الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

جامعة قاريونس
كلية المعلمين
بنغازي - الهواري




بحث بعنوان





"موقف الإمام أحمد بن يحيى ت 325هـ من المجبرة
في رؤيتهم لإبليس وسائر الشياطين".



ورقة بحث مقدمة إلى المؤتمر الفلسفي الذي سينعقد بإذن الله تحت عنوان "الفلسفة والمجتمع" بقسم علم التفسير"الفلسفة" بكلية الآداب، جامعة قاريونس في الفترة من 12 – 14 الفاتح (سبتمبر) 2006 ف.







إعداد الدكتور/
إمام حنفي سيد عبد الله.
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين ـ بالهواري
دكتوراة الفلسفة الإسلامية
ودبلومات التخصص في التربية الإسلامية واللغة العربية – جامعة القاهرة.




العام الجامعي2006 – 2007م.





ملخص البحث:
وهذا البحث من قبيل الإصلاح الاجتماعي والديني، الذي يتعرض فيه العلماء لتصحيح المعتقدات والمفاهيم، في ضوء التصورات الدينية الأصلية وبعيداً عن أوهام العامة أو المتوارث من التقاليد الفاسدة والأساطير والخرافات المتداولة.
وقد نجح الإمام أحمد بن يحيى ت325هـ إلى حد بعيد في تحقيق هدفه الذي حدده، فرسم منهجاً للحوار مع خصومه وهم هنا المجبرة، ثم تناول رؤيتهم وتصوراتهم حول إبليس والشياطين في ضوء هذا المنهج مع ترسيخ التصور الحقيقي للإسلام حول إبليس.
وقبل البدء في عرض ورقة البحث أرغب في عرض سيرة الإمام أحمد بن يحيى في عدة سطور قليلة، وهو ما تسمح به مثل هذه البحوث فهو الإمام أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم الحسني العلوي، الناصر لدين الله، إمام زيدي يماني مشهور، ومن كبار علمائهم وبسلائهم ، وعرف بالجهاد ونصرة الدين، ولد سنة 275هـ، وهو ابن الإمام يحيى بن الحسين ت 298هـ مؤسس دولة الزيود باليمن، وجده الإمام القاسم بن إسماعيل الرسي ت 245هـ أحد أبناء الإمام زيد بن علي ت 122هـ(2)، وينتهي نسبه للإمام الحسين بن علي رضي الله عنه ت61هـ(3).
وقد تولى الإمام أحمد إمارة اليمن بعد أبيه في مطلع القرن الرابع الهجري، ولكنه ما لبث أن اعتزلها وسلمها لأخيه محمد المرتضي وتفرغ للجهاد والعلم، وخرج في جيش كبير لحرب الباطنية الغلاة وانتصر عليهم ودخل عاصمتهم عدن، وتوفى هذا المجاهد بصعدة سنة 325هـ/937م.
قال عنه ابن الوزير في كتابه هداية الراغبين: "كان من الأئمة السابقين وعيونهم المعتبرين وسادتهم المطهرين، وكان عالماً فاضلاً ورعاً وزاهداً، جامعاً لشرائط الإمامة ومواصفات الزعامة، سالكاً منهج آبائه الأئمة الأطهار ، في أحواله الخاصة والعامة". وقد خلف الإمام أحمد بن يحيى تراثاً كبيراً من المؤلفات منها كتاب "النجاة"، وكتاب "الدامغ"، وكتاب "التوحيد"، وكتاب "الفقه"، وكتاب "التنبيه"، وكتاب "مسائل الطبريين" ، وكتاب "الرد على الإباضية" ، وغيرها من المصنفات، وقد حققنا له ثلاثة أعمال هي كتابه الكبير "النجاة" وكتاب "الرد على الإباضية" وكتاب "الرد على مسائل المجبرة".
والجبرية(4) الذين يتعرض لهم الإمام أحمد بالنقد والرد هم من يقولون بالجبر، وهو إسناد فعل العبد إلى الله تعالى. وهما صنفان متوسطة تثبت للعبد كسباً في الفعل كالأشعرية ، وهم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت 324هـ(5)، الذي قال بأن للعبد قدرة على أفعاله، وفرق بين الحركات اللاإرادية كالرعدة والرعشة، والإرادية الحاصلة تحت القدرة، والمتوقفة على اختيار القادر، ولهذا قال المكتسب هو المقدور بالقدرة الحاصلة، والحاصل تحت القدرة الحادثة. والصنف الثاني هم الجبرية الخالصة التي لا تثبت للعبد كسباً في الفعل على الإطلاق كالجهمية وهم أصحاب جهم بن صفوان ت 118هـ(6) وهو من الجبرية الخالصة، وقد ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سلم بن أحوز المازني بمروفى آخر ملك بني أمية، قال إن الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى فيه الأفعال على حسب ما يخلق في سائر الجمادات.
مصدر البحث: أما مصدرنا لبيان موقف الإمام أحمد بن يحيى فهو كتابه "الرد على مسائل المجبرة عن وسوسة إبليس وسائر الشياطين"(7)، وهو من نفائس المخطوطات الإسلامية التي تظهر بجلاء عظمة الفكر الإسلامي في الإصلاح والنقد وبناء التصورات والرؤى، والتي حاول كثير من المجبرة على امتداد تاريخنا الإسلامي تجاهلها، ولكننا بفضل الله قمنا بتحقيقها وطباعتها(8)، وقد أخذت منا وقتاً وجهداً كبيرين، والمطلع على هذا الكتاب سيعلم مدى أهميته ومكانته في الفكر الإسلامي القائم على العقل الصريح، والمبني على النص الصحيح والفهم الرشيد، وذلك في ضوء منهج لا يتناقض ولا يتضاد ولا يختلف.
منهج البحث: ولذلك آثرنا عرض هذا البحث من خلال عدة نقاط محورية، نصل من خلالها إلى هدفنا وهو إيضاح صورة وضاءة ناصعة بيضاء للفكر الإسلامي الرشيد، بعيداً عن الخرافة والتقليد والتفكير البليد الذي كسا جانباً منه، بتأثير الجمود والتخلف وإتباع القدماء وادعاء أتباع الأخبار والمأثور في غير ما فهم ولا منهج صحيح. فجاء لذلك المحور الأول لبيان مصادر المنهج الإسلامي بحسب التصور الصحيح له، وموقف العلماء عند تعارض النصوص، ثم بيان دور اللغة في فهم وبناء المنهج، أعقبنا ذلك ببيان أهمية توثيق النصوص وترتيبها حسب أهميتها ومكانتها في المنهج والتشريع، ورأينا في ذلك ضرورة عرض السنة على الكتاب، لعدة أسباب عرضناها في مكانها من هذا البحث، وكان من المنطقي بيان أهمية العقل ووظيفته ومكانته من المنهج الإسلامي، وكذلك الحواس كأدوات ووسائل لها ووظيفتها ودورها في البحث عن الأدلة والحجج والاستدلال العقلي، كما وجدنا من خلال بحثنا اهتمام الإمام أحمد بن يحيى بأدبيات الحوار والجدل مع الخصوم، فذهب إلى ضرورة إنصاف الخصوم واعتبار ذلك جزء لا يتجزأ من المنهج الفكري من الإسلام.
عرضنا بعد ذلك لقضية التكليف في الإسلام وموقف علماء المسلمين منها، وأهمية ذلك في إيضاح المفاهيم ونقد الأدوار المختلفة للفكر الإسلامي، والتي أثرت على حياة المسلمين وتاريخهم وبقى إلى يومنا هذا .. وكان من الضروري عرض موقف المجبرة من إبليس والذي لم يخل من تخبط في العقيدة وردة في المفاهيم تتناسب مع قناعاتهم التي بنوها على أساس من حكايات الإخباريين والقصاص والتراث غير الإسلامي والخرافة، وأنهينا هذا البحث بإبطال مزاعم المجبرة في رؤيتهم لإبليس كما وضحها الإمام أحمد بن يحيى من وجوه عدة.



ليست هناك تعليقات: