الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

تصريحات الأنبا بيشوي وجذورها الكاشفة

تصريحات الأنبا بيشوي وجذورها الكاشفة
كتبت الدكتورة/ زينب عبد العزيز:

ان التصريحات التى أدلى بها الأنبا بيشوى وكل ما بها من إهانات وفريات وإتهامات جارحة فى حق الدولة والوطن والقانون، والتى تضع الكنيسة القبطية فى تصنيف الخيانة والتواطؤ مع الغرب المسيحى المتعصب والرضوخ لمخطط الفاتيكان ضد مصلحة أمن الدولة والتعايش السلمى بين أبناء الوطن، ليست وليدة الأمس وإنما سبق للأنبا يوحنا قلتة، ممثل الكنيسة الكاثوليكية، أن أعلنها صراحة فى كتابه المعنون "المسيحية والألف الثالثة" والذى تناولته بالرد عليه آنذاك فى اكتوبر 2003 .. وهو كتاب يكشف الى اى مدى الفاتيكان بات يتحكم ويقود الكنائس التى كانت منشقة ويخرجها من عقائدها وتجميعها لإقتلاع الإسلام، وفيما يلى المقال المشار اليه:

المسيحية والألف الثالثة!

إلى أخ في الوطن وزميل في اللقب العلمى،

إلى المواطن المصرى الدكتور/ الأنبا يوحنا قلتا ..

قرأت كتابك الذى يحمل عنوان نفس هذا الرد، والصادر عن دار مصر المحروسة، وهزنى ما في بعض عباراته من صدق وأنين..نعم، على حد قولك، فلنطو صفحة الفى سنة مضت، ولنفتح صفحة جديدة لألف سنة عنوانها: "مسلمون ومسيحيون لمستقبل أفضل" كما تقول، وأضيف إلى ما أنهيت به كتابك: "فمصر لكل المصريين" .. لذلك أمد يدى إلى يدك الممدودة في أخوة لنتعاون جميعا على صد تلك الهجمة الشرسة التى يحيكها لنا الغرب المتعصب، فكلنا على حافة الهاوية، والقذيفة حين تسقط لا تميّز بين قبطى ومسلم ..

وتابعت تأملاتك ـ كما تطلق عليها ـ وهزنى ذلك الحزن المتردد بين صفحات تحمل العديد من القضايا المطروحة، وإن كان بكثير من المواربة أو عدم الوضوح، وأخرى يشار إلى نتائجها فحسب، الأمر الذى لا يسمح للقارئ بفهمها أو فهم أسبابها، وبالتالى فلن يمكنه الإسهام في حلها أو في تخطيها، وإذا ما استثنينا تلك المساحة الواسعة من الكتاب، والتى تندرج تحت بند التعريف والتبشير الواضح بالمسيحية - ولعل ذلك يرجع إلى مهنتك الكهنوتية بالطبع، فإنه يمكن تقسيم القضايا المطروحة إلى عدة مجموعات حتى يسهل تناولها تباعا وهى: نغمات نشاز؛ خلافات عقائدية مسيحية؛ الإسلام؛ قضايا الساعة؛ والحوار ..

وأبدأ بالنغمات النشاز، لا لأهميتها فحسب، ولكن لاستبعادها من المناقشة هنا حيث أن حيز المقال لا يسمح بتناولها بشئ من التفصيل، ولأنها قُتلت بحثا.. ومن هذه النغمات النشاز:

تكرار أن مصر بأسرها كانت قبطية أيام الفتح الإسلامى، وأن عدد الأقباط كان آنذاك أربعة ملايين نسمة، ولوم المؤرخين على "إسقاط العصر المسيحى" من تاريخ مصر، والتأكيد على أنه قد إمتد ستة قرون: "سته قرون سادت فيها المسيحية وسيطرت الكنيسة" أو "حكمت" .. والإصرار على عبارة "مصر القبطية"، و"الشعب القبطى" وعلى أن كلمة "مصر" تعنى " قبط " وإن القبط وحدهم هم المصريون الحقيقيون وهم سلالة المصريين القدماء أصحاب البلد، وإن المصريين المسلمين دخلاء، بل والقول بأن كل المنطقة العربية كانت مسيحية بما في ذلك شبه الجزيرة العربية ومكة والمدينة، وأنها قد دخلت الإسلام بسبب الخلافات العقائدية المسيحية أو بسبب انتشار الإسلام بالسلاح وفرض الجزية قهرا..

وتكرار أن العرب أو أعراب شبه الجزيرة عبارة عن قبائل من "الجياع والعطشى" قد احتلوا البلدان المسيحية، و"تحول حال المسيحيين من أغلبية إلى أقلية وسط بحر زاخر من المسلمين" وأن الإسلام قد أخذ عن القانون الساسانى الفارسى، وإثارة قضية خلق القرآن أكثر من مرة، وما إلى ذلك من القضايا التى لا يؤدى إثارتها إلا إلى المساس بمصداقية الكاتب وأمانته العلمية.. وهنا سأكتفى بسؤال واحد: تُرى هل يفقد الإنسان جنسيته لتغيير عقيدته؟ ..

وإن أمكن الرد في عجالة لأوضحت لك أيها الأخ الكريم إجمالا أن مصر بأسرها لم تكن قبطية في أى وقت من الأوقات، لا كمرحلة إنتقالية بين العصر الفرعونى والإسلامى، ولا أيام الفتح الإسلامى، بل و لم يحدث فى التاريخ أن كان الأقباط يمثلون الأغلبية فى أى وقت من الأوقات، فقد كان هناك المستعمر اليونانى والرومانى بجلياتهما التى كانت تمثل الطبقة الحاكمة بجنودها وجيشها، وجاليات اليهود والوثنيين والمصريين القدماء الذين استمرت معابدهم إلى ما بعد الفتح الإسلامى، فالمسيحية كانت تحارب بضراوة حتى عام 381 عندما أعلنها قسطنطين ديانة رسمية هناك.. فكيف يمكن أن يصل عدد أقباط مصر إلى أربعة ملايين آنذاك في حوالى قرنين؟!

وبمناسبة تكرار تساؤلك حول تعداد مسيحيي الشرق وتعداد أقباط مصر ومسيحييها، وأنه "لا توجد إحصائية تحدد ذلك" فيمكنك الرجوع إلى ما أعلنه الفاتيكان من أن عدد المسيحيين في الشرق الاوسط إثنا عشر مليونا، منهم أربعة ملايين نسمة تقريبا في مصر ( كتاب الجغرافيا السياسية للفاتيكان)، وهى نفس الأرقام الواردة بأحدث المراجع، ومنها "موسوعة تاريخ المسيحية" الصادرة في ابريل عام 2000.

وهنا إسمح لى بتعليق بسيط كأخت لك في هذا الوطن الجريح بسبب عدد من الذين يتخذون نفس موقفك، فأيا كان عدد المسيحيين المصريين بمختلف عقائدهم، فإن ذلك لا يضيرهم في شئ إطلاقا ولا يمس كرامتهم أو كيانهم في أى شئ، ومن حقهم كمصريين أن يعيشوا ويسهموا في تقدم مصر ورخائها وفى الدفاع عنها وسط إخوانهم المسلمين كأسرة واحدة وأمة واحدة.

وذلك سواء أكان عددهم، كما هو حاليا، حوالى أربعة ملايين أو حتى أربعة أشخاص! وتلك هى سماحة الإسلام الحقة.. وإثارة نغمات نشاز من هذا القبيل لا تعنى في الواقع سوى ترديد مطالب الغرب السياسية المتعصبة الذى يسعى حثيثا إلى تقسيم العالم العربى والإسلامى ليسهل تنصيره وحكمه كما يعلنون وكما هو واضح جلى من مجرى الأحداث.. فهذا أمر مرفوض أساسا ولا يليق بمن في مثل مكانتك العلمية أو اللاهوتية.

وهنا أضيف في عجالة أيضا وللعلم، أن اسم مصر Egypt مشتق من كلمة "كمت" الهيروغليفية وتعنى "الأرض السوداء"، وأن كلمة "قبط" مشتقة من اسم مدينة "قفط" بالصعيد وكان اسمها coptos أيام اليونان والرومان، ولا تزال الخرائط القديمة تحمل هذا الاسم، ومن المعروف أن أوائل المسيحيين المصريين كانوا يهربون من المذابح اليونانية والرومانية إلى أقاصى الصعيد وتجمعوا في مدينة قفط وضواحيها وصار منها اسم قبط ..

وملحوظة أخيرة حول هذه النغمات النشاز: إن الإسلام لم ينتشر بالسلاح والقهر والاستبداد وإنما التعصب الكنسى هو الذى مارس ذلك، والتاريخ الدموى للكنيسة معروف في صراعه على السلطة منذ بداية تكوينها حتى يومنا هذا، والإنقسام الجذرى الذى اشرت إليه والذى وقع في القرن الحادى عشر، ثم ذلك الذى وقع في القرن الخامس عشر لم يكن إلا نتيجة لذلك الصراع الدائر بين السلطة الكنسية والسلطة المدنية، ولم تقم فرنسا أيام الثورة الفرنسية بالفصل بين السلطتين من فراغ، وهو ما قامت به ثانية عام 1905 عندما لم يرتدع التعصب الكنسى.. وما أكثر ما كُتب في هذا المجال.. فتلك المجازر هى التى أدت بالغرب المسيحى إلى الإلحاد والعلمانية إضافة إلى كل ما كشف عنه التقدم العلمى من تعديل وتبديل في ترجمة النصوص المسيحية والأناجيل.. فلننتقل إلى نقطة الخلافات العقائدية في تلك المسيحية ..

لقد اشرت يا أخى طوال كتابك إلى تواريخ معيّنة وإلى مجامع بعينها كما أشرت إلى خلافات محزنة، كما تقول، وإلى الإنشقاقات الناجمة عنها، دون أن توضح ما الذى حدث تحديدا. ولكى نكون منصفين، إن كنا نود أن نضع حدا لكل ما يوجد من خلافات سواء بين المسيحيين بعضهم بعضا أو بين المسيحيين والمسلمين، فمن الأمانة الموضوعية أن نقول بإيجاز شديد ما الذى دار في هذه المجامع أو تلك التواريخ التى اكتفيت بالإشارة إليها، حتى يكون القارئ على بيّنة من الأحداث، خاصة بعد أن قال موريس بوكاى عن حق: "إن أغلب المسيحيين لا يعرفون أن المسيحية قد تم تحريفها عبر المجامع على مر العصور، كما أنهم لا يعرفون إن الأناجيل التى بين أيديهم لم يكتبها أولئك الذين هى معروفة باسمائهم" (الإنجيل والقرآن والعلم).

والمجامع التى اشرت اليها هى: مجمع سنه 49 في اورشليم، ومجمع نيقية الأول سنه 325، ومجمع القسطنطينية سنه 381، وأفسوس سنه 431، وخلقيدونيا سنه 451، والقسطنطينية الثانى سنه 553، والثالث سنه 681، ثم انتقلت فجأة وبلا مقدمات إلى اتفاق تم حول "طبيعة المسيح أو شخصه القدوس"، وتم حسم هذا الخلاف يوم 22/2/1988 بين البابا يوحنا بولس الثانى والبابا شنودة، عن طريق لجنة الحوار المشتركة بين الكنيستين، وأوردت نص الإتفاق الذى يقول:

"نؤمن أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة المتجدد هو كامل في ناسوته، و جعل ناسوته واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ولا تشويش وفى نفس الوقت نحرّم كلا من تعاليم نستور وأوطيخي" (صفحة 79).

والجملة الأولى في هذا النص اللاهوتي بين الكنيستين "نؤمن أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح" وما كررته كثيرا من "أن المسيح هو الله" أو "المسيح الإله" أو "الله الثالوث المقدس" أو "المسيحية هي الإيمان بالمسيح الإله" ، أو "الله المتجسد في المسيح" كل هذه العبارات وكثير غيرها لا تتفق وما تحاول نفيه من شرك بالله أو من نفى للتعددية فى المسيحية.. وهي نقطة جوهرية أو هي النقطة الجوهرية الأساسية في الخلاف بين الإسلام والمسيحية، وسوف نعود إليها فيما بعد. ولنواصل التواريخ والمجامع التي أشرت إليها.

فقد أشرت بعد ذلك إلى مجمع 1054 الذي "قسم المسيحية إلى شرقية وغربية" ثم "ثورة الإصلاح"، ثم أشرت إلى مجمع الفاتيكان الأول عام 1869، ومجمع الفاتيكان الثاني عام 1965، إضافة إلى الإشارة إلى اسمين أو ثلاثة بمرارة شديدة هما أريوس ونستور وأوطيخي الذين تواصل الكنيسة حرمانهم حتى يومنا هذا.

ليست هناك تعليقات: