الأربعاء، 4 مايو 2011

هكذا يقيم الإسلاميون الفكر الغربي ورموزه ..

لا نستطيع فهم التيارات الفكرية في المنطقة العربية من دون الوعي بخطابها ومنهجها في رؤية المنتج الحضاري الغربي، وتقييم فكره العلمي والفلسفي. وقد تعددت هذه الرؤى وفقا للمرحلة التاريخية والمؤثر الديني والسياسي. ولا توجد صعوبة في تحديد شكل وأدبيات النظر للغرب عند كثير من التيارات والأحزاب القومية والليبرالية باستثناء التيار الاسلامي، لحضور العامل الديني الذي يحكم هذه الرؤية، فقد وجدت اختلافات بارزة على مدار أكثر من قرن، وتشكلت مدارس متعددة داخل التيار الاسلامي، تتفاوت نظرتها للمنتج الفكري الغربي، من التشدد الجامد إلى انفتاح كبير مقارب لرؤية التيارات القومية والليبرالية وغيرها.

ومع النجاح الجماهيري الذي حققته التيارات الاسلامية خلال العقود الماضية، فقد كان لهذا النمط انتشار واسع ومؤثر في رؤية الآخر، ولم تظهر دراسات مختصة لرصد وفهم طبيعة هذه الرؤية ومحدداتها الدينية والعقلية، وتأثير كل مرحلة تاريخية في القرن الماضي. وجدت مجموعة انطباعات متناثرة عبر مؤلفات تعرضت للظاهرة الاسلامية، تحتاج لشيء من التركيز والتدقيق العلمي، ولهذا كانت أهمية ما كتبه السيد ولد أباه في جريدة «الشرق الأوسط» عبر سلسلة من الانتقاءات لكتب هامة، للوعي بشيء من ملامح خطاب ورؤية سائدة لبعض أطياف التيار الاسلامي، وكان آخرها في الخميس الماضي تناوله لبعض ما طرحه محمد قطب.

إن تعرض باحث ومثقف عربي لمثل هذه الكتب والدراسات المنتشرة والمؤثرة على الخطاب الديني في أوساط التيارات الاسلامية ظاهرة نادرة في هذا المجال، في عرض نقد علمي وتصحيح لبعض المعلومات. قدم محمد جابر الانصاري شيئا من هذه الظاهرة النادرة عندما تعرض لكتابات الباحث في علم الاجتماع احمد ابراهيم خضر، في كتاب مساءلة الهزيمة، واستعراضه أيضا لبعض ما طرحه جمال سلطان. وتكمن أهمية هذه الرؤى أنها تأتي من شخصيات فكرية لها قيمتها العلمية، وليست متهمة بالصراع والصدام مع التيارات الاسلامية.

فالنقد الذي قدمته التيارات الاخرى للتيار الاسلامي يغلب عليه البحث عن نتائج هذا الخطاب ودوره في نشوء التطرف والعنف، أو اتهامه في تكريس التخلف الحضاري، وليس النظر في آليات رؤيته العلمية والدينية، وما كتبه السيد ولد اباه لا يخلو من بعض اشكاليات التعامل مع الخطابات الاسلامية، وفهم منظومتها ومنطقها الداخلي في ترتيب أولوياتها وفق المنظور الفقهي والدعوي المحكوم برؤى خاصة.

ومع أهمية ما قدمه من ملاحظات ذكية في كشف التناقض المنهجي، وعدم دقة الاستشهادات نتيجة الاعتماد على مراجع غير معتبرة في رؤية النظريات والمنتج الفلسفي الغربي، والتعرف على رموزه الفكرية المؤثرة، حيث نجح في كشف خطأ العديد من الاستدلالات الشهيرة في الخطاب الديني، في رؤية النظريات الغربية ورموزها الفلسفية. لكن كشف بعض الأخطاء المحددة ليست هي القضية، طالما أنه يمكن تقديم انتقاءات واستدلالات أكثر منهجية في تشويه الرموز الفلسفية ورموزها، فالبدائل كثيرة في اثبات مخالفة هؤلاء وإنتاجهم للمفاهيم الدينية.

إن من السهل التوسع في كشف خلل بعض التصورات الاسلامية نتيجة تناسخ الأمثلة غير الدقيقة في فهم الحضارة الغربية عبر الخطابات الاسلامية السائدة، لتشويه قيمة النظريات الغربية ورموزها الفكرية والعلمية، عن طريق اتهامهم بالإلحاد والبعد عن الدين أو الانطلاق من ارث تاريخي ديني، وبالذات حينما تكون الشخصية يهودية، واعتبار مجمل الفكر الغربي في الاقتصاد والاجتماع والسياسة مصادم للدين. وهذه التهم تتنوع وفقا للحاجة الأيديولوجية، وليست خاضعة للمساءلة العلمية في مدى صدقيتها طالما أنها تحقق هدف الدعوة الاسلامية في تحصين الشباب من التأثر بالغرب، ولهذا يستشهد الكتاب والخطباء في وجود حقيقة البعد الديني وتمسك الغربيين بيهوديتهم أو مسيحيتهم، حينما يراد استنهاض الروح والغيرة الدينية عند المسلم، فكما أن الآخرين يعملون لدينهم ويحافظون عليه، فلماذا لا تفعل مثلهم. ويتم استحضار البعد المادي والإلحادي والأمثلة حولها حينما يأتي الحديث عن عيوب الحضارة المعاصرة وخوائها الروحي نتيجة البعد عن الأديان، فالهم التبشيري يمتص مثل هذه التناقضات التي تبدو غير مفهومة للبعض.

إن عدم دقة هذه الاستدلالات وانتقائيتها في اثبات البعد الديني والإلحادي في الفكر الغربي المعاصر منذ أكثر من ثلاثة قرون، لا يعني في الحقيقة عدم وجود بعض مظاهرها في الواقع، ولهذا كان الاشكال الذي يقع فيه الكثير من المفكرين العرب هو حضور البعد التبشيري والوعظي، منظور معاكس كمحاولة لتقديم وجه مشرق لهذه الفلسفات وفق مقاييس الرؤية الشرقية وقيمهم المحافظة، والزعم أنها لا تناقض المفاهيم الدينية، ومحاولة تلميع الشخصيات الفلسفية لتقريبها من الذهنية الشرقية. تعدد أوجه هذا المسار ومحاولاته في طرح عدة مفكرين عرب، ولم يخل طرح السيد ولد أباه من بعض هذه الاشكالية وإن كان طرحه أكثر منهجية وعلمية من غيره في هذه الكتابة، فخطأ استشهادات الخطاب الاسلامي في رؤية الحداثة وما بعدها لا يعني طهرانيتها الروحية، وعدم مصادمتها للعقلية الدينية في ثوابت كثيرة. فالتنوير الحقيقي لا يأتي من محاولة طرف التشويه المبالغ فيه وآخر التلميع لها بدعوى أنها لا تصادم المفاهيم الدينية.

من المعلوم عند المختصين أن هناك إشكاليات كبرى في التعامل مع مجمل الأفكار والنظريات الفلسفية القديمة والمعاصرة عند استحضار البعد الديني، وليس هذا مكان تناولها، والواقع أن الذين يطلقون مثل هذه الدعاوى التلفيقية، إما أن لديهم اشكالا في ادراك المفهوم الديني، أو خللا في تصور المفاهيم الفلسفية.

وهذا لا يعني عدم امكانية التوافق في كثير من الأسس والمفاهيم، لكن استحضار اختلاف المنطق الديني عن المنطق الفلسفي لا يمكن تجاهله، أما محاولة البحث في مدى تدين أو الحاد رموز النظريات الفلسفية من أجل اسقاط قيمتهم العلمية أو تلميعها فيدخل في خانة بعيدة عن الهموم المعرفية، ولا قيمة لها في تحديد الصواب العلمي حتى لو قال به الشيطان. ليست هناك حاجة لإنكار وجود الانحرافات الدينية والسلوكية عند رموز فلسفية كبرى، أو انكار خطورتها في تفكيك بنية العقلية الدينية السائدة من أجل ابعاد هاجس الخوف والريبة عند المحافظين، والاتجاه في هذا المسار، مهما حسنت النيات، خطأ تنويري كبير، وترسيخ في اللاوعي العام والشعبي لمعايير بعيدة عن الصلابة العلمية المفترضة في أية أطروحات تنويرية. هذا العزل ضروري للفكرة العلمية والدينية للمحافظة على قيمة كل مجال، جاك دريدا فيلسوف مثير للجدل نشر له حوار أخيرا قبل وفاته في مجلة كتابات معاصرة العدد (56) 2005، اجراه ف. جسبير نقلا عن مجلة لوبوان الاسبوعية الفرنسية، حينما سئل هل تؤمن بالله في كل وقت أو في أوقات متقطعة ؟ قال: إن في داخله يوجد على الأرجح طفل مازال يؤمن بالله، لكن ذلك ليس شأن الفيلسوف الكهل.

فهل سيؤثر رأيه هنا على الذهنية المتدينة في التعامل مع انتاجه وأطروحاته كأبرز فيلسوف معاصر في تحديد قيمة أفكاره في هذا العالم، ولو أجاب بعكس ذلك هل ستتغير قيمة هذا الانتاج، لهذا تبدو اشكالية هذه النظرة في اشغال العقلية العربية والإسلامية في معايير غير معرفية تتعدد بتعدد الرؤى والأفكار، وفقا لقيم ومعايير مذاهب وتيارات مختلفة.

إن غرس الاحترام العلمي للأفكار الفلسفية ورموزها مهما كانت انتماءاتهم، وبغض النظر عن الاتفاق معها أو مخالفتها، لن يكون بمثل هذه التوفيقية الضعيفة، أما الاحترام الديني فله معايير أخرى لها قيمتها في انشاء تصورات قيمية خاصة لكل فرد وفقا لمذهبه وعقيدته. وللأسف أن هشاشة التصورات العلمية المبكرة في الثقافة العربية المعاصرة عند التيارات الاسلامية وغيرها، أدت لخلط لم تنج من اثاره السلبية المعايير المعرفية ولا القيم الدينية. ولهذا تظهر انتكاسات ثقافية مختلفة بين وقت وآخر، نتيجة التحولات في الاتجاه الايديولوجي أو التطور الفكري، حتى في داخل الاتجاه الفكري ذاته يتراجع البعض عن مظهر علمي جيد قام به، فمحمد قطب مثلا في كتابة الانسان بين المادية والإسلام في مقدمة الطبعة الرابعة، ندم على احترامه العلمي المبكر لهذا الفكر فيقول: «إنه أعطى فرويد والتفكير الغربي عامة أكثر مما ينبغي من «التوقير العلمي»، وأن هذا التفكير الغربي بما فيه فرويد بالذات لا يستحق كل هذا التوقير..».

في مسألة أسلمة المعرفة قدم السيد ولد أباه بعض الاشارات ليست دقيقة، ونتركها حتى يستكمل ما وعد هو في عرضه في هذا الشأن.



التعليــقــــات
عقيل علي، «كندا»، 13/06/2005
أتفق مع الأستاذ بأن اسلوب محمد قطب وسفر الحوالي في نقد الفكر الغربي أتبع مغالطة منطقية تسمى Ad Hominem وهي بدلا من انتقاد الفكرة يتم انتقاد صاحب الفكرة. على كل حال لا يمكن التعويل على نقد محمد قطب أو غيره على أنه رأي جميع الإسلاميين في الموروث الفلسفي الغربي لأن هناك فلاسفة اسلاميين معاصرين أبدعوا في مجال قراءة الفكر الفلسفي الغربي ونقده وخاصة محمد إقبال لاهوري في كتابه إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام و المفكر الإيراني علي شريعتي في كتبه الشهيرة كنقد الذات والفيلسوف الإيراني مرتضى مطهري في كتابه أصول الفلسفة وأخيرا الفيلسوف العراقي محمد باقر الصدر في كتابه الأسس المنطقية للإستقراء وفلسفتنا وإقتصادنا. هؤلاء الفلاسفة يمثلون أصحاب النظرة الموضوعية الإسلامية للفكر الغربي وتقييمه.

محسن محمد مهدي دومة، «المملكة العربية السعودية»، 13/06/2005
اتفق مع الكاتب قلبا وقالبا مع كل ما قاله في توصيفاته في مقاله وتفنيده للحركات الأصولية. لكني أختلف معه حول توصيفهم بالإسلاميين، واعتراضي ليس عليه فقط ولكن على كل من يصف ويطلق عليهم مصطلح إسلاميين فهذا التوصيف يسهل على الغرب أن يشمل به كل المسلمين دون استثناء. ألسنا مسلمون أيضا؟

هذه المقالة للكاتب عبد العزيز الخضر بالشرق الاوسط الدولية بتاريخ الاثنين 13/يونيو 2005

ليست هناك تعليقات: