الأربعاء، 4 مايو 2011

الثقافة العربية الحديثة: التيارات وتفكيك المقولات

بقلم : عبد الرحمن حللي المصدر : الملتقى الفكري للإبداع 2010-09-30
إن الكتاب إذ حاول فك أسر الثقافة العربية الحديثة من مقولات الحداثة وفكرة التقدم، فقد نجح في تفكيك معظم الأفكار التي تتبنى هذا النسق، لكن البديل الذي يطمح إليه لم يتبلور بعد، وإن بدا أحياناً وكأنه لم ينقطع، كما أن الشروط التي يضعها والخصائص التي يميز بها البديل النموذج إن حررت الثقافة العربية من أسرها فإنها ستنقلها إلى أسر آخر هو ما انتقاه من هذه الثقافة المتكاملة.

ثقافة في الأسر نحو تفكيك المقولات النهضوية العربية محمد عادل شريح دار الفكر ، 2008 ، 360 ص . قرنان من الزمان هما عمر عصر النهضة العربية الحديثة كما يؤرخ لها دعاتها، وقد مضت ولا يزال العالم العربي والإسلامي يعيش أسئلتها الأولى على اختلافها، وقد كثر التنظير حول أدبيات هذه النهضة وتاريخها ورموزها وإشكالياتها، لكن معظم ما كتب كان يأتي في سياق التقرير الذي يبحث من داخل نسق المنظومات الفكرية لخطاب النهضة، وكان كثير من هذه الكتابات يمارس جلداً للذات العربية والإسلامية، الحضارية والتاريخية والمعاصرة، بصيغ قادت إلى رؤى عدمية ونفاق يصنع من الآخر قديساً ومن الذات إبليساً عبر أقلام دأبت أن تكتب حسب الرواج في أسواق الفكر المعاصر، فيما كانت بالمقابل رؤى عدمية أخرى ذات خلفية سلفية رأت في خطاب النهضة مؤامرة وعمالة، وفي استخدام العقل جريمة، فاتخذت من تصنيف الخطاب الإصلاحي جواباً بحد ذاته عن إشكالاته التي كان يحاول الإجابة عليها. لم يدفع نقد خطاب النهضة ودراسات العقود الأخيرة حولها الفكر نحو معالجات صريحة وبناءة يمكن من خلالها تحقيب الرؤى الفكرية، وفتح آفاق جديدة للفكر المعاصر، إذ كانت تلك المعالجات مسكونة بهواجس دعاة النهضة أو من خلال الترصد لها، وما تقدمه هذه المقاربة، هو نمط جديد من نقد الخطاب النهضوي يسهم بقدر كبير في إعادة طرح أسئلة مركزية طالما لم يقف عندها كثيرون من دارسي الفكر المعاصر ودعاة الحداثة ومؤرخي النهضة، فتنبع أهمية هذه الدراسة من معالجتها أسئلة جوهرية يمكن من خلال تقييم الإجابة عليها وضع لبنات جديدة في البناء المعرفي المعاصر، فما يتم من المراكمة العشوائية للأجوبة عن أسئلة النهضة والإصلاح يجعلها مثار إشكال جديد يرجع بالقضايا إلى المربع الأول، لذلك فمن الأهمية بمكان في الدراسة النقدية لمقولات النهضة محاولة تفكيك المقولات والعودة بالقارئ إلى المقدمات التي تأسست عليها الثقافة العربية الحديثة، وهي ما أشار إليه الباحث في عنوان الكتاب:".. نحو تفكيك المقولات النهضوية العربية". السؤال الآخر الذي كان يحمل الباحث همه في ثنايا الكتاب، هو إبراز ما كشف عنه في سياق الحفر التاريخي في عصر النهضة وما قبله، وهو النسق الآخر الموازي لخطاب النهضة بل المناهض لمقولاتها، والذي يرى فيه الباحث البديل الحقيقي والاستمرار الطبيعي لنسق الثقافة العربية الإسلامية المتكاملة، إذ يرى أن رموز هذا النسق كانوا يدركون طبيعة المسار التاريخي للثقافة العربية ويدركون مخاطر التحولات التي ألجئت إليها عبر خطاب النهضة، بل يمكن القول إن الكتاب في معظمه يحمل رسالة هي إبراز هذه الرموز (اختار محمود شاكر ومصطفى صبري كأبرز علمين لها) وما قدمته من نقد لمقولات النهضة، واعتبر ما يمثلانه من ثقافة هو السياق الطبيعي للثقافة العربية الإسلامية، وهو الامتداد الوحيد لثقافة عمرها أربعة عشر قرناً، وإن كان لنا أن نسجل ابتداء تحفظاً على التعميم والمبالغة في هذا الجانب وجوانب أخرى، فينبغي ألا نغفل جدية محاولة الباحث في إبراز هذا الجانب من زاوية البعد النقدي لمقولات الفكر العربي الحديث وريث الخطاب النهضوي، ومن زاوية إبراز نسق مجهول في تاريخ الثقافة العربية الحديثة وما قبلها، وسأبرز هذين الجانبين في ثنايا مراجعة هذا الكتاب الذي قسمه المؤلف إلى ثلاثة فصول، تناولت الظروف التاريخية لتشكل الثقافة العربية الحديثة، والتيارات الأساسية لهذه الثقافة، ورؤيتها للخروج من الأزمة. ظروف تشكل الثقافة العربية الحديثة عالج الباحث في الفصل الأول ظروف التشكل التاريخية والمعرفية للثقافة العربية الحديثة، فناقش فيه المفاهيم والمصطلحات الأساسية لاسيما مفهوم الثقافة والمثقف، وخلص إلى أن الثقافة هي النشاط الواعي والمتقن الهادف إلى المعالجة والتقويم، وأن للثقافة مستويان، مستوى عميق يمثل المبدأ الثابت، وهو مفهومي بحت، يعبر عن رؤية للعالم، ومستوى آخر هو مستوى الممارسة الآنية التي تنسج الوجود بوحي من ارتباطها بمبادئها الأولى، وعلى هدي منها. ويضبط الباحث مجال دراسته بالثقافة العالمة التي تتمثل بالثقافة المكتوبة والجهد الذي تقوم به النخب الفكرية في عملية البناء الثقافي، ويلاحظ في هذا السياق الانقطاع غير المفهوم وغير المبرر بين الثقافة العالمة والثقافة الاجتماعية، بحيث تصبح هذه الثقافة العالمة معبرة عن مضامين فكرية لا تجد لها مصداقاً أو أرضية أو تفاعلاً في إطار الثقافة الاجتماعية، أو أنها تكون معبرة عن ثقافة مجتمع آخر. ويتوقف عند معالجة مالك بن نبي لمسألة الثقافة التي يرى أنها تنتمي إلى ذات السياق الذي طرحت فيه الإيديولوجية النهضوية العلمانية الحداثية مفهومها للنهضة، ولا يختلف إلا بطبيعة الخطاب الإسلامي الذي ميزه عن آخرين من مفكري النهضة، وبالمقابل يتبنى الباحث معالجة محمود شاكر للمسألة الثقافية، ويعتبر مفهوم (الثقافة المتكاملة) الذي طرحه شاكر مفهوماً مركزياً في دراسته، والذي يعني أن الثقافة هي مجموعة المعارف المكتسبة من البيئة المحيطة في مقتبل العمر إضافة إلى الموروث الفكري والممارسة الثقافية المستندة إلى المقدمات الأولى والموروث الحضاري، فثمة وحدة وانسجام يعبران عن رؤية ثقافية بنيت عليها حضارة الإسلام، ولم يكن التنوع في هذه الحضارة إلا نتاج الرؤية الثقافية الإسلامية للعالم على تنوعه واختلاف مظاهره. وبالمقابل يلاحظ انتشار منظور ثقافوي يعتبر أزمة الثقافة العربية تتمثل في عدم قدرتها على تجاوز إشكالية الحداثة، والتي جاءت مع الحملة الفرنسية على مصر، وهو توصيف يرسخ تقويماً متدنياً للذات يتحول إلى عامل مدمر للشخصية الفردية أو الجماعية، ويشل قدرتها على التأثير، فيدعو الباحث إلى تجاوز حالة "الندب الثقافي" التي يستثني المثقف نفسه منها، ويدعو إلى الإجابة عن السؤال الأهم: ما الذي منع الحداثة أن تنتصر في الثقافة العربية؟. ويدعو الباحث إلى إحياء "المثقف العضوي" بمعنى المنتمي إلى ثقافة الجماعة التي يمثلها ويدافع عنها ويعمل على تطويرها وإغنائها ويكون ممثلاً للثقافة العالمة، ولا ينقطع عن الثقافة الجماعية، في مقابل شريحة المثقفين (النخبة اللاعضوية) التي دخلت ساحة الفعل والتأثير والمحكومة بملابسات وظروف نشأتها في الغرب، حتى أصبح الإحساس بالانتماء يبدو لديها وكأنه يحد من شرط الحرية المطلقة التي يفترضها المثقف لنفسه، وأصبحت هناك ثوابت في الخطاب الثقافي العربي والإسلامي تتمثل بحتمية الحداثة الغربية وأن الدين إيديولوجية ماضية، والانتماء ينبغي أن يكون إلى ثقافة حداثية أو إنسانية أو عالمية، حتى تحول المثقف إلى عميل للحداثة وكائن مستتبع ثقافياً وسياسياً، لذلك كانت الهوية حجر عثرة في طريق مشروع المثقفين التغريبي الذي أطلقت عليه أسماء مختلفة: تنويري، تقدمي، علماني، تجديدي، نهضوي، . .، وتحولت الهوية إلى هاجس مرضي يراود خيال ثقافة مريضة. الزمن التقدمي ومفهوم عصر الانحطاط من الأفكار المركزية التي يؤسس عليها الباحث نقده نظرة المثقفين إلى الزمان ومكونات اللحظة التاريخية لميلاد الثقافة الحديثة، ويفكك بتوسع مفهوم عصر النهضة والتحقيب الزمني الذي أسس عليه وما تبعه من أحكام تاريخية ونظرة مستقبلية، فتكاد تجمع المصادر المؤرخة للفكر العربي على مفصلية عام 1798م (بدء الحملة الفرنسية على مصر) بين عهد الانحطاط وعهد النهضة، فارتبطت ولادة الثقافة العربية الحديثة بتغير حاد في فهم الزمان والحركة التاريخية، ودخل مفهوم الزمن التقدمي، المرتبط بفكرة التقدم التي تعني الحركة إلى الأمام مع قيمة مرتبطة بهذه الحركة، وصنعت الفكرة انقلاباً في مفهوم الزمان والتاريخ يتمثل في التخلي كلياً عن الرؤية الدينية للزمان، فالتقدم هو حركة العقل في التاريخ، وأصبح للزمن قيمة معيارية حاكمة متسلطة على الفكر، فالحقيقة والصواب والجيد هو ما سينجلي عنه الزمان، وفكرة التقدم مركزية غربية متأصلة، لكنها انتهت في الغرب وتعرضت للتفكيك من قبل مفكري ما بعد الحداثة، لكنها لازالت موجودة لعدم وجود البديل، وقد انتقلت إلى الثقافة العربية بيسر وسهولة، وعبر عنها بعبارات مثل الترقي والتمدن والتطور والتحضر، وأصبحت من أهم القضايا التي شغلت الفكر العربي الحديث، وأصبحت ذات بعد معياري، حتى رد محمود شاكر على دعاة هذه الفكرة بأن الزمن لا يكون علة إنشاء الحضارة إنما هو تبع للإنسان الحي. وتكمن خطورة الفكرة أنها آلت إلى إعادة تأسيس شاملة قائمة على النفي الشامل للذات واستجلاب بنية معرفية وقيمية ونفسية وسلوكية جديدة وزرعها بطريقة جراحية، وقد قامت مشاريع لذلك خلفت ركاماً من الأنقاض الثقافية دون أن تفلح في بناء أي شيء جديد، وكان من نتائج الرؤية التقدمية في الفكر العربي ربط مصير أفق الصيرورة التاريخية والحضارية للفكر العربي الحديث بأفق النموذج الحضاري الذي أنتج هذه الأيديولوجية (الحضارة الغربية)، وتحول أفعال كالتجديد والإبداع والتحديث إلى قيم بحد ذاتها بغض النظر عن محتواها، وتحول التراث والتقليد والماضي إلى قيم سلبية مرفوضة نفسياً ومعرفياً، واقتضى تبني الحداثة إدخال مقدماتها المعرفية المختلفة حتى القيم والمسلكيات الشكلية، وأخذت هذه المدخلات صفة الحاكمية على المجتمع والمعرفة بل وحتى على التراث، وأورثت انقساماً بين جموع الأمة وبين ثقافة النخبة، وتم التأسيس لحالة من الانقطاع المعرفي والتاريخي بين الماضي والحاضر نتيجة لتثبيت مقولتي الانحطاط والنهضة. ثم يشرع الباحث في تفنيد مفهوم عصر الانحطاط في التاريخ والثقافة العربية الحديثة، ويولي أهمية كبيرة لتفكيك هذا المفهوم، إذ إن مفهوم النهضة يستند كلياً عليه، وتستمد النهضة مشروعيتها التاريخية والفكرية من إثبات مقولة عصر الانحطاط الذي سبق عصر النهضة، وبالمقابل يستند التيار السلفي المتزامن مع عصر النهضة إلى نفس المفهوم على اعتبار أن ما قبله عصر انحطاط ديني، ففكرة عصر الانحطاط فكرة مريحة للجميع وتم تبنيها من دون نقاش، وترجع الفكرة إلى تبني الرؤية الغربية لفلسفة التاريخ والتحقيب الثلاثي المراحل، وقد تحول مفهوما الانحطاط والنهضة إلى مفهومين مركزيين في كل المنظومة الفكرية والثقافية العربية الحديثة، ويركز الدكتور شريح نقده لهذا المفهوم على تفكيك مجموعة من التعميمات ومراجعة كثير من المعطيات التاريخية ذات الدلالة ومدى صلتها بدعوى الانحطاط والمجال المدعى فيه. ففي سياق نقده أثر الانحطاط السياسي يدعو إلى فك الارتباط المباشر بين الحياة الثقافية والعلمية والحياة السياسية، ويستشهد لذلك بتأريخ الانحطاط السياسي بالقرن الثالث الهجري الذي لم يصنف بأنه عصر انحطاط، وكذلك بوجود حالات نهوض سياسي في عصور الانحطاط المدعاة كدول الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ودحر العدوان الصليبي والمغولي، وفتح القسطنطينية. وفي نقد مفهوم عصر الانحطاط في الأدب العربي يرى أنه لا يستند إلى أي مبررات سوى تقليد المستشرقين، وهو مفهوم فندته الدراسات المتخصصة، ويستعرض أمثلة لأعلام عصر الانحطاط، أما الانحطاط كمفهوم فلسفي عقلي، الذي أسسه الجابري ويقصد به انحطاط العقل العربي وتخليه عن إنتاج وتطوير منظومات معرفية عقلية برهانية، فيلاحظ أن تباين المناهج لا ينفي وحدة الرؤية الشمولية، وأن ما جرى في مرحلة ما بعد الغزالي إنما هو ترتيب للمنظومات المعرفية لتأخذ كل واحدة منها مكانها الطبيعي ضمن سلم المعرفة. أما الانحطاط في العلوم الأساسية والتطبيقية فلم يتوقف عنده منظرو عصر الانحطاط، ربما لعدم افتراضهم وجود مثل هذه العلوم، بينما يشير المؤرخون إلى تطور كبير لهذه العلوم في عصر الانحطاط لاسيما بعد نضج واستقرار العلوم العقلية في القرن السادس؛ فثمة آلاف المخطوطات في هذه العلوم مهملة ولما تدرس، كما أحصي في المرحلة الممتدة بين (522هـ-1317هـ) ما يصل إلى 1615 عالماً في مجالات العلوم النظرية والأساسية والتطبيقية ممن كانت لهم مؤلفات، وتراث علمي بهذا الحجم لا يمكن اعتباره إرث انحطاط، وينتهي بعد استعراض نماذج من علماء هذا العصر، إلى التساؤل: ألم تكن هذه العلوم العربية الإسلامية المنطلقة من رؤية وفلسفة ومنهجية مغايرة، يمكنها أن تسهم في التأسيس لنهضة علمية عربية بسمات حضارية ومنهجية خاصة؟ وكأنه ينتهي إلى أن المسار التاريخي كان يمكن أن يؤول إلى نهضة تم إجهاضها بالغزو الغربي والحملة الفرنسية على مصر التي ادعيت بداية للنهضة الحديثة، فحرفت هذه الحملة المسار الفكري والتاريخي عن طريقه المعهودة، ويستشهد لذلك بكتاب "بيتر غران" الذي يبرهن على عدم أهمية حملة نابليون في التاريخ الثقافي لمصر. أما ظاهرة الشروح والحواشي والتعليقات في العلوم اللغوية والشرعية فيبررها باستقرار هذه العلوم وأن ذلك مسلك تربوي، كما أن استقرار هذه العلوم دفع البحث العلمي باتجاه العلوم التطبيقية، بل إنه يبالغ في التبرير بأن يعزو مسلك الشرح دون التأليف المباشر بأنه موقف أخلاقي منع العلماء الكبار من نسبة أي شيء لأنفسهم، بل ينتهي إلى أن الشروح والحواشي الكلامية العقدية الكثيرة التي أنتجت في عصر الانحطاط هي إلى يومنا هذا من أروع ما أنتجه العقل الإنساني على المستوى التربوي التعليمي(ص149)، ويختم هذا الفصل الأول بضرورة رفض الاستمرار في تثبيت مفهوم عصر الانحطاط، ويدعو إلى تجاوز ثنائيتي "النهضة" و "الحداثة"، من أجل إعادة كتابة تاريخنا الفكري والثقافي المعاصر، والقيام بمراجعة شاملة وتفكيك لمفهوم النهضة. التيارات الأساسية في الثقافة العربية الحديثة حاجة مفهوم النهضة إلى مراجعة وتفكيك لا يلغي وجود مفرزات ثقافية واجتماعية في مرحلة ما سمي عصر النهضة، والتي تتمحور في نظر الباحث حول ثلاثة تيارات رئيسة، أولها تيار الفكر النهضوي التقدمي والذي يضم رموز التأسيس كالطهطاوي وخير الدين التونسي إلى ابن باديس، ودعاة العلمنة كفرح أنطون، وأصحاب الدعوات الليبرالية كقاسم أمين، ورموز ومفكري المشاريع الأيديولوجية القومية والماركسية وغيرها كدارسي التراث، والجامع بين هؤلاء في نظر الباحث هو الصدور عن رؤية فكرية تاريخية واحدة هي الرؤية التقدمية للفكر والتاريخ، والإيمان بالغرب والحداثة، سواء استبطن الخطاب النهضوي هذه القناعة أم صرح بها مباشرة، وعبروا عن منهجية واحدة هي المنهجية الانقطاعية، ويستعرض سمات هذا التيار التي تمحورت تحت عناوين الاستلاب الحضاري وتغييب الهوية والتحريفية، واستيلاد مشاريع بديلة، وانتهاء بما يسميه بتسرطن الثقافة النهضوية الذي يمثل سلامة موسى نموذجه، ويعرض للمدرسة الإصلاحية والمشروع القومي العربي كنموذجين للفكر النهضوي التقدمي، ويصف هذا التيار بأنه الأكبر والأكثر تأثيراً في الثقافة العربية الحديثة (الثقافة العالمة)، ويقف وراء هذه الشهرة حقيقة ترجع إليها الإخفاقات الكبيرة التي أصابت المشروع النهضوي وموته، كونها تيارات فوقية لم تفلح في أن تستحوذ على عقول الجماهير. أما التيار الثاني فيسميه تيار الثقافة المتكاملة، ويصفه بأنه تيار الأصالة الفكرية والاستمرارية الحضارية، وينهل من رؤية معرفية إسلامية، وهو يمثل الواقع الثقافي كما تجلى في التاريخ، وهو تيار يلتزم بالأصول والحفاظ على الهوية ويطرح منهج التأصيل منهجاً معرفياً عبر رد المتغيرات التاريخية والمعرفية إلى أصولنا وكلياتنا الثقافية التي بلورتها التجربة المعرفية الخاصة عبر عقود طويلة. وقد جرى العمل على تغييب ووأد هذه الحالة الثقافية التي ظلت مستمرة ولم تخرج من ساحة الفعل والتأثير، وبقيت نتاجات هذا التيار فردية قام بها باحثون وأدباء ومثقفون متفرقون، ويضم هذا التيار علماء ومفكرين (أمثال الكوثري ومصطفى صبري ومحمود شاكر ومن المحدثين الندوي والبوطي والقرضاوي)، وأكاديميين في تخصصات متنوعة حافظوا على التراث، ودعاة وأئمة، وباحثين نقاداً التزموا خطاباً نقدياً تأصيلياً (أمثال المسيري وطارق البشري)، ويستعرض خصائص هذا التيار التي تنضوي تحت عناوين التمسك بالهوية الثقافية والرؤية التكاملية للثقافة العربية، والموقف المعادي للحضارة الغربية، والتأصيل في معالجة الشؤون الثقافية، ويختار من نماذج هذا الفكر التأصيلي محمود محمد شاكر، وشيخ الإسلام مصطفى صبري، مستعرضاً بالخصوص مواقفهما من الفكر النهضوي ورجاله. أما التيار الثالث فهو التيار السلفي، تيار الثقافة الاختزالية الانتقائية، وقد أنتجت هذه الثقافة رؤية ضيقة للعالم عاجزة عن إدراك الواقع الحديث بتشعباته المختلفة، وقد طور هذا التيار مفهوم البدعة وحوله إلى مفهوم رقابي شمولي على الفكر والثقافة، وألغت الرؤية السلفية إمكانية التعددية في الرؤى والمواقف، وظهرت حالة من الفرز تستند إلى مبدأ الولاء والبراء الذي تحول إلى مبدأ يحكم علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وكان من آثار هذا التيار تعزيز التيار النهضوي الانقطاعي، والتقليل من شأن العقل وتعطيله بحجة الدفاع عن الوحي، وأخرجت الثقافة السلفية علم الكلام والتصوف من دائرة العلوم الإسلامية، كما أسست للصراعات البينية المذهبية والطائفية وفتحت الباب أما التكفير والتكفير المضاد. الخروج من أزمة الثقافة العربية الحديثة يلاحظ الباحث أن أكثر من يتحدث عن الأزمة هم ممثلو الفكر "النهضوي" على اختلاف مشاربهم، وتتمثل الأزمة في عجز النهضة عن تحقيق مشروعها، الذي ولد نتيجة صدمة الغرب أو الحداثة، واعتبار أن الخروج من الأزمة مرتبط بتبني هذه الحداثة إذ تمثل الإمكانية الوحيدة للتطور التاريخي، ويتطلب ذلك قطيعة مع الإرث التاريخي التراكمي، ويتكرر هذا المعنى بصيغة مختلفة عند منظري النهضة وفكرها، لكن الأزمة كما يرى الباحث ليست أزمة الثقافة العربية أو الإسلامية، إنما هي أزمة المثقف النهضوي الخاصة يسقطها ويفرضها على المجتمع والثقافة العربية، فالمثقف النهضوي هو وجه الأزمة وعنوانها وهو صورتها المتجسدة واقعاً في الثقافة العربية. وهذا التوصيف – فيما يرى- لا ينطبق على تيار الثقافة المتكاملة المرتبطة بجذورها العقدية والمعرفية، وهي الممثل الحقيقي لهوية الأمة الثقافية، وتبقى كذلك سبيلها للخروج من أزمة طال عمرها واستشرت في جسد الأمة. فالإنسان العربي البسيط عاش هذه الأزمة وتشربها وخرج منها بطريقته الخاصة بعفوية وبأشكال مختلفة، كالتحدي والاعتزال (البيئات المحافظة والمنغلقة) أو التحدي والمواجهة (العنف)، أو قبول الحداثة في تجلياتها الشكلية فقط والمفروضة في نمط الحياة في المدن مع المحافظة على العالم القيمي والهوية والعلاقات الاجتماعية (القطاع الأكبر من الجماهير العربية). لقد فشلت الحداثة في أن تكون نمطاً فكرياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً عاماًَ في بيئتنا العربية والإسلامية، وتحولت أزمة الثقافة النهضوية إلى أزمة عامة في الثقافة العربية الإسلامية، وتم ربط مفهوم النهضة بالحداثة لإملاء حتمية إجراء تعديل جذري في البنى الفكرية للثقافة العربية، وإعادة بناء التاريخ وفقاً للرؤية التقدمية، فتحولت الثقافة النهضوية التقدمية إلى أداة هدم وتدمير، فهي ثقافة الانقطاع. وبينما بنى التيار السلفي نموذجه الخاص للحياة العربية، فإن تيار الثقافة المتكاملة الذي لم يتبلور كلياً ولم تنضج معالمه بعد يعبر – كما يرى الباحث - خير تعبير عن الرؤية الثقافية الناضجة، إذ ينطلق من الإقرار بمرجعية الحياة العربية المتمثلة في مصادر التشريع العقدي والقانوني، والأخلاقي والسلوكي ممثلة بالكتاب والسنة، وينطلق في رؤيته للمستقبل من إدراك عميق للخصوصية الثقافية ويعمل على الحفاظ على الهوية. ويدعو الباحث إلى تعميق وتعزيز المنهج التأصيلي الثقافي، والتخلي عن عقيدة (التقدم) المهيمنة على الرؤية التاريخية، فالنهضة لا تتطلب قطيعة مع الذات والتراث إنما على العكس تتطلب تأكيد المقومات وتفعيلها، فلا حياة للإنسان بدون معتقد ديني، وغاية الوجود تختلف لدينا عن غاية الوجود التي حددها الغرب لنفسه، فيمكننا الحصول على ما هو من ضرورات الحياة من صناعات، ولا تتوقف النهضة على الصناعات الحديثة. فالخطوة الأولى نحو الخروج من أزمة الثقافة العربية تتمثل في إدراك الذات وتحديدها استناداً إلى ماهية الحياة العربية المتمثلة في الإسلام، ولا يمكن أن نجد الحل لدى الغرب لاختلاف الرؤية للعالم ولوصول التجربة الغربية على المستوى الفكري والمعرفي إلى نهايتها، والثقافة الإسلامية اليوم هي الوحيدة المؤهلة بين ثقافات الشعوب المختلفة لتحقيق النموذج الذي تزداد حاجة البشرية إليه، وتمثل العولمة فرصة لتحقيق عالمية هذه الثقافة إذا تحققت شروط ومقدمات لا بد من توافرها، لكن لا بد من بناء النهضة على الطريقة غير الغربية، والبدء بالإنسان القادر على صنع النهضة، وأن تعود الثقافة العربية على مستوى الفعل والتأثير لتكون امتداداً وتعبيراً عن عمقها الوجودي والقيمي، وبناء النموذج الحضاري ليس انقطاعاً عن العالم بل ينبغي الانفتاح على الغرب والتفاعل معه بكل جرأة وشجاعة بعد أن نكون ذوات مكتملة. هل تفكيك مقولات النهضة يخرج الثقافة من الأسر لقد أشرت في المقدمة سابقا إلى أهمية الأسئلة التي شرع الباحث في معالجتها، بل ومحورية الإجابة عليها في البناء الثقافي المعاصر، ولهذا الاعتبار رأيت أهمية المراجعة والنقد، وقد وفق الباحث إلى حد كبير في نقد وتتبع مقولات الفكر العربي المعاصر والكشف عما تستبطنه من رؤى تحول دون تحولها إلى ثقافة اجتماعية، لكن الذي أعاق جوانب كثيرة في معالجته هو منطق الاصطفاف الذي صدرت عنه هذه المعالجة، فالرصد والتتبع والنقد والتفكيك كان يمكن أن يكون أكثر دقة وشمولاً وحيادية لو أن الباحث لم يقف طرفاً في المعالجة، فتبنيه لما سماه تيار "الثقافة المتكاملة" حال دون نقد هذا التيار نقداً كان يمكن أن يسهم في تطويره وتقديمه بعلمية وانسجام أكبر، كما جعله يتبنى مقولات الرموز التي انتقاها والتي لا تعبر بدقة عن المفهوم الذي قدمه للثقافة المتكاملة، فهاجم المدرسة الإصلاحية من منطلقات من تبنى رؤيتهم، وتعسف في إرغام مقولاتهم على الانتساب إلى مفهوم التقدم، بينما تكشف التفسيرات التي حاول تأويلها لاستخدام محمد عبده لمفهوم السنن كي يصنف هذا التصنيف، أنه كان ينتمي في تأويلاته هذه إلى تيار في الثقافة المتكاملة، ففهم محمد عبده للسنن كما أوله الدكتور شريح هو فهم معتزلي، وكونه رأى في اختيار هذا التأويل تناسباً مع مقولات العلم في عصره لا يعني انتسابه إلى مقولة الزمن التقدمي، وتأويلاته للمعجزات وغيرها إن كشفت عن تأثره بعلوم عصره لا تعني تبنيه مقولة تجعله يرى في الدين آفة أو أنه ينتمي إلى ثقافة الانقطاع، ودعم هذا التصنيف له برسائل أخفيت أو كانت مجهولة من تاريخه أو أحداث ومقولات نقلها خصومه، فضلاً عن كونها لا تصلح علمياً لأن تكون مستنداً وتقدم على أنها تعبر عنه مقابل مئات الصفحات من النصوص الصريحة التي كتبها معبراً فيها عن رؤاه، فإنها مقولات وأحداث إن صحت وفهمت كما يراد من توظيفها فينبغي أن تفهم في سياقها أو ينظر إليها في ضوء التطور التاريخي أو التحولات الفكرية التي يمر بها أي مفكر، أو تفهم في ضوء نصوصه الأخرى، وبالتالي فتصنيف المؤلف للمدرسة الإصلاحية ضمن تيار الحداثة والانقطاع لا تدعمه الحجج التي قدمها مختصرة ومتعسفة في التأويل، كما أنها تستند إلى مقولات من اصطف إلى جانبهم، وهذه الملاحظة لا تلغي وجود بعض رموز الإصلاح ممن يمكن أن تنطبق عليه دعواه، لكن لا ينبغي التعميم بهذا الشكل على جميع الرموز. وقد انعكس تعميمه أيضاً في تصنيفه الثلاثي للتيارات التي سادت الثقافة العربية الحديثة، والتي يمكن للمدقق أن يجد رموزاً تنتمي إلى جميعها، ففي هذا التصنيف تعميم وشمولية تظلم كثيراً من الرجال والشخصيات، على اعتبار أن تصنيفه يحمل تقييماً حاداً وفرزاً يحكم بالسلبية المطلقة أو الإيجابية المطلقة، فليس كل من دعا إلى الإفادة من الحضارة الغربية والتفاعل معها قد تبنى رؤاها، وليس كل من انتمى إلى الثقافة المتكاملة تبنى عداء الحضارة الغربية، وليس كل من انتمى إلى التيار السلفي كان بالصورة التي رسمها الباحث، بل إن هناك من الشخصيات المهمة من يجمع بين ميزات إيجابية موجودة في التيارات الثلاثة التي ذكرها، على أنه لم يذكر إيجابية واحدة لغير التيار الذي تبناه، كما لم يلحظ سلبية واحدة في تيار الثقافة المتكاملة. ورغم أن الباحث أدخل الفلاسفة على اختلاف مذاهبهم، والمذاهب الفقهية والكلامية على تنوعها في التاريخ الإسلامي ضمن مفهوم الثقافة المتكاملة إلا أنه لم يقبل في العصر الحديث التيار الإصلاحي كجزء من هذه الثقافة المتكاملة، والتساؤل المطروح: أليست التيارات الفلسفية في التاريخ الإسلامي كانت تمثل تياراً يدعو إلى قطيعة وأفكار لا تقل خطورة عن قطيعة دعاة الحداثة اليوم، ومن ثم تم تكفيرهم من قبل الإمام الغزالي وبعض المتكلمين؟ بينما لم يكفر رموز الثقافة المتكاملة من المحدثين رجالَ الإصلاح رغم نقدهم الشديد لهم؟ فمن هو الأولى بأن يصنف ضمن تيار الثقافة المتكاملة؟. إن وجود روح حضارية ورؤية إسلامية للعالم حكمت الثقافة الإسلامية عبر التاريخ قضية لا يمكن القفز عليها، لكنها لا تلغي أنساقاً في هذا التاريخ كانت تحمل مشاريع لا تقل خطورة على الثقافة الإسلامية عن مشاريع الحداثة اليوم، وقد تم احتواؤها عبر هذا التاريخ، فهل نفيها اليوم يمكن أن ينسجم مع مفهوم الثقافة المتكاملة؟، دون أن يعني ذلك الإقرار بطرحها وإشكالياتها. لقد تفاعلت الثقافة الإسلامية مع العالم عبر التاريخ، وكان كل احتكاك مع ثقافة جديدة يترك أثراً ويخلق تيارات قد تتطور إلى القطيعة، والأمر نفسه هو الذي حدث في القرنين الأخيرين، فالصدمة بالغرب وجدت، والعالم الإسلامي كان في مرحلة تفكك، والهوة كانت واسعة، وإن لم يكن ثمة انحطاط شمولي بالصورة التي رسمت فالفارق كان شاسعاً، وطبيعي أن تختلف درجات التفاعل مع هذه الصدمة، ولو انتظر المثقفون بناء الذات كشرط للانفتاح والتواصل مع الغرب، والذي وضعه الباحث، لكان العالم الإسلامي اليوم أكثر بعداً عن الثقافة المتكاملة اليوم، فلم يكن ثمة خيار غير اتخاذ موقف ما وقد تنوعت هذه المواقف، لكن خيار الانكفاء على الذات كان خياراً فيه الكثير من العدمية، وخيار التبني الكامل والاستسلام للصدمة كان خياراً تدميرياً أيضاً. وبالعودة إلى "الثقافة المتكاملة" فقد ترددت في الكتاب بين أن تكون تياراً ممتداً في عمق التاريخ ولم يغب عنه لحظة، وأنه تيار يمتلك الوضوح في الموقف من صدمة الحداثة، وبين أن تكون تياراً لم يكتمل بعد وتم تغييبه ولم تتضح معالمه، هذه المراوحة في وصف هذا التيار تؤكد وجود تعميم في تصنيف التيارات الثلاثة في الثقافة التي ترددت في الكتاب بين أن توصف بأنها "الثقافة العربية" أو "الثقافة الإسلامية" أو "الثقافة العربية أو الإسلامية"، كما غابت عن الكتاب رموز مهمة لاسيما في السياق الإسلامي، ولا يبرر هذا الغياب احترازات الباحث في ضبط اختياراته، ففي القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لم يكن ثمة فصل جغرافي بين العالم العربي والإسلامي لاسيما في الشأن الثقافي، فالتواصل كان مستمراً، فشخصيات مثل: النورسي والقاسمي ومحمد إقبال وغيرهم كثير لم يوجد لهم ذكر في الكتاب، ولهم رؤى قد يستعصي تصنيفها في أي من التيارات، بينما حضر من هو أقل منهم أهمية بكثير، كما صنف ضمن تيار الثقافة المتكاملة من يتبنى مقولات المدرسة الإصلاحية ودعاة التجديد لكنه قدم نقداً للمقولات الحداثية في الوقت نفسه، فالمسيري مثلاً تتنازعه التيارات الإسلامية والعلمانية في آن واحد، وله من المقولات ما لا يرضى عنه التياران، فبأي معيار يمكن تصنيفه. إن تفكيك مقولات المنظومات الفكرية لاسيما مقولات النهضة والإصلاح والفكر المعاصر تعتبر مدخلاً علمياً للبناء الثقافي والنهضة الحقيقية، لكن هذا التفكيك لا يخرج الثقافة من أسر الثقافة الغربية إذا تم من نسق آخر لثقافة أسرت ضمن منظور مغلق لا يعترف بالتحولات القسرية التي آلت إليها المعرفة، ويرى في عداء الحضارة الغربية سمة من السمات التي تميز الثقافة المتكاملة النموذج؛ فتاريخ هذه الثقافة المتكاملة كما يعرفها الباحث لم تكن في الأسر الذي يكرهها عليه، إذ أن نماذج هذه الثقافة في العقدين الأخيرين أوسع وأرحب مما اختاره الباحث، وثمة نماذج للثقافة المتكاملة قدمت رؤى عميقة للإشكاليات التي شغلت العالم الإسلامي في عصرها، وكان حري بالباحث ألا يعمم رؤية النماذج التي عرضها على ثقافة عمرها قرون هي تاريخ المسلمين. وبالجملة، فإن الكتاب إذ حاول فك أسر الثقافة العربية الحديثة من مقولات الحداثة وفكرة التقدم، فقد نجح في تفكيك معظم الأفكار التي تتبنى هذا النسق، لكن البديل الذي يطمح إليه لم يتبلور بعد، وإن بدا أحياناً وكأنه لم ينقطع، كما أن الشروط التي يضعها والخصائص التي يميز بها البديل النموذج إن حررت الثقافة العربية من أسرها فإنها ستنقلها إلى أسر آخر هو ما انتقاه من هذه الثقافة المتكاملة.

ليست هناك تعليقات: