الخميس، 24 نوفمبر 2011

(ورقات في أصول الفقه)


1- أصول الفقه في الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
2- موضوعه: الأدلة والطرق الموصلة إلى الأحكام الفقهية فيبحث عوارض الألفاظ الذاتية وشروطها وقواعد الاستنباط منها.
3-  وغايته: معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين والعمل بها.
4-  وحكمه: فرض كفاية. وقيل فرض عين. والصحيح أنه فرض كفاية.
5-  إما فائدته: فإنه من أنفع العلوم وأجهلها حيث أن العلوم ثلاثة أصناف.
أ-عقلية محضة: كالحساب والهندسة والطب.
ب-ولغوية: كاللغة والنحو والصرف.
ج- وشرعية: وهي علوم القرآن والسنة وتوابعها.
        ولا شك أن أجلها العلوم الشرعية وأشرفها في الوسائل والمقاصد حيث أن به السعادة في الدارين وبعدمه الخسران المبين. ثم أن أشرف العلوم الشرعية بعد الاعتقاد الصحيح معرفة الأحكام التي تعبدنا الله بها ولا تتحقق تلك المعرفة إلا بالاجتهاد وفي الأصول وكلما ألم العالم بها إزدادته بصيرته في الفروع ولذلك فإن أصول الفقه من أولى العلوم الشرعية بعد العقيدة.
6- أما استمداده فيستمد من علم أصول الدين. وعلم اللغة. والأحكام الشرعية. فأما أصول الدين فلأن الأدلة الشرعية متوقفه على معرفة الباري سبحانه وعلى صدق المبلغ.
وأما اللغة ولأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان على ادراك معاني اللغة والتفريق بين العام والخاص والمطلق والمقيد والحقيقي والمجاز وإثباتها أو نفيها.


نشأة أصول الفقه

الحمد لله وبعد:

فإن أصول الفقه سابق من حيث النشأة للفقه لأنه أساسه ولا يقوم الفرع ألا بعد وجود الأساس.
فأصول الفقه نشأ في عهد الرسالة فكان النبي (r) يسأل عن أحكام الوقائع فينتظر الوحي وهو الدليل والأصل. سواء كان قرآناً أو سنة. حيث أن الوحي أنواع:
1-وحي تعبدنا لله بلفظه ومعناه. وهو القرآن.
2-وحي يلقيه الله إلى الملك ويفهمه الملك للنبي (r) وهو السنة فإن النبي (r) (ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه) فتعبدنا لله بمعناه ودون اللفظ.
3-وحي الإلهام فليهم الله النبي (r) الحكم بلا واسطة.
والقرآن والسنة هما أصل الأصول ومصدر الأحكام الاجمالية والتفصيلية فالأدلة الاجتهادية مستمدة منهما والقواعد والأصولية ثابتة بهما وباللغة التي نزلت بهما وكانت الشريعة سابقة للصحابة رضي الله عنهم فكانوا يعرفون مقاصد الكلام ....
وقد شهدوا عهد الوحي ولزموا النبي (r) في سفره وإقامته وكانوا على جانب عظيم من الفطنة والذكاء وسلامة الذوق فوقفوا على أسرار الشريعة ومقاصدها وقواعدها. لذا فقد أدركوا أصول الفقه وطبقوه في اجتهادهم.
ولم تدعهم الحاجة إلى تدوين ذلك وقد سار التابعون على نهجهم وسلكوا سبيلهم فكان كل إمام يجتهد بناء على أصول ثابتة عنده فجاء فقهم العظيم الواسع الذي شمل وما كان من قبلهم وماجد في حياتهم حتى تميز فقه أهل الحجاز عن فقه أهل العراق فعرف أهل الحجاز بالحديث وأهل العراق بالرأي.
وإلى جانب ما نعلمه من سابقة الصحابة والتابعين وادراكهم لمقاصد الشريعة. نجد من بعضهم التصريح والإشارة إلى ما اصطلح عليه علما الأصول بعد ذلك.
فهذا عمر رضي الله عنه يقول: "لعامله" واعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور وهو ما اصطلح عليه بالقياس.


وعن عمران ابن الحصين أنه قال رجل أنك أمرؤ أحمور أتجد في كتاب الطهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحوها ثم قال اتجد هذا في كتاب الله مفسراً إن كتاب الله أبهم هذا وأن السنة تفسر ذلك 4-الموافقات 4/26.
وهذا ما اصطلح عليه بالمجمل والمبين.
وعن نجدة الحنفي رضي الله عنه قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) أخاص أم عام قال بل عام، الإتقان في علوم القرآن 1/30.
وعن ابن عباس أنه قال ليس في القرآن عام إلا مخصص ألا قول الله )والله بكل شيء عليم( الموافقات وغير ذلك مما جاء في كلامهم رضي الله عنهم.
ولما بعد عهد النبوة واختلط المسلمون فيما بينهم دخلت العجمة من جهة أهل اللغات الأخرى وتأثر أبناء العرب بذلك وفسدت سليقتهم مما جعل أهل اللغة يسعون للمحافظة عليها من العجمة بتقرير قواعدها وتدينها. وكان الناس لا يدركون مقاصد الشريعة وأسرارها كما كان سلفهم اجتهد العلماء في بيان صور وتقرير قواعد الشريعة والعناية بها مما سهل توضيح ذلك وتقريره تميز أهل الحجاز وأهل العراق وظهوره في استدلال كل منهم وأن لم تكن مدونة لديهم.
وكان أول من دون هذا العلم هو الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله تعالى حيث دون كتاب الرسالة: عندما طلب منه عبدالرحمن بن مهدي ذلك فألف ذلك وأرسله إليه.
لذلك سمي بالرسالة والتي رواها عن الربيع بن سليمان المراوي.
وقيل أن للأمام أبي حنيفة تدويناً قبل ذلك. والأصح أن أول من دونه الإمام الشافعي.
وفي تألفه لها جمع بين أمرين:
1-   تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة وإيضاح منهم في الاستدلال.
2-   الإكثار من الأمثلة لزيادة الإيضاح والتطبيق والكثير من الأدلة على قضايا في أصول الشريعة وفروعها. مع نقاش للمخالفين بأسلوب قوي المبنى واضح فكان كتابه قاعدة محكمة بني عليها من جاء بعده ومنهجه فيها واضحاً سلكه من توسع فيه من بعده .
إلا أن مناهج المؤلفين في هذا العلم بعد ذلك تعددت فكانت على ثلاث طرق:
1-        طريقة المتكلمين.
2-        طريقة الأحناف.
3-        طريقة المتأخرين.
أولاً: طريقة المكلمين: وهي تقرير القواعد وتحقيق المسائل والاستدلال الشرعي والعقلي والإكثار من الجدل فيها على أسس الجدل والمناظرة لم يراعوا مذهباً معيناً مع قلة ذكر الأمثلة وقد سلك هذه الطريقة علماء الشافعية والمالكية والحنابلة وعلماء المعتزلة وأهم الكتب فيها.
1-        كتاب العمد للقاضي عبد الجبار والمعتمد لأبي الحسين البصري.
2-        البرهان لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي.
3-        المستصفى لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي.
4-        المحصول لفخر الدين الرازي وقد جمع الكتب السابعة.
5-         الأحكام لعلي بن محمد الآمدي.
6-        رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب مالكي.
7-        تنقيح الفصول للقرافي من علماء المالكية.
8-        العدة لأبي يعلى.
9-        التمهيد لأبي الخطاب.
10-   روضة الناظر لابن قدامة.

2- طريقة الأحناف: تقرير القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع من أئمتهم فاستمدوا أصولهم من الفروع والمسائل الفقهية عن أئمة المذهب الحنفي.
وبهذا إختلف عن طريقة المتكلمين. وأهم الكتب فيها.
1-        كتاب مأخذ الشرائع للماتريدي-33هـ.
2-        كتاب في الأصول لكرخي-34هـ وهما مخطوطان.
3-        أصول الجصاص للإمام أبي بكر حمد بن علي الجصاص.
4-        تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي.
5-        تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي.
6-        أصول البزودي وشرحه كشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري.
7-        أصول السرخسي. لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي.
8-        المنار وشرحه كشف الأسرار للنسفي.
3-        طريقة المتأخرين وهي الجمع بين الطريقتين السابقتين. ومن المؤلفات فيها.
2-   تنقيح الأصول لصدر الشريعة عبدالله بن مسعود البخاري وجمع فيه بين البردوي والمحصول والمختصر.... الحاجب.
3-        التحرير لكمال الدين الهمام.
4-        جمع الجوامع لابن السبكي وقال أنه جمعه أكثر من مائة كاب.


المقدمة المنطقية:
وهي مقدمة للعلوم كلها. وفيها نبحث عن مدارك العقول.
وأن مدارك العقول تنحصر في الحد والبرهان ونذكر شروطها.
والحد: هو اللفظ المفسر لمعنى المحدود على وجه يجمع ويمنع وقيل القول الدال على ماهية الشيء.
والبرهان: هو ما يتوصل به إلى العلوم التصديقية بالنظر.
وسبب انحصار الإدراك فيهما أن الإدراك ينقسم إلى قسمين:
1-إدراك الذوات المفردة. كإدراك الشمس. وإدراك الليل. وإدراك النهار. والعالم. والحادث والقديم.
2-إدراك نسبة المفردات إلى بعضها كادراك أن العالم حادث والشمس طالعة، والليل سكنا، والنهار معاشا.
3-والإدراك الأول يسمى تصور لأنه لا يقبل التصديق والثاني تصديق لأنه.
خبر يقبل التصديق والتكذيب.
فقالوا العلم أما تصور وإما تصديق. وقيل الأول معرفة والثاني علماً.
وينبغي معرفة البسيط قبل المركب فمن لم يعرف معنى العالم ومعنى حادث لا يعرف قولنا العالم حادث ومن لم يعرف معنى حيوان ومعنى ناطق لم يعرف قولنا الإنسان حيوان ناطق.
ومعرفة المفردات قسمان أولى وهو الذي يرتسم ويتضح معناه في النفس من دون بحث وطلب. كإدراك الموجود والشيء.
ومطلوب: وهو الذي يدل اسمه على معنى إجمالي غير مفصل والثاني وهو التصديق أو العلم قسمان.
أولى: كالضروريات ومطلوب كالنظريات.
فالمطلوب من المعرفة لا يتوصل إليه إلا بالحد.
والمطلوب من العلم لا يتوصل إليه إلا بالبرهان.
لذا فإن هذه المقدمة تتكون من فصلين:
1-الفصل الأول: في الحد وأقسامه وشروطه.
2- الفصل الثاني: في البرهان.
الفصل الأول: في الحد وأقسامه وشروطه.
قلنا في تعريفه: أنه اللفظ المفسر لمعنى المحدود على وجه تجمع وتمنع.
وقيل القول الدال على ماهية الشيء.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1-حقيقي.        2-ورسمي.          3-ولفظي.
والحقيقي: هو القول الدال على ماهية الشيء.
والماهية ما يصلح جواباً عن السؤال بصيغة ما هو.
وهي تتركب من الصفات الذاتية. والذاتي كل ما لا يتصور فهم الشيء إلا به. كالجسمية للحيوان.
حيث أن الصفات ثلاثة أقسام ذاتية. ولازمه. وعارضه.
واللازمة هي ما لا تفارق الذات لكن فهم حقيقة غير متوقف عليها كصفة النمو للحي.
والعارضة ما ليس من الضروري أن تلازم الشيء بل تفارقه كحمرة الخجل أو بطيئاً كصفرة الذهب ولصبا والكهولة. وغيرها من الصفات العارضة.
ثم الأوصاف الذاتية تنقسم إلى جنس, وفصل.
والجنس هو المشترك بين شيئين فصاعدا مختلفين في الحقيقة وينقسم إلى:
1-عام لا أعم منه كالجوهر.
2-وخاص لا أخص منه كالإنسان.
3-إلى عام من جهة وخاص من جهة كالجسم فهو عام بالنسبة لما تحته وخاص بالنسبة لما فوقه.
        فالجوهر ينقسم إلى جسم وغير جسم والجسم ينقسم إلى نام وغير نام والنامي ينقسم إلى حيوان وغيره والحيوان إلى آدمي وغيره فالجوهر هو جنس الأجناس الإنسان أخص الأجناس وما بينهما عام من وجهة خاص من وجه آخر.
والفصل: 1-ما يفصل الشيء عما يشاركه في جنسه ويميزه به.
مثال: الإنسان حيوان ناطق.
فحيوان جنس يشترك فيه الإنسان والأنعام والطيور وغيرهما من الأجناس.
وناطق فصل مميز الإنسان عن غيره مما يشاركه في جنسه.
مثال: الحيوان جسم حساس.

ليست هناك تعليقات: