الاثنين، 14 يونيو 2010

مديـر المدرسة ودوره في إدارة التطوير
إعداد : رجب بن علي بن عبيد العويسي 27/1/2003م
معلم تربية اسلامية
ماجستير في الإدارة التربوية

دواعي التطوير ومن المسئول عنه ومتطلبات التطوير ، أسئلة وإجابات
مقدمــة:
تفرض العولمة على مدير المدرسة العصري البحث عن وسائل مناسبة تمكنه من التعامل مع تلك التغيرات بصفتها فرص أو تحديات، وضرورة السعي الدائم إلى التكيف مع التغيير والاستفادة منه، بل إن ذلك يفرض عليه أن يتعامل مع التغيير بصورة إيجابية، وأن يكون متوقعا ومتنبئا وبادئا بالتطوير ومساهما ومشاركا ومنفذا له.
كما أن عليه أن يدرك أن التغيير ضرورة حتمية وقاعدة جوهرية للتطوير ومواكبة عصر العولمة وبالتالي فإن عليه أن يتبنى سياسته ويضعها ضمن خططه المستقبلية، وهو في ذلك كله بحاجة إلى أن يدّرب نفسه على التطوير وأن تكون لديه من المهارات والقدرات ما يمكنه من تسخيرها في تحريك عجلاته ويشحذ الهمم لقبوله، مديرا يؤمن بالتطوير الهادف والمخطط، يهدف من خلاله إلى إصلاح البيئة المدرسية بكل مقوماتها وعناصرها المختلفة والبحث عن الأفضل وبما يسهم في إثارة كوامن الإبداع في البيئة المدرسية.
إن العولمة وما تحمله من تحديات وفرص على العملية التعليمية تفرض وجود مدير يضطلع بدوره المبدع المتجدد، ينمي طاقاته ويثري قدراته إلى أبعد الحدود، صاحب أفكار جديدة مصمما لتغيير خططه فهو يبحث عن فرص جديدة ومشكلات متوقعة.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام، كيف يمكن لمدير المدرسة أن يدير مدرسة اليوم والمستقبل؟ هل بأسلوب يتفق مع تطورات العصر وما تحمله العولمة من تغيرات ؟ أم يديرها بأسلوب كلاسيكي قد لا يحمل في داخله الاستعداد الكافي للتجديد والتطوير والتكامل؟
من خلال هذه التساؤلات هل فعلا نحن مستعدون لقبول التطوير ؟ وهل مدارسنا فعلا بحاجة إلى التغيير والتطوير؟ وما نوع التطوير الذي نسعى إليه؟ وهل سيؤثر هذا التطوير على مبادئنا وقيمنا وثقافة المدرسة؟ وكيف تستطيع أن نؤثر في الآخرين لقبول مبدأ التطوير ؟ وكيف يستطيع مدير المدرسة أن يتعامل مع الأفراد في حالة مقاومتهم لعملية التطوير؟
تساؤلات عدة على مدير المدرسة أن يطرحها على نفسه وهو يريد التغيير والتطوير في البيئة المدرسية بعناصرها المختلفة.
ونحن إذ نتواصل معك أخي القارئ الكريم في محور آخر يسهم بشكل كبير في تشكيل مدير المدرسة العصري، ولا غنى عنه في نفس الوقت بالنسبة لمواجهة ومواكبة تحديات العولمة، نتواصل معك ضمن السلسلة الإدارية { مدير المدرسة وتحديات العولمة } لنعرّج فيها هذه المرة على { مدير المدرسة ودوره في التطوير }، ونهدف من خلالها إلى وضع مدير المدرسة في الصورة الأمثل عما يدور حوله من متغيرات حديثة من خلال إبراز العناصر والإستراتيجيات والمهارات التي يمكن من خلالها أن يتكيف مع متطلبات العصر ويستفيد من فرص العولمة في سبيل تنمية وتطوير العملية التعليمية بالمدرسة ويواجه تحدياتها بأسلوب يعتمد على الوعي والإيجابية والتخطيط في قبول التغيير والتطوير، أسلوب يحمل بين طياته الإبداع والابتكار.
وتهدف هذه الورقة إلى وضع تصور واضح لدى مدير المدرسة بشأن إدارته للتغيير والتطوير بمدرسته؟ وكيف يستطيع أن يتعامل مع رياح التغيير التي لم تقتصر على البيئة الخارجية للمدرسة فحسب بل شملت البيئة الداخلية للمدرسة في أهدافها وهيكلها ومناهجها ونظامها التعليمي وبرامجها وأنشطتها وأسلوبها في العمل والقيم والمبادئ (ثقافة المدرسة)؟ وما هي مسؤولية مدير المدرسة في التعامل مع التغيير، والتصدي لمعوقات التطوير؟
وتنبع أهمية هذه الورقة من أهمية موضوع التطوير وإدارته، إذ أنه بلا شك يعد قاعدة جوهرية للعمل المدرسي في هذا العصر، إذ التغيير واقع لا محالة، وما دام كذلك فإن تعامل مدير المدرسة معه ومنهجية هذا التعامل وأساليبه، ووسائل مواجهة مقاومة التطوير يعد ركيزة أساسية لا خلاص منها لأي مدير مدرسة يسعى إلى التميز والتفوق والنوعية في زمن أصبحت فيه المنافسة وسيلة التقدم والتطور.
وتجيب هذه الورقة عن الأسئلة التالية: ما مفهوم إدارة التطوير؟ وما هي دواعيه وسماته وفوائده للعمل المدرسي؟ وكيف يتعامل مدير المدرسة مع التطوير ؟ ومن يقوم بالتطوير ؟ وما هي مسؤولية مدير المدرسة في التصدي لمعوقات التطوير؟
مفهوم إدارة التطوير:
أشار ( Fred Nickels, 2000 ) إلى ثلاثة معاني رئيسة تشكل مفهوم إدارة التطوير وهي كالتالي:
1-مهمة التطوير الإداري ، ويشمل هذا المحور معنيين مهمين هما:
أ-إن معنى إدارة التطوير يشير إلى القيام بعمل التغييرات بأسلوب مخطط ومدار ومنظم.
ب-المعنى الثاني يعني الاستجابة إلى التغييرات القليلة أو غير المنظمة التي تطرأ على أنشطة المؤسسات.
2-المعنى الثاني لإدارة التغيير هو: مساحة الممارسة المهنية.
3-يشير التعريف الثالث لإدارة التطوير بأنها: محتوى المعرفة، أي محتوى أو مادة بحث إدارة التطوير. وهذا يتضمن ( النماذج والطرق والأساليب، الأدوات، المهارات ).
ويعرفه كلا من ( Susan Talley & Hollinger, 1998 ) بأنه ذلك التغيير الذي يهدف إلى إحداث إصلاح في جميع جوانب ومجالات المدرسة، حيث يستهدف تحسين إنجاز الطلاب، وتحقيق نتائج أخرى بهدف خلق جهد تعاوني مركز.
بينما يرى ( Carter Namara, 2001 ) بأن مفهوم التغيير التنظيمي يسلط الضوء على التغيير الشامل للمنظمة وفي جميع جوانبها، وهو يشير إلى إعادة التطوير في طريقة عمل المدرسة.
ويعرفه ( الصفّار، 2002 ) بأنه خطة طويلة المدى لتحسين أداء الإدارة في طريقة حلها للمشكلات وتجديدها وتطويرها لممارساتها الإدارية.
ويمكن تعريف إدارة التطوير بأنها: ذلك التغيير الهادف والمخطط الذي يقصد به تحسين فعالية الإدارة المدرسية في مواجهة الأوضاع الجديدة والتغيرات الحاصلة في البيئة المدرسية، بما يعبر عن كيفية استخدام أفضل الوسائل فاعلية لإحداث التطوير لتحقيق الأهداف المنشودة.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا ما يأتي:
-إن التطوير يتطلب وضع إستراتيجية متكاملة وصياغتها بحيث يحدد فيها الأهداف والمحاور والأساليب واستراتيجية التنفيذ والمنفذون والموارد المالية والخبرات والطاقات المدرسية وموضوع التغيير ذاته وأثاره الإيجابية والسلبية وقبلها يتم تحليل البيئة المدرسية والمتغيرات التي يجب إجراء التغيير بسببها إلخ.
-يتطلب التطوير قرارات الإدارة العليا ويبدأ بها، وهو يحتاج إلى قناعة الأفراد به .
-عمليات التغيير والتطور المدرسي تتم من خلال مجموعة من البرامج والخطط ومساقات للتدريب وتشكيل فريق للتغيير.
-يتطلب معرفة درجة تأييد التطوير ومقاومته من قبل أفراد المجتمع المدرسي جهودا مسبقة للتنفيذ، تهتم بكيفية إدارة مقاومة التطوير وكيفية التعامل معها والأساليب المتبعة في ترغيب الأفراد بأهمية التطوير.
لماذا نغـيرّ؟ دواعي التطوير.
يرى ( Carter Namara, 1993 ) بأن التطوير يجب أن لا ينظر إليه على أنه غاية في حد ذاته، إنما هو إستراتيجية لتحقيق الأهداف العامة للمؤسسة، كما أن الهدف منه التطوير على مختلف مستويات دورة حياة تلك المؤسسات.
وعلى هذا فإن لكل شيء سبب، والتغيير له أسباب وضرورات تحتم وجوده،ومنها:
-فكما هو معلوم بأننا نعيش عصر تتسارع فيه سبل التغيير المختلفة التي فرضتها طبيعة العولمة، والتي بلا شك كان لها تأثيرها على مجالات مختلفة وبالأخص النظام المدرسي ودور مدير المدرسة العصري، ولهذا فمن أجل مواجهة التحديات المعاصرة والاستفادة من الفرص كان لزاما على مدير المدرسة أن يبنى خطط التغيير المدروسة من خلال مشاركة العاملين بالمدرسة في تحقيقه وإدارته من خلال الأخذ بالإبداع والتميز والتفوق.
وإلى ذلك أشارت ( Rosebush, Moss, 1999 ) في مقالها، إذ ذكرت بأن التغيير التنظيمي أصبح طريق الحياة باعتباره نتيجة لثلاثة عوامل هي : العولمة، وتقنية المعلومات، والثورة الصناعية.
-إن التغلب على الروتين القاتل والأسلوب الكلاسيكي الذي تدار به مدارسنا في الوقت الحالي، والذي لم يصبح له أي فائدة في نجاح أي مؤسسة ومنها المدرسة ولم يمنحها ما تهدف إليه من تخريج جيل واع بمن حوله، مدرك بما عليه من مسؤوليات، يستطيع مواجهة العولمة والاستفادة من فرصها بما يمنحه القدرة على التميز والتفوق والعطاء، يحتم بلا شك اللجوء إلى التغيير الهادف والمدروس والمخطط له، ولهذا كان لزاما على الإدارة المدرسية أن تنتقل من مرحلة الجمود إلى مرحلة حركية ديناميكية تختصر الوقت وتستثمر الطاقات والقدرات والمواهب.
ومن دواعي التطوير أيضا ما يلي:
-تطوير أساليب الإدارة المدرسية في علاجها للمشكلات والتغييرات التي ثؤثر على البيئة المدرسية بما يساعدها على التكيف مع تلك التغييرات بأسلوب يحمل بين جنباته المرونة والاستمرارية.
-رفع حماس أفراد المجتمع المدرسي وزيادة دافعيتهم في سبيل قدرتهم على التعامل مع معطيات العصر وثورة المعلومات من خلال إدراكهم للدور المنوط بهم مستقبلا وقدرتهم على المنافسة الواعية لمسايرة ركب التطور العلمي وثورة المعلومات.
-بناء مناخ مدرسي يساعد على التطوير والتجديد والإبداع يعمل أفراده بروح الفريق الواحد .
ومن هنا يمكن القول بأن على إدارة المدرسة أن تدرك مدى حاجتها للتغيير، وأن تتنبأ بالمستقبل وتدرس أوضاعها وأفكارها وبيئتها ومدى التقدم الحاصل حولها بحيث تقيس نفسها إلى ما حولها، إذ المدرسة بلا شك مسئوليتها في هذا الجانب أعمق وأكثر أهميه، إذ هي تخّرج الأجيال الذين ينخرطون فيما بعد إلى سوق العمل ومعترك الحياة العملية، وهذا في حقيقة الأمر يضيف أدوارا أخرى إلى أدوار مدير المدرسة، وبالتالي فإن عليها أن تخطط للتغيير والتطوير كلما أدركت الحاجة إليه أو أن واقع العمل المدرسي يتطلبه.
من يقوم بالتغيير والتطوير داخل المدرسة؟
إن عملية النهوض بالمدرسة وتحويلها إلى مؤسسة ناجحة فعالة تواكب متطلبات العصر، تعتمد بشكل كبير على بناء أرضية مشتركة واسعة يقف على شؤونها وتنفيذها جميع أفراد العمل المدرسي، وتعتمد أيضا على جهود مدير المدرسة وكل العاملين معه في فهم وتقبل كل منهم لدوره ومواقف وآراء الآخرين نحو عمليات التغيير و التطوير، إذ الجميع يعمل بروح الفريق الواحد.
وعلى هذا فهناك العديد من الأشخاص في مختلف الأدوار والمستويات أو المواقع يسهمون في تسهيل وإدارة التطوير هؤلاء كما يرى ( Ann Tarnbaugh, 2001 ) يمكن أن يكونوا مشرفين، موظفين من الإدارة المركزية، مدراء المدارس، المعلمين، الطلاب، المستشارين من داخل المؤسسة ومن خارجها، أعضاء اللجان المدرسية، وأفراد المجتمع المدرسي.
ثانياً :- المشاركة :-
يرى ( Chris Flliott, 1992 ) إن التطوير يكون أكثر إيجابية ويحقق نجاحا بصورة أكبر عندما يحدث بين زملاء العمل، الذين بقدر الإمكان يشتركون في فهم الحاجة للتطوير ويتفقون عليه.
وتقوم الإدارة العليا هنا بإشراك باقي المستويات التنظيمية والعاملين في عملية التطوير ، ويعتمد هذا المدخل في التطوير على افتراض أن العاملين والمستويات التنظيمية ذات كفاءة وأهلية للمشاركة، وأنها ذات تأثير قوي على مستقبل الإدارة المدرسية، وبالتالي قد يكون من الأفضل وجود تفاعل بين المستويات التنظيمية المختلفة الرأسية والأفقية، سواء بين المعلمين والإداريين أو بين المعلمين والطلاب أو بين الطلاب وإدارة المدرسة.
وتتم مشاركة العاملين في التطوير التنظيمي بأحد الشكلين الآتيين:-
- إتخاذ القرار الجماعي.. وتقوم الإدارة العليا هنا بتشخيص المشاكل وتعريفها ودراستها، وتقوم أيضا بتحديد بدائل الحلول، يلي ذلك أن تقوم الإدارة العليا بإعطاء توجيهات إلى المستويات التنفيذية بدراسة هذه البدائل، واختيار البديل الأنسب لها.
وهنا يقوم العاملين ببذل قصارى جهدهم في دراسة البدائل واختيار ذلك البديل الذي يناسبهم ويحل مشاكلهم.
- حل المشاكل الجماعية.. وهذا الأسلوب في المشاركة أقوى وأعمق ، وذلك لان العاملين لا يقومون فقط بدراسة البدائل واختيار أنسبها ، بل يمتد ذلك إلى دراسة المشكلة، وجمع معلومات عنها، وتعريف المشكلة بدقة والتوصل إلى بدائل الحل والعلاج.
ثالثاً: التفويض والصلاحيات:-
تقوم الإدارة العليا هنا بإعطاء بعض الصلاحيات لباقي المستويات التنظيمية والعاملين بالمدرسة في تحديد معالم التغيير والتطوير المناسبة، وعلى هؤلاء العاملين في المدرسة ( الجهاز الإداري والفني ) أن يضطلعوا بمعظم مهام التطوير من تحديد للمشاكل وبدائل الحلول واختيار الحل المناسب واتخاذ القرارات التي يعتقدون أنها مناسبة لحل مشاكلهم .
ويتم التفويض للمستويات التنظيمية والعاملين بأحد الأسلوبين الآتيين:-
-مناقشة الحالة .. ويتم أخذ مشكلة أحد جوانب العملية التعليمية ( المعلم، الطالب، الصفوف الدراسية، الأنشطة، القضايا الأخلاقية بالمدرسة، المجتمع المحلي، الخ ) كحالة واجبة النقاش ويقوم مدير المدرسة بتوجيه المناقشة بين العاملين، ويتم ذلك بغرض اكتساب العاملين المهارة على دراسة مشاكلهم، وبفرض تقديمهم لمعلومات قد تفيد في حل المشكلة ، وعلى هذا فإن تدخل المدير ليس بفرض حلول معينة، وإنما لتشجيع العاملين لكي يصلوا إلى حلول ذاتية لمشاكلهم.
- تدريب الحساسية .. ويتم هنا تدريب العاملين في مجموعات صغيرة لكي يكونوا أكثر حساسية لسلوك الأفراد والجماعات التي يتعاملون معها، كما يتم التركيز أساساً على إكساب العاملين مهارة التبصر بالذات والوعي لما يحدث من حولهم، والتأهب والحساسية لمشاعر وسلوك الآخرين . ويعتمد هذا المدخل على افتراض أساسي هو أنه بإكساب العاملين المهارات السلوكية المطلوبة وحساسيتهم لمشاعر الآخرين ولمشاكل أفراد المجتمع المدرسي ، يمكن تطوير العمل بشكل أفضل، أي أن التطوير التنظيمي يعتمد إلى حد كبير على تطوير وتنمية العلاقات والمهارات الشخصية للعاملين.
ما الذي يتم تطويره وتغييره؟
تشير ( Kathleen, Cushman, 1993 ) إلى أن التغيير يكون في ثلاثة جوانب رئيسة هي: تغيير في ممارسات المعلمين في الصفوف الدراسية، تغيير في الاتجاهات والمواقف والسلوكيات، تغيير في هيكل وبنية العمل المدرسي.
إنه مما لا شك فيه أن التغيير الفعال يقاس بما يمكن إحداثه في سلوك الأفراد من طلاب ومعلمين وإداريين فالتغيير يجب أن يبدأ في سلوك الأشخاص وماذا يسعون وما يريدون أن يصلوا إليه مستقبلا؟ وبماذا يخططون ولماذا يعملون؟ فهو نظرة شمولية مستقبلية تنظر إلي المستقبل وما يتبعه من وعي وتخطيط، والتغيير الحقيقي يجب أن يبدأ باستخدام العقول المبدعة وتفجير الطاقات الكامنة في العقل البشري نحو تحقيق الخير للفرد والجماعة.
ذلك لأن الأداء الناجح للأفراد داخل مؤسساتهم يعني أن هناك توافقاً بين الأفراد ( أهدافهم ودوافعهم وشخصياتهم وقدراتهم و آمالهم ) من ناحية ، وبين الإدارة (مهام وأدوار ووظائف وأهداف وتكنولوجيتها وإجراءات من ناحية أخرى) ، وهذا ما ينبغي أن يتم من خلال تغيير ثقافة الفرد بما يسهم في تحقيقه لأهدافه وأهداف مؤسسته وبل ومجتمعه بما لا يمس من قيمه ومبادئه الحقة، بل يجعل تلك المبادئ طريقا للنجاح والتميز.
متطلبات التطوير والتغيير الفعال:
يمكن تحديد متطلبات التطوير الفعال في الآتي:
1-يتطلب التطوير الفعال التركيز على الغرض المتوقع الذي يوافق عليه جميع الأفراد في المؤسسة. فبدون الموافقة المتحمسة من المعلمين في البيئة المدرسية فإن التطوير قد لا يحدث تغييرا واسعا محتملا في العمل المدرسي ( Jamie Mc Kenzie, 2000).
2-يتطلب القيام بالتطوير الفعال تنمية ورعاية وضرورة ارتباط الهيئة التدريسية بمجالس المدرسة.
3-يتطلب القيام بالتطوير الفعال وضع استراتيجيات واستخدام متوازن للموارد والمصادر.
4-يستلزم القيام بالتطوير الفعال وقتا طويلا ومعرفة كافية بالضغوطات اليومية المتعلقة بالبيئة المدرسية.
5-التخطيط للتطوير، وإيجاد التنسيق والتكامل بين البرامج والأنشطة المدرسية بحيث لا يعمل كل جزء على حده، وعلى مدير المدرسة لتحقيق ذلك أن يطرح التساؤلات التالية: ما الذي نريد القيام به؟ وكيف نعمل؟ لماذا نقوم بالتطوير؟ ما الأهداف التي نسعى لإنجازها؟ كيف نضع خطة للوصول إلى تحقيق تلك الأهداف؟ ماذا نحتاج للوصول إلى الأهداف؟ ما الوقت الذي تتطلبه لإنجاز الأهداف؟ ما مقياس تحقيق التغيير لمستويات النجاح المتوقعة؟ ما المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس النجاح الحاصل؟ هل بالإمكان تشكيل فريق عمل لإدارة التطوير ؟ ما هي الإيجابيات التي سوف تعود على المدرسة نتيجة التطوير ؟، أي التغييرات ضرورية؟
6-توفير المناخ المدرسي المناسب لعملية التطوير.
7-استخدام الوسائل التقنية الحديثة ومصادر المعلومات لتسهيل عملية التغيير والتطوير.
8-توفير الموارد البشرية والكوادر المؤهلة القادرة على التغيير والتطوير.
مقاومة التغيير و التطوير:
إن من أصعب الأمور التي تواجه مدير المدرسة وأكثرها تعقيدا هو ما يحدث من مقاومة بعض أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة لعمليات التغيير والتطوير في برنامج العمل المدرسي، وما يتبع ذلك من تخليهم عن القيام بمسؤولياتهم في هذا المجال، أو موقفهم السلبي من هذا التغيير و التطوير.
ولعل هناك أسبابا تدعوا إلى مقاومة التطوير ومنها:
عدم وضوح أهداف التطوير لأفراد المجتمع المدرسي، الضغوط الكبيرة التي قد ترتبط بعمليات التغيير على العاملين بالمدرسة، تعارض الآراء وعدم التوافق بين إدارة المدرسة والهيئة التدريسية بها، الأسلوب الذي يطرح به التطوير والذي يعتمد على إجبار الجميع على الأخذ به، ضعف الأهمية الناتجة من وراء هذا التطوير ، الرضا بالوضع الحالي للمدرسة، ضعف الوعي بين العاملين بالمدرسة حول ما يدور في العالم من تغيرات وتطورات، التغيير في المواقع والأدوار والمسؤوليات، قلة الحماس من البادئين بالتغيير والاستمرار فيه.
مسؤوليات مدير المدرسة في التصدي لمعوقات التطوير:
إن على مدير المدرسة أن يعترف بوجود هذه المقاومة وبالتالي فإن عليه أن يفسح صدره وفكره، وأن يكون مرنا في التعامل مع هذه المقاومة بالطريقة التي تعتمد على الإيجابية والإقناع والحوار والمشاركة وتقديم الحوافز، وبث روح التفاؤل، والمرونة في نمط التغيير، والتفويض، من خلال فهم سلوكيات العاملين معه، ومعرفة الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى مقاومة التغيير و التطوير ، ومدى مرونة التغيير وارتباطه بواقع البيئة المدرسية واستشرافه للرؤية الإستراتيجية للعمل المدرسي، وتبني الإستراتيجيات التي تسهم في اقتناع المعلمين وغيرهم بأهمية التغيير وضرورته لتحقيق فاعلية العملية التعليمية ونجاح المدرسة وقدرتها على التعامل مع التغيرات التي تطرأ عليها من الداخل والخارج، وكذلك عليه دراسة الأوضاع الحالية للمدرسة بكل ظروفها والنتائج المتوقعة لعملية التغيير وتحليل المواقف كل ذلك يسهم بدوره في تحقيق خطوات سليمة في سبيل اكتمال مشروع التطوير وقبول الأفراد به، كما أنه مطالب بالمبادأة والمبادرة والتطوير واعتبار ذلك جوهر العمل المدرسي في الوقت الراهن لمواجهة تحديات العولمة.
ويمكن تحديد بعض الوسائل والإجراءات والإستراتيجيات التي تساعد مدير المدرسة في التصدي لمعوقات التطوير ومنها:
1- إيجاد وعي بالتغيير والاقتناع بضرورته؛ وأول خطوة في هذا المجال وقبل كل شيء علينا تجنب المفاجآت والقرارات الفوقية أو الارتجالية عن طريق إحاطة العاملين علماً مسبقاً بما يراد عمله وأهدافه ودواعيه، والأفضل من ذلك إذا جعلنا الجميع يشعرون بضرورة التغيير والمساهمة في اتخاذ قراره حتى يستعدّوا للنقلة وتقبّل الجديد بل والدفاع عنه مع الحفاظ على مستوى كبير من الثقة وحسن الظن بالإدارة، ويمكن اتباع أسلوب الاجتماعات واللقاءات والسماح للأفراد بإبداء الرأي ومناقشتهم في مجالات وطرق التغيير و التطوير.
2- العمل على إفهام العاملين بمضامين التغيير و التطوير ودوافعه ودواعيه وأسبابه بحيث يدركون ويتفهّمون الأسباب الحقيقية من وراءه، مما يقطع دابر الشكوك والقلق، ويقطع سبل الإشاعات التي قد يثيرها بعض المعارضين ليشوّشوا الأفهام ويقلقوا الخواطر.
3- ضرورة إشعار العاملين المعنيين ( المعلمين، والآباء والمجتمع المحلي والطلاب) بالفوائد والإيجابيات التي يمكن أن تتحقّق لهم وللمدرسة من جرّاء التغيير و التطوير على اعتبار أنه عمل يراد منه الوصول بالجميع - أفراداً ومؤسسة - إلى الأفضل، الأمر الذي يسهم مساهمة فاعلة في زيادة المكاسب المادية والمعنوية للعاملين، ومن الواضح أنه كلما اطمأن العاملون للإدارة وحسن تدبيرها، بل وكلّما كانت الإدارة المدرسية تحتل موقعاً جيداً في نفوس العاملين معها بحيث يعمل الجميع بروح الفريق الواحد مديرا ومعلمين وطلابا، كلما كانت عملية النجاح أكبر.
4- الاستعانة بالأفراد والأطراف الذين لهم تأثير فاعل على الآخرين، ولو من خارج المؤسسة أو من غير المعنيين لشرح التطوير وبيان دوافعه وأسبابه وفوائده، فإن ذلك قد يكون في بعض الحالات أبعد للشكوك والظنون السيئة.
5-المشاركة… إشراك العاملين في كل مراحل التغيير و التطوير قدر الإمكان سواء في وضع التصور للتغيير والتخطيط والتنفيذ والمتابعة، إن تخفيض مقاومة الأفراد للتغيير يمكن أن تتم لو أنهم اشتركوا بفاعلية في ذلك التغيير الذي يمسهم، واشتراكهم يجب أن يتم بجعلهم يتعرفون على متى، ولماذا، وأين، وكيف يتم التغيير و التطوير ؟
ذلك لأن اشتراك الأفراد يجعلهم يحسون بأنهم جزء من النظام، وإن الإدارة لا تخفي شيئاً عنهم ، كما أن المشاركة يمكنها أن تظهر بعض الأفكار الجيدة من أفراد قد يعانون من مشاكل تحتاج إلي مثل هذا التغيير، وقد يكون أنسب طرق المشاركة هي في تشخيص المشاكل ومناقشة سلبيات العمل، فإن كان من السهل قيام أفراد المجتمع المدرسي بالتشخيص، فسيكون من السهل عليهم اقتراح أو تقبل العلاج.
6- تزويد العاملين بمعلومات مستمرة.. إن حجب المعلومات والمعارف المتعلقة بالتطوير عن أفراد المجتمع المدرسي، أو إعطائهم معلومات محدودة، أو معلومات غير سليمة ، أو معلومات غير كاملة هو مؤشر لبدء قلق العاملين، مما قد يخلق ذلك الوضع جواً من عدم الثقة. إن تزويد العاملين بالمعلومات سوف يسهم في إعطاء الفرصة للعاملين التفاعل مع المعلومات.
7-مراعاة قيم وعادات العاملين وقيم العمل.. على من يقوم بالتخطيط والتنظيم لعملية التغيير أن يأخذ في الحسبان عادات العاملين وقيمهم ومبادئهم واعتقاداتهم ( ثقافة المدرسة) والتي قد تمس عادات تناول الطعام وتبادل الحديث والإجازات وتماسك جماعات وأقسام وإدارات العمل وصداقات العاملين ومواعيد الحضور والانصراف وما شابهه من عادات راسخة في سلوك العاملين.
8- إثارة دافعية وحماس العاملين وبث روح التفاؤل بينهم.. إن إثارة حماس العاملين يؤدي إلى رفع رغبة الفرد في المشاركة والالتزام بالتغيير كما يجب .
فعلى سبيل المثال إتاحة الفرصة للتعبير عن النفس وتحقيق الذات والإحساس بأن الفرد نافع والرغبة في الحصول على معلومات ، والرغبة في التعرف والعمل مع زملاء جدد، والإحساس بالانتماء إلى عمل خلاق ومكان عمل منتج، والرغبة في النمو والتطور من خلال الإبداع والتطوير ، وغيرها من مثيرات الحماس والدافعية .
9- استخدام أسلوب حل المشاكل.. يقال أن عملية التغيير والتطوير هي عملية مستمرة إلى الدرجة التي تغرس سلوك محدد في نفوس العاملين وهو إمكانية تقبل التطوير في المستقبل، وغرس الرغبة في مناقشة الأمور التي تحتاج إلى تغيير، وتنمية الوعي والإحساس بوجود مشاكل محيطة. ويحدث ذلك عادة عندما يمكن إقناع المديرين والعاملين بضرورة استخدام المنطق العلمي في حل المشاكل واتخاذ القرار، وهو الذي يبدأ بالتعرف على وتحديد المشاكل، ثم يتطرق إلى تحديد بدائل الحل، وتقييم البدائل، واتخاذ القرار أو الوصول إلى أفضل بديل من بين الحلول، وأخيراً تطبيق ومتابعة الحل، كما يمكن تشجيع اتخاذ القرارات الجماعية.
الخــلاصة:
مما سبق يتضح لنا ما يلي :
-إن التطوير وإدارته والتخطيط له أصبح اليوم عنصرا أساسيا في الإدارة المدرسية الفعالة، وهي سمة المدير العصري الناجح فالمدير الذي لا يدرج التطوير ضمن إستراتيجية التطوير التي اعتمدها في مدرسته، لا يمكن أن يصل بمدرسته إلى التميز والتفوق، وأنّى لمدير يسعى لذلك وهو يدير مدرسته بأسلوب روتيني كلاسيكي؟ إذ فكيف نتوقع من مدير مدرسة تجديدا وتطويرا وحيوية وتقدما وهو لا يؤمن بالتطوير الهادف المخطط ؟.
-إن حقيقة التطوير وما يعترض سبيله من معوقات تتطلب إعدادا جيدا لمدير المدرسة العصري، بحيث يكون لديه من المهارات والقدرات ما يستطيع وما تهيئة للتعامل مع التغيير ومتغيرات العصر بإيجابية ووعي ودراسة لما حوله من أحداث، ومدى اكتسابه لمهارة التكيف مع العصر بما يسهم في تطوير العمل التربوي ويخدم المبادئ والقيم الحقة، وهذا بالتالي قد لا يتأتى إلا بإسهام المؤسسات التربوية والإدارية في إعداد مديري المدارس وتدريبهم على التعامل مع التغيرات، وإتاحة فرص التدريب والتأهيل لهم حتى يكونوا قادرين على تحقيق هذه المسؤولية ذلك لأن التدريب للتطوير إنما يعني في المقام الأول التطوير السليم للأفراد.
-أخيرا … نحن نريد مدير مدرسة يكون ملما بالتغييرات يقرأ الواقع ويستقرئ منه المستقبل ويستوعب التغييرات ويدرس انعكاساتها على الفرد والمدرسة بل والمجتمع ، ويعمل على التطوير الهادف والمخطط في سبيل إعادة البناء، فهو السبيل إلى تحويل تحديات العولمة إلى فرص.




منقول بواسطة
د.امام حنفي سيد
iimaamm_001@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: