الثلاثاء، 25 نوفمبر 2008

الولاية..........د.إمام حنفي سيد عبدالله

الولايــــــة

ولاية الله للمؤمنين بالهداية والتوفيق إلى سبيل الرشاد، قال تعالى : {الله ولى الذين
آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}(1)
الآية0
والولى من أسماء الله الحسنى، قال تعالى : {وهو الذى ينزل الغيث من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، وهو الولى الحميد}(2)0
وقد وصف الله تعالى نفسه بولايته للمؤمنين ورسوله، وولاية المؤمنين بعضهم لبعض؛ فقال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(3)
الآية.
وقد حدد الله أوصاف المؤمنين فى كتابه، وأبان سبحانه أنه هو الذى يتولى رعايتهم وحفظهم والعناية بهم فى الدارين على السواء، وهو من تمام العناية والرعاية، وتعريفهم بجميل عطائه عما عانوه وقاسوه فى سبيله، فقال :{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون0الذين آمنوا وكانوا يتقون0 لهم البشرى فى الحياة الدنيا والآخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}(4) 0
وروى البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة، وكذلك القشيرى فى رسالته بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن النبى r، قال : "من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىّ عبدى بشئ أحب إلى مما أفترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده الذى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى أعطيته، ولئن استعاذنى لأعيذنه، ومعنى آذنته بالحرب : أعلمته بأنى محارب له"(5) 0
ويعرف الصوفية الولاية بقولهم : "هى قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه وذلك بتولى الحق إياه، حتى يبلغه غاية مقام القرب والتمكين0
ويعرف الجرجانى الولى بأنه : "العارف بالله وصفاته بحسب ما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصى، المعرض عن الانهماك فى اللذات والشهوات"(6)0
أما القاشانى فيقول : "الولى من تولى الحق أمره، وحفظه عن العصيان، ولم يخله ونفسه بالخذلان، حتى يبلغه فى الكمال مبلغ الرجال"(7)،
قال الله تعالى: {وهو يتولى الصالحين} (8)
واستعان الصوفية بالتفسير الدلالى لكلمة ولى، ليبلغوا من خلاله إلى التعبير عن مكانة الولى عند الله فيقول القشيرى : "الولىّ له معنيان :
أحدهما: فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله سبحانه أمره، قال تعالى :
{وهو يتولى الصالحين} فلا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق سبحانه رعايته
0
والثانى : فعيل مبالغة من الفعل، وهو الذى يتولى عباده الله وطاعته، فعبادته تجرى على التوالى من غير أن يتخلل عصيان0
وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولى ولياً : يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء، ودوام حفظ الله تعالى إياه فى السراء والضراء(9) 0
ويضيف الصوفية إلى هذه المعانى قولهم بأن الولى يأتى بمعنى الناصر،
قال تعالى : {وما كان لهم من دون الله من أولياء}(10) وأولياء الله هم أنصار دينه وأشياع طاعته، والولى فى حق العبد هو من يواظب على الطاعة، وقد يأتى الولى بمعنى المحب، والله ولى المؤمنين أى محبهم، وقال تعالى : {نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا والأخرة}(11) ويقول القشيرى "الولاية من الله بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة، والنصرة تصدر عن المحبة، فلو لم تكن المحبة الأزلية، لم تحصل النصرة فى الحال ..
والولاية بالكسر القدرة، وبالفتح النصرة(12) 0
واختلف الصوفية فى وصف الولى من حيث البدايات والنهايات، وأجمعوا على أنه مقام لا ينبغى إلا لأهل الوصول فى نهاية الطريق الصوفى، كثمرة من ثمرات المجاهدة والرياضات التى يقومون بها0 فوصفوا الولى بأنه عبد زهد فى الدنيا وما فيها، وكذلك الجنة بمعنى أنه لم يلتفت إلى نعيمها، بالقياس إلى رؤية ربهم والمشاهدة والمكاشفة0 فيقول يحيى بن معاذ فى صفة الأولياء : "هم عباد تسربلوا بالأنس بالله تعالى بعد المكابدة، واعتقوا الروح بعد المجاهدة، بوصولهم إلى مقام الولاية
أما إبراهيم بن أدهم فيصف لأحد المريدين طريق الولاية، وكيف يصبح ولياً من أولياء الله، فيقول له : "أتحب أن تكون لله ولياً ؟ فقال : نعم، فقال : لا ترغب فى شئ من الدنيا والآخرة، وفرّغ نفسك لله تعالى، وأقبل بوجهك عليه، ليقبل عليك ويواليك"0
وفى إطار دعوة الصوفية إلى محاسن الأخلاق، يحرص يحيى بن معاذ على توجيه المريد إلى الحذر من ردىء الأخلاق التى تتسلل إلى النفس؛ فتمرضها، فيقول : "الولى لا يرائى، ولا ينافق، وما أقل صديق من كان هذا خلقه"0
وقد ربط الصوفية بين أحوال الفناء والغيبة والمشاهدة والمكاشفة، وما يكون عليه العارف فى النهايات من تجلى أنوار التوحيد على قلبه؛ فيقول أبو على الجوزجانى : "الولى هو الفانى فى حاله، الباقى فى مشاهدة الحق سبحانه، تولى الله سياسته، فتوالت عليه أنوار التولى، لم يكن له عن نفسه إخبار، ولا مع غير الله قرار(13) "0
فالأصل عند الصوفية هو توفيق الله للعارفين وولايته لهم، حتى يبلغون مرادهم من تجليات أنوار التوحيد وأحوال الفناء الكامل؛ فيقول القشيرى : "يورد الأرواح مورد المكاشفة بأنوار المشاهدة، فيغيبون عن الإحساس بالنفس، ويورد الأسرار ساحات التوحيد، وعند ذلك الولاية لله، فلا نفس ولا حس ولا قلب ولا أنس، بل استهلاك فى الصمدية، وفناء بالكلية"(14)0
ومن منهج القشيرى فى الأحوال، نعرف أنه يقصد الفناء فى صفات الحق لا فى ذاته؛ لأنه دأب على القول بأن الصمدية جلت عن الحلول أو الاتحاد أو التحيز أو الجهة0
ويرتبط الحديث عن الولاية بقضية المفاضلة بين النبى والولى، وقد كانت أحد المسائل التى ابتلى بها المسلمون، واتهم بها الصوفية على وجه يوهم أن جميعهم يقول بتقديم الولاية على النبوة، والحقيقة أن قلة تأثرت باتجاهات متطرفة من داخل أو خارج المحيط والأوساط الإسلامية، انتهت بهم إلى مثل ذلك0
ويقرر القشيرى فى كل مناسبة أن النبى فوق الولى، والنبوة مقام لا ينبغى أن يسموا إليه أحد من خلق الله، سوى من اصطفاهم الله لها0
والرسول مرسل للولى، وطاعة الرسل واجبة على الأولياء، وهم تحت لواء الأنبياء، وكرامات الأولياء ملحقة بمعجزات الأنبياء ومؤكدة لها، ودليل على صدق النبى الذى كان الولى صاحب الكرامة من أمته(15).
وهكذا فى كل موضع، وهو سبيل مشايخ الصوفية بلا استثناء، وسنحاول التعرف على بعض جوانب وأبعاد هذه المسالة ورأى القشيرى والصوفية فيها لما لها من أهمية0
وربما كان ما ذكره الحكيم الترمذى فى رسالته "بدء الشأن" حول الولاية ومنزلة الولى، وكون النبى ولياً كاملاً وهو فى ولايته أكمل منه فى نبوته، لانقطاع الثانية بالتشريع، أما الولاية فمطلقة، وكذلك ما ذكره فى كتابه "ختم الأولياء" وكونه "حجة الله على الأولياء" فضلا عما اكتنفه من غموض فى الأسلوب واضطراب فى منهج التأليف أقول ربما كان ذلك هو أول ما فجر قضية المفاضلة وأثار حفيظة الفقهاء والصوفية جميعا على الترمذى الحكيم، ومن ألمح إلى فضل الولى على النبى0
وتجمع الولاية بين غاية المعرفة وغاية الحب0
كما يقرر أن رتبة الأنبياء تفضل رتبة الأولياء، و الإجماع بين الصوفية منعقد على ذلك، و يذكر فى الرسالة القشيرية أن كرامات الأولياء تابعة ولاحقة بمعجزات الأنبياء، وصدق الولى فى ولايته وإيمانه بالإسلام حقيقة وشريعة، هما الدليل على أن ما يحدث على يديه كرامة لا استدراج، و كل نبى ظهرت كرامته على واحد من أمته، فهى معدودة من جملة معجزاته، ولو لم يكن ذلك الرسول صادقاً لم يظهر على يد من تابعه الكرامة(16)0
ويؤكد ابن عربى على أن الولاية لا تفضل النبوة، والرسالة تفضل النبوة فيقول : "الولاية لها ظاهر وباطن، ظاهرها توفيق العبد؛ لأنْ يتولى الله تعالى بامتثالك أمره ونهيه، واتباع مرضاته، والنبوة فوق ذلك بما خصّ الله تعالى به الأنبياء، والرسالة أعلى من ذلك كله"(17)0
وكان أفضل من وضح نظرية الولاية وأوضح المفاهيم والعبارات التى جاءت عند الترمذى ورد على تساؤلاته فى الولاية هو الشيخ محيى الدين بن عربى، والتى كانت مسرحاً للعديد من رسائله وكتبه يقول :... واعلم أن النبوة والولاية تشتركان فى ثلاثة أشياء :
الواحد فى العلم من غير تعلم كسبى.
والثانى فى الفعل بالهمة فيما جرت العادة ألا يفعل إلا بالجسم أولا قدرة للجسم عليه.
والثالث فى رؤية عالم الخيال فى الحس، ويفترقان بمجرد الخطاب، فإن مخاطبة الولى غير مخاطبة النبى.
ولا يتوهم أن معارج الأولياء على معارج الأنبياء، ليس الأمر كذلك (...) لكن معارج الأنبياء بالنور الأصلى ومعارج الأولياء، بما يفيض من النور الأصلى"(18) 0
ويفرق ابن عربى بين نبوة التشريع، والنبوة المطلقة، والتى تمثل أعلى درجات الولاية التى يبلغها المتفردون من البشر، ومنهم يظهر القطب، وهو : "ولى بلغ نهاية الكمال فى سلم المقامات الروحية" و "الولى على قدم النبى" "و"الأولياء ورثة الأنبياء" و"لا يمكن لوارث النبى أن يكون أفضل من النبى الذى ورثه"، ولكن ابن عربى يرى أن النبوة والرسالة يمكن أن تجمع بالولاية فى الشخص نفسه، وحين إذ تكون ولايته أفضل من رسالته ونبوته، حيث أن النبوة والرسالة متعلقة بالوحى والتشريع فيه والولاية مطلقة(19).
ويرتب القشيرى أدوار المعرفة الروحية تبعاً للأفضلية فمعرفة الأنبياء والرسل فوق معرفة الأنبياء، ثم هى تفضل معرفة الأولياء، ومعرفة الأولياء تفضل معرفة العارفين، إذ أنها عبارة عن إشراقات وإلهامات وجدانية وروحانية على سرائرهم، ولكل منها خصائصها التى تميزها عن غيرها، ولا ينبغى للأولياء الطموح فى منزلة الأنبياء والمرسلين(20) .
وقد وقع إجماع الأمة خلفاً وسلفاً على علو مكانة النبوة وكونها أعظم وأفضل من منزلة الولاية فما دونها، ومن أصول أهل السنة والجماعة الثابتة التى لا يصح إيمان المسلم إلا بها يقول البغدادى : "أجمع أصحابنا مع أكثر الأمة، على أن كل نبى أفضل من كل ولى ليس بنبى"(21) .
ويتفق الصوفية مع ما ذهب إليه أهل السنة فيقول الكلاباذى : "وأجمعوا جميعاً أن الأنبياء أفضل البشر، وليس من البشر من يوازى الأنبياء فى الفضل، لا صديق ولا ولى ولا غيرهم، و إن جل قدره وعظم خطره"(22).
ويأتى كلام كبار مشايخ الصوفية للتأكيد على أفضلية الأنبياء على الأولياء، وتعظيمهم لشأن النبوة، فيقول النصر اباذى فى ذلك : "نهايات الأولياء بدايات الأنبياء"(23).
أما شيخ الطائفة وسيدها أبو القاسم الجنيد، فيقول : "نهاية الصديقين بداية للأنبياء"(24),
ويؤكد ذلك أيضاً أبو اليزيد البسطامى، فيقول : "آخر نهايات الصديقين، أول أحوال الأنبياء، وليس لنهاية الأنبياء غاية تدرك"(25).
وخلاصة مذهب القشيرى وما ذهب إليه الصوفية والسلف والخلف، هو تفضيل النبوة والأنبياء على الولاية والأولياء، وتعظيم مكانتهم، يقول الغزالى : "معلوم أنه لا رتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق الوراثة لتلك الرتبة"(26).
ويذكر العلماء أن شبهة تفضيل الولى على النبى تنحصر فى بعض فرق غلاة الشيعة، وبعض الفلاسفة كالفارابى وابن سينا وبعض الصوفية الذين اتهموا بتفضيل الولى على النبى كالحكيم الترمذى وابن عربى.
يقول ابن تيمية : وأما من جوّز أن يكون غير النبى أفضل منه، فهو من أقوال بعض ملاحدة المتأخرين من غلاة الشيعة والصوفية والمتفلسفة ونحوهم"(27).
وتنكر غلاة الشيعة لمكانة النبوة، وزعموا أفضلية الإمام على النبى، وتجاوز بعضهم كل الحدود وزعم لنفسه النبوة، مما دعا بعض علماء الإسلام إلى السخرية منهم حيث زعموا عصمة الأئمة دون الأنبياء، فقال الجاحظ متعجباً : "كيف صار النبى يعصى ويخطىء، والإمام لا يعصى ولا يخطىء، وكيف صاغ ذلك فى جميع النبيين و أمكن فى جميع المرسلين على كثرة عدد النبيين والمرسلين، ولم يجز ذلك فى إمام واحد مع قلة عدد الأئمة"(28) .
أما الفلاسفة فقد كان الرأى السائد والمعروف عندهم هو تفضيل النبى على الفيلسوف، إلا أنه لم يكن اتجاهاً سائداً على الإطلاق، فعرف من بينهم من يفضل الفيلسوف الكامل على النبى، مما أورث الفلاسفة سوء الظن عند العوام، ومن هؤلاء القائلين بتفضيل الفيلسوف على النبى كالفارابى وابن سينا، حيث : "سويا إلى حد كبير بين الفيلسوف وبين النبى، وذهبا إلى أن الفيلسوف أعلى درجة من النبى"(29).
إلا أن ابن تيمية يبرىء ساحة ابن سينا، حيث يقرر أنه من الذين يقولون : "أن النبى أفضل من الفيلسوف، لأنه علم ما علمه الفليسوف وزيادة، وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف"(30).
وابن سينا نفسه يقر ذلك فى كتاب النجاة، حيث يقول : "النبى يسود ويرؤس جميع الأجناس"(31)؛ لأن النبوة: "هى أعلى مراتب القوى الإنسانية"(32).
ومن هنا يتبين خطأ من جمع بين ابن سينا والفارابى فى إطار واحد، حيث إن الفارابى كان يرى أفضلية الفيلسوف على النبى، أما ابن سينا فلم يذهب لذلك، وظلت قدسية النبوة ومكانتها لها احترامها البالغ عنده.
ومن الطبيعى أن تتسرب فكرة تفضيل الولى على النبى إلى الوسط الصوفى، ويظهر بين صفوفهم من يزعم أنه أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، ويذكر أحد الدارسين بعض الأولين من الصوفية الذين تحملوا وزر هذا الادعاء رباح وكليب، وهما من زهاد الزنادقة، وأبى سليمان الدارانى وأحمد بن أبى الحوارى(33).
ومن متأخرى الصوفية يذكر ابن تيمية طائفة منهم أمثال ابن هود وابن سبعين والنفرى والتلمسانى، وكلهم قال بتفضيل الولى على النبى(34).
وتعددت مزاعم هؤلاء الضالين من غلاة الصوفية إلى فصلهم بين الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن، وزعمهم أن النبى يعمل بالشريعة والظاهر، والولى يعمل بالحقيقة والباطن، ولذلك فهو أفضل من النبى، وبناء على ذلك قالوا بتفضيل الخضر على موسى عليه السلام، حيث عجز النبى عن إدراك الحقائق الغيبية التى كان يعرفها الخضر، وهذا كلام لا يقوله إلا ضال مارق، ولذلك لم يتأخر الصوفية عن رمى هؤلاء بالضلال والمروق من ربقة الدين(35) .
ويذكر القشيرى أن أبا يزيد البسطانى سئل عن المفاضلة بين النبى والولى؛ فقال : "مثل ما حصل للأنبياء عليهم السلام كمثل زق فيه عسل، ترشح منه قطرة، فتلك القطرة التى لجميع الأولياء، وما فى الظروف مثل ما لنبينا "(36).
وصدق أبو يزيد وهذا موقفه الصحيح من المسألة، أما ما كان يقوله فى بعض حالات الغلبة والسكر، فلا اعتبار به؛ لأن الغائب مغلوب ولذلك فهو معذور، وفى إطار ما سبق يمكن تفسير قوله : "نهاية الصدقين أول أحوال الأنبياء"(37) ، على أنها من مقولاته وشطحاته أثناء الغيبة.
وفرق شيوح الصوفية بين النبوة والولاية حرصاً منهم على تأكيد شرف النبوة وعظم شأنها على الولاية، فقالوا بأن النبى يختص بالوحى من حيث كونه مكلف بتبليغ ما أنزل إليه من ربه، أما الولى فيختص بالإلهام ولا تكليف فى الإلهام، يقول الطوسى : "للأنبياء عليهم السلام الرسالة والنبوة ووحى جبريل عليه السلام، وليس للأولياء ذلك"(38) .
وكذلك يجتمع للنبى رؤية الملك بالوحى، بينما ينفرد الولى بواحدة دون الأخرى فإما رؤية الملك بدون إلقاء أو رؤية الإلقاء، بدون رؤية الملك، ويقول ابن عربى مؤكداً ذلك : "الرسول والنبى يشهد الملك ويراه رؤية بصر عندما يوحى إليه، وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه رؤية بصر، فيلهمه الله به"(39) .
كما أن "الوحى ضرورة للأنبياء، والإلهام ليس ضرورياً للأولياء"(40).
ويؤكد القشيرى على أن الأولياء مع ذلك يشاركون الأنبياء فى العلم، وذلك من باب الفضل والرضا لا على الوجوب : "ما آتاه الحق-سبحانه-الأنبياء عليهم السلام من الضياء والنور والحجة والبرهان، يشاركهم المستجيبون من أممهم فى الاستبصار به، كذلك الأكابر من هذه الأمة يشاركون نبينا r فى الاستبصار بنور اليقين"(41) .
والمسألة الثانية فى إطار حديثنا عن الولاية هى هل يجوز أن يعلم الولى أنه ولى أم لا؟، وهل يخاف الولى؟.
وقد اختلفت الصوفية حول الجزء الأول من التساؤل، فمنهم من ذهب إلى إنه لا يجوزأن يعرف الولى بولايته، وعللوا لرأيهم بأن الصوفى يلاحظ نفسه بعين التصغير، وإن ظهر عليه شىء من الكرامات خاف أن يكون مكرا، وهو يستشعر الخوف أبداً، وإن اختلف من مرحلة إلى أخرى، فإن كان فى البدايات يخاف العذاب وسوء العقاب وإن كان فى النهايات يخاف سقوطه عما هو فيه من المنزلة والحظوة والكرامة، كما أنه يخاف من سوء العاقبة، وأن تكون عاقبته بخلاف مآله، ولذلك جعل هذا الفريق وفاء المآل شرط الولاية.
ومن الذين ذهبوا إلى هذا الرأى أبو بكر فورك.
ويؤيد هذا الرأى قول النصراباذى: "ليس للأولياء سؤال، إنما هو الذبول والخمول"، ويقول أبويزيد: "لا يراهم أحد فى الدنيا والآخرة"(42)0
ولم ير القشيرى والفريق الآخر بأساً فى أن يعلم الولى بولايته، ولم يعتبروا بشرط الأولين، وهو تحقيق الوفاء فى المآل كشرط للولاية0
ويرى هذا الفريق بجواز حدوث الكرامات على يد الأولياء، فكيف تحدث له ودون أن يعلم أنه ولى؟ واستشهدوا بأن من صحابة النبى من علم سلامة عاقبته، ولم يقدح ذلك فى حالهم، ثم أضافوا الى ذلك قياسهم الكرامة على المعجزة، فكما أن من شرط صحة المعرفة بالنبوة الوقوف على حد المعجزة، ويدخل فى جملته العلم بحقيقة الكرامات، فالولى يعرف بولايته عند حدوث الكرامات ظاهرة عليه، فإذا رأى شيئاً من ذلك علم أنه فى الحال على الحق(43).
ويؤيد ما ذهب اليه القشيرى والفريق الثانى، ما قاله أبو عثمان المغربى : "الولى قد يكون مشهوراً، ولكن لا يكون مفتوناً"(44)، وقول يحيى بن معاذ : "الولى ريحان الله فى الأرض، يشمه الصديقون فتصل رائحته الى قلوبهم فيشتاقون به الى مولاهم، ويزدادون عبادة على تفاوت أخلاقهم"(45)0
ويبين ابن تيمية موقف أهل السنة والجماعة من جواز أن يعلم الولى بما ستكون عليه عاقبته، ويتفق مع رأى الصوفية؛ فيقول : "من قال إنّ ولى الله لا يكون إلا من وافاه حين الموت بالإيمان والتقوى، فالعلم بذلك أصعب عليه وعلى غيره0 ومن قال قد يكون ولى الله من كان مؤمناً تقياً، وأن يعلم عاقبته فالعلم بذلك أسهل، ومع هذا يمكن العلم بذلك للولى نفسه ولغيره، ولكنه قليل، ولا يجوز التهجم بالقطع على ذلك"(46).
ويضع ضابطاً لذلك فيقول : "فمن ثبتت ولايته لله بالنص، وأنه من أهل الجنة كالعشرة وغيرهم، فعامة أهل السنة يشهدون له بما شهد له به النص، وأما من شاع له لسان صدق من الأمة، بحيث اتفقت الأمة على الثناء عليه0 فهل يشهد له بذلك ؟ هذا فيه نزاع بين أهل السنة، والأشبه أن يشهد له بذلك، هذا فى الأمر العام، وأما خواص الناس فقد يعلمون عواقب أقوام بما يكشفه الله لهم"(47)0
ويستدرك القشيرى على هذه المسألة فيقرر أن معرفة الولى بولايته وأنه من أولياء الله أمر ليس على الوجوب، كما أنه ليس على الخلق معرفة ولايته على الوجوب، ويضيف إلى ذلك أنه ليس من الضرورى أن تكون كل كرامة لولى يجب أن تكون هى بعينها لجميع الأولياء "ولا يقدح فى ولاية الولى عدم وجود كرامة ظاهرة عليه فى الدنيا"(48)؛ لأن الكرامات هبات ومنها الظاهر والخفى0
ويسيطر على الصوفية خوف العاقبة بشدة، حتى لا يترك أحدهم على الإطلاق، ويختلف من صوفى إلى آخر، فأحدهم يعانى خوف المكر والاستدراج، والآخر يخاف من السقوط فى حال البعد أو الارتداد وهكذا، والقشيرى يؤكد أن الغالب على الأكابر الخوف، وقد كان السرى السقطى وهو من مشايخ الصوفية الكبار يعبر عن هذه الحالة بقوله : "لو أن واحداً دخل بستاناً فيه أشجار كثيرة وعلى كل شجرة طير يقول له بلسان فصيح : السلام عليك يا ولى الله0 فلو لم يخف أنه مكر لكن ممكوراً"(49) .
ويؤكد حال الخوف عند الأولياء، ما يقوله الهجويرى من أن العامة تظن أن الأولياء يشعرون بالأمن إذ ليس لديهم خوف أو حزن؛ فيقول : "والحقيقة أنهم لا يشعرون بالأمن، إذ أن الأمن ينشأ من عدم روية ما هو خاف، ومن تجاهل الوقت وأن عدم الشعور بالأمن من صفات من لا ينظرون إلى بشريتهم، ولا يقنعون بصفاتهم"(50)0
وأكثر الصوفية والقشيرى يرون جواز سقوط هذا الخوف عن الولى، إذا علم حسن عاقبته، كما أن الخوف لايليق بالأولياء، إذ أنهم فى مقامات التوحيد والمشاهدة فى حالة فناء عن شاهدهم، ومن كان مصطلماً عن شاهده، ومختطفاً عن إحساسه بحاله، فهو مستهلك عنه فيما استولى عليه، والخوف من صفات الحاضري"(51)0
فكيف يخاف وهو فى غيبة وفناء تام عن نفسه؟
و يقول الجنيد : "من صفة الولى ألا يكون له خوف؛ لأن الخوف توقع مكروه يحل فى المستقبل، أو انتظار محبوب يفوت فى المستأنف0 والولى ابن وقته، ليس له مستقبل ليخاف وكما أنه لا خوف له لا رجاء له؛ لأن الرجاء انتظار محبوب يحصل، أو مكروه يكشف وذلك فى التالى من الوقت ، كذلك لا يحزن؛ لأن الحزن من حزونة الوقت ، ومن كان فى ضياء الرضا وروضة الموافقة فأين يكون له حزن"(52).
ومع ذلك فالصوفية على حذر من تغير الحال أو انقلاب أوقاتهم، فأجازوا تغير عاقبة الولى فى المآل؛ وإن كان فى الحال مؤمناً على الحقيقة(53)؛ ولا يستبعدون ذلك لعلمهم أن الأمر كله بيد الله،
وكل بقدره وما قدر عليه.
وكان لابد للصوفية فى معرض حديثهم عن الولاية بيان ما يميز الولى والفرق بينه وبين النبى فى ذلك، فقرروا أن من شروط الولاية أن يكون الولى محفوظا كما أن من شروط النبوة أن يكون النبى معصوماً، وكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخدوع(54).
ويؤكد الصوفية على أن الولى تابع والنبى متبوع ،فكان مناسباً أن يتوج الحق الأنبياء بالعصمة لما يتميزون به من تكليف ،ولضمان تبلغيهم ما أرسلوا به من ربهم ،ولكونهم قدوة وأصحاب هدايات، فلا يعقل أن يجردوا من خاصية تضمن لهم سلامة التبليغ، أما الولى فغير مكلف، يقول الطوسى : "كل ولى من الأولياء ينال من الكرامة بحسن اتباعه لنبيه r فكيف يجوز أن يفضل التابع على المتبوع، والمقتدى على المقتدى به؟"(55).
ويبين القشيرى الفرق بين المعصوم والمحفوظ، بأن المعصوم لا يلم بذنب البتة، والمحفوظ قد تحصل منه هنات، وقد يكون له - فى الندرة - زلات، ولكن لا يكون له إصرار"(56) ويبرئ من هذه الذنوب الأنبياء، لعصمتهم على وجه الوجوب(57).
وما يحفظ الله به أولياء يشبه ما يعصم به أنبياءه، ولكن مع الفرق فى درجة الوجوب : "أشد المحن ارتكاب المعاصى، فيعصمه الحق-أى الولى-على دوام أوقاته من الزلات، ولا يكون معصوما على الوجوب، كما هو الحال للنبى . . "(58) وهذا الحفظ بتوفيق من الله تعالى ورعاية منه لأوليائه عما يكون سبباً لفتنة غيرهم، فإن لم يتصل منهم نفع بالخلق فلا يصيب أحداً بهم فتنة(59).
ويؤكد الجنيد على أن الأولياء يجوز أن يصيبهم هنات الذنوب، سأل هل يزنى العارف؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال : {وكان أمر الله قدرا مقدورا}(60) وهذا يعنى جواز ميلهم للذنوب فى بعض الأحيان، إلا أن عناية الله تدركهم بلطفه ورحمته، فيردون من حال الغفلة إلى حال اليقظة(61).
وقد بسط ابن تيمية القول فى هذه المسألة فقال : "ليس من شروط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين فى بعض الأشياء خطا مغفورا لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقا، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر أو الكفر الذى تعقبه التوبة.."(62).
وهذا القدر من مسألة الحفظ للأولياء هو موضع اتفاق بين أهل السنة والجماعة والصوفية، ولا يشذ عن هذا الاتفاق سوى غلاة الروافض الذين يذهبون إلى عصمة الأئمة عصمة مطلقة، ومن تشبه بهم من غلاة الصوفية، الذين زعموا عصمة بعض المشايخ وأبوا القول بجواز الذنوب عليهم أو الخطأ(63) . ويتفق القشيرى مع مشايخ الصوفية على وجوب احترام الأولياء جملة وتفصيلاً، والإيمان بأن الله فضلهم بالولاية، وإن ميز بينهم من حيث الدرجات، وحفظهم من عذاب جهنم، وعذاب البغتة(64) .
وقد قاس الصوفية مدى ولاية الولى بقدر التزامه بالشريعة ظاهراً وباطنا، وأخذه بآداب الكتاب والسنة، وأما من شذ عن ذلك فزعم إسقاط التكاليف، أو ترك معلوماً من الدين بالضرورة تبرؤا منه ونبذوه ونفروا المريدين عنه، ويأتى مصداقا، لذلك ما يروى عن أبى يزيد البسطامى من أنه قصد أحد هؤلاء الذين يزعمون الولاية، فلما وافى مسجده فقعد ينتظر خروجه فخرج الرجل وبصق فى المسجد!، فا نصرف عنه أبو يزيد ولم يسلم عليه0 وقال : هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب الشريعة، فكيف يكون أميناً على أسرار الحق(65)؟!.
وبمثل هذا القدر من الصدق مع النفس والإيمان بالله عامل الصوفية ربهم، ولذلك أكدوا على أن تاركى الشريعة ما هم إلا بعض الزنادقة، يقول الهجويرى : "بعض الزنادقة يقولون بمبدأ خطير مفاده أن عبادة الله تعالى لازمة لنيل الولاية، ولكن إذا بلغ الإنسان مرتبة الولاية أهملها0 وهذا خطأ محض، حيث أنه لا يوجد مقام من مقامات طريق الحق يجوز فيه ترك العبادة"(66).
وتعرض الصوفية لموضوع كرامات الأولياء، فتناولوا موضوع إثباتها، وهل يظهرها الولى أم يكتمها؟، وما الفرق بينها وبين المعجزة؟.
ويتفق القشيرى والصوفية على جواز ظهور الكرامات على يد الأولياء، ويقول : "الدليل على جوازه أنه أمر موهوم حدوثه فى العقل، لا يؤدى حصوله إلى رفع أصل من الأصول، فواجب وصفه سبحانه بالقدرة على إيجاده، وإذا وجب كونه مقدوراً لله سبحانه، فلا شئ يمنع جواز حصوله"(67) .
ويتفق أهل السنة والجماعة على جواز ظهور الكرامات على يد الأولياء، ما دام الولى متعبا لأوامر الشرع الشريف، ويقتدى بالنبى ، ولا يبتدع فى الدين ما ليس فيه، لأنه لا يستحيل عقلاً، والكرامة هبة وفضل من الله لعباده المخلصين، وإظهارها لا يخالف أصول الشريعة السمحاء"(68).
يقول البغدادى : "يجوز ظهور الكرامات على الأولياء، وجعلوها دلالة على الصدق فى أحوالهم، كما كانت معجزات الأنبياء دلالة على صدقهم فى دعاويهم(69).
ولا خلاف بين الصوفية على أن المعجزة للنبى والكرامة للولى، "المعجزات تختص بالأنبياء والكرامات بالأولياء"(70).
ويقول سهل بن عبدالله التسترى : "الآيات لله، والمعجزات للأنبياء، والكرامات للأولياء ولخيار المسلمين(71) ".
وعد الصوفية ظهور الكرامات علامة صدق الولى فى أحواله، فمن لم يكن صادقاً فى أحواله فظهور الكرامات عليه لا يجوز، والكرامة فى حد ذاتها تعد ميزاناً للتفريق بين أهل الحق والباطل، وأهل الصدق والادعاء، ويعنى هذا أن الكرامة دليل على حسن اتباع الولى لنبيه، ويؤكد هذا المعنى الطوسى فيقول : "كل ولى من الأولياء ينال من الكرامة بحسن اتباعه لنبيه"(72).
ويشير ابن خلدون إلى الفرق الذى نميز به بين الكشف وما يفعله السحرة والدجالون، بأن الكشف يحدث لأهل الاستقامة وأصحاب السمعة الطبية والأخلاق الحسنة، ولا ينشأ عن قضية العقل والبرهان وليس طريقها لتناقش من قبله قبولاً ورداً،إذ هى من قبيل الوجدانيات(73).
وقرر القشيرى من قبل أن الكرامة ليست شرطاً فى مسألة الولاية، وإلى هذا المعنى ذهب ابن تيمية حيث أشار إلى أنها تأتى حسب حاجة الشخص، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان، أو المحتاج إليها من عباده المتقين أتاه الله ما يقوى إيمانه، ويسد حاجته، إذ أن قضية المعاينة أكثر تأكيداً وأشد فى طمأنينة القلب، ومن كان أكمل ولاية، كان أكثر استغناء عن الكرامة، فلا تأتيه لقوة إيمانه لا لنقص ولايته، ويستشهد بالتابعين والصحابة، فقد كانت الكرامات فى الأولين أكثر منها فى الصحابة، لشدة وقوة إيمانهم رضوان الله عليهم(74).
ويحرص الصوفية على توجيه النصح إلى المريدين، ومن ظهر على أيديهم بعض الفتوح، ألا يسكن إلى الكرامة وألا يلاحظها، ويذكر القشيرى أنه : "ربما يكون لهم فى ظهور جنسها قوة يقين وزيادة بصيرة، لتحققهم أن ذلك فعل الله، فيستدلون بها على صحة ما هم عليه من العقائد(75)0
كما يفرقون بين المعجزة والكرامه من ثلاثة نواح:
أولها وجوب إظهار المعجزة، بينما الواجب فى الكرامة أن يكتمها الأولياء، ويعلل القشيرى لذلك بقوله : "الأنبياء لهم مقام مشهور مؤيد بالمعجزات الظاهرة؛ لأنهم للخلق قدوة فأمرهم على الشهرة، وأمر الأولياء على الستر"(76) 0
وإلى هذا المعنى ذهب أبو على الروز بارى فقال : "كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار الآيات والمعجزات، كذلك فرض على الأولياء كتمانه؟ لئلا يفتتن بها الخلق(77).
والثانى: اقتران المعجزة بدعوى النبوة، أما الكرامة فلا تقترن بدعوى النبوة(78).
فالأنبياء يحتجون بالمعجزة على أقوامهم، أما الأولياء فيحتجون بالكرامة على أنفسهم، حتى تطمئن فلا تضطرب ولا تجزع بعد مواقعتها للحدث عيانأ وشهوداً لا عن طريق الحكاية والأثر.
يقول الطوسى فى هذا المعنى: "إن الأنبياء عليهم السلام يحتجون بمعجزاتهم على المشركين؛ لأن قلوبهم قاسية لا يؤمنون بالله عز وجل، والأولياء يحتجون بذلك على نفوسهم، حتى تطمئن ولا تضطرب ولا تجزع .... يظهر لهم الكرامات تأديبا لنفوسهم وتهذيبا لها وزيادة لهم، ويكون فى ذلك فرق بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام؛ لأنهم يعطون المعجزة للاحتجاج بها فى الدعوة والدلالة على الله تعالى، والإقرار بواحدنيته تعالى"(79) .
والثالث : هو أن زيادة المعجزات بالنسبة للأنبياء، يكون أتم لمعانيهم ودلالة على فضلهم، وزيادة الكرامات بالنسبة للأولياء يكون استدراجا لهم، ويلمس القشيرى هذه النقطة فيقول إن الولى :"إن ظهر عليه شئ من الكرامات خاف أن يكون مكراً"(80).
وذلك لأنه يرى نفسه دائما بعين التصغير، أما الأنبياء فلا يجدون ذلك فى نفوسهم من المعجزات، ويبين الطوسى أن : "الأنبياء كلما زيدت معجزاتهم، وكثرت يكون أتم لمعانيهم وأثبت لقلوبهم .. وهؤلاء الذين لهم الكرامات من الأولياء كلما زيدت فى كراماتهم يكون وجلهم أكثر، وخوفهم أكثر، حذرا أن يكون ذلك من المكر الخفى لهم والاستدارج، وأن يكون ذلك نصبيهم من الله -عز وجل-وسببا لسقوط منزلتهم عند الله-عز وجل-"(81) .
أما عن طبيعة هذه الكرامات التى أقرها الصوفية، فيقول القشيرى "إنها قد تكون إجابة دعوة، أو ظهور طعام فى غير أوان زراعته، أو فى وقت فقر وجوع وفاقه من غير سبب ظاهر، أو حصول الماء فى زمن عطش وشدة، أو تسهيل قطع مسافة فى مدة قريبة، أو إهلاك عدو، أو سماع خطاب من هاتف، أو غير ذلك من فنون الأفعال الناقضة للعادة"(82) .
ويؤكد الصوفية أن قلب العادة على يد الأولياء أو ببركة وجودهم-من قبل الله عز وجل-غير مستنكر ولا مبتدع، كما أن المشى فى الهواء للأولياء، وقطع المسافات البعيدة فى مدة يسيرة مما يعلم وجوده قطعاً فى هذه الأمة وإن لم يعلمه الأفراد والآحاد على التعيين0 وإظهار ذلك على خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفه، يدل على أن مقامه صلى الله عليه وسلم أشرف"(83).
ويؤكد هذا المعنى ما سبق ذكره من أن الصوفية والقشيرى، يرون فى كرامة الولى دليل صدق النبى الذى هو من أمته، وأن كل شرف للولى هو فى الأصل شرف للنبى، فى خطوته ورتبته0
أما أفضل وأجل كرامات الأولياء عند الصوفية والقشيرى هو دوام التوفيق للطاعات، والعصمة من المعاصى والمخالفات، واستدل الصوفية على ثبوت الكرامات بحكايات كثيرة ثابتة بالكتاب والسنة وما ذكره الصوفية عن مشايخهم وحدث لهم، ويذكر القشيرى أن الكرامات ظهرت على يد السلف من الصحابة والتابعين ثم على يد من بعدهم ما بلغ حد الاستفاضة(84) .
وقد مثلت الكرامة عند الصوفية ما اعتبره بعض الدارسين جوهر التصوف وقطب رحاه، وحتى ليكاد يظن أن لا تصوف من غير خوارق، ولا صوفية من غير كرامة سواء فى ذلك الواصلون أو السالكون، وحصولها بالنسبة لهم أمر سهل، فمن زهد فى الدنيا أربعين يوماً صادقاً مخلصاً تظهر له الكرامات من الله عز وجل(85) .
والكرامة فى حد ذاتها لم تكن مطلب الصوفية الأوائل، وحتى زمن القشيرى، فقد كانوا يعدونها من قبيل الاستدارج، فيزدادون خوفا منها على أنفسهم وعلى أحوالهم العالية، ولذلك نجد واحدا كسهل بن عبد الله يفسر الكرامة تفسيراً أخلاقيا فيقول : "أكبر الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاقك"(86). وهذا يتفق مع الإطار العام للتصوف، والذى عرّف التصوف فى أحد صوره بأنه أخلاق ومن زاد عليك فى الخلق فقد زاد فى التصوف، ولا غرابة فى ذلك إذ إن التصوف فى جملته دعوة إلى الخلق والفضيلة عن طريق التحلى والتخلى، كما سبق وأشرنا فى مواضع عدة.
ولكن ما لا يكاد يفهم إلا وتصحبه علامات كثيرة من التعجب، هو زعم الصوفية أن فى مقدورهم التصرف فى الكون بهمتهم، فيقول القشيرى وهو ممثل تيار الاعتدال والوسطية عند الصوفية : "من قام بحق الله-سبحانه-سخر له الكون بجملته، ومن اشتغل برعاية سره لله، وقام بحق الله واستفرغ أوقاته فى عبادة الله، مُكّن من التصرف بهمته فى مملكة الله، فالخلق مسخر له والوقت طوع أمره، والحق-سبحانه-متول أيامه وأعماله، يحقق ظنه، ولا يضيع حقه"(87) .
لقد أقام الصوفية -كما يفهم من النص السابق -من أنفسهم سدنة على الكون يرثون من الله حق رعاية العالم وتصريف أموره!
وإلى هذا المعنى أشار ابن خلدون فى مقدمته فيقول : "إن المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس، والاطلاع على عوالم من أمر الله، وليس لصاحب الحس إدراك شئ منها، والروح من تلك العوالم، وأن هذا الكشف كثيراً ما يعرض لأهل المشاهدة، فيدركون من حقائق الوجود ما لا يدرك سواهم، وكذلك يدركون كثيرا من الواقعات قبل وقوعها، ويتصرفون بهمتهم وقوى نفوسهم فى الموجودات السفلية وتصير طوع إرادتهم"(88) .
ويتجاوز الصوفية كل حد فى حكاياتهم عن الكرامات، والتى لا تقف عند حد معين، حتى صارت هدفاً لكل مريد مبتدئ، ويطمح فى الوصول إلى ما يسمع من طى الأرض طياً فى لمح البصر، وإيجاد الطعام والماء فى الصحراء، وانتهاء بالتصرف فى الكون بهمته أو القسم على الله ألا يقيم القيامة!
ولا تحتاج مبالغات الصوفية فى الكرامات لرد، والعجب من الصوفية حين ينتظرون أن يصدقهم أحد فيما يزعمونه من حكايات فى هذا الباب، ولهم دعاوى عريضة وإن صرحوا بغير ذلك(89) 0
ومن جنس ما ذكرنا ما حكى القشيرى أن صوفيا كان على جبل منى، فقال لو أن وليا من أولياء الله تعالى أمر هذا الجبل أن يميد لماد، قال : فتحرك الجبل0 فقال : اسكن لم أردك بهذا، فسكن الجبل(90).
ومن عجيب ما يذكر الصوفية ما قاله أبو طالب المكى : "قيل لأبى يزيد البسطامى بلغت جبل كاف؟ فقال : جبل كاف أمره قريب الشأن، فى جبل كاف وجبل عين وجبل صاد قيل : وما هذا ؟! قال : هذه جبال محيطة بالأرضين السفلى حول كل أرض جبل بمنزلة جبل كاف ...
وقد كان أبو محمد يزعم أنه صعد جبل كاف ورأى سفينة نوح مطروحة فوقه، وكان يصفه ويصفها، وقال : لله عبدا بالبصرة يرفع رجله وهو قاعد فيضعها على جبل كاف"(91).
وإن لم يكن ما ذكرنا سفهاً فما هو السفه فى رأى الصوفية، ولنا أن نرد هذه الأكاذيب بعدم نسبتها إلى صاحبها، لمعرفتنا بزهده وورعه وإخلاصه وحرصه من أن يكذب على الله ورسوله، وهذا ظننا بأبى يزيد البسطامى، وإلا فما هى هذه الجبال، وأين ذهبت بعد ذلك ونحن نرى العالم كله بالأقمار الصناعية وما لجبل كاف وقاف وعين من أثر يذكر!(92).
وقد كان الشيطان يتمثل كثيرا لبعض ضعاف الإيمان وجهال الصوفية، ويزين لهم أشياء نهى الله عنها، يعتبرها الجهال كرامات، كأن يتمثل فى صورة شخص يستغاث به أو صوت استجابة لنداء، أو دعاء فيظنه بعضهم من الله وقد يظهر فى صور وأشكال مختلفة، ويقوم بأفعال عجيبة.
ومن ذلك ما حدث للشيخ عبد القادر الجيلانى فى حكايته المشهورة، قال: "كنت فى العبادة فرأيت عرشا عظميا عليه نور0 فقال لى : يا عبدالقادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك0 قال : فقلت له : أخسأ يا عدو الله0 قال : فتمزق النور وصار ظلمة0 وقال : يا عبدالقادر نجوت منى بفقهك،لقد فتنت بهذه القصة سبعين رجلا0 قيل له :كيف علمت أنه الشيطان؟ قال : بقوله حللت لك ما حرمت على غيرك0 وقد علمت أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لا تنسخ ولا تبدل؛ ولأنه قال : أنا ربك ولم يقدر أن يقول : أنا الله الذى لا إله إلا أنا"(93).
وخلاصة القول فى الخوارق والكرامات عند الصوفية، هو عرضها على كتاب الله وسنة رسوله قبل الحكم عليها، وعلينا قبول ما وافق مقتضى الشريعة منها، ونرد ما خالف ذلك(94)، وهذا هو الحق فى الموضوع وينبغى العمل به تجاه ما يقوله الصوفية ويحكونه من خوارق العادات والكرامات0
ونود أن نؤكد على حقيقة ماثلة فى التصوف ولا تغيب عن كل صوفى، وهى أن لب التصوف وأشرف مقاصده التوفيق والهداية إلى الله تعالى لا الولاية، وقد رأينا أنه يجوز ألا يعرف الولى أنه ولى، وكذلك ليس من قصد التصوف السعى وراء الكرامات : "فمن أكحلنا بصيرتهم بنور الهداية صدقوا بمقتضى مساعدة العناية"(95) .
ولا يفرق الصوفية بين السالكين والواصلين فالكل سواء من حيث التأدب بآداب الشريعة، والتهذب بسلوكياتها الرفيعة، وفعل الفضائل وهجر الرذائل، والتصوف بذلك منهج أخلاقى متكامل محصلته النهائية رضا الله ومحاول الوصول إلى محبته لهم، وهى غاية الصوفية القصوى، ولذلك يتمنون لقاءه فى شوق مستمر لا ينطفئ، ولكن أنىّ لهم ذلك فى الحياة الدنيا(96) .
وسبق أن عرفنا القشيرى موقفه من موضوع جواز رؤية الله فى الدنيا على سبيل الكرامة، ورأى عدم جواز ذلك مع غالبية علماء أهل السنة والجماعة والصوفية، وإن كان لشيخه فى المذهب الأشعرى أبى الحسن قولان فى كتابه "الرؤية الكبير" فى موضوع الرؤية، إلا أن الراجح عنده وفى المذهب عدم جواز ذلك0 وهو المعقول وما نميل إليه : قال تعالى : {وجوه يومئذ نا ضرة إلى ربها ناظرة}(97) فلو لم تكن الرؤية فى الآخرة على وجه التحقيق، ما جعلها أقصى ما يشتهون فى نفوسهم
{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}(98) والقشيرى من القائلين بأن الزيادة هو رؤيته تعالى فى الجنة.
وثمه خلاف بين الصوفية فى وقت حدوث الكرامات للأولياء، هل تحدث فى حال صحوهم وتمكينهم أم فى حال غلبتهم وغيبتهم؟ وهو خلاف بين أصحاب الحقيقة والمكاشفة وأصحاب المعاملات والمجاهدات، ويمثل الأولون الترمذى والجنيد والمحاسبى، والذين يرون دوام الولاية على كل حال، حتى أنهم رأوا أن الولاية لا تسلب من الولى عند إقدامه على المعاصى والذنوب، وجعلوا لذلك ضابطا هو فعل الولى لما يخرجه عن الشريعة والحقيقة، أما ما دون ذلك فلا يسوغ سلب الولاية منه0
أما الآخرون فيمثلهم التسترى والدارانى وحمدون القصار ويرون الولاية متوقفة على دوام الطاعات، وكون الولى فى حظيرة الإيمان بأنوارها.
وأعتقد أنه خلاف شكلى فى ظل القول بأن الولى محفوظ من المعاصى والذنوب، وأنه إن أقدم فإنما يقدم على الهنات التى عصم منها الأنبياء لنبوتهم، وإلا كيف يكون ولياً وفى الوقت نفسه معاقراً للمعاصى(99).
ويعزز خلاف الصوفية فى مسالة الصحو والغلبة عند حدوث الكرامة الفرق بين المعجزة والكرامة، والنبوة والولاية، حيث أن النبى تحدث له المعجزة حين صحوه؛ لأنه يدعو بها قومه ويحتج بها عليهم، بالإضافة إلى أن النبى مخير بين المعجزات، وعليه إشهار معجزته، فالنبى صاحب شهرة والولى صاحب ستر، والكرامة لا يمكن إثباتها إلا فى حال الكشف، والتى هى رتبة القرب أما عند عودة الأولياء إلى بشريتهم أصبحوا محجوبين، فالأولياء فى حال صحوهم كالعامة، وفى حال غلبتهم كالأنبياء(100) .
ويتفق القشيرى مع الرأى القائل بأن الكرامة لا تحدث للولى إلا فى حال غلبته وغيبته وسكره، والأكثر أهمية فى هذا الموضوع ما يرسمه القشيرى(101) من خطة لحياة الولى فى حال صحوة عند اختلاطه بالناس فى حضور بشريته، فيحثه على أداء التكاليف الشرعية والوقوف عند آداب الدين، وإقامة الشريعة والحقيقة جمعياً، فلا فرق بين حقيقة وشريعة، ومن خالف ظاهره باطنه فهو فاسق، أما من خالف ظاهره باطنه فهو منافق، وكذلك على الولى حسن الخلق فى سياسية الخلق والتعامل معهم فى حياتهم الاجتماعية وممارساتهم اليومية من بيع وشراء وأخذ ورد، ويؤكد على قضية التراحم بين عباد الله، فالراحمون يرحمهم الله.
والأولياء أكثر خلق الله حاجه لرحمته ولطفه تعالى بهم، كما أن الإيثار وتحمل هنات الخلق وحسن عشرة الأصحاب من الفقراء طريق إلى بلوغ مقامات الإحسان، ورغبته فى هداية الخلق ونجاتهم من النار، والتخلى عن ردئ الأخلاق من الحقد والحسد للناس فيما رزقهم الله من فضله وتركه ذلك زهدا وطواعية ورغبة فيما عند الله، وحفظ اللسان والصمت وعدم السير بين الناس فى السر والعلن بالغيبة والنميمة، وإسدال الستر على عيوب الخلق من أبرز عوامل إشاعة الحب ورجم نقاط الخلاف بين الناس فى حياتهم الاجتماعية، وبالتالى انتشار الأخوة والألفة بين المسلمين ببركة توجيهات الأولياء وكونهم قدوة فى ذلك.
درج الصوفية بعد جيل المشايخ الكبار وخاصة بعد القرن الثالث الهجرى على استخدام بعض الألقاب، وجرت على ألسنتهم، ونسبوا إليهم بعض الأعمال فى هذا الكون، وتأثر القشيرى بما تأثرت به الأوساط الصوفية فى زمانه من رياح الحديث عن الغوث والقطب والبدلاء، وهم كبار أولياء الله فى كل زمان ينطقون عن الحق سبحانه، ومن هنا ارتبط موضوع الأولياء والولاية عند الصوفية بالحديث عن هؤلاء النفر المزعومين، الذين يتصرفون بهمتهم فى الكون.
يقول القشيرى : "الأرض تنقص بموت العلماء، وعند الصوفية بموت الأولياء" ، ثم يقرر .. أنهم إذا أصاب الناس بلاء ومحنة فزعوا إليهم، فيدعون الله لكشف البلاء عنهم، وذلك لصلاحهم وورعهم وتقواهم.
وفى إطار العلوم الشرعية والفقهية والمعارف العقلية كلما مات عالم أثر ذلك فى دنيا العلم بالسلب، وهو ما يتفق مع ما قاله النبىصلى الله عليه وسلم من أن العلم يموت بموت العلماء، فإذا جاء مسترشد فى طريق الله بعدهم لم يجد من يهديه إلى الله.
ويستأنس الصوفية بهذا الحديث عن العلماء، ويرون أن الأولياء كذلك يفعلون، ينطقون فى كل زمان عن الحق سبحانه، فإذا وقعت فترة سكن ذلك اللسان، ويعتقد القشيرى أن قول الله تعالى:{أو .(102) لم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها}
أن فيها إشارة إلى أن النقصان فى الأطراف هو موت أولياء الله(103).
ونجد القشيرى كلما تعرض للحديث عن الجبال كثيراً ما يذكر الأوتاد والأبدال والأقطاب. ويقرر أن الله يمسك الأرض ويثبتها بالجبال، ولذلك هؤلاء يحفظون الخلق، وبكراماتهم يندفع البلاء عنهم "كما نسير جبال الأرض يوم القيامة، فإنها تقتلع بموت الأبدال الذين يديم بهم الحق اليوم إمساك الأرض، فهؤلاء السادة فى الحقيقة أوتاد العالم" (104).
فمن هؤلاء الأتاود؟ يقول القاشانى : "هم الرجال الأربعة الذين هم على منازل الجهات الأربع من العالم، أى : الشرق والغرب والشمال والجنوب، بهم يحفظ الله تعالى تلك الجهات؛ لكونهم محال نظره تعالى(105).
أما القطب فهو الواحد الذى هو موضع نظر الله تعالى من العالم فى كل زمان، وهو على قلب إسرافيل عليه السلام(106) .
والغوث هو "القطب حين يلتجأ إليه، ولا يسمى فى غير ذلك الوقت غوثاً"(107).
ويقول عنه ابن عربى : "هو واحد فى كل زمان بعينه، إلا أنه إذا كان الوقت يعطى الالتجاء إلى عناية"(108).
أما النقباء فهم الذين تحققوا بالاسم الباطن، فأشرفوا على بواطن الناس، واستخرجوا خفايا الضمائر، لانكشاف الستائر لهم عن وجوه السرائر وهم ثلاثمائة(109).
والأولياء عند القشيرى -هم غياث الخلق، وبهم يرحم الله عباده، وكذلك الأوتاد والأقطاب0 فيقول : "أجرى الحق ألا يخلى البسيطة من أهل لها هم الغياث، وبهم دوام الحق فى الظهور، وفى معناه قالوا :
إذا لــم يكن قطـــب *** فمــن ذا يديرهـــا؟
فهدايتهم بالحق أنهم يدعون إلى الحق، ويدلون على الحق، ويتحركون بالحق ويسكنون للحق بالحق، أولئك هم غياث الخلق بهم يسقون إذا قحطوا ويمطرون إذا أجدبوا ويجابون إذا دعوا"(110) وإلى هذا المعنى يذهب أبو نعيم فى الحلية، ويستدل بحديث رسول الله عليه وسلم : "خيار أمتى فى كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأبدال، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه، وأدخل من الأربعين مكانهم"(111) .
ويذكر الجرجانى أن الأبدال سبعة، فيقول : الأبدال .. ينقلبون من حال إلى حال، ويبدلون من مقام إلى مقام وهم سبعة، والبدل من سافر من موضع وترك جسدا على صورته، حيا ً بحياته، ظاهراً بأعمال أصله، بحيث لا يعرف أحد أنه فقد، وذلك هو البدل لا غير، وهو فى تلبسه بالأجساد والصور على صورته على قلب إبراهيم عليه السلام"(112).
أما الأوتاد فيذكر الهجويرى أنهم أربعة يطوفون العالم بجملته كل ليلة(113) .
ولا شك أن الصوفية تأثروا فى هذا الموضوع باتجاهات بعيدة عن الإسلام، وأثرت مفاهيم الشيعة حول الإمامة عندهم على الدرس الصوفى فى هذه الناحية وإلا فأين هذه الأسماء التى اختلقها الصوفية فى كتاب الله أو سنة رسوله r، فذكروا أنه قال : "إن فيهم-أى أهل الشام - الأبدال أربعين رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً"(114) ولا يوجد لهذه الألقاب فى كلام السلف أى أثر كما يذكرها الصوفية بهذا الترتيب، وعلى هذا النحو من الدلالات والمعانى(115) أما كيف تسللت هذه الأسماء إلى الوسط الصوفى عند بعض مشايخ الصوفية فى القرن الخامس الهجرى ومنهم القشيرى، فهذا حديث آخر إلا أنى أعتقد أنه أحد تأثيرات المذهب الشيعى على التصوف خصوصاً فى نواحى بلاد ما وراء النهر، والتى كان يسكنها أغلب الصوفية أصحاب الاتجاهات المختلفة والمتعددة، والتى كان بعضها يتسم بالتطرف وعدم الاعتدال0
وفى إطار الرد على الصوفية فى زعمهم هذه الأسماء وتأثيراتها على الكون، نجد عالماً كابن تيمية يقرر بطلانها، بسبب أن هذه الأسماء على هذا النحو من الترتيب والأعداد الدقيقة والطبقات المختلفة ليست بضروريه فى كل زمان، والقطع بأن هذا الأمر على عمومه وإطلاقه باطل؛ لأن المؤمنين يقلون تارة، ويكثرون أخرى، وبالتالى يقل الصالحون وعباد الله المقربين آونة ويزيدون أخرى، كما أنهم ينتقلون فى الأمكنة ، كما أنهم يختلفون من وقت لآخر فى درجة الإيمان والتقوى قوة وضعفا حتى يقال أن عدداً معنيا يدخلون فى مكان واحد فى جميع الأزمنة(116)!0
والنقد الثانى الذى يوجه إلى هذه الفكرة الصوفية التى تعتمد الأسماء والألقاب فى شأن الولاية سندا لها، هو استخدامهم بعض الألفاظ التى لا تطلق إلا على الله تعالى كلفظ الغوث، والغياث لا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين ولا يجوز بوجه من الوجوه لأحد الاستغاثة بغير ه لا بملك مقرب ولا نبى مرسل0 ومن الهوس والزعم الباطل القول بأن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التى يطلبونها من كشف الضر عنهم ونزول الرحمة بهم إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة يرفعونها إلى السبعين والسبعين إلى الأربعين والأربعين إلى السبعة والسبعة إلى الأربعة والأربعة إلى الغوث !!(117)0 إذا فما أكثر الأنداد والشركاء الذين نقضوا حقائق التوحيد بالشرك الصريح وأى قول على حقيقته يقصد به ذلك لا شك يكون شركا، مهما قيل من تبريرات عنه0 ولا سند للصوفية من كتاب أو سنة فى أنه كلما مات أحد الأبدال الأربعين استبدله الله بآخر، أو أن الغوث هو الذى يغيث أهل الأرض ويتصرف فى رزقهم ونصرهم، وكل ذلك باطل بإجماع السلف0
والنقد الثالث الذى يوجه للصوفية فى هذا الشأن والزعم بأن الله يخرق للأبدال العادة بصفة مستمرة دون انقطاع، وأنهم رجال الغيب، فهو هراء وإفك ليس من الدين فى شئ0 والله تعالى قد يخرق العادة لأحد أوليائه لدفع عدو عنه، أو عن غيره عن طريقه، أو لغير ذلك من الأسباب فى وقت من الأوقات على سبيل الكرامة ونصرة أوليائه، وهذا لا يتناقض مع إيماننا بأن الله ينور قلوب أوليائه ويهدى سرائرهم ويضع فيه من الأنوار والمعارف ما يعلمه ويغيب عن الناس، والواقع لله مع أوليائه أمور تغيب عن أكثر الخلق(118) أما على الوصف السابق من إدارة وتدبير مملكة الله، والواسطة بين الله والخلق فلا يقول به أهل الإسلام0
ويمكن رد هذه الأمور وأشباهها إلى ضابط لا يتخلف أبداً ومصدر يهدى المؤمنين إلى ربهم الهادى إلى سواء السبيل، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما كان حقا فيهما أقررناه وأخذنا به، وكل ما أبان عن بطلاناه رد تبعاَ لذلك0
(وفى الختام أرجو أن أكون قد وفقت لما قصدت والله ولى التوفيق)
الهوامـــش :
1- سورة البقرة : 257 .
2- سورة الشورى : 28 .
3- سورة المائدة : 55 .
4- سورة يونس : 62،64 .
5- رواه البخارى، وانظر القشيرى : الرسالة القشيرية، 2/520 0
6- الجرجانى : التعريفات، مصدر سابق، ص 272 .
7- القاشانى : معجم اصطلاحات الصوفية، مصدر سابق، ص 79 .
8- سورة الأعراف : 196 .
9- انظر القشيرى فى الرسالة القشيرية 2/520، وما بعدها واللطائف 2/104، وما بعدها، 664،665 والنووى : بستان العارفين، ص 65 .
10- سورة هود : 20 .
11- سورة فصلت : 31 .
12- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 2/397-3/330 .
13- القشيرى : الرسالة القشيرية، مصدر سابق، 2/522-523 .
14- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 1/502 .
15- انظر القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 1/545-344-137 .
16- انظر القشيرى:الرسالة القشيرية 2/664، واللطائف1/ 455، وانظر كذلك النووى:بستان العارفين،ص 65 .
17- ابن عربى : كتاب الكنه، مصدر سابق، ص 28 .
18- انظر رسالة الأنوار، ص 15، والتجليات، 53، والفتوحات، 2/40-41 0
19- الفتوحات 2/83، 84، 256 0
20- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 1/195 0
21- البغدادى : الفرق بين الفرق، مصدر سابق، ص 366، وأصول الدين، ص 298 .
22- الكلاباذى : التعرف، مصدر سابق، ص 83 .
23- القشيرى : الرسالة القشيرية، مصدر سابق، 2/523 .
24- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 285 .
25- الكلاباذى : التعرف، مصدر سابق، ص 83 .
26- الغزالى : إحياء علوم الدين، مصدر سابق، 1/16 .
27- عادل أمين حافظ : الموقف النقدى من التصوف لدى الصوفية، مرجع سابق، ص 116
28- الجاحظ : ثلاث رسائل، ص 127، طبع فى مدينة ليدن المحروسة بمطبعة بريل، 1903م0
29- د0 فيصل بدير عون : نظرية المعرفة عند ابن سينا، ص 281 .
30- ابن تيمية : درء تعارض العقل والنقل، مصدر سابق، 1/10
31- ابن سينا : إثبات النبوات، ص 46،47، تحقيق : ميشال مرمورة، دار النهار، بيروت، لبنان، 1968م0
32- ابن سينا : النجاة : القسم الثانى، ص 168، ط 2، 1357 هـ -1938م0
33- انظر د/ أبو العلا عفيفى : التصوف الثورة الروحية فى الإسلام، ص 304، دار المعارف : ط 1، 1963م0
34- ابن تيمية : مجموعة فتاوى شيخ الإسلام، 11/368 0
35- أبو طالب المكى : قوت القلوب 2/60 0
36- القشيرى : الرسالة القشيرية 2/664 0
37- انظر د0 عبد الرحمن بدوى : شطحات الصوفية 1/96 0
38- الطوسى : اللمع، ص 537 0
39- ابن عربى : الفتوحات 3/238،239 0
40- انظر الطوسى : اللمع، ص 535، وانظر السلمى أصول الملامتية، وغلطات الصوفية، ص 186 0
41- القشيرى : اللطائف، 2/505 0
42- القشيرى : الرسالة القشيرية، 2/523
43- السابق : 2/521، وانظر الهجويرى : كشف المحجوب، ص 261 0
44- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 261 0
45- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق، 2/524
46- ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل المجلد الأول، ص 52،53 0
47- المصدر السابق0
48- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق، 2/662
49- المصدر السابق، 2/665
50- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 61 0
51- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق، 2/662 0
52- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 260 .
53- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق، 2/666 .
54- المصدر السابق، 2/512 .
55- الطوسى : اللمع، مصدر سابق، ص 536 .
56- القشيرى :اللطائف 2/105 ،والرسالة القشيرية 2/665 0
57- البغدادى :الفرق بين الفرق، مصدر سابق، ص 366 .
58- القشيرى: اللطائف، مصدر سابق، 2/105 0
59- زروق :قواعد التصوف، مصدر سابق، ص 131 .
60- سورة : الأحزب 38 0
61- الجيلانى : فتوح الغيب، مصدر سابق، ص16 .
62- ابن تيمية :مجموعة الرسائل والمسائل المجلد الأول 54، وانظر الهجويرى :كشف المحجوب، ص 270
63- ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل، مصدر سابق، 1/54 0
64- انظر القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 1/356-390-622 .
65- القشيرى : الرسالة القشيرية، مصدر سابق، 2/521 .
66- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص262 .
67- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق 2/660 .
68- انظر الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 263 .
69- البغدادى : الفرق بين الفرق، مصدر سابق، ص366،367 .
70- الهجويرى : كشف المحجوب، ص 263، والقشيرى : الرسالة، ص 206، طعبة مصطفى الحلبى .
71- الطوسى : اللمع، مصدر سابق، ص 390 .
72- المصدر السابق، ص 536 .
73- انظر ابن خلدون : المقدمة، ص 470، طعبة لبنان .
74- ابن تيمية : الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، مصدر سابق، ص 138 .
75- القشيرى : الرسالة القشيرية، مصدر سابق، 2/663 .
76- القشيرى : اللطائف 3/243، وانظر الهجويرى : كشف المحجوب، ص 268 .
77- السلمى : كتاب جوامع آداب الصوفية، ص 57، وانظر الجيلانى : الفينة 2/163 .
78- القشيرى : اللطائف، 2/661، وانظر الهجويرى : كشف المحجوب، ص 266 .
79- الطوسى : اللمع، مصدر سابق، ص 393-395 .
80- القشيرى : الرسالة القشيرية، مصدر سابق، 2/521 .
81- الطوسى : اللمع، مصدر سابق، ص 395.
82- انظر القشيرى : الرسالة 2/664، واللطائف 1/454، وانظر الهجويرى : كشف المحجوب، ص 274، وما بعدها والنووى : بستان العارفين، ص 65، وما بعدها .
83- انظر القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 2/378-3/257-1/455 .
84- انظر القشيرى:الرسالة القشيرية 2/667-713، والنووى : بستان العارفين، ص 69-80 0
85- الطوسى :اللمع، مصدر سابق، ص 351 .
86- القشيرى : الرسالة، مصدر سابق، 2/679 .
87- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 3/74 0
88- ابن خلدون : المقدمة، ص 469، طبعة دار البيان، بيروت، لبنان، د0ت0
89- د/عبد الفتاح الفاوى : التصوف، مصدر سابق، ص 117،118
90- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 2/687
91- أبو طالب المكى : قوت القلوب 2/69 ط. أولى، المطبعة المصرية، 1351هـ - 1932م
92- وليس لقائل أو معترض أن يقول : "يستطيعون أن يجيبوك بأنك تستطيع أن تراها إذا سلكت طريقهم، فمن ذاق عرف ومن اعترض انحرف"؛ لأنه ليس بعد العيان من بيان0
93- ابن تيمية : الفتاوى، مصدر سابق، 1/172 0
94- د/عبد الفتاح الفاوى : التصوف، ص 121،122، وانظر ابن تيمية : مجموعة الرسائل الكبرى 2/311 0
95- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق،3/72
96- المصدر السابق : 3/349 .
97- سورة القيامة : آية 22 0
98- سورة يونس : آية 26
99- الهجويرى :كشف المحجوب، ص 70، سورة يونس : 26
100- الهجويرى : كشف المحجوب، ، ص 271، بتصرف .
101- انظر القشيرى : اللطائف، 2/667 .
102- سورة الرعد : 41 .
103- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 2/236 .
104- المصدر السابق : 2/ 399 .
105- القاشانى :معجم اصطلاحات الصوفية، ص 58، وانظر ابن عربى : اصطلاحات الصوفية، ص 286 .
106- ابن عربى : اصطلاحات الصوفية، ص162، وانظر الجرجانى : التعريفات، ص202 ، والقاشانى : رشح الزلال، ص61 0
107- القاشانى : معجم اصطلاحات الصوفية، ص 185، وانظر الجرجانى: التعريفات، ص 185
108- ابن عربى : اصطلاحات الصوفية، ص293 .
109- القاشانى : معجم اصطلاحات الصوفية، ص116، وانظر ابن عربى : اصطلاحات الصوفية، ص 286 .
110- القشيرى : اللطائف، مصدر سابق، 1/591،592 .
111- وتمام الحديث : "يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون لمن أساء إليهم، ويتواسون فيما آتاهم الله - عز وجل - وهو من مفتريات الصوفية، رواه الديلمى فى الفردوس 2/ 278، ح (2693) وعزاه ابنه للطيرانى وأبى نعيم عن ابن عمر، وكذلك السيوطى فى الجامع الصغير، قال المناوى أن أبا نعيم رواه من طريق الطبرانى فلو عزاه السيوطى له لكان أحسن، وفى سنده اثنان لا يعرفان هما سعيد بن عبدوس وعبدالله بن هارون الصورى عن الأوزاعى وابن عبد وس عن الأوزاعى، والحديث كذب فى أخلاق الأبدال، وقطع بوصفه ابن الجوزى ووافقه ماتت امرأة أبدال الله مكانها امرأة "0 ذكره الديلمى الفردوس 1/145 ح (404) وذكره البيهقى فى السنن الكبرى، وذكره المناوى فى فيض القدير 3 /169،170 ، وقال : "وأورده ابن الجوزى فى الموضوع، ثم سرد أحاديث الأبدال وطعن فيها واحداً واحداً وحكم بوضعها ،وتعقبه المصنف-السيوطى-بأن خبر الأبدال صحيح، وإن شئت قلت متواتر وأطال، ثم قال : مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوى بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة" .أ هـ، وقال السخاوى : خبر الأبدال له طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة، ثم ساق الأحاديث المذكور هنا، ثم قال : وأصح مما تقدم خبر أحمد عن على مرفوعاً : "البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلأكلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث ويتنصر بهم على= = الأعداء ، ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب"، ثم قال-أعنى السخاوى-رجاله رجال الصيحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة أ هـ. وقال شيخه ابن حجر فى فتاوية : "الأبدال وردت فى عدة أخبار منها ما يصح، ومنها ما لا يصح، وأما القطب فورد فى بعض الآثار، وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت "أ.هـ.، نظر الموضوعات 3/152، واللآئى 2/332، وتنزيه الشريعه 2/307، والمقاصد ص 8- 10، والتمييز ص 7، والحاوى 2/417، والكشف 1/24-27، والفوائد ص 245-248، وقال الألبانى فى ضعيف الجامع 1/275 : "ضعيف "أهـ . (بها مش الفردوس ص 1/ 154،155)0
112- الجرجانى : التعريفات، مصدر سابق، ص 52
113- الهجويرى : كشف المحجوب، مصدر سابق، ص 269 .
114- رواه أحمد 1/112 وفى حديث آخر "يوجد ثلاثون من الأبدال فى أمة محمد r" 5/322، فهناك خلاف فى عددهم إن كانون موجودين أصلاً !
115- ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل، مصدر سابق، 1/57 0
116- ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل، مصدر سابق، ص 85 0
117- المصدر السابق : ص 59 .
118- المصدر السابق : ص 61-63 .
اميل: iimaamm_001@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: