الثلاثاء، 31 مايو 2011

قراءة في: الخطاب الديني بين الغلوّ والاعتدال



بشير خلف Thursday 07-10 -2010
إن الإسلام دين الرحمة والتسامح والوسطية. وقد تميزت هذه الأمة عن غيرها من الأمم بكونها أمة الوسطية، كما قال عز وجل: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدا على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” أي خيارا عدولا قد بلغتم الذرى في السمو والشرف. والدلالة الاصطلاحية لمدلول الوسطية تعني التوازن والاعتدال والسمو والرفعة بين طرفي الغلو والتقصير. فالوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم.

وتميزّ ديننا بالسماحة والسير ورفع الحرج عن أتباعه ومع هذا الوصف لهذه الأمة والدين، إلا أن أقواما خالفوا مقصد الشارع الحكيم وخرجوا عن سمة أمة الوسط والاعتدال وتنكبوا الطريق السوي وانحرفوا عن المنهج الصحيح ونزعوا إلى الغلو والتشدد. هذه الظاهرة المؤلمة قد أعطت فرصة لأعداء الإسلام لشن حملة ظالمة من الافتراءات والمزاعم التي أرادت أن تلصق بالإسلام تهم التعصب والإرهاب وعدم التسامح وغير ذلك من الدعاوى التي لا أصل لها في الإسلام ولا سند لها في العلم ولا من الواقع التاريخي. فكان هؤلاء بقصد منهم أو بغير قصد عونا لأعداء هذه الأمة على تحقيق مرادهم في النيل من الإسلام وأهله.

وأطلق العلماء قديما كلمة التطرف الديني على القائل المخالف للشرع،وعلى القول المخالف للشرع وعلى الفعل المخالف للشرع. فهو فهم النصوص الشرعية فهما بعيدا عن مقصود الشارع وروح الإسلام فالتطرف في الدين هو الفهم الذي يؤدي إلى إحدى النتيجتين المكروهتين، وهما الإفراط أو التفريط. والمتطرف في الدين هو المتجاوز حدوده والجافي عن أحكامه وهديه، فكل مغال في دينه متطرف فيه مجاف لوسطيته ويسره. (التطرف في الدين، دراسة شرعية ــ إعداد: د. محمد بن عبد الرزاق، بحث مقدم للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب 2004م ص5، 6).

إن مصطلح التطرف الديني لم يرد لفظه في الشرع، وقد استعمله بعض العلماء كالنووي، وابن تيمية " لغة الوقوف في طرف الشيء والخروج عن الوسط والاعتدال فيه"، وهو يشمل الذهاب إلى طرف التشديد و إلى طرف التسهيل. فالغالي في الدين متطرف، والجافي عنه متطرف. قال الجصاص : (طرف الشيء إما أن يكون ابتداؤه أو نهايته ، ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا) .والكلمة الأخرى ذات الصلة بالتطرف هي الغلو. لقد بيّن العلماء الغلو في الدين. ومن ذلك ما قاله النووي: “الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا” وقال ابن حجر: هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد” لذا يمكن القول: إن الغلو تجاوز ما أمر الله تعالى من جهة التشديد. لقد ذمت الشريعة التطرف والغلو في الدين. فقال الله تعالى: “قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) (المائدة:77) يقول ابن كثير رحمه الله “ينهي تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها” (تفسير ابن كثير 1/589.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هلك المتنطعون” قالها ثلاثا (شرح النووي على صحيح مسلم 16/220) قال النووي: أي المتعمقون ــ الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (اعلام الموقعين، 4/150) قال ابن مسعود: “إياكم والبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق” (اعانة الطالبين 1/131). قال ابن حجر: وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة. (فتح الباري 12/301). وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: “إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” (رواه الإمام أحمد 1/215، 247).

قال ابن القيم رحمه الله: “ما أمره الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوز الحد (مدارج السالكين 2/496) ففي هذه النصوص من النهي الصريح عن الغلو واتباع سبيل أهله ما يكفي المسلم في الابتعاد عنه والتحذير من أهله.

إن التطرف ظاهرة عالمية تتمثل في التطرف الديني أو السلوكي. وهذا التطرف لا يكاد يخول منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة. وهو يتنوع ما بين تطرف سياسي، وتطرف أخلاقي، وتطرف فكري، وتطرف ديني. وهذا التطرف الديني لا يقتصر على أتباع دين معين، أو أنصار مذهب معين ( الحقيل، 2001: 19). ويدخل في معنى التطرف، التنطع، والتصلب، والهوس العقدي، والعنف. والتطّرف هو تفعَّل - بتشديد العين - من طرف يطرف طَرَفا بالتحريك، وهو الأخذ بأحد الطرفين والميل لهما: إما الطرف الأدنى أو الأقصى (القاموس المحيط، و" شرحه تاج العروس " و " لسان العرب " و" معجم مقاييس اللغة "، و"الصحاح " و" المصباح المنير " مادة (طرف). ومنه أطلقوه على الناحية وطائفة الشيء.. ومفهوم التطرف في العرف الدارج - في هذا الزمان -: الغلو في عقيدة أو فكرة أو مذهب أو غيره يختص به دين أو جماعة أو حزب. ولهذا فالتطرف يُوصف به طوائف من اليهود ومن النصارى، فثمة أحزاب يمينية متطرفة أو يسارية متطرفة. فقد وصفت بالتطرف الديني والحركي والسياسي.( ـ أ.عبد العزيز بن علي بن رشيد الغريب/ التطرف الديني: المفهوم الرئيس والمفاهيم ذات الصلة.كلية العلوم الاجتماعية.جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.)

إن بلدنا عانى كثيرا من هذه الظاهرة التي بدأت ملامحها تظهر في المجتمع الجزائري منذ بداية السبعينات، وتفاعلت أكثر بعد أحداث أكتوبر 1988 وظهرت حركات إسلامية، وأحزاب على الساحة، وكان سلاحها الأول الخطاب الديني المتشدد الذي كان الوسيلة الأولى لتعبئة العامة من أجل تغيير كل شيء، وبدون أن نسهب في الحديث عن هذا الموضوع، حيث الجميع يعرف ما وصلنا إليه من مآسٍ نتيجة هذا الخطاب الديني الذي كانت سمته التطرّف، والغلوّ، والتشدّد والذي لا نزال في يومياتنا نعايشه. إن الرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي، وبحكم معايشة أعضائها للمرحلة التاريخية التي ساد فيها هذا الخطاب، وكذا نظرا لقلة طرْح هذا الموضوع في الساحة الثقافية الجزائرية، بل وحتى على مستوى الجامعات الجزائرية ؛ فإن رابطة الفكر والإبداع ارتأت أن تطرح الموضوع كعادتها في طرّح القضايا المعاصرة× إذْ نظمت ندوة وطنية للخطاب الديني بين الغلوّ والاعتدال بمدينة الوادي أيام: 03 ـ 04 ـ 05 أفريل 2010 أطر هذه الندوة مجموعة من الأساتذة ذوي الاختصاص من الجامعة الجزائرية، ومن المركز الجامعي بالوادي، وكعادة الرابطة في كل ندواتها تجمع المحاضرات في كتاب تصدره في حينه، ويوزع على المثقفين، والأساتذة وذوي الاختصاص، فكان ثمرة الندوة الأخيرة هذا الكتاب الذي يحمل نفس موضوع الندوة: " الخطاب الديني بين الغلوّ والاعتدال"

الكتاب

الكتاب من الحجم المتوسط ،ذي ورق مصقول وإخراج جميل، أبدع في تصميم غلافه الفنان التشكيلي محمد البشير سواسي. يقع الكتاب في 302 صفحة، يتضمّن إضافة إلى كلمة الرابطة التي تصدّرت الكتاب 16 محاضرة، صُنّفت، ورتّبت في ثلاث محاور هي:

1 ـ الخطاب الديني: المفهوم والخصائص.هذا المحور يتضمن المحاضرات التالية:

الخطاب الديني والتحديات المعاصرة " الخطاب الفقهي نموذجًا " الدكتور إبراهيم رحماني، واقع الخطاب الفقهي. الأستاذة فريدة حايد، خصائص الخطاب العقائدي في الفكر الإسلامي : دراسة تحليلية نقدية. الدكتور تركي عبد الرحمن، شروط نجاح المحاضرة المسجدية المعاصرة. الأستاذ مهاوات عبد القادر، عوائق الخطاب الديني وعوامل نجاحه. الأستاذ محمد عمارة، الخطاب الديني والتأهيل المتخصص. الأستاذ أحمد منصوري.

2 ـ أزمة الخطاب الديني المعاصر.هذا المحور يتضمّن المحاضرات التالية:

الخطاب الديني من منظور العلوم الاجتماعية. الدكتور غرس الله عبد الحفيظ ، حول مشروع محمد أركون : من نقْد الخطاب الديني إلى آفاق الأنسنة. الأستاذ : أحمد دلباني، نماذج من الخطاب الديني لأصناف العلماء.الدكتور رابح جابه، نماذج من الخطاب الديني لأصناف العلماء.الدكتور رابح جابه، أثرُ النصّ المقدّس على الخطاب الديني. الدكتور أحمد زغب، أثر منهج تفسير التاريخ الإسلامي على الخطاب الديني والدعوي المعاصر. الأستاذ فالح صالح.

3ـ تجديد الخطاب الديني. ويتضمن هذا المحور المحاضرات التالية:

قراءة تأسيسية تأريخية لمفاهيم التجديد والخطاب الديني. الدكتور أحمد عيساوي، فن الخطاب عند الأمة الإسلامية بين المنهجية الفكرية والارتجال. الدكتور محمد خالد اسطمبولي، خطاب الفتيا بين الغلوّ والاعتدال. الدكتور الذوّادي قوميدي، السنة النبويّة في تطوير أساليب الخطاب الدّعوي. الدكتور يوسف عبد الّلاوي.

مدخل

ركز رئيس الرابطة بشير خلف في كلمة الرابطة الاستهلالية على التعريف اللغوي، والاصطلاحي لكلمة" الخطاب" ثم عرّف الخطاب الإسلامي، وأنواعه، ومرجعيتيه الأساسيين وهما الكتاب والسنّة، وضرورة تجديد هذا الخطاب:

«..وقد يدخل في ذلك أيضًا المناهج الدراسية الدينية في المدارس والمعاهد والكليات الشرعية، بل يمكن أن يُوسّع مفهوم الخطاب الديني ليشمل النشاط الإسلامي، والنشاط الدعوي، وعمل الجمعيات الإسلامية، والمؤسسات الإسلامية بشكل عام الفقهيِّ منها، والعلمي، والدعوي، والتربوي، ونوع النشاط الذي تقوم به لتقييم مدى نجاحه، وفشله، وقربه من المقاصد العامة للتشريع، ومن بعد ذلك تقويمه، وإصلاحه، وتجديده. وعلى ذكْر التجديد لماذا يتحاشى بعضُ المسلمين الاعترافَ بضرورة التجديد ليبقى كل شيء كما كان ؟ تحت مظلة مقولة ـ ليس في الإمكان أفضل مما كان ـ إيثاراً لِما هو مألوف، وتوجساً، وارتياباً من كل حديث، وجديد أو مشتق منهما؛ فهم يفضلون أن يبقى الخطابُ الإسلامي فكرا،وخطابة، ولغة، وطريقة، وعلما متكلِّساً مترهِّلاً مهترئاً ألف مرة على أن تناله يدُ التجديد، أو تطالَه بواعث التحديث وأسبابه. إن ذلكم أيها السادة مظهر جليٌّ من مظاهر الضعف، والخور، والهزيمة النفسية؛ كما أن الارتماء في أحضان كل جديد دون تروٍّ وتمحيص بدوره هزيمة نفسية.

وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إنَّ اللهَ يبعثُ لهذهِ الأُمّةِ علَى رَأْسِ كُلِّ مَائةِ سَنةٍ مَـنْ يـُجدّدُ لـهُا دِينَهَا ) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الدين، والخطاب الديني جزء من هذا الدين, والذين يقومون بعمل هذا التجديد جاؤوا بلفظ (مَن) فهو عام يشمل الفرد والجماعة، وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها، والانفتاح العالمي، وتضخم الخلل الموجود في واقعها؛ فإن هذا الواقع يفرض أن هذا العمل التجديدي ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدواراً مختلفة، وتخصصات علمية متباينة وحقولاً معرفية، كلها تنتهي عند مصبّ المصدر الأصلي (الشريعة). ثم إن هناك فرقًـا بين الخطاب الديني، والوحي المنـزّل، بمعنى أن الخطاب الديني يعتمد على الوحي في كثير من الحالات، لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري، أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانيات الإنسان، وقدرته وطاقته، فهو مثلُ خطاب الفقهاء، والوعاظ، والمصلحين الذي يمثل اجتهاداً من عندهم، ومفهوم (تجديد الخطاب الديني).

إن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية؛ لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفككٌ وفرديٌ، بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في الاقتصاد، والسياسة،ومجال التقنية، والمعلومات والاختراعات،وهذه التطورات التقنية والاتصالية تغلغلت في حيواتنا، وارتبطنا بها وولَهْنا بها، حيث صارت جزءا منا كأفراد، واُسرٍ، وجماعات، ومجتمعات؛ وأعتقد بأن أية نهضة، أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إنْ لم تصدر من مفهوم ديني عام وشامل، فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع، ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها، ويدفعها، لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها. إن هذا التجديد الحي قراءةٌ واعية واعدة للنفس، والآخر والواقع، و قراءةٌ قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع. لأن التجديد سنّة كونية من سنن الحياة، وأحدُ قوانين الوجود، وضرورة عصرية لا غنى عنها. كما أن تجديد الخطاب الديني ليس فقط ضرورة دينية، وإنما أيضا هو ضرورة حياتية، واجتماعية، ودينية في الوقت ذاته.

التجديد ضرورة حياتية؛ لأن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، ومن ثم فإن الوقوف والثبات على معنى واحد يضرّ بالدين مثلما يضرّ أيضا بحركية الحياة، وبالإنسان. ومهمة الفقه الأساسية تتمثل في مواجهة متطلبات الحياة المتجددة والاجتهاد بشأنها.»

المحور الأول

محاضرات المحور الأول كانت منسجمة مع بعضها، فهي تصبّ مجتمعة في مفهوم الخطاب الديني،ونتعرض إلى ثلاث منها هنا في إشارات سريعة. فهذا الدكتور إبراهيم رحماني الأستاذ بالمركز الجامعي بالوادي يركز على البعد الروحي والديني لدى الإنسان من حيث التجذّر، والتأثير، إلاّ أن التباس الفهم، وعدم المعرفة كثيرا ما يؤدي إلى الشطط، والغلوّ، والتطرّف:

«... لا أحسب أن أحدا بإمكانه اليوم أن يجادل في مدى تأثير البعد الديني في حياة الناس، ومهما كان الخطاب الديني قاصرا أو مقصرا أو كافيا وافيا فلا يمكن بأي حال تهميشه، فقد ترسخ الدين في حياتنا بالرغم من كل الحملات المناوئة له، فهو متجذر في الحياة والفكر، ومتموضع جينيا في دماء الشعوب إلى درجة أن السياسيين غير المتدينين إن اعتلوا كرسي السلطة فإنهم مضطرون لأن يلبسوا العباءة الدينية سواء أكان هذا صدقا أم تملقا . ومع ذلك فإن ممارسة الأحكام التوجيهات الدينية والدعوة إليها يلتبس الأمر فيه عند كثير من الناس إن لم يحسنوا التفقه في الدين، وغابت عن أذهانهم مقاصده، أو لم يمتلكوا أدوات فهم النصوص الدينية، فتكون تلك الممارسات والدعوات مجانبة للصواب رغم استنادها إلى مرتكز ديني إلا أن فهم النص ليس بنص فهو جهد بشري يحاول فهم المقصد الشرعي وتجسيده عمليا في أرض الواقع. ولعل مكمن الخطر في السلوك الاجتماعي المرتكز على الأصول الدينية مع تقصير أو قصور في فقه تلك الأصول يجعل الممارس أو المتحدّث باسم الدين يظن أنه يحسن صنعا ويؤدي واجبا شرعيا ويرجو من مسلكه الثواب والجزاء الإلهي الأحسن. مع أنه في مسلكه قد يضر بالمجتمع ماديا أو معنويا.

فقد يختار الإنسان مسلك الإجرام وطريق الرذيلة والانحراف وهو موقن أن المجتمع يستقذره ولا يحفل به ويعتبره محل ازدراء ورفض، ولما تطاله يد القانون أو يضايقه ويحاصره العرف الاجتماعي سيتأكد أن ما أصابه هو ما كسبت يداه وأنه استحقاق طبيعي لسوء اختياره. أما حين يصدر من المرء إضرار بالمجتمع وهو يحسب أنه يؤدي واجبا شرعيا، وموقعه لا يتعدى كونه منفذ لأحكام شرعية مطلوبة يأمر بها الدين ويثيب عليها؛ فهنا يكون الوضع أكثر خطورة وتعقيداً، فالدافع المعنوي لإنتاج الضرر أكبر في هذه الحالة، ومردّه سوء الفهم للنصوص الدينية خاصة إذا رافقه اعتقاد بامتلاك النص الأصح واحتكار الفهم الأرجح في حالات الاختلاف والتنازع مما ينجم عنه إقصاء لأي اجتهاد مخالف مهما كان قائله ومنزلته. إن ذلك الممارس والمبلّغ للأحكام الدينية يعتبر في حقيقة الأمر ضحية، تسبب في أضرار لغيره دون إدراك أو وعي، وكان مسلكه مشوب بجهل وفقر في الفقه في الدين، وقصور وسطحية في التفكير. وبناء عليه، فقد يجنح بعض ناقصي الأهلية في فقه الدين ومقاصده فيسيؤون التصرّف، وبدلا من أن يتخذوا من الدين رسالة أخوة ومحبة وتناصح، وبناء وتعاون وتآزر اجتماعي في إطار العبودية لله الواحد الأحد، سيجعلون منه محكمة أو محاكمات على الهواء لا يتورع الواحد أن ينحر أخاه ماديا أو معنويا لأتفه الأسباب وبغير موازين الحق والعدل والمسؤولية.

وهكذا قد يتحول حامل الفكر الديني إلى قنبلة موقوته في المجتمع، فإذا ما أضيف إلى ذلك المسلك تطرف وغلو في الاتجاه المقابل لتهميش الدين أو التقليل من فاعليته في الحياة العامة والخاصة، فلا يأمن أي مجتمع ولا يهنأ له بال؛ فمن أين لنا الحديث بعدها عن الأمن، السلام، العمل، الإنتاج، التنمية والتقدم؟ » أمّا الأستاذة فريدة حايد أستاذة بجامعة جيجل ترى أن في العهد النبوي،وعهد الخلفاء الراشدين كان الفقه مدار السياسة والتدبير، وكان الفقهاء هم نواب الأمة وبيدهم تدبير كل أمر، وإن عماد أقوالهم الشورى و الاجتهاد، و الرجوع إلى الكتاب و السنة، ونتيجة ذلك تطورت الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية:

« ... حيث كان الفقه مدار السياسة والتدبير، وكان الفقهاء هم نواب الأمة وبيدهم تدبير كل أمر، وإن عماد أقوالهم الشورى و الاجتهاد، و الرجوع إلى الكتاب و السنة، وقد تطورت الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية... بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و سلم) وتغيرت طريقة الاستنباط وأخذ الأحكام من الكتاب والسنة. ولكن لم يكن ذلك إلا دافعا ليبذل الجهد والوسع وإثبات صلاحية الشريعة لكل زمان ،ومكان فازدهر الفقه وتوسعت مسائله وأقواله وأصبح هو قانون ذلك الزمان. ولم يبق في حدود ما استجد بل نظر وخـطط لكل ما سيقع فــــــــزاد انتشار الشريعة وحكمت في كل ميدان وجاءت من وراء ذلك ثروة فقهية هائلة دونت وحفظت وأصبحت تتناقل بالسند والحفظ التام كأنها أقوال الشريعة في كل زمان فأدى ذلك إلى تراجع حركة الاجتهاد وحركة الفتوى و التصدي للوقائع التي تنامت وتزايدت وهي في تزايد مستمر، وتخلى الفقهاء عن الاجتهاد وحلت محل الشريعة قوانين غربية لا صلة لها بما جاءت به الشريعة، وبقيت أقوال الشريعة محفوظة في قاعات معزولة، وأماكن خاصة لا يراها و لا يسمعها إلا من هداه الله إلى دخول تلك الأماكن. وأصبحت الشريعة مجموعة شعائرلا علاقة لها بالحياة المدنية واتهمت بالقصور والتاريخية والرجعية لذلك ارتأيت أن أعالج هذا الموضوع وأساهم في التجديد المنشود. بالتركيز على تجديد الفقه الإسلامي بكل مجالاته ،ومسائله و مذاهبه ومجتهديه تحت عنوان "واقع الخطاب الفقهي" و هدفي من وراء ذلك التمهيد لإعطاء الحلول المناسبة، فالخطاب الفقهي هو جوهر الخطاب الديني كله و أساسه، وإذا صلح الفقه صلح الخطاب الديني.

الدكتور تركي عبد الرحمن من المركز الجامعي بالوادي في محاضرته الموسومة بالخطاب العقائدي في الفكر الإسلامي، شرح مفهوم الخطاب العقائدي في الفكر الإسلامي، ومصادره، والفرق بينه وبين الخطاب العقائدي في الديانات السماوية الأخرى:

«... شغل تحليل الخطاب الديني اهتمام الفلاسفة والمفكرين الذين بحثوا في تأصيل هذا الخطـاب وعوامل تأثيره على المخاطبين، كما بحثوا في الخصائص والمميزات التي جعلته ينفصل عن أنواع الخطاب الأخرى .

وفي هذه المداخلة بيّنت خصائص الخطاب العقائدي في الفكر الإسلامي من حيث أنه خطاب يعتمد البرهان والحجة والدليل سواء كان نقليا أم عقليا ، ويبتعد عن الخرافة والشعوذة والدّجل، ومن حيث أنه خطاب للعقل والوجدان، ومن حيث أنه خطاب لا تعارض فيه بين الوحي والعقل بخلاف الخطابات العقائدية في النحل والديانات الأخرى ، ومن حيث أنه خطاب يستهدف الإنسان فكرا وسلوكا ومجتمعا وحضارة ، ومن حيث اهتمامه بالكون والدعوة إلى تأمل ظواهره وتعليلها واكتشاف قوانينها واستثمارها في خدمة الإنسانية

ووفق هذه الخصائص وفي هذا الظرف التاريخي والحضاري الجديد يعالج هذا الخطاب البيئة الإسلامية التي بقيت تعاني تخلفا على مستويين هما :

1 – مستوى إيجاد نمط جديد للتفكير العلمي لدى الأجيال الإسلامية وذلك في المجال النظري .

2 – مستوى تحقيق نهضة تكنولوجية تنزل بنتائج هذا التفكير العلمي والتوجه العقلاني إلى التطبيق العملي ، وإيجاد عقلية علمية واسعة الانتشار تقر الأسباب والمسببات وتؤمن بالنظام السائد في الكون ، وتدرك الأشياء على أساس منه .

إن الخطاب العقائدي في الإسلام باعتباره خطابا دينيا يتألف من: المرسِل وهو هنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء المتخصصون الذين استندوا إلى القرآن والحديث النبوي لفهم قواعد العقائد وكليات الأخلاق والأحكام، وما احتواه هذان المصدران من حقائق وإشارات علمية حول الإنسان والنفس والحياة والكون والطبيعة والمستقبِل وهم الناس عامة على مختلف ثقافاتهم ومشاربهم ودياناتهم وطبقاتهم الاجتماعية، وذلك لأن الدين الإسلامي جاء إلى العالمين، والرسالة أو الموضوع والذي يتمثل في توحيد الله وإثبات صفاته العليا وأسمائه الحسنى أو النبوة والوحي والمعجزة أو البعث والثواب والعقاب ، والهدف وهو تحصيل سعادة الخلق في الدنيا والآخرة واكتسابهم للحياة الكريمة الفاضلة المبنية على الحق والعلم والفضيلة والإخاء . من خلال ما سبق نرى أن الخطاب العقائدي في الفكر الإسلامي وعبر كل العصور تقريبا اعتمد على مصدري الوحي الأساسيين القرآن والسنة النبوية، وإن كان القرآن بنسبة أكبر، كما اعتمد على أساسيات العقل الصريح وبديهياته ومسلّماته، جادل العلماء بواسطة هذا الخطاب كل الطوائف المخالفة سواء كانت ضمن المذاهب الإسلامية أو ضمن الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية وغيرهما، اتسم هذا الخطاب بالعلو والتحدي، إذ لم يصل إلى مرتبته العلمية والحججية أي خطاب عقائدي آخر، نظرا لما يحمله من حقائق لا يمكن أن يطالها البطلان أو الزيف .

ومع ذلك نجد أن هذا الخطاب لم يظفر حتى الآن في تثوير الجماهير لتحقيق النهضة المبتغاة، وفي ترسيخ التفكير العلمي لدى الشعوب الإسلامية، مع أن النصوص الإسلامية تقـدم للعقل ميدانا فسيحا للحركـة والعمل.»

المحور الثاني

إن محاضرات هذا المحور متكاملة مع بعضها، وهي تتعرض إلى أزمة الخطاب الديني من حيث العوائق الكامنة فيه، والتي في أصلها غير متأتية من الكتاب والسنة، وإنما متأتية من المسلمين أنفسهم، ومن عوامل داخلية وأخرى خارجية، فهذا الدكتور غرس الله عبد الحفيظ من جامعة وهران يقول:

«... تتجلى أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر في اعتقاد حاملي منظومة هذا الخطاب، أن منطوقها ومفهومها، وكل ما يصدر عنها من أبجديات وأدبيات هو من المقدسات، وامتدادات للبيان الشرعي والتنزيل السماوي الذي يحرم نقده أو الاختلاف معه. يعتقد الفاعلون الدينيون التقليديون المنتجون لهذا الخطاب، أنهم الورثة الشرعيون للأنبياء، فهم المخول لهم من السماء والحضرة الإلهية احتكار معنى الديني وفهم الحقيقة المطلقة؛ بل هم التمثل الأوحد للحق، وأن أدوات ووسائل ووسائط التعاطي مع مصادر الوحي تأخذ في نظرهم قدراً من العصمة والتعالي، والامتناع عن النقد . تصير حينئذ حركة النقد أو القراءة الجديدة وتفعيل حركة الاجتهاد داخل المنظومة الدينية الإسلامية مشوبة بهوس المخالفة، وهاجس التغيير والتبديل والتحريف، والتعارض مع ما كان عليه السلف الأوائل، بل حتى اللغة والكتابة أو الخطاب المغاير لمعهود لغة المنظومة التقليدية الدينية، ُينظر إلى المُختلف والمتجاوز لذلك بشيء من الاغتراب والاستلاب، ويحُكم عليه بالتنصل عن جلده والمروق من دينه والشطط في القول والنظر. تمارس هذه السلطة الذوغمائية (1) كل أشكال الهيمنة والسحق لكل من يسول له عقله الخروج عن حرفيتها وقواعدها الجامدة، و تعتقد أن ظاهرة الاختلاف نقمة على الأمة واتباع للباطل والهوى وابتداع في الدين، ولم تسلم حتى المذاهب الفقهية والكلامية المختلفة ذات المنشأ التاريخي التي أعطى ظهورها مشروعية للاختلاف من العزل ومحاولات المحو والإقصاء. والمؤكد أن دوغمائية هذه السلطة تستمد فعاليتها واستمراريتها من غياب العقلانية الموضوعية في الشأن الحياتي الخاص والعام، القادرة على تفكيك التداخل الموجود بين الإلهي والبشري وبين نصوص الوحي المقدسة وشبكات التأويل التاريخية، وأخيرا بين المؤسسات والمرجعيات الدينية الخاضعة للرهانات الرمزية والمادية التي تعد جهازاً إيديولوجياً تابعاً للمجموعة المسيطرة، وبين الهيئات العلمانية المتنوعة والمتعددة من جميع التخصصات العلمية المطلوبة، والمستقلة عن كل الإكراهات النفسية و الفكرية والاجتماعية والسياسية و المستندة إلى قوة البرهان النقلي والعقلي و منطق المصلحة المنضبطة.

لا ينفي هذا التشخيص للوضع الديني التقليدي العام وجود محاولات جادة تحاول إعادة التأسيس والتأصيل للنظر الديني (2) على نحو إيجابي ومقاصدي ومنفتح على العالم، ومفيد في بناء الحياة الفردية والجماعية، لكن هذه المشاريع لا تزال في طورها التأسيسي الأولي، وهي تحتاج إلى دعم شامل لكي تصبح مرجعية قوية علميا وحضاريا، ذات نفوذ فاعل ومثمر في تشكيل وعي للأمة في مستوى التحديات والرهانات. لكن مع الأسف، الخطاب الديني العام المُنتَج حاليا يستغرق كل التوصيفات المذكورة سلفا، فإن ما يسمع ويقرأ ويكتب وينشر في المجتمعات العربية والإسلامية يكاد يكون في الغالب إعادة إنتاج لما سلف واجترارا لما مضى، وتبسيطا وتسطيحا للقضايا المطروحة. لا يزال التقليد والتحجير ميزة العقل الديني، ولا يزال هذا الأخير مُسيّجا بأحكام الممنوعات والطوارئ، ومُغِلقا الأبواب على فريضة النظر والتدبر المنصوص عليها في النصوص الدينية بشكل مكثف وجلي.

الأستاذ أحمد دلباني أستاذ في جامعة محمد خيضر ببسكرة في محاضرته التي استند فيها لأطروحات الفيلسوف الجزائري محمد أركون..هذه المحاضرة التي كانت بعنوان: حول مشروع البروفيسور محمد أركون: من نقْد الخطاب الديني إلى آفاق الأنسنة .

«... إن الخطاب الإسلامي المعاصر غارق كليا في مناخ الانتفاخ وتلفعه نزعة الأسطرة من طرفه إلى طرفه. إنه بكل بساطة خطاب لم يتح له أن يقطع المسافة الإبستيمولوجية النقدية الضرورية من أجل إدراك شروط انبثاقه بوصفه نتاجا لمخيال اجتماعي جبار واقع تحت صدمة التحديث غير المسيطر عليه، وتحت صدمة فشل انتقال المجتمعات العربية - الإسلامية إلى الحداثة التي تقطع- بصورة متوازنة - مع مشكلات الماضي والتخلف. إنه خطاب إيديولوجي بالمعنى التام، يكشف عن تحول الإسلام - شيئا فشيئا - إلى " ملاذ " كما يعبر البروفيسور أركون(5)، يعوض عن فشل الإيديولوجيات التي تم اعتمادها صيغا متوحشة للتحديث في مجتمعاتنا. إن تنامي النزعات الأصولية عندنا، بالتالي، لا ينفك بحال عن المسار المعقد الذي جسد فشل الدولة الوطنية العربية في الانقذاف في مغامرة الدخول إلى العالم المعاصر، من دون إجراء المراجعات الضرورية والهادئة مع الماضي والمقدس وفضاء المتخيل الرمزي الذي يرافق عادة كل بنية سوسيولوجية لم تخترقها الحداثة. لقد تم اعتماد الوصفة الجاهزة لهذه الحداثة متصورة على أنها تحديث أخذ شكل التعنيف لمجتمعات ذات بنية قبلية بطريركية عتيقة؛ وأخذ شكل التدمير المنتظم لمناخها السيميائي ولأنظمة تصورها للعالم؛ وها هي قارة المقدس تنفجر في وجوهنا من جديد، في صورة اعتصام بحبل الهويات الضيقة، وفي صورة عودة طقسية للماضي المعاد إنتاجه أسطوريا في الفضاء السوسيو- تاريخي، بوصفه الطريق الوحيد الممكن للخلاص في متاهة اللحظة التاريخية الحالية.

إن ما تجدر الإشارة إليه هنا، هو تواطؤ الخطاب الإسلامي المعلن مع هذا الوضع العام، وتحوله إلى خطاب إيديولوجي تمويهي تمكن من اكتساح الساحة إعلاميا والتحول إلى قوة لإنتاج الحقيقة السوسيولوجية البعيدة عن كل حس نقدي لما يعتمل داخل مجتمعاتنا. إن هذا الخطاب يقفز على لحظته التاريخية المعقدة ليعيد إنتاج الوعي الإسلامي المغترب في أفق الخلاص. إنه خطاب الانسحاب من العالم بامتياز، تؤطره الثنائيات المانوية الأكثر تقليدية والأكثر تجذرا في الوعي القروسطي. إنه، بالتالي، خطاب محاكمة العالم وإدانته لا محاولة فهمه. من هنا، يعتبر المفكر الإسلامي المعاصر مبشرا لا مفكرا، بوصفه يمثل وعيا يهجم على العالم بالمسبقات اللاهوتية القديمة والجهاز المفاهيمي الذي كرسته الأدبيات الكلاسيكية المرتبطة بأنظمة الفكر الديني في أكثر أشكاله تقليدية.

انطلاقا من ذلك، نقول إن هذا الخطاب لا يحتضن لحظته ولا يستطيع أن يسبر تعقيدها بمعزل عن الخطاطات الجاهزة من أجل إنتاج لحظة المعقولية الجديدة القادرة فعلا على ردم الهوة بين الوعي والشروط الانفجارية للواقع المتحول والمتغير دوما. إنه، بكلمة، لا يمثل فتحا إبستيمولوجيا يستطيع أن يؤسس لقراءة تفتح أفقا جديدا من أجل إعادة ترتيب علاقة الإنسان المسلم بالعالم المعاصر وبتراثه الخاص؛ إذ يحتاج هذا الأمر - كما هو معروف وكما تبين تجربة الحداثة الأوروبية مثلا - إلى ثورات معرفية وفلسفية وسوسيو- سياسية لم يشهدها العالم الإسلامي ولا الفكر الإسلامي منذ قرون، أي منذ انقطع هذا الفكر عن تراثه المبدع وأصبح يعاني من تصلب شرايين العقل الذي غرق في آلية الشروح والهوامش لأسباب تاريخية موضوعية، كان أركون من أبرز من كشف عنها.»

الدكتور رابح جابه من جامعة الجزائر وفي محاضرته التي كان عنوانها: نماذج من الخطاب الديني لأصناف العلماء..يستعرض عدة حالات من هذه الخطب، لدى العديد من علماء الشريعة،وكيف يفسرون النصوص الدينية، وبخاصة الآيات القرآنية بعيدا عن مضمونها الحقيقي، وما يتسبّب في ذلك من أضرار للمتلقّين:

«... أغلب هذا الصنف من العلماء يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، ويفسرون كل النصوص الدينية، ويفتون في كل شيء، في اختصاصهم أو في غيرها حسب ما يرنه بعقولهم، معتقدين أن عقولهم مصيبة في كل ما يقولونه، فيضلون ويُضلون في أغلب أحوالهم.

أكثرُ هذا الصنف من العلماء يمتازون بالغلو في الدين والتهويل، ويقولون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان ولم تذكر في القرآن الذي لم يفرط فيه من شيء، والذي لا يستحي قائله أن يضرب فيه مثلا ما، بعوضة فما فوقها، أو يأخذون هذا الغلو والتهويل من أسلافهم مسلما لا يفكرون فيه. مثل: سكرات الموت، عذاب القبر، قضاء الصلاة يوم القيامة على حجر ساخن في جهنم، الصراط الذي يمر فوق جهنم إلى الجنة، نزول عيسى بن مريم ومجيء المهدي المنتظر... وغيرها الكثير. سمعت أخيرا أن أحد كبار علماء هذا الصنف يقول في أحد قنوات التلفزة أن الإنسان تخرج أمعاؤه يوم القيامة وتربط في الناعورة كما تربط إليها الدابة بالحبل، ويديرها بأمعائه هذه، ولجهله؛ إنه لا يعلم أن الأمعاء تقل بها أعصاب الإحساس كما توجد في الجلد، وقالها الله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب... وهكذا، فهل وجد هذا العالم الكبير نصا في القرآن بهذا المعنى؟ إنهم ينكرون - وأحيانا بعنف- كل ما يخالف عقولهم هذه. هذا الإنكار والعنف فيه وعن جهل هو لب الخلاف في الخطاب الديني. جهل العلماء بالحقيقة الوحيدة التي يقصدها النص يجعلهم يضيفون إليها من عند أنفسهم معاني غير موجودة فيها، فتوصف أحيانا بأنها غلو في الدين، غلو نهى عنه الله بقوله: (يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) النساء 171. (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) المائدة 77. وأحيانا توصف الزيادة بأنها اعتدال. الغلو في الخطاب الديني من عند أنفسنا وليس من الدين، وحتى الاعتدال في الخطاب الديني كذلك من عند أنفسنا، ما يراه أحد غلوا يراه آخر اعتدالا، وما يراه أحد اعتدالا يراه الآخر غلوا أو تسامحا، والكل نسبي مادام من عند أنفسنا، ولا نخرج من هذه النسبية إلا فيما هو من عند الله، وكل ما هو من عندنا كذب على الله، إننا نكذب على الله سواء كان ذلك بالزيادة أو بالنقصان، بالغلو أو بالاعتدال والله - جل جلاله- يقول: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مثوى للمتكبرين.) الزمر 60.

كبر في نفوسهم ما هم ببالغيه، وغلو أو اعتدال في الدين بغير حق، ويقولون على الله ما لا يعلمون، ويجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين ومع ذلك يختلفون. أغلب المنضوين تحت هذا الصنف ينكرون بعض المعجزات التي خص الله بها أنبياءه مثل وحيه لموسى أن اضرب بعصاك البحر لينفلق، وكان كل فرق كالطود العظيم.

المحور الثالث:

إن هذا المحور يتضمن عدة محاضرات حاول أساتذتها تقديم البديل، لأزمة الخطاب الديني، من حيث تجديد هذا الخطاب وفْق مستجدات العصر، ووفق حاجات حيوات المسلمين..هذا الدكتور أحمد عيساوي أستاذ الدعوة والشريعة بجامعة باتنة، يرى بأن سبب الخلاف بين تياري التقليد والتجديد في الفكر الإسلامي يعود إلى رؤية كلا منهما لمفهومي الثابت والمتغير في المرجعية الدينية .

«... ففي الوقت الذي يذهب فيه مفكرو التيار التقليدي السلفي إلى اعتبار الدين كله ثابت ومقدس، لا فرق بين القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وعمل السـلف الصالح من الأمة ، معتدين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - وعدد ثلاثة أو أربعة قرون وتوقفهنا عليه الصلاة والسلام -]. فلا مكان في فهمهم لمتحولات ومتغيرات ومتطورات فيه على الإطلاق، فكله ثابت، فيما ذهب مفكرو تيار التجديد إلى انقسام الدين الإسلامي إلى قسمين، قسم خاص بالأطر المرجعية المقدسة الثابتة، والتي لا تتغير ، ولا تتبدل، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة . وثمة قسم آخر متغير ومتحول، وهي الفهومات والقراءات التي قامت على الأطر المرجعية الثابتة ، معتدين بقوله عليه الصلاة والسلام : [ إن الله تعالى ليبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ].وانطلق تيارا التجديد والتقليد - بالرغم من اختلافهما في وجهات النظر - إلى تعزيز وتدعيم موقع الإسلام محليا وإقليميا وعالميا، يدفعهما حب الإسلام والغيرة عليه، والتمكين له، بحسب رؤية واجتهاد كل اتجاه لتحقيق المكاسب الإسلامية التالية :

1 - إصلاح العقائد والتصورات .

2 - محاربة البدع والخرافات والأوهام والأباطيل .

3 - الكشف عن بواطن الخلل في تخلف وانهزام الأمة الإسلامية، والعمل على استنهاض كوامن القوة في الأمة الإسلامية .

4 - مواكبة التطورات والمستجدات في حياة وواقع المسلمين بإيجاد الحلول والإجابات المقنعة لمشاكلهم وتطلعاتهم .

5 - إبراز القيم والمعاني السامية، والمبادىء النبيلة ، التي يتأسس عليها الدين الإسلامي، كقيم العدل والإخاء والمساواة والشورى والسلم والحرية ..

6 - الدعوة إلى مواجهة قوى الاستغراب والاستخراب والاستكبار العالمية ، الطامعة في ثني وصرف العرب والمسلمين عن دينهم، وفي ثرواتهم وأرضهم وخيرات بلادهم .

7 - تربية الفرد والمجتمع المسلم على قيم الإسلام النبيلة .

8 - العمل على إيجاد جماعات وقيادات واعية تقود المجتمع في ظل غياب الوعي والتحاكم الشرعي الإسلامي التي عليه جل الكيانات والأنظمة العربية والإسلامية .

9 - إحياء التراث الإسلامي، وإعادة قراءته وحراثته وتقديمه للأجيال الإسلامية الحديثة ، وتخليصه من كل ما لحق به من تشويه وتقزيم .

10 - الردّ على مطاعن وسموم المستشرقين والمستغربين، الذين يتعرضون لتشويه صورة الإسلام .

11 - محاولة تجاوز معضلة الصراع المذهبي والفرقي، وتوحيد جهود العمل الإسلامي المشترك .

12 - تجاوز معضلات الفكر الإسلامي الماضوية ( إشكاليات الفكر الاعتزالي والصوفي ) .

حتى يستطيع الخطاب الإسلامي المعاصر تخطي عتبات القـراءة التقليدية والماضوية لمضامينه، يجب أن يتحصن بالأسس والقواعد المنهجية التالية :

1 - الفهم العميق، والهضم الدقيق لمضامين ومكونات الخطاب الإسلامي في أبعاده : المقدس والتراثي والاجتهادي، وفق تراكمات وفتوحات الحقائق العلمية والمعرفية الحديثــة ، التي زادت في نورانية الفهم والعمق ولاسيما في المجال الطبي والصحي والحسابي والاتصالي والمعلوماتي.. وفي مجال ارتياد الأنفس والآفاق والطبيعة والكون والحياة.

2 - الفهم العميق والدقيق لمضامين ومكونات الخطاب الإسـلامي في أبعاده المحلية والإقليمية والعالمية والكونية، والحدود الفاصلة بينهما ، بنية ، وتوجها ، وتأثيرا .

3 - الفهم العميق والدقيق لمضامين ومكونات الخطاب الإسـلامي في إطار سـياقه التاريخي التجربي .

4- فقه المعطيات الواقعية المحلية والإقليمية، والعالمية والدولية منها بشـكل أخـــص وأدق، والتمييز بين ما يجب أن يوجه للمدعوين المحليين، وبين ما يوجه للآخــر المتعدد عالميا .

5 - عـــدم إهمال التراكمات الإنســــانية المدنية والحضارية الأفقية والعموديــة، في جانبيها النظــــــــــــري:[ العلمي، المعرفي، الفلسفي، الثقافي، الفكري] والتـــــطبيقي:[ العلمي، التكنولوجي، الاتصالي الفضائي ..] .

6 - تجاوز مرحلة وحالة الحنين والاستلطاف والإعجاب .. القائمة بين المعاصر والماضوي ، ولاسيما فيما له علاقـة بالتجربة التاريخية الإسلامية التي ترجمت المضامين العالمية للخطاب الإسلامي .

7- تقديم قراءة واعية ودقيقة عن الآخـر المتعدد، بهدف ضمان صيغة وبنيـــة خطاب ملائمة لوسـطه ومؤثرة في كيانه، ومقبولة في مناخه وفضاءاته المتعددة .

8- محاولــة تجسـير الشـروخات والرواسـب الموروثـة عن الفهــم الماضوي لمضامين وبنيـة الخطاب الديني للآخر، وذلك بخلق حالة من التناغم والتلاقي والتسامع مع الآخر، وتحسيسه بالثقة المطلقة بالمراد التواصلي معه .

9- وضع الآخر في مجال التواصل، وإحداث القطيعة مع قناعات التلاغي الساكنة في موروثه الثقافي تاريخيا، ولـو بالاتفاق العملياتي الآلـــــي البحت، على مواجهة القضايــا والمعضلات الملحة التي تعاني منها البشرية قاطبة، كمكافحة تعاطي المخدرات والإجهاض والسيدا وزواج المثلين والشذوذ الجنسي والقضاء على نظام الأسـرة والانتحار والجريمة المنظمة والتجارة بالرقيق الأبيض .. الذي تنكره وتحاربه الكثير من الكنائس المسيحية، ومنظمات المجتمع المدني العلمانية.

10- الإحساس بالمسؤولية الملقاة على الآخـــر، من جـراء الزهــد في تحمل المسؤوليات الحضارية، وترك الآخر يقود العالم في قرن العولمة، والاسـتنكاف عن ضخ قيم البذل والعطاء المفروضة في الخطاب الديني الإسلامي نحو الذات والآخر السوي أو المتأزم معا على قدر سواء .

11 ـ الصراع المذهبي الفروعي الضيق، والاختلاف الفرقي الأصولي المزهق والقاتل لكل آمال الوحدة والتجمع التأثيري الفاعل على الساحتين المحلية والعالمية، وترك العمل بالقاعدة الأصولية الحركية التي أطلقها رواد العمل الإسلامي في العصر الحديث ( لنعمل فيما اتفقنا فيه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه).

12- العمل على استغلال كافة وسائل الاتصال التقليدية والحديثة المؤثرة في جمهور المدعوين.

13- الركن الاجتهادي الفاعل والمتحرك ضمن دوائر المقدس، ومرورا ببوابات الفهم السـلفي والتراثي للمقدس، كبوابات عبور واسـتئناس وتدبر لصيرورة فهم المقدس من قبل الأجيال الأولى عملا بالمبدأين الإسلاميين العظيمين( إن الله ليبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) و(الخير والبركة في أمتي إلى يوم القيامة ).

بينما الدكتور قوميدي الدوّادي في محاضرته التي كان عنوانها: خطاب الفتيا بين الغلو والاعتدال ، يرى أن تجديد الخطاب الديني أكثر من ضرورة للعديد من العوامل، والنصوص تركت المجال للبشر كي يجتهدوا، وفق ما تقتضيه ظروف زمانهم، وقضاياه المستجدة.

«... فالتجديد خاصية من خصائص الرسالة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان، وهو لازم من لوازمها، وضمان لبقاء قدرتها على التكيف مع متغيرات الزمان والمكان، والاستجابة لمتطلبات المسيرة الإنسانية المتواصلة وحركة الحياة المستمرة في كل عهودها ومجتمعاتها ومعطياتها المختلفة.

وفي الشريعة الإسلامية مساحة واسعة تركتها النصوص قصداً لاجتهاد المجتهدين في الأمة ليملؤوها بما هو أصلح لهم وأليق بزمانهم وحالهم، مراعين في ذلك المقاصد العامة للشريعة، مهتدين بروحها ومُحْكَمات نصوصها. ومما ينبغي مراعاته في التجديد المطلوب لخطاب الفتيا هذه الأسس:

- النظر في المآل التطبيقي لتلافي الوقوع في المناقضة لمقصود الشارع.

- حسن الفهم والتعليل والتفريق.

- مراعاة المقاصد الدعوية والإصلاحية في الفتيا.

- مراعاة الاعتدال والتوسط الذي هو سمة الشريعة التي ارتضاها الله تعالى لهذه الأمة.

لاشك أن تحقيق منهج الاعتدال ونفي الغلو لا يكون إلا بالتفقه على المنهج الصحيح، وهو ذات المنهج النبوي الذي ورثّــه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة ومن بعدهم.

وعلاج ما يقع عندنا من ميل عن الاعتدال لا يكون إلا بمحاصرة أسبابه في واقعنا الراهن.

وبعد

فإن الخطاب الديني المعاصر بكل ما يحمله من تشدد وغلوّ من هذا الطرف أو ذاك في زمن كثُر فيه الدعّاة وتدعّم ذلك بوسائل الاتصالات، الحديثة التي سهّلت على هؤلاء الدعاة الاتصال بالمتلقين للإفتاء، أو طرْح المواضيع المتعددة، يبقى هذا الخطاب يأخذ مساحته الواسعة في الساحة الفكرية العربية الإسلامية، إلاّ أن أغلبية الناس في هذا العالم المترامي الأطراف ينشدون الاعتدال،وينفرون من أي تطرّف،أو غلوٍّ..فالإسلام دين التسامح، والأخوة، والتكافل، والاعتدال.

إن هذا الكتاب قيّمٌ لما يحتويه من تشخيص لظواهر ضعف الخطاب الديني المعاصر تجاه المستجدات المعاصرة، وتشريح للغلوّ والتشدد وأسبابهما، ودعوة إلى التجديد، ولكن دون الجنوح عن مصادر التشريع الأساسية..كتاب جير بالقراءة المتأنية.

الكتاب: الخطاب الديني بين الغلوّ والاعتدال
المؤلف: مجموعة محاضرين .
التخصص: أساتذة متخصصّون في الشريعة والفكر الإسلامي
المطبعة: دار مزوار للطباعة بالوادي .الجزائر
إصدارات الرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي
الطبعة : الأولى 2010
الحجم : متوسط
الصفحات: 302

www.thakafamag.com



--------------------------------------------------------------------------------
تم طباعة هذه المادة من موقع الركن الأخضر
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=19489


الصحوة الاسلامية بين الجحود والتطرف

الموضوع : دعوة وتربية ، التاريخ : Wednesday ، 19 February

الرابط نحو هذا المقال هو :
http://www.rayah.info/browse.php?comp=viewArticles&file=article&sid=53

قراءة: عبد الله بن ميارة


03/02/03 هذا الكتاب هو كشف بالأشعة على العقل الإسلامي المعاصر.. وهو رحلة فكرية وعلمية ممتعة مع ظاهرة التطرف والجحود التي توصم بها الصحوة الإسلامية المعاصرة وعبر أربعة فصول يناقش المؤلف مختلف جوانب الظاهرة. الفصل الأول بعنوان "التطرف بين الحقيقة والاتهام " عرض لمعنى التطرف لغة واصطلاحا وفصل منهج الإسلام باعتباره منهج وسط في التصور والاعتقاد والتعبد والنسك والأخلاق والمعاملات والوسطية إحدى خصائص الإسلام العامة . والنصوص الإسلامية تعبر عن التطرف بالغلو والتنطع والتشدد حديث ابن عباس إياكم والغلو ) ، وحديث ابن مسعود (هلك المتنطعون ) والإسلام شرع العبادات ليزكي الفرد روحيا وماديا وبالجماعة على أساس الوحدة والأخوة والتكافل ورفض الرهبانية التي تفرض العزلة عن الحياة وسنة الإسلام التوازن وقد شدد على أصحاب النزعات المتطرفة والمتشددة وذكرت السنة النبوية الكثير من الأحاديث المحذرة من التشدد والتطرف والغلو (أفتان أنت يا معاذ ) البخاري، (إن منكم منفرين ) (.. فلا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى ) والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالقصد والاعتدال (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).
ولتحديد مفهوم التطرف ينبغي إبراز ملاحظتين مهمتين
قراءة: عبد الله بن ميارة


03/02/03 هذا الكتاب هو كشف بالأشعة على العقل الإسلامي المعاصر.. وهو رحلة فكرية وعلمية ممتعة مع ظاهرة التطرف والجحود التي توصم بها الصحوة الإسلامية المعاصرة وعبر أربعة فصول يناقش المؤلف مختلف جوانب الظاهرة. الفصل الأول بعنوان "التطرف بين الحقيقة والاتهام " عرض لمعنى التطرف لغة واصطلاحا وفصل منهج الإسلام باعتباره منهج وسط في التصور والاعتقاد والتعبد والنسك والأخلاق والمعاملات والوسطية إحدى خصائص الإسلام العامة . والنصوص الإسلامية تعبر عن التطرف بالغلو والتنطع والتشدد حديث ابن عباس إياكم والغلو ) ، وحديث ابن مسعود (هلك المتنطعون ) والإسلام شرع العبادات ليزكي الفرد روحيا وماديا وبالجماعة على أساس الوحدة والأخوة والتكافل ورفض الرهبانية التي تفرض العزلة عن الحياة وسنة الإسلام التوازن وقد شدد على أصحاب النزعات المتطرفة والمتشددة وذكرت السنة النبوية الكثير من الأحاديث المحذرة من التشدد والتطرف والغلو (أفتان أنت يا معاذ ) البخاري، (إن منكم منفرين ) (.. فلا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى ) والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالقصد والاعتدال (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).
ولتحديد مفهوم التطرف ينبغي إبراز ملاحظتين مهمتين
أولاهما أن مقدار تدين المرء والمحيط الذي يعيش فيه أثر في الحكم على الآخرين تطرفا أو توسطا والثانية أن ليس من الإنصاف اتهام إنسان بالتطرف بمجرد أن اختار رأيا من الآراء الفقهية المتشددة ما دام يعتقد أنه الصواب والأرجح وساق أدلة مثل ستر المرأة المسلمة جميع بدنها ما عدا الوجه والكف وهو رأي الجمهور ورأي البعض بتغطية الوجه والكفين (النقاب ) وكذلك آراء العلماء في الموسيقى.
ومن مظاهر التطرف التعصب حيث عدم الاعتراف بالآخرين وجمود المتطرف دون النظر لمقاصد الشرع ومصالح الخلق ويستخدمون العصا الغليظة وهذا هو الإرهاب الفكري، ومن مظاهره كذلك التزام التشدد دائما مع قيام موجبات التيسيير وإلزام الآخرين به كمحاسبة الناس على النوافل والسنن كأنها فرائض وعلى المكروهات كأنها محرمات.. والتشد في غير محله مثل خارج ديار الإسلام أو قوم حديثي عهد بالإسلام أو حديثي عهد بالتوبة منه كذلك الغلظة والخشونة في الأسلوب والدعوة وسوء الظن بالناس والاتهام، وأخيرا السقوط في هاوية التكفير الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني تحدث فيه عن أسباب التطرف وناقش الأسباب الكاملة للتطرف وضعف البصيرة بحقيقة الدين والاتجاه الظاهري في فهم النصوص والاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم واتباع المتشابهات وترك المحكمات وأخذ العلم من الصحافة وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة حيث من السنن المهمة التدرج وسنة الأجل المسمى وغربة الإسلام في ديار الإسلام والتآمر الخفي والهجوم العلني على الأمة الإسلامية ومصادرة حرية الدعوة والإسلام الشامل واللجوء إلى العنف والتعذيب وهذا كله لا يقاوم التطرف بل يخلقه ويشجعه وهكذا فالتطرف لم يأت اعتباطا ولم ينشأ جزافا فله أسباب ودواعيه فما هي أسبابه؟ إن النظرة المتوازنة والمتكاملة ترى أن ظاهرة التطرف ظاهرة متشابكة ومتداخلة، منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي ومنها هو اجتماعي واقتصادي ومنها ما هو نفسي وفكري، وأهم أسبابه ضعف البصيرة وقلة البضاعة في فقهه والتعمق في أسراره.. إلخ .
ومنها الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى مثل حلق اللحية وإسبال الثياب واقتناء الصور في الوقت الذي تنتشر فيه الماركسية والعلمانية والصليبية والصهيونية، وينتشر فيه الفقر والمرض بين المسلمين المستهدفين.
ومنه الإسراف في التحريم مع ذم الله سبحانه وتعالى لذلك (النحل 116) وهذا ما أدى إلى إلتباس المفاهيم الإسلامية واضطرابها كالإيمان والإسلام والكفر والنفاق ومنها أيضا اتباع المتشابه وترك المحكم.
والمتشابه ما كان محتمل المعنى غير منضبط المدلول، والمحكم البين المعنى الواضح الدلالة.
وسبب هذا الغول الجهل بالشريعة ومقاصدها وضعف البصيرة وإساءة الفهم والاستنباط أو القراءة أو هما معا ولهذا أعرض الشباب الملسم عن العلماء الذين اقتربوا من السلطان وأصبحوا في مواضع الاتهام، ومنهم من يحتج بالأحاديث الموضوعة ويترك الأحاديث الصحيحة ويستدل بالإسرائيليات والقصص والحكايات ويروج البدع. ومن ضعف البصيرة بالدين إلى ضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ والسنن كسنة التدرج وسنة الأجل المسمى فالأولى سنة كونية وسنة شرعية، والثانية مكملة للأولى حيث لكل شيء أجل سواء في الماديات والعنويات.
وغربة الإسلام في ديار المسلمين تؤدي إلى التطرف والغلو حيث سيادة العلمانية واستشراء الفساد وشيوع الباطل وسيطرة اللبرالية والنصرانية وتحرر المرأة وانتشار الفسق والفجور وإبعاد الإسلام عن الحياة وسيادة المادية مع غربة الإسلام والتآمر على الدعوة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتضييق على الدعوة الإسلامية بالمنع والإرهاب، والاقتصار على إسلام الدراويش والبدع وعلماء السوء والنزاعات والطرق الضالة والزعامات الفاسدة المارقة عن الدين والخارجة عن الملة.
وأخيرا اللجوء إلى العنف والتعذيب مما يؤدي إلى شيوع التطرف والنزعات الشاذة غير السوية وتحالف العلمانية والصهيونية لوأد أي تجربة إسلامية ناهضة .
الفصل الثالث بعنوان "في سبيل العلاج " ويعرض لموضوعات أساسية مثل دور المجتمع المسلم وأهمية التزامه بالإسلام عقيدة وشريعة والاحتكام إليه في كل مناحي الحياة، ونبذ العلمانية والتعامل مع كل العاملين للإسلام مع اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وضرروة معاملة الشباب المسلم بالحسنى وعدم الإفراط في التطرف واحترام حرية الرأي وحرية التدين والالتزام وعدم مقابلة التطرف بتطرف مثله أو التكفير بكفر يقابله.
أما واجبات الشباب فهي كثيرة ومنها: معرفة الدين الصحيح على بصيرة ومراعاة الجزئيات في ضوء الكتاب والسنة، والفقه في مراتب الأحكام والعلم بقيم الأعمال ومراتبها كالواجب والمندوب والمستحب وضرورة إتقان فروض الكفاية التي أهملها المسلمون والشباب خاصة كالتخصص الدقيق والتفوق الصناعي والحضاري ومقاومة الظلم الاجتماعي والسياسي، أما المنهيات ففيها مراتب مثل المكروه، وكذلك المشتبهات والكبائر أيضا لها مراتب..
والناس متفاوتون في ذلك فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات ولهذا لا بد من تقدير ظروف الناس وأعذارهم ومعرفة فقه سنن الله في الخلق.. إلخ.
الفصل الرابع بعنوان "نصائح أبوية إلى شباب الإسلام " بعد أن عرض لسلبيات الصحوة الإسلامية إلا أنه اعتبرها ظاهرة صحية وطبيعية لأنها عودة إلى الفطرة ورجوع إلى الأصل الذي هو الإسلام وبالتالي فهي أمل الحياة وحياة الأمل ونور الطريق وطريق النور وقوة الروح وروح القوة.
ومن أبرز وصاياه لشباب الإسلام:
-احترام التخصص
- أخذ العلم من أهل الورع والاعتدال العلماء الذين يجمعون بين سعة العلم والورع والاعتدال - التيسير وعدم التعسير، والبعد عن الغلو والتشدد، والتزام الاعتدال واليسر .
- الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنى.
- مراعاة حقوق الأبوة والأمومة والرحم والسن والسبق في أدب الدعوة والحوار.
- معايشة جماهير المسلمين خاصة الفقراء والاحتكاك بهم ومحاولة حل مشاكلهم.
- أخيرا حسن الظن بالمسلمين لاعتبارات ثلاث:
1- لأنهم بشر وليسوا ملائكة ولا شياطين.
2- أن المسلم مطالب بالحكم بالظواهر وأن يكل السرائر إلى الله سبحانه وتعالى.
3- أن كل مسلم لا يخلو من خير في أعماقه.
وبعد فهذه سياحة سريعة في كتاب "الصحوة الإسلامية" الذي هو دستور الدعوة الإسلامية المعاصرة للعلامة القرضاوي الذي يجمع بين السلفية والتجديد والأصالة والمعاصرة، بين دقة الفقيه وحرارة الداعية وإشراقة الأديب ونظرة المجدد.




أزمة الخلافة والامامة - أسعد وحيد القاسم ص 289 :


2 - تطرف بعض العالمين في
الميدان الإسلامي وتخبطهم وجمودهم .


ونعني بصورة خاصة بعض العالمين في الأوسط الدينية كنشاطات الدعوة والتبليغ والتدريس ، وكذلك بعض العاملين أو المنادين بإقامة الحكم الإسلامي في هذا العصر من خلال تنظيم الجماعات ، والأحزاب ،


- ص 290 -


والميليشيات ، والذين نصبوا أنفسهم قادة للصحوة الإسلامية المعاصرة التي ستعيد للإسلام مجده الغابر وخلافته الراشدة .


والناظر لحال غالبية هؤلاء العاملين ضمن تلك الأطر والأوساط لن يصعب عليه ملاحظة حالات الجمود الفكري والتخبط الحركي التي يعيشونها ، وذلك نتيجة لافتقاد المناهج المنفتحة

على الواقع المعاصر ، وغياب القيادة الواعية والمتفهمة لتقلبات الزمان والمكان ، فتجدهم يلجأون دائما " إلى التقليد الأعمى لسير الماضين ، ويأخذون بطرق تفكيرهم وأساليبهم

بصورة حرفية ، ويصرون على ذلك أيما إصرار ، مدعين أنه لا سبيل للتغيير والإصلاح سوى مناهج السلف الصالح ، وأنه ( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) .


ومع كل التحفظات في إطلاق هذه المسميات واستخدامها ، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال الاستغراق في الماضي وأساليبه كل هذا الاستغراق ، وتقليد السلف حذو النعل بالنعل.


ولكن المشكلة لا تكمن بمجرد عدم صلاحية أساليب الماضي لهذا الزمان نظرا " للمفارقات الواضحة بين العصرين ، وإنما أيضا " في تناقض أساليب وأفكار السلف أنفسهم مع بعضهم

بعضا " ، بل وانحرافها عن المنهاج النبوي منذ البدايات الأولى لعهود الخلافة ، الأمر الذي يجعل من التعصب لرموز ذلك الزمان ، وتقليدهم بتعصب يعني إعادة تلك الأخطاء والمآسي التي حصلت فيما بينهم .


مجرد مثال! ولك في تجربة المجاهدين الأفغان الذين اعتبرهم الكثيرون ( صحابة العصر ! ) خير مثال على ذلك ، فأي صدمة وإحباط تلقاها كل من بنى عليهم آمالا " بإقامة حكم إسلامي

يصلح لأن يكون مثالا " حيا " لكل الحركات المجاهدة في العالم الإسلامي ، لا سيما بعد كل تلك السنوات الطويلة من المعاناة والتضحيات في جهادهم ضد الجيش السوفيتي .

ولكنهم بعد التحرير ، وبدل

- ص 291 -


أن يتوجهوا إلى البناء ، رأيناهم يديرون فوهات المدافع ضد بعضهم بعضا " هذه المرة وبشراسة فاقت تلك التي واجهوا بها الجيش الشيوعي في الأمس القريب .


حتى أنه تردد على ألسنة سكان كابل ، وهم الضحية المنسية لهذه الحروب : ( كفر الشيوعيين ولا إسلام المجاهدين ! ) .


وهكذا نجد أن العالم الإسلامي اليوم يشهد تجارب جديدة في ثورة تخبط في الفكر ، تنقلب إلى ثورة تطرف في الواقع ، ولعل أبشع نماذجها تجده في حكومة ميليشيات الطالبان التي نسمع قصتها ونعيش مرارتها هذه الأيام .


فما دام قد وجد في تاريخنا معارك اسمها الجمل وصفين ، فلماذا لا يقتتل المسلمون ضد بعضهم بعضا " اليوم ؟

وما دمنا قد برأنا جميع أطراف الاقتتال في صفين وهم الجيل الفريد والقدوة المثالية ، فلماذا لا نجد المبرر أيضا " للاقتتال الداخلي بين المجاهدين الأفغان ؟

فهم أولى أن تقع ( الفتن ! ) بينهم من أولئك ، ويحق لهم أن يجتهدوا كما اجتهد معاوية ببغيه للوصول إلى مراكز القوة والتسلط المطلق .


ولماذا لا ، ما دام يتوجب على المسلمين حمل أي منكر فعلوه على أنه كان ( اجتهادا " خاطئا " ) يثابوا عليه أجرا " واحدا " ، ومحملا " حسنا " حتى لو كان ذلك المنكر القتل وبث الفتنة والمخالفة الصريحة للكتاب والسنة .


ولك أن ترى أثر تلك المحاولات المستميتة للتوفيق بين متناقضات الصحابة ، والتي لا تقبل التوفيق ، وتبرير كثير من تصرفاتهم المنكرة والتي كان من ضمنها سب بعضهم بعصا "

وقتلهم وحملها محمل الاجتهاد ، لك أن ترى أثر ذلك كله في تشويش الفكر وتحقير العقل ، بل وتولد تطرفا " وضيقا " في الأفق والنظر نحن في غنى عنه .


وهذا النمط من التفكير القشري والمنغلق على كل حال لا يزال يوجد له انتشار واسع في الوسطين السني والشيعي ، ويطلق عليه مرتضى مطهري مصطلح التحجر بمعنى الجمود

وانعدام المرونة والليونة ، وهي حالة تشاهد عند الإنسان حين تنعدم له المرونة في الموقف من أي فكرة أو ظاهرة جديدة .


- ص 292 -


والشخص الموصوف بالتحجر يضع لنفسه أصولا " ثابتة وأطرا " محددة ، ويفترض عدم إمكان طروء أي تغيير عليها ( 1 ) .


وقد حذر الإمام الخميني ( وهو مثال المجاهد العصري ضد تحجر الفكر لا سيما السياسي منه ) من خطر ظاهرة التحجر هذه بقوله : ( وما هو بالضئيل خطر المتحجرين والحمقى من

المتظاهرين بالقدسية في الحوزات العلمية ، فلا يغفل الأعزاء طلبة العلوم الدينية ولا للحظة عن هذه الأفاعي ذات الظاهر الخداع . . . وعلى حد زعم بعضهم ، فإن عالم الدين يكون

جديرا " بالاحترام والتكريم عندما يكون غارقا " في ( التعبد المنغلق ) بشكل كلي ، وإلا فإن عالم الدين المعني بالسياسة أو المدبر والذكي هو ذو أهداف ومطامع مشبوهة . . . وكأن تعلم

اللغات الأجنبية يعد كفرا " ، ودراسة الفلسفة والعرفان تعد معصية وشركا " . وإنني على يقين من أنه لو كان قد كتب لهذا التيار الاستمرار لأصبح وضع الحوزات الدينية وعلمائها كوضع كنائس القرون الوسطى ) ( 2 ) ،


ويذكر الإمام الخميني مرة أن ابنه مصطفى شرب مرة من ماء في زير خزفي بإحدى المدارس الدينية ، فقام بعض أولئك المتحجرين بغسل الزير الخزفي بالماء لتطهيره ، وذلك لأن الإمام كان يدرس الفلسفة ! ( 3 ) .



جذور التطرف والجمود الديني

ويرى مطهري أن الجذور التاريخية لهذا التحجر تجده في بعض الفرق والمذاهب التي ظهرت نتيجة لما حصل بين المسلمين من تنازع واضطراب ( 4 ) .

ويخصص منها ثلاثة وهي : الخوارج ، وأهل الحديث والإخباريون .


( 1 ) محسن آجينتي ، الالتقاط الفكري والتحجر العقائدي في نظرة العلامة المطهري ، ص 112 .
( 2 ) من البيان الذي وجهه سماحة المرحوم السيد الإمام الخميني إلى المراجع والحوزات العلمية في 22 / 2 / 89 م .
( 3 ) المصدر السابق .
( 4 ) محسن آجينتي ، الالتقاط الفكري والتحجر العقائدي في نظرة العلامة المطهري ، ص 118 . ( * )





- ص 293 -


فالخوارج وبالرغم من أنهم ذوو ميول شديدة نحو الجهاد والفداء والتضحية في سبيل عقائدهم وأفكارهم ، وكانوا من المتعبدين والمتنسكين يمضون الليل في العبادة ، إلا أنهم كانوا جاهلين

وحمقى ، ونتيجة لجهلهم فإنهم لم يكونوا يفهمون الحقائق ويفسرونها تفسيرا " سيئا " ، وأصبحوا من ذوي النظرة الضيقة ، وقصيرة المدى ، ويفكرون في أفق محمود جدا " .

كانوا يرون الإسلام محصورا " في جدران أربعة من أفكارهم الضيقة ، ويعتقدون أن جميع من سواهم لا يفهمون البتة ، ومن أهل جهنم ) ( 1 ) .


ويؤكد مطهري أن نمط تفكير الخوارج قد تسلل ونفذ إلى داخل المجتمع الإسلامي طوال تاريخه ، وعلى الرغم من أن سائر الفرق تعد نفسها مخالفة لهم ، بيد أن التفكير السائد عند

الخوارج هو سائد أيضا " في أذهان تلك الفرق ، ويمكننا أن نرى بين المدارس الفكرية والعقيدية والعلمية الإسلامية ، ومن بين النظريات الفقهية تعتقد بانفصال التعقل عن التدين ، وهذا الاعتقاد قام على مرتكزات التفكير الخوارجي ( 2 ) .


وأما فرقة أهل الحديث ، فهي فرقة أخرى لنمط التفكير المتميز بالجمود والسطحية ، وقد خالف رؤساء هذا التيار أمثال أحمد بن حنبل ومالك بن أنس الاستدلالات العقلية التي تميزت بها

فرقة المعتزلة ، لأنها بنظرهم تتعارض مع ظواهر الحديث والسنة ، وهم يرون أن البحث والتحليل والاستدلال في القضايا الإيمانية حرام . ويعتبر مطهري أن نجاح أهل الحديث

والأشاعرة في القضاء على فرقة المعتزلة بمساعدة بعض الخلفاء العباسيين كان ضربة كبيرة للحياة العقلية في العالم الإسلامي ( 3 ) .


( 1 ) المصدر السابق ، ص 122 - 23 .
( 2 ) مرتضى مطهري ، الجدب والدفع في شخصية علي ، ص 165 - 66 .
( 3 ) المصدر السابق ، ص 167 . ( * )





- ص 294 -


وأما مذهب الإخباريين ، وهو من المذاهب الفقهية الشيعية ، فإن أصحابه كما بينا سابقا " لا يؤمنون بالاجتهاد ، ولا يرون له أية حاجة وضرورة ، فقد جعلوا حجية الروايات والأحاديث

محورا " لعملهم وتوجهاتهم بنحو خاص ، ورفضوا الاستدلال بالإجماع والعقل ، ويعتبرون جميع الروايات صحيحة سواء كانت في واقع الحال ضعيفة أو قوية أو صحيحة أو مختلقة

وموضوعة ، بل يعتبرون ظاهرها هو المقياس والملاك ، وهم بذلك يشتركون مع الخوارج وأهل الحديث بالسطحية والتحجر ، وتخطئة العقل والتفكر ورفضهما .


أعراض هذه الظاهرة وبعد أن عرفنا أن لهذا التجمد والتطرف الفكري الديني الذي نشهده في أيامنا له مثل هذه الجذور الممتدة في عمق التاريخ الإسلامي ، تعالوا بنا نتفحص بعض

أعراض هذه الآفة كما شخصها بعض مفكري هذا العصر علمائه : وفهذا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي يرى في مقالة له تحت عنوان ( صحوة الشباب المسلم ظاهرة صحية يجب ترشيدها لا مقاومتها ) أن هناك خمس أمور أنكرت على الصحوة وهي :

1 ) الدراسة القاصرة للإسلام وشريعته .

2 ) عدم الاعتراف بالرأي الآخر .

3 ) الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى .

4 ) الجدال بالتي هي أخشن .

5 ) التزام التشدد والتعسير ( 1 ) .


( 1 ) يوسف القرضاوي ( صحوة الشباب المسلم ظاهرة صحيحة يجب ترشيدها لا مقاومتها ) ، الصحوة الإسلامية : رؤية نقدية من الدخل ص 30 - 34 ، نقلا " عن مجلة الأمة ، العددان التاسع والعاشر 1981 . ( * )




- ص 295 -


وأما الشهيد مطهري فيجمل خصائص تيار الجمود والتطرف وملامحه بما يلي :

1 ) الركود الفكري وتعطيل العقل .

2 ) ضعف الأسس والمرتكزات العقائدية .

3 ) النظرة السطحية ( الضحالة الفكرية ) .

4 ) التقديس الأجوف الزائف .

5 ) ضيق الأفق والنظر .

6 ) الجهل واعوجاج الفهم .

7 ) الرجعية وعبادة القديم .

8 ) الرياء وخداع العوام ( 1 ) .


وأما الدكتور حسن الترابي فيرى أن هناك أربع علل رئيسية هي :

1 ) الانقطاع عن الأصول الشرعية في الكتاب والسنة ، والرضا والاقتناع بكل ما هو قديم من تقليد التطبيق العملي للسلف .

2 ) العكوف على ( الفروعية ) كأحكام الطهارة ، والوضوء وتعداد فرائض الصلاة ومندوباتها ومكروهاتها ، أو أحكام البيع ، والشراء وكيف تكون الطاعة وآداب الراعي والرعية ، في نفس الوقت التزام الصمت المطبق بشأن النظام الإسلام السياسي والاقتصادي .

3 ) خلل في ترتيب الأوليات ، فهذه النظرة أفقدت العالم الإسلامي أولويات الإسلام . فما دامت الأمور كلها فروعا " ، فهو لا يعلم أي الفروع أهم .


( 1 ) محسن آجينتي ، الالتقاط الفكري والتحجر العقائدي في نظرة العلامة المطهري ، ص 137 - 147 . ( * )





- ص 296 -


4 ) الشكلية ، وهي من الآفات التي أبعدتنا شيئا " عن أصول الدين . فالألفاظ أخذ الاهتمام بها وكأنها ذات معنى خطير في الإسلام ، وهكذا بالنسبة إلى وضع اليدين في الصلاة وقيام الإصبع عند قراءة التشهد وغير ذلك من الشكليات ( 1 ) .


ويرى الأستاذ فهمي هويدي أن ظاهرة الصحوة بحاجة ماسة إلى ( الفرز ) بين ما هو سلبي أو إيجابي في فصائل الصحوة وأفكارها ، لأن هناك الكثير مما يحتاج تنقية فيما تطرحه تلك

الفصائل من أفكار . . . فهي بحاجة إلى ( التجميع ) و ( الترشيد ) ، وليس مقبولا " أن يكون غاية جهدها حشد مجموعات من الدراويش في صلاة الجمعة أو أفواج الحج والعمرة . فالعمل

العبادي التزام يجب أداؤه ، ولكن الوعي بما يجري والرؤية الأوسع للواقع الاجتماعي ، والاقتصادي ، والسياسي وترتيب أولويات القضايا تحتاج إلى عمل جاد ومتواصل ( 2 ) .


ويقدم المرحوم الشيخ محمد الغزالي تفصيلا " أكثر حول هذه الظاهرة في مقالة له تحت عنوان ( بين الاعتدال والتطرف ) ، فيقول : ( وأريد أن أؤكد للشباب أن إقامة دين شئ ، واستيلاء

جماعة من الناس على الحكم شئ آخر ، فإن إقامة دين تتطلب مقادير كبيرة من اليقين والإخلاص ، ونقاوة الصلة بالله ، كما تتطلب خبرة رحبة بالحياة والناس والأصدقاء

والخصوم ، ثم حكمة ، تؤيدها العناية العليا في الفعل والترك والسلم والحرب . . . ! إن أناسا " حكموا باسم الإسلام ، ففضحوا أنفسهم ، وفضحوا الإسلام معهم ! ! فكم من طالب حكم

يؤزه إلى نشدان السلطة حب الذات ، وطلب الثناء ، وجنون العظمة ! ! وكم من طالب حكم لا يدري شيئا " عن العلاقات


( 1 ) حسن الترابي ، تجديد الفكر الإسلامي ، ص 10 - 17 .
( 2 ) فهمي هو يدي ( مقابلة ) : مجلة التوحيد العدد 16 ، رمضان - شوال 1405 ه‍ . ( * )





- ص 297 -


الدولية ، والتيارات العالمية ، والمؤامرات السرية والجهرية ! ! وكم من طالب حكم باسم الإسلام وهو لا يعرف مذاهب الإسلاميين في الفروع والأصول ، فلو حكم لكان وبالا " على

إخوانه في المعتقد ، يفضلون عليه حكم كافر عادل ! ! ولقد رأيت أناسا " يتحدثون عن إقامة الدولة الإسلامية لا يعرفون شيئا " إلا أن الشورى لا تلزم حاكما " ، وأن الزكاة لا تجب إلا

في أربعة أنواع من الزروع والثمار ، وأن وجود هيئات معارضة حرام ، وأن الكلام في حقوق الإنسان بدعة . . . إلخ ، فهل يصلح هؤلاء لشئ ؟ ) ( 1 ) .


وحول الإفراط والتفريط ، يعلق الغزالي : ( والخلاف الفقهي لا يوهي بين المؤمنين أخوة ، ولا يحدث وقيعة ! وهؤلاء يجعلون من الحبة قبة ، ومن الخلاف الفرعي أزمة . . . والغريب

أن التطرف لا يقع في مزيد من الخدمات الاجتماعية ، ولا في مزيد من مظاهر الايثار والفضل ، إنه يقع في الحرص البالغ على الأمور الخلافية كالتنطع في مكان وضع اليدين أو

طريقة وضع الرجلين خلال الصلاة ! والمجال المستحب للغالين في دينهم ينفسخ عندما ينظرون في ذنوب الناس، إنهم يسارعون إلى الحكم بالفسق أو الكفر وكأن المرء عندهم مذنب

حتى تثبت براءته ، على عكس القاعدة الإسلامية . . . ومنذ أيام ثار جدل حول حكم تارك الصلاة كسلا " ، فلم يذكر أحد في شأنه إلا أنه كافر ، مستوجب القتل ، مخلد في النار ! ،

قلت : لماذا تنسون حديث أصحاب السنن في أن الرجل لا عهد له عند الله - بتكاسله - إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ! . . . وعلينا بالتلطف والنصح الحسن ، أن نقوده إلى المسجد لا إلى المشنقة ، بيد أن المتطرفين يأبون إلا القول بالقتل ، وأن هذا وحده هو الإسلام ! ! ) ( 2 ) .

( 1 ) محمد الغزالي ، ( بين الاعتدال والتطرف ) ، الصحوة الإسلامية ، رؤية نقدية من الدخل ، ص 66 - 67 ، نقلا " عن كتاب الأمة رقم ( 1 ) الصادر عن المحاكم الشرعية في قطر .
( 2 ) المصدر السابق ، ص 72 - 74 . ( * )





- ص 298 -


وحول وضع المرأة المأساوي في مجتمعاتنا الإسلامية ، يقول الغزالي : ( إن حبسها وتجهيلها واتهامها هو محور النظر في شؤونها العادية والعبادية جميعا " . . . وإذا خرجت من البيت

لضرورة قاهرة فلا ينبغي أن يرى لها ظفر ، هي عورة كلها ، لا ترى أحدا " ولا يراها أحد ! ! ومن هؤلاء المتطرفين ناس لهم نيات صالحة ، ورغبة حقة في مرضاة الله ،

وعيبهم - إن خلوا من العلل والعقد - ضحالة المعرفة وقصور الفقه ، ولو اتسعت مداركهم لاستفاد الإسلام من حماسهم وتفانيهم ) ( 1 ) .



( 1 ) المصدر السابق ، ص 74 . ( * )

سيرة الأستاذ: الدكتور الشيخ محمود عكام حفظه الله


النشأة والدراسة:

ولد في مدينة حلب – سورية 6 / 6 / 1952.

انتسب في الرابعة من عمره إلى روضة "دوحة التربية" ، ثم درس الابتدائية في مدرستي "الوحدة العربية"، و"صلاح الدين الصباغ ".

بعد أن نال شهادة المرحلة الابتدائية بتفوق انتسب إلى الثانوية الشرعية "الخسروية" عام 1966.

حصل على الشهادة الإعدادية الشرعية عام 1968، وفي السنة نفسها تقدم للشهادة الإعدادية العامة فحصل عليها بتفوق.

نال عام 1971 شهادة الثانوية الشرعية حائزاً الدرجة الأولى على القطر في تلك السنة.

انتسب إلى كلية الشريعة بجامعة دمشق وتخرج منها عام 1975، حائزاً الدرجة الأولى على دفعته في تلك الدورة.

حصل على دبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية بجامعة دمشق عام 1976.

نال دبلوم المناهج وأصول التدريس من كلية التربية بجامعة دمشق عام 1977.

توجه عام 1979 إلى فرنسا ليتابع تحصيله العلمي في جامعة السوربون بباريس ويحصل منها على الماجستير عام 1981 عن رسالتين ،عنوان الأولى: "دراسة في رسائل عمر بن عبد العزيز إلى ولاته وعماله"، والثانية : "نظرية الإمامة عند الشيعة المعاصرين" ،وكان المشرف عليه المؤرخ الفرنسي دومينيك سورديل ، ويحصل بعدها على الدكتوراه في الفكر الإسلامي السياسي من السوربون أيضاً عام 1983 وكان المشرف عليه المفكر المعروف البروفيسور محمد أركون وعنوان الأطروحة: "الحاكمية والسلطة في الفكر الإسلامي السياسي في القرن الخامس الهجري. دراسة مقارنة بين السنة والشيعة".

عاد إلى الوطن سورية عام 1984 ليتابع نشاطه وعمله.


الوظائف والنشاطات العلمية:

- مفتي محافظة حلب.

- أستاذ محاضر في كليتي الحقوق والتربية بجامعة حلب.

- مستشار وزير الأوقاف لشؤون التعليم الشرعي والتوجيه والإرشاد.

- خطيب الجامع الأموي الكبير بحلب.

- أستاذ مشرف على مجموعة من الباحثين في مرحلة الماجستير والدكتوراه.

- عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

- عضو اتحاد الكتاب العرب.

- عضو لجنة الفتوى في شبكة islamonline.

- عضو لجنة البحوث والشؤون الإسلامية بدمشق.

- رئيس لجنة التوجيه والإرشاد الديني بحلب.

- المستشار الشرعي في اللجنة القانونية للهيئة السورية لشؤون الأسرة.

- أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة السوربون خلال سنتين كاملتين /1981-1982/.

- أستاذ محاضر في كلية الشريعة بجامعة دمشق /1986-1987/.

- مدير الثانوية الشرعية "الخسروية" بحلب، من عام 1984 وحتى 1988.

- مسؤول عن المدارس والمعاهد الشرعية والمساجد في مديرية أوقاف حلب، من عام 1988 وحتى 1991.

- مدير مبرة الأوقاف الإسلامية بحلب، منذ عام 1991 وحتى 2005.

- عضو الأمانة العامة، وعضو اللجنة العلمية لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية 2006.

- خطيب جامع التوحيد الكبير بحلب، منذ عام 1984 وحتى 2010.

- شارك في مؤتمرات وندوات عالمية، وحاضر في: سورية، السودان، مصر، المغرب، تركيا، إيران، ألمانيا، اليونان، فرنسا، بلجيكا، الولايات المتحدة الأمريكية، الكويت، الإمارات العربية، ماليزيا، السعودية، لبنان، سويسرا، قطر.

- صدر له ما يزيد على خمسة وثلاثين كتاباً، وشارك في تأليف وتقديم أعمال مطبوعة أخرى تربو على الأربعين.



الكتب والمؤلفات:

- نظرية الإمامة عند الشيعة المعاصرين. رسالة ماجستير بالفرنسية (مخطوط).

- دراسة في رسائل عمر بن عبد العزيز إلى ولاته وعماله. رسالة ماجستير ثانية بالفرنسية (مخطوط).

- الحاكمية والسلطة في الفكر السياسي الإسلامي عند الشيعة والسنة في القرن الخامس الهجري. دراسة مقارنة. رسالة دكتوراه نشرت باللغة الفرنسية في باريس عام 1984.

- من مقولات الفكر الإسلامي: رؤية جادة لموضوعات هامة.

- الإسلام والإنسان: دراسة عن الإنسان في القرآن والسنة وصفاً ومراداً وتكليفاً.

- سبيل المعروف: دراسة علمية وعملية يحتاجها كل مسلم.

- فكر ومنبر 1: مفاهيم وقضايا تقدمها خطبة الجمعة.

- فكر ومنبر 2: قضايا الإنسان ومفهومات الرسالة في خطبة الجمعة.

- وقبّلي بخشيةٍ أعتابهم: رسائل مرفوعة إلى جناب الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم.

- اللهم هؤلاء أهل بيتي. أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قبسات من ضياء أهل العباء عليهم السلام.

- نزهة المحبين في روض الصلاة على سيد المرسلين صلّى الله عليه وآله وسلّم.

- التربية الإسلامية: أبحاث علمية – أسس تربوية – طرائق تعليمية.

- الشريعة الإسلامية: رسم أبعاد وتبيان مقاصد.

- أسرتي وإسلامي: دراسة عن الأسرة تكويناً وتنظيماً.

- من ذاكرة التمرد: صفحات من التفكير في الممنوع والمرغوب.

- حوار مع الصحافة: أسئلة من الواقع وإجابات من الإسلام.

-عُصارات: كلمات في المنهج والنقد والحب.

- مسيرة حاج: أحكام، أدعية، نفحات.

- مسيرة صائم: حكم وأحكام ودروس وأحداث.

- الورد والعهد: من معالم الشخصية المسلمة.

- لوحات: صفحات من الإيمان والتجربة والوجدان.

- الزهراء عليها السلام بين الثناء والولاء.

- 11/9/2001: تعليقات ومصارحات ومناشدات.

- منبر شاهد على حرب العراق 2003.

- فماذا بعد ؟ تعليقات على السلام والحرب والمقاومة والإرهاب والنصر أثناء وعقب حرب لبنان 2006.

- الأسرة والطفل. التوعية والتنشئة.

- فقه وحياة: أسئلة وإجابات.

- التطرف والاعتدال وقضايا مقاربة.

- فتاوى الجماهير.

- سلسلة محاضرات جادة وهادفة:

1- الحضارة مفهوماً إسلامياً.

2- الحوار من الإنسان إلى الإسلام.

3- رؤية أولية لتفعيل دور الإسلام في الغرب.

4- رؤية مسلم حول الإنسان والأخلاق.

5- سمات العمل الإسلامي في مستقبل منشود.

6- جدلية الفقه والحياة.

7- الإسلام وتنظيم الأسرة.

8- القدس الشريف: إليها تشد الرحال وعليها تعقد الآمال.

9- المرأة في منظور إسلامي.

10- لقطات من رعاية الإسلام للطفل.

11- الإمام الحسن. سيادة وقيادة.

12- ثورة الحسين: ثورة الإنسان على الطغيان.



من المؤلفات المشتركة:

- الإسلام والدور المنتظر.

- من أجل أخلاقٍ أفضل للقرن 21.

- الحوار والديمقراطية في الشرق الأوسط.

- الاستنساخ بين العلم والفلسفة والدين.

- الخطاب الإسلامي المعاصر.

- الإسلام - الخطاب العربي وقضايا العصر.

- الإسلام وظاهرة العنف.



كتب يشرف على إصدارها:

1- سلسلة غرب وشرق:

يشرف الدكتور الشيخ محمود عكام على سلسلة "غرب وشرق"، وهي سلسلة تعنى بالدراسات الغربية المتعلقة بقضايا الشرق والإسلام.

وقد صدر منها:

1- الإسلام والديمقراطية: جون أسبوزيتو وجون فول.

2 - الإسلام والعدالة. مناقشة مستقبل حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مجموعة مؤلفين.
3 - النظام الدولي. الجديد = القديم: نعوم تشومسكي.

2- الموسوعة الإسلامية الميسرة:

وهو المشرف العام على "الموسوعة الإسلامية الميسرة": وهي موسوعة ألفبائية تضم تعريفاً لأهم مصطلحات الحضارة الإسلامية في ميادين العلوم الشرعية والإنسانية والتجريبية، وترجمة لأشهر أعلام الأمة – من صحابة وعلماء وخلفاء وحكام - منذ عصر الرسالة حتى أوائل القرن العشرين، وتوثيقاً لأهم الأحداث التاريخية والمواقع الجغرافية والإنجازات المدنية والكتب والمصنفات ذات الأثر في مسيرة الحضارة الإسلامية.

صدرت في أحد عشر مجلداً ملوناً من الحجم الموسوعي، بالتعاون بين دار صحارى ودار فُصِّلت 1996.

الجمعة، 27 مايو 2011

جوالي في السعودية 0505258776

احبابي جوالي في السعودية هو/ 0505258776
للمشورة والفتوي في أمور الدين ، والنصح في الحياة والشؤون الاجتماعية
وبرجاء عدم السؤال في مسائل الطلاق التي قضت فيها المحاكم

في روضة الدعاء والرجاء وصدق التوجه إلى الله



**روي عبد الرزاق عن الحسن: أن اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، سألوه: أين ربنا؟ فأنزل الله:
}واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان{

**روي الترمذي عنه أنه صلوات الله عليه وسلامه قال:"من سره أن يستجيب الله تعالي له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء"

**عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان (يتصارعان ويتدافعان) إلي يوم القيامة"رواه الطبراني

**عن أبي أمامة قال:قيل:يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة"رواه الترمذي

**من تعار من الليل (اي سهر وتقلب علي الفراش) فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير الحمد لله، وسبحان الله، ولا اله الا الله، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة الا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له. فان تؤضأ وصلي قبلت صلاته.



آداب الدعاء:
1-تحري الحلال
2-استقبال القبلة إن أمكن
3-تحري الأوقات الفاضلة(كيوم عرفة،شهر رمضان،يوم الجمعة،الثلث الاخير من الليل،وقت السحر،اثناء السجود،نزل الغيث،بين الاذان والاقامة،التقاء الجيوش،عند الوجل ورقة القلب)
4-البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم
5-رفع اليدين حذو المنكبين
روي عن سلمان أن رسول الله ص قال: "إن ربكم تبارك وتعالي حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا"
6-حضور القلب والتوسل لله
7-عدم استبطاء الدعاء
8-الدعاء مع الجزم بالاجابة
لما رواه داود عن ابي هريرة ان رسول الله(ص) قال:"لا يقولن احدكم:اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت ليعزم المسألة فانه لا مكره له"
9-تكرارالدعاء ثلاثا
10-اذا دعا لغيره فليبدأ بنفسه

الدعاء بظهر الغيب:
**عن ابي داود والترمذي :ان النبي صلي الله عليه وسلم قال:"أسرع الدعاء اجابة دعوة غائب لغائب"

من صيغ الدعاء المستجاب بأمر الله:
1)) عن بريدة :ان رسول الله صلي الله عليه وسلم سمع رجلا يقول:"اللهم اني اسألك باني اشهدك أنك انت الله لا اله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد" فقال:"لقد سألت باسمك الاعظم الذي اذا سئل به أعطي واذا دعي به أجاب" رواد أبو داود والترمذي

2)) عن معاذ بن جبل ان النبي (ص) سمع رجلا وهو يقول:ياذا الجلال والاكرام فقال: "قد استجيب لك فسل" رواه الترمذي

3)) عن أنس قال: مر رسول الله(ص) بأبي عياش وهو يصلي ويقول: "اللهم اني اسألك بأن لك الحمد، لا اله الا انت، ياحنان،يامنان،يابديع السموات والارض،ياذا الجلال والاكرام،ياحي ياقيوم" فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لقد سالت الله باسمه الاعظم الذي اذا دعي به أجاب، واذا سئل به اعطي"رواه احمد وغيره

(4)عن معاوية قال:سمعت رسول الله يقول: "من دعا بهؤلاء الكلمات الخمس،لم يسال الله شيئا الا أعطاه اياه:
لا اله الا الله، والله اكبر، لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير، لا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله" رواه الطبراني

أدعية الرزق :

**الاستغفار يجلب كل خير , فأكثروا منه تنالون ما ترجون
قال عز وجل : (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا )) سورة نوح 10 - 14


**عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا ) أخرجه الترمذي

**روي الترمذي عن علي رضي الله عنه:أن مكاتبا جاءه فقال: اني عجزت عن كتابتي فأعني فقال: ألا اعلمك كلمات علمنيهن رسول الله لو كان عليك مثل جبل صبر دينا أداه الله عنك . قل " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك , و أغنني بفضلك عمن سواك "

**وكان الإمام علي رضي الله عنه يدعو بهذا الدعاء العظيم طلبا للرزق مع أخذه بأسباب العمل و السعي :
" اللهم صن وجهي باليسار و لا تبذل جاهي بالإقتار فأسترزق رزقك من غيرك , و أستعطف شرار خلقك , و أبتلى بحمد من أعطاني , و أفتن بذم من منعني , و أنت من وراء ذلك كله ولىُّ الإجابة و المنع "

**وعن جرير رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : من قرأ " قل هو الله أحد " حين يدخل منزله نفتٍ الفقر عن أهل ذلك المنزل و الجيران ) أخرجه الحاكم(

عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي أبو بكر فقال : سمعت من رسول الله صلى الله عليهو سلم دعاء علمنيه قلت : ماهو ؟
قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام يعلم أصحابه
قال : لو كان على أحدكم جبل ذهب ديناً فدعا الله بذلك الدعاء لقضاه الله عنه" : اللهم فارج الهم , و كاشف الغم , و مجيب دعوة المضطرين , رحمان الدنيا و الآخرة و رحيمهما ، أنت ترحمنا فارحمني برحمة يغنيني بها عن رحمة من سواك"

قال أبو بكر رضي الله عنه : فكنت أدعو الله بذلك فأتاني الله بفائدة فقضى عني ديني .

و لجلب الرزق و المال تدعو صباحا و مساء سبع مرات بهذا الدعاء :
"ياكريم اللهم ياذا الرحمة الواسعة يا مطلعا على السرائر و الضمائر و الهواجس و الخواطر , لا يعزب عنك شيء , أسئلك فيضة من فيضان فضلك , و قبضة من نور سلطانك , و أنسا ً و فرجاً من بحر كرمك , أنت بيدك الأمر كله و مقاليد كل شيء فهب لنا ما تقر به أعيننا و تغنينا عن سؤال غيرك , فإنك واسع الكرم , كثير الجود , حسن الشيم , فببابك واقفون و لجودك الواسع المعروف منتظرون يا كريم يا رحيم "

دعاء لقضاء الدين بأمر الله:
"اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك علي كل شئ قدير
تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت والميت من الحي ترزق من تشاء بغير حساب رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما تعطي من تشاء وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سولك"
"اللهم فارج الهم وكاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما انت ترحمني فارحمني برحمة تغنني بها عن رحمة من سولك "

دعاء لسعة الرزق بأمر الله:
}اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شئ منزل التوراة والانجيل والقرأن فالق الحب والنوي أعوذ بك من شر كل شئ أنت آخذ بناصيته أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عني الدين واغنني من الفقر".
** دعاء الحوائج الدنيوية والرزق **
"اللهم أرزقني رزقا واسعا حلالا طيبا من غير كد... واستجب دعائي من غير رد... وأعوذ بك من الفضيحتين: الفقر والدّين... اللهم يا رازق السائلين... يا راحم المساكين... ويا ذا القوة المتين... ويا خير الناصرين... يا ولي المؤمنين... يا غياث المستغيثين... إياك نعبد وإياك نستعين... اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله... و إن كان رزقي في الأرض فأخرجه.. و إن كان بعيدا فقربه.. و إن كان قريبا فيسره.. و إن كان كثيرا فبارك فيه يا أرحم الراحمين.. اللهم صلي على محمد وآل محمد.. واكفني بحلالك عن حرامك.. وبطاعتك عن معصيتك.. وبفضلك عمن سواك يا اله العالمين.. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين"

عند الكرب:
**روي البخاري ومسلم عن ابن عباس : ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا اله الا الله العظيم الحليم ، لا اله الا الله رب العرش العظيم ، لا اله الا الله رب السموات ورب الارض ، ورب العرش الكريم"

أدعية أخري:
ياعماد من لا عماد له
وياذخر من لا ذخر له
وياغياث من لا غياث له
ياكريم العفو، يامحسن التجاوز ،ياكاشف البلاء ياعظيم الرجاء ياعون الضعفاء يامنقذ الغرقي يامنجي الهلكي يامحسن يامجمل يامنعم يامفضل
انت الذي سبحك سواد الليل ونور النهار، وضوء القمر وشعاع الشمس، وذوي الماء وحفيف الشجر.
يالله (الدعاء 3 مرات) ثم الصلاة علي النبي



اسألكم الدعاء لي ولأهلي أن يرزقنا الله بما يعينا علي حلاله ويعجل لنا به.

الأربعاء، 25 مايو 2011

تا بع مقومات الرؤية الإسلامية كإطار مرجعي لعمل الإدارة التربوية الساعية للجودة الشاملة

والإسلام عندما يقرر محاسبة الناس على أعمالهم بمقتضى الإرادة الممنوحة لهم ، فإنه في الوقت نفسه يعترف بمواقع الضعف في الطبيعة الإنسانية وغلبة الشهوات عليها رغم مغالبتها قال الله تعالى:]الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً[(الأنفال: 66).ومن ثمّ فالإنسان الرباني في التصور الإسلامي،ليس هو الإنسان الملاك الذي لا يقع في خطيئة ولا خطأ، فهذا لا وجود له إلا في عالم الخيال أو المثال،إنما الإنسان الرباني هو الإنسان "الأوَّاب" الذي يشعر بالتقصير كلما زلَّ،ويرجع إلى الله كلما أذنب([93])،قال الله تعالى:]فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً[(الإسراء:25)،وهذا الوعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة([94])،يجعل الإنسان أكثر دافعية ومسارعة للتوبة ولتعديل سلوكه وإحسان عمله.
وفي الإسلام معيار التفاضل بين الناس هو التقوى وحدها، قال الله تعالى:]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[(الحجرات:13) ، حيث لا وزن ولا قيمة ولا اعتبار لأسباب التفاوت والتفاضل الأخرى –الجنس،اللون،الطبقة...-إن الإسلام قرر وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير، وفي المحيا والممات،وحث الناس على التعارف والتعاون والعمل الإنساني المشترك دون أن يكون لاختلافهم في الجنس واللغة واللون أي أثر في المَسِّ بهذا الهدف الذي يعود بالنفع العام عليهم جميعاً.([95])
وفي حين لا يقر الإسلام بأن أحداً يولد ملوثاً بالخطيئة،فإنه يعترف بأثر البيئة وخطرها وبخاصة البيئة الأسرية ، حتى أنها لتشكل عقيدة الطفل واتجاهه الديني الأولي([96])ولهذا حَمَّل الإسلام الآباء تبعة توجيه أولادهم وحسن تربيتهم،قال الله تعالى:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[(التحريم:6).
وهكذا تتضح واقعية التصور الإسلامي في تعامله مع "الإنسان"،فهو يتعامل مع الإنسان الذي هو كائن واقعي،له خصائصه،وله مشخصاته،وله فاعليته،وله انفعاله،وله تأثره وله تأثيره..لا مع معنى مجرد أو فرض من الفروض لا رصيد له من الواقع.([97])
وتنعكس نظرة التصور الإسلامي للطبيعة الإنسانية على فعاليات الإدارة الناهضة لتحقيق الجودة الشاملة من خلال :
- تعميق النظرة المتكاملة للطبيعة الإنسانية،فالإسلام يريد من المسلم أن يبلغ الكمال المقدور له بتناسق وفي جميع شئونه،فلا يُقبل على جانب واحد أو عدة جوانب ويبلغ فيها المستوى العالي من الكمال،بينما يهمل الجوانب الأخرى حتى ينزل فيها إلى دون المستوى المطلوب([98])،والقرآن عندما يخاطب الإنسان يخاطب عقله وقلبه ووجدانه في آن واحد.
- تحقيق التوازن بين الحوافز المادية والحوافز الروحية والمعنوية للعمل.
- توفير المناخ الملائم للعمل،ليس من الناحية المادية فحسب،ولكن من حيث الجو الروحي والإيماني الذي يشبع الحاجات الوجدانية للإنسان.
- احترام كرامة الإنسان وإرادته الحرة ، وبما يتوافق مع طبيعة هذه الإرادة.
- إتاحة الفرص أمام العقل للتفكير والتدبر والبحث والنظر ، مما يولد الأفكار ويكشف الحقائق الجديدة.
- تأكيد مسئولية الإنسان الفردية عن أعماله ومسئوليته عن إقامة المجتمع الحق النظيف والمتقدم.
- تأكيد أهمية بناء الضمير الخلقي الذي يراقب الإنسان ويحاسبه ذاتياً، مع تأكيد دوره في الرقابة على المجتمع.
- تحقيق التوازن بين شخصية الفرد المستقلة وشخصيته كعضو في جماعة.
- التأكيد على أهمية التعاون بين العاملين، وعلى أهمية العمل الجماعي.
- مراعاة طاقات الإنسان واستعداداته عند تكليفه بالأعمال، ومراعاة الفروق الفردية بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
- التأكيد على أهمية التدريب المستمر على العمل للارتفاع بالمهارات والاستعدادات إلى أقصى درجاتها.
- وضع إطار للمحاسبية والثواب والعقاب عن الأعمال والأفعال ، على أن توضع معايير الأخلاق والدين في الصدارة جنباً إلى جنب مع معايير القدرة والمهارة.
- مرونة النظم المحاسبية وإعطاء الفرص للأفراد للأوبة والعودة إلى الطريق الصحيح، مما يدفعهم إلى الجدية والإبداع في العمل.
- تحقيق العدل والمساواة في معاملة العاملين، وأن لا يكون للاختلافات التي لا إرادة لهم فيها دوراً في محاسبتهم والتعامل معهم: كالجنس واللون والطبقة.
رابعاً : نظرة الإسلام إلى "المعرفة والعلم" :
المعرفة مصدر للفعل عَرَف– بتخفيف الراء–والذي يدل على السكون والطمأنينة للشيء المعروف،لأن من أنكر شيئاً توحش منه ونبا عنه([99])،ويذكر صاحب "لسان العرب" أن:عَرَفَ يَعرفُه وعرفاناً ومعرفةً تعني العلم([100])،ويؤيده في ذلك صاحب "القاموس المحيط"([101])والذي عَرّف أيضاً "العلم" بالمعرفة،حيث قال عَلمهِ:عَرفَه حق المعرفة. ([102])
وهذا يشير في الإطلاق اللغوي إلى أن العلم والمعرفة مترادفان ، حيث عُرّف كلاً منهما بالآخر ، وهما بهذا يعبران عن حالة السكون والطمأنينة التي تنتاب العارف حيال الشيء المعروف.
والمعرفة في الاصطلاح القرآني لم ترد بصريح اللفظ، ولكن وردت لها اشتقاقات كثيرة فجاءت بصيغة الماضي مثل قوله تعالى:) تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَق(ِّ(المائدة:83)،وجاءت بصيغة المضارع،مثل قوله تعالى:)يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا((النحل:83)،وذلك في ست وعشرين آية ، "والمعرفة إذا جاءت في القرآن فعلاً صادراً من الإنسان تعني إدراكاً للشيء بتفكر وتدبر لأثره".([103])فالمعرفة حالة تقتضي التفكير والتدبر.
أما العلم فقد ورد هو ومشتقاته في القرآن الكريم في نحو تسعمائة موضع ، الأمر الذي لم يكن لغيره من الحقائق التي ورد لها ذكر في كتاب الله([104]) ، ولقد بين "الراغب الأصفهاني" أن المقصود بالعلم في القرآن : إدراك الشيء بحقيقته،وهو ضربان،الأول:إدراك ذات الشيء،وهو المتعدى إلى مفعول واحد،كقوله تعالى:)لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم((الأنفال:60) والثاني:الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له أو نفي شيءٍ هو منفي عنه ، وهو المتعدي لمفعولين كقوله تعالى:)فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ((الممتحنة:10).([105])
والمعرفة والعلم يختلفان بذلك في الاصطلاح القرآني فيما يدلان عليه "فالراغب" يقول بأن المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته،والعلم لا يكاد يقال إلا فيما يدرك ذاته ولهذا يقال:فلان يعرف الله ولا يقال:يعلم الله، لما كانت معرفته تعالى ليست إلا معرفة آثاره دون معرفة ذاته،وأيضاً،فالمعرفة تقال فيما لا يعرف إلا كونه موجوداً فقط،والعلم أصله أن يقال فيما يعلم وجوده وجنسه وكيفيته وعلته،ولهذا يقال الله تعالى عالم بكذا ولا يقال عارف به،لما كان العرفان يستعمل في العلم القاصر...ويضاد العرفان الإنكار،والعلم الجهل([106]).
والعلم في الإسلام يحتل مكانة بارزة،فكفى بالعلم تنويهاً ورفعاً لقدره وقدر أهله أن كان صفة من صفات الله تعالى،فهو جل شأنه:عالم وعليم وعلام([107])،وكفى بأهل العلم شرفاً وفضلاً وجلالاً ونبلاً أن بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بملائكته وثلّث بأهل العلم،وذلك في قوله تعالى:)شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ((آل عمران:18)،فالله تعالى يمنع المساواة بين العالم والجاهل،قال تعالى:) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ((الزمر:9)،وذلك لما قد خُصّ به العالم من فضيلة العلم،فالعالم هو الذي يعقل أمر الله ويفهم زجر الله،قال تعالى:) وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ((العنكبوت:43).
ويكفي تمجيداً للعلم وأهله أن يكون أول أمر إلهي نزل به القرآن الكريم هو"القراءة" فالقراءة عنوان العلم ومفتاحه ومصباحه([108])،وأن تتكرر كلمة "اْقرَأْ" مرتين في آيات ثلاث... وأن ترد كلمة "عَلمَ" ثلاث مرات،وأن يشار بالحرف إلى القلم:الأداة التي يتعلم بها الإنسان، ذلك كله في الآيات الخمس الأولى للوحي([109])،قال الله تعالى:]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ((العلق:1-5) وأن تسمى ثاني سورة نزلت من القرآن الكريم بسورة"القلم"وأن يُقسم الله تعالى في مطلعها بهذه الأداة الصغيرة في حجمها الكبيرة في أثرها:"القلم"،فقال تعالى:) نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ((القلم:1).([110])
وعبر الاثنتين وعشرين سنة لتنزل القرآن ينهمر السيل وتتعالى نداءات القرآن المنبثقة من فعل القراءة والتفكر،والتعقل،والتفقه،والتدبر،والنظر،والتبصر،وال تذكر،والمنبثة في نسيج كتاب الله لتعميق الاتجاه نحو التحول المعرفي الذي أراده الدين.([111])
ولقد بيّن الرسول(r)فضل العلم وأهله في أحاديث كثيرة منها قولهمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)([112])،وقوله(r)فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب،وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً،وإنما ورَّثوا العلم،فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)([113])،وقوله لا حسد إلا في اثنتين:رجُلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطَهُ على هلكته في الحق،ورجُلَّ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعلمها)([114])،وقوله(r)إذا مات ابن آدم انقطع عَمَلُهُ إلا من ثلاث:صدقة جارية،أو علم يُنتفع به،أو ولدٍ صالح يَدْعُو لهَ)([115]).
ولما كان العلم بهذه الدرجة من الفضل والتكريم،لذلك حث الإسلام على تعلم العلم وطلبه والسعي إليه،فيقول الله تعالى:)فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ((التوبة: 122)،ويقول تعالى:)فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ((النحل:43)،وفي أهمية طلب العلم يقول الرسول(r)من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً،سهل الله له به طريقاً إلى الجنَّة)([116]) ، وقال: (من خرج في طلب العلم،كان في سبيل الله حتى يرجع)([117]).
وحث الإسلام على نشر العلم،وعلى تعليم الناس الخير من كل علم صالح نافع يُقرب الناس من الله ويحقق لهم عمارة وفلاح الآخرة،قال الله تعالى)وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ((التوبة:122)،وقال تعالى:)وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً((فصلت:33)،وقال تعالى:)ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ((النحل:125) ، وفي ذلك يقول الرسول(r)من دعا إلى هُدى كان له من الأجر،مثل أجور من تبعه لا يُنقص ذلك من أجورهم شيئاً)([118])،وقالنضّر الله امرأً سمع مقالتي فبلغَّها،فرب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه). ([119])
وطلب العلم وتعلمه في الإسلام عملية مستمرة ما دامت الحياة قائمة، فالعلم لا نهاية له لذلك أمر الله تعالى نبيه(r)بالازدياد من العلم،فقال:)وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْما((طـه:114) ، وأرشد–جل شأنه–الناس إلى أن ما حصّلوه من العلم قليل،حيث قال:)وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً((الإسراء:85)،لذلك يقول"الماوردي":إن من ظن أن للعلم غاية فقد بخسه حقه، ووضعه في غير منزلته التي وصفه الله بها،وقال بعض العلماء:لو كنا نطلب العلم لنبلغ غايته–نهايته–لكنا قد بدأنا العلم بالنقيصة،ولكنا نطلبه لننقص في كل يوم من الجهل،ونزداد في كل يوم من العلم،وقال البعض الآخر:المتعمق في العلم كالسابح في البحر،ليس يرى أرضاً ولا يعرف طولاً ولا عرضاً.([120])
ولقد حرّم الإسلام كتمان العلم وذم الذين يكتمونه ولا يبلغونه للناس،فقال الله تعالى:]وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ((آل عمران:187)،وقال تعالى: )وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ((البقرة:146)،وقال الرسول(r)من سُئِلَ عن علمٍ فكتمه، أُلجمَ يوم القيامة بلجام من نارٍ)([121]).
والمعرفة في الإسلام مكتسبة،ذلك لأن الإنسان يولد بدون معرفة ، ومطلوب منه أن يُحصّلها بنفسه بما منحه الله من أدوات وقدرات معرفية مختلفة،يقول الله تعالى:)وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ((النحل:78)،"ولقد منح الله تعالى الإنسان القدرة على معرفة كثيرٍ من الأشياء والموجودات إذا ما سلك السبل المؤدية إلى المعرفة...وقد جاءت آيات كثيرة تحث الإنسان على التفكر والتدبر والنظر من أجل معرفة الأشياء المبثوثة في الكون من حوله...ولو لم تكن المعرفة ممكنة لكان الأمر بالنظر والتدبر والتفكر لغواً باطلاً،والله منزّهٌ عن ذلك".([122])
والمعرفة في الإسلام مستقلة عن العقل الذي يدركها وتختزن فيه،وأن للأشياء حقائق ثابتة، وأن لها وجوداً مستقلاً عن الأذهان...وأنه عندما يحاول العقل إدراك هذه الحقائق، فإنه لا يوجدها،وإنما يحاول اكتشافها وإظهارها فقط...كما أن إدراك العقل لهذه الحقائق ليس بشرط أن يكون مطابقاً لما هي عليه في الواقع. ([123])
والعقل في الإسلام ليس هو المصدر الوحيد لكل ضروب المعرفة الإنسانية كما هو في المذهب العقلي وليست التجربة وما تدركه الحواس وحدها هو مصدر المعرفة كما في المذهب التجريبي،ولكن المعرفة في الإسلام تأتي من مصادر أخرى كالوحي والتقوى أو الحدس،وفي ذلك إثراء للمعرفة وتعضديد لها. ([124])
إن المعرفة والإدراكات الحسية الناشئة عن الحواس الخمسة لا تستقل بتحصيل المعرفة العلمية،وإن كانت تشكل الأساس الذي تقوم عليه، فالحس- وحده –غير كاف في إقامة هذه المعرفة،بل لابد من العقل الذي يتلقى مادة المدركات التي هيأتها له الحواس،فيقوم بترتيبها وتنظيمها ثم استنتاج دلالاتها المعنوية.لذلك كان تعقيب الله على ذكر آياته في الآفاق وفي الأنفس،مما يدركه الإنسان بحواسه بألفاظ مثل:يعقلون،يتفكرون،ونحوها كما جاء في قوله سبحانه:)إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ( (آل عمران:190)،وقوله:)وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ((النحل:12). ([125])
وفي ضوء ذلك احتل العقل مكانة بارزة في المنهج الإسلامي لعظمة دوره في اكتساب المعرفة العلمية ، لذلك لا يُذكر العقل في القرآن الكريم إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه،ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية،بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة،وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يلام فيها المُنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه([126])،يقول تعالى:)تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ((الحشر:14)،ويقول:) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ((العنكبوت:63)، ويقول تعالى:)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ((الرعد:4).
وبجوار الحواس والعقل هناك الحدس والإلهام والوحي كمصادر أخرى للمعرفة لمن صفت نفوسهم وطهرت قلوبهم وأصبحت مستعدة لتلقي الفيض الإلهي والعلم الإشراقي أو العلم اللدني. وأعلى مراتب هذه المصادر الثلاثة الأخيرة هو الوحي الذي اختص الله به أنبياءه ورسله ليرشدهم ويرشد من بعثوا إليهم عن طريقه إلى الصراط المستقيم ، قال الله تعالى: )وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ((الأنبياء:73)،والضمير في"جعلناهم"يعود إلى الأنبياء والرسل.([127])
وبهذا يمكن القول أن الوحي والعقل هما من أكثر المصادر تأثيراً في البنية المعرفية للعقل المسلم،حيث تتحرك التجربة والإدراكات الحسية في إطار التحليل العقلي لها،وأن الحدس والإلهام محصولهما المعرفي لا يتأتى إلا للخواص من الناس.وهنا تبدو إشكالية العلاقة بين الوحي والعقل،والتي لم تشق فيها العقلية المسلمة،بل استطاعت التوفيق الذي يضمن للعقل تكريمه ويحفظ للوحي قداسته وتعظيمه.
إن دور الوحي الرباني هو في إمداد العقل المسلم بحاجته من علم عالم الغيب، وتوضيح غايته الخيرة من خلق الإنسان في عالم الشهادة، ودوره في خلافة الأرض،ودور العقل المسلم هو السعي في عالم الشهادة وإقامة الخلافة في الأرض على نور من توجيه الوحي والرسالة الربانية. ([128])
وبذلك توحدت المباحث العلمية والدينية لدى"العقل المسلم"وأنتجت هذا "النسيج المعرفي" المحكم الذي لا يفصل الوحي عن العقل والحس ، أو يفصل العقل والحس عن فهم الوحي... وهذا هو الفارق الأساسي بين التصور الإسلامي للمعرفة والتصور الحديث الذي يعزل المعرفة عزلاً كاملاً عن الوحي،بل والذي يرى أن الوحي ضد العلم،وأنهما طريقان مختلفان لا يمكن الجمع بينهما.([129])
وهذه الرؤية الإسلامية القويمة التي يتكامل فيها الوحي والعقل والكون،ويصرف فيها العقل المسلم إلى النظر والتدبر في عالم الشهادة وشئونه كما يوجهه الوحي،هي التي مكنت السلف الأول ناصية الإبداع،وفتحت أمام العقل المسلم أبواب التجريب والنظر والتنقيب في سنن الحياة والكائنات، وفتحت للإنسانية آفاقاً جديدة في مجال الحضارة.([130])
والمعرفة بهذا تنقسم إلى قسمين:معرفة قائمة على المشاهدة الحسية والتجربة العقلية.وهي معرفة قابلة للتغير والتطور في ضوء مدركات عقلية جديدة.وهذه المعرفة المادية مطلوبة للإنسان طلب وسائل لا طلب الغايات، فهي تعين الإنسان على الحياة،وتيسر له سبلها وتختصر له الزمان وتطوي له المكان...ولكنها وحدها لا تستطيع ضبط حركة البشر وإسعادهم،ولهذا كان الإنسان في حاجة ماسة إلى "المعرفة الدينية" المنبثقة من الوحي الإلهي وهي معرفة يقينية جازمة تقتضي التسليم لها والعمل بمقتضاها،وهذه المعرفة تنمي الإيمان وتحيي الضمائر وتغرس الفضائل فتعصم المعرفة العلمية من الانحراف.([131])
والإسلام يلغي كل ما يفصل بين العلم والإيمان،فالقرآن والحديث لا يفتآن يمجدان العلم ويحثان على البحث العلمي وهذا ما يفسر دور الإسلام المخصب والتجديد العلمي الذي حصل في كل مكان بفضل انتشاره([132])،فالقرآن الكريم يعتبر العلم الحق داعية إلى الإيمان ودليلاً عليه،قال تعالى):وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ((الحج:54)،والإيمان الحق هو الذي يفسح مجالاً للعلم،فهما إذاً شريكان متفاهمان بل أخوان متعاونان،قال تعالى:)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ((الروم:56)([133])،والإسلام يلغي كذلك كل ما يفصل بين العلوم استناداً إلى مبدأ التوحيد،وهو مبدأ ترابط العلوم فيما بينها فليس هناك فاصل بين علوم الطبيعة وعلوم المرئيات من جهة واللاهوت أو الفن من جهة أخرى،كما وأنه ليس هناك حاجز منيع بين مختلف العلوم من الرياضيات وحتى الجغرافيا،وهذا ما يفسر عدد العبقريات الموسوعية في الثقافة الإسلامية والذين أبدعوا في عدة علوم في آن واحد. ([134])
وفي الإسلام كل معرفة صحيحة هي معرفة قرآنية إسلامية،فالمعرفة التي يتوصل إليها الإنسان بعقله بصورة قطعية لا يمكن أن تتعارض بأي حال من الأحول مع المعرفة الخالدة التي توجد في القرآن الكريم والحديث الصحيح،فصريح المنقول لا يتعارض مع صريح المعقول...ومن ثم فالمعرفة العقلية الصحيحة لا تقع خارج دائرة المعرفة التي تدعو إليها الشريعة([135])،وعليه أقبل العقل المسلم على علوم الآخرين ولم يستنكف أن يأخذ منهم،ولكن أخذ الناقد الخبير.([136])
ولقد حدد الإسلام شروط تكوين العقلية العلمية الموضوعية التي تضمن سلامة الوصول إلى المعرفة الحقة،ولقد وضّح القرآن والسنّة المعالم الأساسية التي تقوم عليها هذه العقلية العلمية،وهي: ([137])
· ألا تقبل دعوى بغير دليل مهما يكن قائلها،والدليل هو البرهان النظري في العقليات:قال الله تعالى:)قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ((النمل:64)،والمشاهدة أو التجربة الحسية في الحسيات،قال الله تعالى:)وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ((الزخرف:19)،وصحة الرواية وتوثيقها في النقليات،قال الله تعالى:)ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ((الأحقاف:4).
· رفض الظن في كل موضع يطلب فيه اليقين الجازم،والعلم الواثق ولذا رد القرآن الكريم مزاعم المشركين في آلهتهم بقوله:)وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً((النجم:28)،وجاء في الحديث قال الرسول(r)إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).([138])
· رفض العواطف والأهواء والاعتبارات الشخصية، حيث يطلب الحياد والموضوعية وحيث يكون التعامل مع طبائع الأشياء وقوانين الوجود،أيّا كانت نتائجها، قال الله تعالى لنبيه(r):)فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىمِّنَ اللَّهِ((القصص:50).
· الثورة على الجمود والتقليد والتبعية الفكرية للآخرين،فجوهر العلم التفقه والنظر والتدبر والتعقل والتفهم ولا يكون ذلك إلا بالنظر في الأدلة واستيفاء الحجة دون التقليد لأن التقليد لا يثمر علماً ولا يفضي إلى معرفة وقد ذم الله التقليد في غير موضع من كتابه قال الله تعالى:)اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ((التوبة:31)،ذلك أن التقليد إبطال لمنفعة العقل، لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر.
· الاهتمام بالنظر والتفكير والتأمل في الوجود وما به من مخلوقات وأشياء،قال الله تعالى:)أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْء((لأعراف:185) وفي سير التاريخ البشري ومصاير الأمم وسنن الله في الاجتماع الإنساني ، قال الله تعالى:)قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ((آل عمران:137) .
· التواضع أمام جلال الله في اكتشاف الحقيقة، فالمسلم يعلم أنه مهما بلغت معارفه كما وكيفاً تنوعاً واتساعاً،فما يعرفه الإنسان وما سوف يعرفه لا يمثل شيئاً يُذكر في علم الله قال الله تعالى:)وَمَا أتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً((الإسراء:85)،ومن ثم على المسلم أن يدعو ربه دائماً بأن يزيده من العلم،قال تعالى:)وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً((طـه:114).
والعمل في الإسلام شرطه الضروري العلم،لكي يصح ويستقيم على أمر الله، سواء كان هذا العمل عبادة لله أم معاملة للناس،قال الله تعالى:)فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ((محمد:19)،فجاء العلم قبل العمل،وذلك لأن الإنسان إذا فقه عمل وأحسن ما عمل.
كما أن المعرفة الصالحة في الإسلام يجب أن تقود إلي العمل الصالح النافع،وتهدي إليه وتوضح سبله وتؤدي إلي الالتزام بالعمل بمقتضاها . ولا قيمة لمعرفة أو علم لا ينتج عنه ويتبعه عمل بمقتضاه([139]) ، ولا قيمة لمعرفة أو علم لا ينتج عنهما سمو في أخلاقيات الإنسان وقدراته ومعرفته بربه ورقي المجتمع وتقدمه،ولقد نعت الله من لا ينتفع بعلمه بالحمار الذي يحمل الكتب،حيث لا ينتفع منها بشيء،قال الله تعالي:)مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ((الجمعة: 5)،ولذلك كان الرسول يتعوذ من العلم الذي لا ينفع فيقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع )([140])،ويدعو ربه أن يزيده علماً نافعاً ، فيقول:(اللهم انفعني بما علمتني،وعلمني ما ينفعني وزدني علماً )([141])،إن غاية العلم والمعرفة في الإسلام تمكين الإنسان من إقامة الدين وعمارة الأرض وفق منهج الله .
مما سبق يتضح أن المعرفة والعلم يحتلان في الإسلام مكانة بارزة،وتتنوع مصادرهما وتتكامل بين الحس والعقل والوحي ، وبهذا التنوع والتكامل تتنوع المعارف وتتكامل بين معارف عقلية حسية ومعارف دينية،والعلم والمعرفة في الإسلام يتحرران من الظن والتقليد والهوى ويستندان إلي عقلية علمية موضوعية تُسخر العلم لتحقيق مقام الخلافة في الأرض، والعلم في الإسلام يتبعه العمل،والعمل في الإسلام أخرق دون العلم،وكل معرفة يقينية أنتجتها عقلية علمية موضوعية هي معرفة إسلامية،حيث لا تناقض بين العلم الصحيح والدين.
وتنعكس الرؤية الإسلامية للمعرفة والعلم علي ممارسات الإدارة التربوية والتعليمية وذلك من خلال :
- ضرورة توافر المؤهلات العلمية للقيادة الفعالة وكذلك للعاملين معها .
- ضرورة الحفاظ علي صلاحية هذه المؤهلات لكل جديد ومستحدث في نظم الإدارة،وذلك من خلال التعليم والتدريب المستمر للقيادات والعاملين حتى تجاري متطلبات العمل ومن ثم تحقيق جودة الأداء .
- تعويد العاملين علي انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير،واستخدام الاستدلال والقياس والاستنباط والتجريب العلمي والسعي لتكوين عقلية علمية موضوعية تتسم بالدقة والتثبت وبالبعد عن الظن والهوى والتقليد .
- الاهتمام بالأطر التطبيقية والعملية للمعارف والعلوم .
- التأكيد علي مبدأ وحدة المعرفة وتداخل وتكامل العلوم،فلا انفصال بين علوم الدين وعلوم الدنيا،وإلغاء الحدود الفاصلة بين التخصصات المختلفة وإنتاج علوم بينية تحقق متطلبات العصر .
- الاستفادة من علوم وتجارب وخبرات الآخرين طالما لا تخالف الشرع والدين،وطالما جاءت من خلال عقلية علمية موضوعية .

1- محمد عبد الرازق شفيق : الأصول الفلسفية للتربية – فلاسفة التربية من سقراط إلى برتراند راسل ، الكويت، دار البحوث العلمية، 1974، ص257.

2- عماد الدين خليل : حول تشكيل العقل المسلم ، ط(5)، السعودية، الدار العالمية للكتاب الإسلامي ، 1995، ص 53.

3- أحمد المهدي عبد الحليم : إعادة بناء التعليم، لماذا وكيف؟! ، مرجع سابق، ص 138.

1- أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا : معجم مقاييس اللغة ، ط (3) ، تحقيق عبد السلام هارون، ج(1) ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، 1981، ص 127 .

2- أبو القاسم جار الله الزُمخشري : أسـاس البلاغـة ، لبنان ، دار بيروت، 1965، ج(1) ، ص20.

3- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ، القاهرة ، دار الشروق، 1989 ، ص 204.

4- سيد قطب : في ظلال القرآن ، ط (17)، القاهرة، دار الشروق، 1992، م(2) ، ص ص 1005 – 1009.

5------- : مقومات التصور الإسلامي ، ط(5) ، القاهرة ، دار الشروق ، 1997، ص190.

1- أبو بكر الجزائري : منهاج المسلم ، ط(2)، القاهرة، دار البيان العربي ، د –ت ، ص ص 15 – 16.

2- محمد عمارة:الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده،ج(3)،بـيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1972، ص ص280.

3- سيد قطـب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص 202.

4- عباس محمود العقـاد : الله – كتاب في نشأة العقيدة الإلهية ، ط(6)، القاهرة، دار المعارف، 1969 ، ص 14 .

5- سيد قطـب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 203 .

1- أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي : تفسير القرآن العظيم، القاهرة ، مكتبة الدعوة الإسلامية ،1980،ج(4) ،ص235.

2- عباس محمود العقاد : مرجع سابق، ص 155.

3- سيد قطـب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 243.

4- المرجع السابق ، ص244.

1- سيد قطـب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص ص 245 - 247

2- محمد قطـب : رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، القاهرة، مكتبة السنّة، 1991، ص 123.

3- احمد بن تيمية : اقتضاء الصراط المستقيم ، ط(5)، الرياض، دار المسلم ، 1994، ج(2) ، ص 844.

4- سيد قطـب : في ظلال القرآن، م(1) ، مرجع سابق، ص 406 .

5- احمد بن تيمية : العبودية في الإسلام، ط(4) ، القاهرة ، المطبعة السلفية، 1994، ص53.

6- المرجع السابق ، ص 18 .

7- سيد قطـب : في ظلال القرآن ، م(2)، مرجع سابق، ص 1006.

1- أبو الأعلى المودودي : الحكومة الإسلامية ، القاهرة ، المختار الإسلامي، 1980 ، ص ص 71-74.

2- عبد القادر عودة : الإسلام وأوضاعنا السياسية ، بيروت، دار الرسالة، 1981 ، ص 74.

3- محمد الغزالي : الغزو الثقافي يمتد في فراغنا، القاهرة ، دار الصحوة، 1987 ، ص 68.

4- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 292.

5- مصطفى محمود منجود :"الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام"، سلسلة الرسائل الجامعية (26)، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، ص 115.

6- المرجع السابق ، ص119.

7- أحمد المهدي عبد الحليم :"محاضرة بناء الشخصية المسلمة بين الإبداع والإتباع"، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مايو 1994 ، ص 2.

1- عماد الدين خليل : مرجع سابق ، ص ص 137 – 138.

2- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص290– 291.

3- مصطفى محمود منجود : مرجع سابق ، ص 117.

4- نصر محمد عارف : مرجع سابق ، ص 209.

5- روجيه جارودي : الإسلام دين المستقبل ، ترجمة عبد المجيد بارودي، بـيروت، دار الإيمان ،1983 ، ص ص 88 – 91

1- نصر محمد عارف : مرجع سابق، ص ص 205 – 207.

2- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص296.

3- أبو الحسن الندوى : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ،ط(14) ، الكويت ، دار القلم ،1992،ص 96.

1- عبد الجواد السيد بكر : فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1983، ص 16 .

2- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 324 .

3- المرجع السابق والصفحة.

4- عمر التومي الشيباني : فلسفة التربية الإسلامية ، ليبيا ، الدار العربية للكتاب. ، 1988 ، ص 45 .

1- علي أحمد مدكور:منهج التربية في التصور الإسلامي، ط(2) ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 2002، ص ص 140–142

2- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص 42.

3- محمد قطب : حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ، القاهرة ، دار الشروق ، 1998 ، ص34 .

4- علي أحمد مدكور : مرجع سابق ، ص ص 140 - 142.

5- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص 49 .

6- أبو عبد الله محمد بن أحمد (القرطبـي) : الجامع لأحكام القرآن،تحقيق (عماد البارودي،خيري سعيد)،القاهرة،المكتبة التوفيقية ،د.ت، ج(13)،ص 196 .

1- سيـد قطـب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 335 .

2- المرجع السابق ، ص 342.

3- سيـد قطـب : العدالة الاجتماعية في الإسلام ، ط(7) ، القاهرة، دار الشروق، 1967، ص ص 22-23.

4---------: مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص351.

5- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص53.

1- عبد الرحمن النقيب :"مدخل لدراسة الاتجاه الحرفي والمهني في التربية الإسلامية"،في كتابه:"بحوث في التربية الإسلامية –3" سلسلة من آفاق البحث العلمي في التربية الإسلامية،الكتاب الخامس،القاهرة،دار الفكر العربي، 1987، ص121.

2- عبد الغني عبود :"الإسـلام والـكون"،سلسلة الإسلام وتحديات العصر،الكتاب الثالث،القاهرة،دار الفكر العربي،1977 ص147.

3- المرجع السابق ، ص117.

1- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص39.

2- عبد الغني عبود : التربية ومشكلات المجتمع، مرجع سابق ، ص26.

3- على خليل أبو العينين :"نقد المعرفة التربوية المعاصرة – الأهداف والأطر"، مرجع سابق، ص 46.

4- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين، مرجع سابق ، ص213.

5-عبد الحميد أبو سليمان : الإنسان بين شريعتين،القاهرة ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، دار السلام للنشر،2003 ص ص 38 - 39.

6- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ، مرجع سابق ، ص 213.

7- يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام، ط(6) ، القاهرة ، مكتبة وهبة ، 2003 ، ص ص 11 – 12.

1- عبد الغني عبود: "الإنسان في الإسلام والإنسان المعاصر"، سلسلة الإسلام وتحديات العصر، الكتاب الرابع،القاهرة، دار الفكر العربي، 1978، ص130.

2- عباس محمود العقاد :الإنسان في القرآن الكريم، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب -مكتبة الأسرة ، 1996، ص 20.

3- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص 369.

4- يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، مرجع سابق ، ص 9 .

5- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 373.

6- عبد الحميد أبو سليمان : الإنسان بين شريعتين ، مرجع سابق ، ص ص 7 – 10.

1- أبو الحسين مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، 1955 ك. الفضائل ، ج(4) ، ص 1836.

2- أبو عيسي محمد بن عيسي الترمذي : سنن الترمـذي ، تحقيق كمال يوسف الحوت ، بيروت ، المكتبة الثقافية ، د.ت ك. العلم ، ج(5) ، ص 49.

3- عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري ، القاهرة ، دار مطابع الشعب، د.ت ، ك. القدر ، ج(8)، ص 153.

4- تفسير ابن كثير ، مرجع سابق، ج(3)، ص 432.

5- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق ، ص 370 .

1- عائشة عبد الرحمن : مقال في الإنسان - دراسة قرآنية، القاهرة ، دار المعارف، 1969، ص 101.

2- علي خليل أبو العنين: أصول الفكر التربوي الحديث بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه التغريبي ، مرجع سابق،ص ص60-70

3- سيد قطب : خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ، مرجع سابق ، ص 141 .

4- عبد الحميد أبو سليمان:" أزمة العقل المسلم "، مرجع سابق، ص 131 .

5- يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، مرجع سابق ، ص 74 .

1- محمد قطب : الإنسان بين المادية والإسلام ، القاهرة ، دار الشروق ، 1995 ، ص 91 .

2- المرجع السابق ، ص ص 96 – 97.

3- صحيح البخاري : مرجع سابق، ك. الأحكام ، ج(9) ، ص77.

4- محروس سيد أحمد:التربية والطبيعة الإنسانية في الفكر الإسلامي وبعض الفلسفات الغربية،القاهرة ، دار المعارف ، 1988 ص 308.

5- سيد قطب : مقومات التصور الإسلامي ، مرجع سابق، ص 377.

6- محمد قطب : الإنسان بين المادية والإسلام ، مرجع سابق، ص ص 83 – 85.

7- سيد قطب : في ظلال القرآن ، مرجع سابق، م(1)، ص 131.

1- صحيح مسلم : مرجع سابق، ك. الإيمان ، ج(1)، ص 69.

2- أبو داود سليمان الأزدى : سنن أبو داود ، القاهرة ، دار إحياء السنّة النبوية ، د.ت ، ك. الملاحم ، ج(4) ، ص 122 .

3- سيد قطب : في ظلال القرآن ، مرجع سابق ، م(1) ، ص ص 208 – 209.

4- المرجع السابق ، ص 284.

5- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ، مرجع سابق، ص 213.

1- يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، مرجع سابق، ص 15.

2- تفسير القرطبي : مرجع سابق، ج(10) ، ص203.

3- عمر عودة الخطيب:نظرات إسلامية في مشكلة التمييز العنصري، ط(2)،لبنان،مؤسسة الرسالة،1978، ص ص 151.

4- يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، مرجع سابق، ص 155.

5- سيد قطب : خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، مرجع سابق، ص204.

6- عبد الكريم زيدان : أصـول الدعـوة، ط(8)، لبنان، مؤسسة الرسالة، 1998 ، ص73.

1- أحمد بن فارس زكريا : معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج(4)، ص 281.

2- ابن منظور : لسان العرب المحيط ، بيروت ، دار لسان العرب ،1970، ج(2) ، ص 745.

3- مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي : القاموس المحيط ، بيروت ، دار الجيل ، د.ت ، ج(3) ، ص 178.

4- المرجع السابق ، ج(4) ، ص 155.

1- محمد مرتضى الزبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس، بيروت، مكتبة الحياة العلمية، 1886،ج(6) ، ص 193.

2- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص 185.

3- الراغب الأصفهاني : المفردات في غريب القرآن ، تحقيق وائل عبد الرحمن، القاهرة، المكتبة التوفيقية، 2003، ص 347

4- ---------- : الذريعة إلى مكارم الشريعة، تحقيق أبو اليزيد العجمي ، القاهرة، دار الصحوة ، 1985، ص180.

5- عمر التومي الشيباني : المرجع سابق، ص185.

1- يوسف القرضاوي : الرسـول والعـلم ، القاهرة ، دار الصحوة، 1984 ، ص16.

2- عماد الدين خليل : مرجع سابق، ص56.

3- يوسف القرضاوي : الرسـول والعـلم ،المرجع السابق، ص16.

4- عماد الدين خليل : مرجع سابق ، ص56.

5- صحيح البخاري : مرجع سابق، ك. العلم ، ج(1)، ص27.

6- سنن أبو داود : مرجع سابق، ك. العلم ،ج(3)، ص317.

7- صحيح البخاري:مرجع سابق، ك. العلم ، ج(1) ، ص 28.

8- صحيح مسلم : مرجع سابق، ك. الوصية ، ج(3) ، ص 1255.

9- صحيح البخاري : مرجع سابق، ك. العلم، ج(1) ، ص 27.

10- سنن الترمذي : مرجع سابق، ك. العلم، ج(5) ، ص 29.

1- صحيح البخاري : مرجع سابق، ك. العلم، ج(1) ، ص 37.

2- الحافظ أبو عبد الله بن يزيد القزويني : سنن ابن ماجة،القاهرة،دار الفكر العربي ، د.ت ، المقدمة ، ج(1) ، ص 84.

3- أبو الحسن الماوردى: " أدب الدنيا والدين" ، تحقيق مصطفى السٌقا، سلسلة الذخائر(127) ،القاهرة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 2004 ، ص 43.

4- سنن أبو داود : مرجع سابق، ك. العلم ، ج(3) ، ص321.

5- عبد الرحمن بن زيد الزبيدي : مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي - دراسة نقدية في ضوء الإسلام،السعودية،مكتبة المؤيد، 1992 ، ص 69.

1- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص ص 207 – 208.

2- عبد الرحمن النقيب :"منهج المعرفة في القرآن والسنّة–دراسة تحليلية مقارنة"، في كتابه : بحوث في التربية الإسلامية –3، مرجع سابق، ص 56.

3- عبد الرحمن بن زيد الزبيدي : مرجع سابق ، ص497.

4- عباس محمود العقاد : التفكير فريضة إسلامية ، القاهرة ، دار نهضة مصر، مهرجان القراءة للجميع، 1998 ، ص 9.

1- عبد الرحمن النقيب : الفكر التربوي عند ابن سينا، القاهرة، دار الفكر العربي، 2002، ص 116 .

2- عبد الحميد أحمد أبو سليمان : أزمة العقل المسلم، مرجع سابق ، ص 120.

3- عبد الرحمن النقيب : منهج المعرفة في القرآن والسنّة ، مرجع سابق، ص ص 50 –51.

4- عبد الحميد أحمد أبو سليمان : أزمة العقل المسلم ، مرجع سابق ، ص 122.

5- يوسف القرضاوي : الرسول والعلم : مرجع سابق ، ص 15.

1- روجيه جارودي : مرجع سابق ، ص 88.

2- يوسف القرضاوي : الرسول والعلم : مرجع سابق ، ص 14.

3- روجيه جارودي : مرجع سابق ، ص 90 .

4- على أحمد مدكور : مرجع سابق ، ص 50 .

5- عبد الرحمن النقيب : منهج المعرفة في القرآن والسنّة ، مرجع سابق، ص47.

6- يوسف القرضاوي : الرسول والعلم : مرجع سابق، ص ص 38 – 40.

1- صحيح البخاري : مرجع سابق ، ك. الآداب ، ج(8) ، ص 23.

2- عمر التومي الشيباني : مرجع سابق ، ص 217 .

1- سنن ابن ماجة : ك. الدعاء ، مرجع سابق ، ج (2) ، ص 1261 .

2- المرجع السابق ، ص 1260 .



http://adel-amer.catsh.info/vb/showthread.php?t=9305

راجع