as an Overlooked Element of International Relations) - الدراسات النظرية التي أهملت عنصر الدين في بنائها ! [14]
( حتى ذهب بعضهم إلى أن < العصر الوضعي > قد ولـّى على أعتاب عصر < ما بعد الحداثة > الأقـرب إلى الإيمان ) [15]
وإلى هـنــا نقــول :
تكـفــي اللـبيب إشــارة مـرمـوزة …. وســواه يــُدعـــى بالنــداء العــالــي
لنـبـدأ من حـيث انتهـى القـوم بعـقـول متحـررة من المحاكاة ، نـزّاعـة للإضـافـة والنـقـد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) يالجن – مقداد – رحلة الدكتور مقداد يالجن – 1413هـ - عالم الكتب – ص 29 – وله حالياً ما يزيد عن سـتين مؤلفاً في هذا المجال
[2] ) ( عند بدايتي للدكتوراه 1976م لم أجد في هذا المجال إلا بحوثا لا تتجاوز الخمسـة ، وهي تبلغ اليوم 1500 بحثا في التربية الإسلامية حسب إحصائية قمت بها في كتابي دليل التأصيل الإسلامي للتربية ) د.مقداد يالجن 1413هـ قبل 16 عاماً ! ( رحلة الدكتور مقداد يالجن – ص 41 )
[3]) مليباري – علي – إدارة الجودة الشاملة بين الفكر الغربي والفكر الاسلامي - الدار السعودية – ط 1 – 1428هـ - ص 82
[4] ) جويـبر – عبدالرحمن – إدارة الجودة الشــامـلة والإتقــان في الفـكـــر الإسـلامي والمعــاصـر – 1429هـ - ط 3 – ص 15
[5] ) المرجع السابق – ص 25
[6] ) يالجـن – مقداد – ( دليل التأصيل الإسلامي للتربية – 1411- جامعة الإمام – عمادة البحث العلمي – الرياض ) ( معالم بناء نظرية التربية الإسلامية – 1411 – عالم الكتب – الرياض )
[7]) الشحـرور – احمد محمد – الإدارة التربوية في الإسلام بين التراث والمعاصرة – رسالة دكتوراه غير منشورة - جامعة النيلين - السودان - 2003م - ص 156
[8] ) يالجن – مقداد – دور جامعات العالم الاسلامي في مواجهة التحديات المعاصرة – عالم الكتب – 1411هـ
[9] ) بكار - عبدالكريم ( مدخل إلى التنمية المتكاملة ) ص 61 –- دارالقلم – 1422هـ - ط 2
[10]) البريدي – عبد الله – الإدارة العربية والتغيير من النقل الميكانيكي للأفكار إلى الصناعة الابداعية – بحث في عوامل بناء فعالية الإدارة العربية اللازمة لتحقيق النهضة الحضارية - بحوث الملتقى الإداري الثالث – 1426هـ - ص 176
[11] ) بيوشامت – إدوارد – التعليم الياباني والتعليم الامريكي – ترجمة محمد طه – ط 2 – 1423هـ - دار المعرفة – ص 70
[12] ) مقالة - تقرير واشنطن http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=913&pagenum=1
[13] ) جريدة الشرق الأوسط - عـدد 6592 – 15/ 12/ 1996م
[14] ) العلم يطرق باب الدين في الغرب – مقالة – تقرير واشنطن http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=913&pagenum=1
[15] ) بكار – عبد الكريم – ( عصرنا والعيش في زمانه الصعب ) ص 28 - ط 2 – 1425هـ - دار القلم


ليست هناك تعليقات: