الجمعة، 5 أغسطس 2011

موقف ابن تيمية مع مخالفيه:

المبحث الرابع
موقف ابن تيمية مع مخالفيه:
فهذه كلمات تجلي لنا موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من أعدائه ومخالفيه ، الذي جاهدهم بكل ما أوتي من قوة عقلية وعلمية، لكن لننظر كيف كان يعاملهم مع ما هم عليه من بدع ، وما قاموا به تجاهه حيث بدعوه وفسقوه وكفروه وأحلوا سفك دمه؟ محاولته إطفاء الفتنة التي كانت بين الحنابلة والأشاعرة:قال رحمه الله : (( والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة. وأنا كنت من أعظم الناس تأليفًا لقلوب المسلمين وطلبًا لاتفاق كلمتهم وإتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله ، وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة وبينت لهم أن الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد - رحمه الله -ونحوه، المنتصرين لطريقه، كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه.
ثم قال: وكنت أقرر هذا للحنابلة وأبين أن الأشعري وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب، فإنه كان تلميذ الجبائي ومال إلى طريقة ابن كلاب وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أمورًا أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم))( ).
وقال في الفتنة التي كانت بينه وبين ابن مخلوف:((وأنا والله من أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر فيها وفي غيرها وإقامة كل خير وابن مخلوف لو عمل مهما عمل والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه ولا أعين عليه عدوه قط ولا حول ولا قوة إلا بالله هذه نيتي وعزمي مع علمي بجميع الأمور فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين ولن أكون عونا للشيطان على إخواني المسلمين ولو كنت خارجا لكنت أعلم بماذا أعاونه لكن هذه مسألة قد فعلوها زورا والله يختار للمسلمين جميعهم ما فيه الخيرة في دينهم ودنياهم ولن ينقطع الدور وتزول الحيرة إلا بالإنابة إلى الله الإستغفار والتوبة وصدق الإلتجاء فإنه سبحانه لا ملجأ منه إلا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله))( ).

- وقال في مقابلته لرسول نائب السلطان في سجنه في مصر : (( ولكن هذه القصة ضررها يعود عليكم؛ فإن الذين سعوا فيها من الشام أنا أعلم أن قصدهم فيها كيدكم وفساد ملتكم ودولتكم وقد ذهب بعضهم إلى بلاد التتر وبعضهم من قيم هناك فهم الذين قصدوا إفساد دينكم ودنياكم وجعلوني إمامًا بالتستر لعلمهم أني أواليكم وأنصح لكم وأريد لكم خير الدنيا والآخرة، والقضية لها أسرار كلما جاءت تنكشف، وإلا فأنا لم يكن بيني وبين أحد بمصر عداوة ولا بغضًا وما زلت محبًا لهم مواليًا لهم: أمرائهم ومشائخهم وقضاتهم))( ).

- موقفه لما عرض عليه السلطان قتل بعض القضاة الذين أفتوا بقتل ابن تيمية، لكلامه في الصفات ولرده على ابن العربي وأمثاله:
قال بعض أصحاب شيخ الإسلام : (( وسمعت الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يذكر أن السلطان لما جلسا(يعني السلطان وشيخ الإسلام) بالشباك أخرج من جيبه فتاوى لبعض الحاضرين في قتله واستفتاه في قتل بعضهم قال ففهمت مقصوده وأن عنده حنقا شديدا عليهم لما خلعوه وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك أما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي وسكنت ما عنده عليهم قال فكان القاضي زيد الدين ابن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك ما رأينا أتقى من ابن تيمية لم نبق ممكنا في السعي فيه ولما قدر علينا عفا عنا)) ( ).

موقفه من ألأذرعي أحد مخالفيه قال رحمه عن ذلك:
((وكان من مدة لما كان القاضي حسام الدين الحنفي مباشرا لقضاء الشام أراد أن يحلق لحية هذا الأذرعي وأحضر الموسى والحمار ليركبه ويطوف به فجاء أخوه عرفني ذلك فقمت إليه ولم أزل به حتى كف عن ذلك وجرت أمور لم أزل فيها محسنا إليهم ))( ) .
وقفه لما قام عليه بعض مقلديه مع أهل البدع الذين وضربوه وآذوه:
(( رجل فيما بلغني إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه فقال حسبنا الله ونعم الوكيل وكان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال فقمت من عنده وجئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية وغيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا .
فقال لهم الشيخ لأي شيء قال لأجلك فقال لهم هذا ما يحق ، فقالوا نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس، فقال لهم هذا ما يحل قالوا فهذا الذي قد فعلوه معك يحل هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا والشيخ ينهاهم ويزجرهم فلما أكثروا في القول قال لهم إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء قالوا فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم قال هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه قالوا فتكون أنت على لباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم فقال لهم ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر))( ).

- ومن كلامه رحمه الله فيمن آذوه، في رسالة كتبها لأصحابه:
(( فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي الذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببا في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم ))( ) .






- ومن مواقفه لما مات أحد أعدائه:

قال ابن القيم
:
(( وكان بعض أصحابه الأكابر يقول : وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه.
وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضى عن ))( ) .
فلو اطلع من يدعون تقليده على اقواله وفتاويه التي تعبر عن روح الاسلام ووسطيته لما حصل كل ما حصل من سفك لدماء المسلمين لمجرد انه يخالفه في الرأي وكذالك لو اطلع من يتهم هذا الرجل بالتكفير والتشدد لأنصفوه.

ليست هناك تعليقات: