الجمعة، 5 أغسطس 2011

ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيميةالجزء الأول

المبحث الأول التمهيدي:

ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية
1- نسبه :
هو شيخ الإسلام الإمام : احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية ، الحراني ، ثم الدمشقي . كنيته : أبو العباس .
2- مولده ونشأته:
وُلد يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول بحران سنة (611هـ) ولما بلغ من العمر سبع سنين انتقل مع والده إلى دمشق هرباً من وجه الغزاة التتار ، وقد نشأ في بيت علم وفقه ودين ، فأبوه وأجداده وأخوته وكثير من أعمامه كانوا من المشاهير ، منهم جده الأعلى (الرابع) محمد بن الخضر ، ومنهم عبد الحليم بن محمد بن تيمية ، وعبد الغني بن محمد بن تيمية ، وجده الأدنى عبد السلام بن عبد الله بن تيمية مجد الدين أبو البركات صاحب التصانيف التي منها : المنتقى من أحاديث الأحكام ، والمحرر في الفقه ، والمسودة في الأصول ، وغيرها ، وكذلك أبوه عبد الحليم بن عبد السلام الحراني ، وأخوه عبد الرحمن وغيرهم( ).
ففي هذه البيئة العلمية الصالحة كانت نشأة صاحب الترجمة ، وقد بدأ يطلب العلم أولا على أبيه وعلماء دمشق ، فحفظ القرآن وهو صغير ، ودرس الحديث والفقه والأصول والتفسير ، وعُرف بالذكاء وقوة الحفظ والنجابة منذ صغره ، ثم توسع في دراسة العلوم فيها ، واجتمعت فيه صفات المجتهد منذ شبابه ، فلم يلبث أن صار إماما يعترف له الجهابذة بالعلم والفضل والإمامة ، قبل بلوغ سن الثلاثين من عمره .
3- نتاجه العلمي :
وفي مجال التأليف والإنتاج العلمي ، فقد ترك الشيخ للأمة تراثا ضخما ثمينا ، لا يزال العلماء والباحثون ينهلون منه معينا صافيا ، توفرت منه الآن المجلدات الكثيرة ، ومن المؤلفات والرسائل والفتاوى والمسائل وغيرها ، هذا من المطبوع ، وما بقي مجهولا أو مكنوزا في عالم المخطوطات كثير .
ولم يترك الشيخ مجالات من مجالات العلم والمعرفة التي تنفع الأمة ، وتخدم الإسلام ، إلا كتب فيه واسهم بجدارة وإتقان ، وتلك خصلة قلّما توجد إلا عند العباقرة النوادر في التاريخ .
فلقد شهد له أقرانه ، وأساتذته ، وتلاميذه ، وخصومه بسعة الاطلاع ، وغزارة العلم ، فذا تكلم في علم من العلوم أو فن من الفنون ظن السامع انه لايتقن غيره ، وذلك لإحكامه له وتبحره فيه ، وان المطلع على مؤلفاته وإنتاجه ، والعارف بما كان يعمله في حياته من الجهاد باليد واللسان ، والذب عن الدين ، والعبادة والذكر ، ليعجب من بركة وقته ، وقوة تحمله وجلده ، فسبحان من منحه تلك المواهب .

4- جهاده ودفاعه عن الإسلام :
الكثير من الناس يجهل الجوانب العملية من حياة الشيخ ، فإنهم عرفوه عالما ومؤلفا ومفتيا ، من خلال مؤلفاته المنتشرة ، ومع إن له مواقف مشهودة في مجالات أخرى عديدة أسهم فيها إسهاما قويا في نصرة الإسلام وعزة المسلمين ، فمن ذلك : جهاده بالسيف ، وتحريضه المسلمين على القتال ، بالقول والعمل ، فقد كان يجول بسيفه في ساحات الوغى مع أعظم الفرسان والشجعان الذين شاهدوه يقاتل بسيفه أثناء فتح عكا عجبوا من شجاعته وفتكه بالعدو( ).
أما جهاده بالقلم واللسان ، فانه رحمه الله وقف أمام أعداء الإسلام من أصحاب الملل والنحل والفرق والمذاهب الباطلة والبدع كالطود الشامخ ، بالمناظرات حينا وبالردود أحيانا ، حتى فند شبهاتهم ورد الكثير من كيدهم بحمد الله ، فقد تصدى للفلاسفة ، والباطنية ، من صوفية وإسماعيلية ونصيرية وسواهم ، كما تصدى للروافض والملاحدة ، وفند شبهات أهل البدع التي تقام حول المشاهد والقبور ونحوها ، كما تصدى للجهمية والمعتزلة وناقش المتكلمين والاشاعرة .
والمطلع على هذا الجانب من حياة الشيخ يكاد يجزم بأنه لم يبق له من وقته فضلة ، فقد حورب وطورد ، وأوذي وسُجن مرات في سبيل الله ، وقد وافته منيته مسجونا في سجن القلعة بدمشق .
ولا تزال بحمد الله ردود الشيخ سلاحا فعالا ضد أعداء الحق والمبطلين ؛ لأنها إنما تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم ، وهدي السلف الصالح ، مع قوة الاستنباط ، وقته الاستدلال والاحتجاج الشرعي والعقلي ، وسعة العلم ، التي وهبها الله له .
وكثر المذاهب الهدامة التي راجت اليوم بين المسلمين هي امتداد لتلك الفرق والمذاهب التي تصدى لها الشيخ وأمثاله من سلفنا الصالح ، لذلك ينبغي للدعاة .

5- خصاله :
بالإضافة إلى ما اشتهر به هذا الإمام من العلم والفقه في الدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قد وهبه الله خصالا حميدة ، اشتهر بها وشهد له بها الناس ، فكان سخيا كريما يؤثر المحتاجين على نفسه في الطعام واللباس وغيرهما ، وكان كثير العبادة والذكر وقراءة القرآن ، وكان ورعا زاهدا لا يكاد يملك شيئا من متاع الدنيا سور الضروريات ، وها مشهور عنه عند أهل زمانه حتى بين عامة الناس ، وكان متواضعا في هيئته ولباسه ومعاملته مع الآخرين ، فما كان يلبس الفاخر ، ولا الردئ من اللباس ، ولا يتكلف لأحد يلقاه ، واشتهر ايضا بالمهابة والقوة في الحق فكانت له هيبة عظيمة عند السلاطين والعلماء وعامة الناس ، فكل من رآه أحبه وهابه واحترمه ، الا من سيطر عليهم الحسد من أصحاب الأهواء ونحوهم .
كما عرف بالصبر وقوة الاحتمال في سبيل الله ، وكان ذا فراسة ، وكان مستجاب الدعوة ، وله كرامات مشهودة . رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته .

6- عصره :
للتعرف عن كثب على شخصية الإمام ابن تيمية لابد من دراية موجزة لعصره لان العصر يؤثر تأثيرا كبير في توجيه أفكار الإنسان وكتاباته واهتماماته .

الناحية السياسية : لقد ابتلى المسلمون في تلك الفترة بمصائب كبيرة لم تمر على أمة من الأمم ، أول هذه المصائب غزو التتار للعالم الإسلامي في القرن السابع الهجري وسقوط الخلافة العباسية سنة (656) فكانت الأحداث التي رافقت غزو المغلول وما قبلها وما بعدها حاضرة وقريبة من ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية فلا بد أن شاهد آثار هذا الخراب .
ومن المصائب الأخرى هي الحروب الصليبية على البلاد الإسلامية فكانت ولادة ابن تيمية في الدور الرابع منها والذي يتمثل بداية ضعف الفرنجة وبداية الصحوة الإسلامية .
ومن ذلك أيضا ظهور الفتن الداخلية وتنازع المماليك على السلطة ما يحصل بينهم وبين التتار وكان ابن تيمية دور كبير في إصلاح الوضع آن ذاك .

الناحية الاجتماعية : بعد غزو التتار والفرنجة للبلاد الإسلامية واختلاطهم بهذه المجتمعات المحافظة اثر ذلك في ظهور بعض العادات والنظم السيئة التي لا يقرها الإسلام وأحداث بدع مخالفة للشريعة كان لابن تيمية رحمه الله دور في الرد عليها وبيان موقف الإسلام منها وإرجاع الناس إلى سنة نبيهم .


7- وفاته :
إن من علامات الخير للرجل الصالح وقبوله لدى المسلمين : إحساسهم بفقده حين يموت ، لذلك كان السلف يعدون كثرة المصلين على جنازة الرجل من علامات الخير والقبول له لذلك قال الإمام احمد : ((قولوا لأهل البدع : بيننا وبينكم الجنائز)) . أي إن أئمة السنة يفقدهم الناس إذا ماتوا ويكونون أكثر مشيعين يوم يموتون ، ولقد شهد الواقع بذلك ، فما سمع الناس بمثل الإمامين : احمد بن حنبل ، واحمد بن تيمية ، حين ماتا ، ومن كثرة من شيعهما وخرج مع جنازة كل منهما ، وصلى عليهما ، فالمسلمون هم شهداء الله في أرضه .
هذا وقد نوفي الشيخ رحمه الله ، وهو مسجون بسجن القلعة بدمشق ، ليلة الاثنين 20من شهر ذي القعدة سنة (728هـ) فهب كل اهل دمشق ومن حولها للصلاة عليه وتشييع جنازته ، وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته انه حضر جنازته جمهور كبير يفوق الوصف .
رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء( ).
شيوخه :
بلغ عدد شيوخه أكثر من مائتي شيخ ، من أبرزهم والده عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت 682) ،والمحدث ابو العباس احمد ابن عبد الدائم (ت 668) ، وابن أبي اليسر ، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (ت 689) وابن الظاهري الحافظ ابو العباس الحلبي الحنفي (ت 690) .
تلاميذه :
اما تلاميذه فلا يحصون كثرة ، فمن تلاميذه البارزين والمبرزين :شمس الدين ابو عبد اله محمد بن ابي بكر الزرعي ابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751) .
الحافظ أبو عبد الله محمد بن احمد بن عبد الهادي (ت 744) .
الحافظ ابو الحجاج يوسف بن زكي عبد الرحمن المزي المتوفى (742) .
الحافظ المؤرخ ابة عبد الله محمد بن عثمان الذهبي (ت 744) .
ابو الفتح ابن سيد الناس محمد بن محمد اليعمري المصري (ت 734) .
الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البزاري (ت 739) .

مؤلفاته :
ان مؤلفات هذا الإمام كثيرة جدا بحيث عجز تلاميذه ومحبوه عن إحصائها ، قال تلميذه النجيب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم رحمه الله :-
إما بعد : فان جماعة من محبي السنة والعلم سألني أن اذكر له ما ألفه الشيخ الإمام العلامة الحافظ أوحد زمانه ، تقي الدين أبو العباس احمد ابن تيمية – رضي الله عنه – فذكر لهم اني عجزت عن حصرها وتعدادها لوجوه أبديتها لبعضهم وسأذكرها ان شاء الله فيما بعد ..."( ).
ثم قال :
" فمما رايته في التفسير " فذكر اثنين وتسعين مؤلفا ما بين رسالة وقاعدة .
قال : " ومما صنفه في الأصول مبتدئا أو مجيبا لمعرض او سائل " فذكر عشرين مؤلفا ما بين كتاب ورسالة وقاعدة ( ).
ثم قال : " قواعد وفتاوى " فذكر خمسة وأربعين ومائة ما بين كتاب وقاعدة ورسالة( ) .
الكتب الفقهية " وسرد خمسة وخمسين مؤلفا ما بين كتاب ورسالة وقاعدة( ) .
" وصايا وأجازات ورسائل تتضمن علوما " بلغت اثنتين وعشرين( ) .
وذكر الحافظ ابن عبد الهادي كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام مع ذكر نماذج لبعض المؤلفات والتنويه بمكانتها في كتابه العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية .
هذه لمحة خاطفة عن حياة هذا الإمام العظيم – رحمه الله – واسكنه فسيح جناته .

ليست هناك تعليقات: