الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

العرب ما بين قمة المناخ وقمة المواقف المتناقضة

ورد في موقع الاسلام اون لاين نت هذه المقالة والتي تتحدث عن مخاطر التلوث البيئى على الارض وموقف الحكومات العربية
وهي على النحو التالى
العرب ما بين قمة المناخ وقمة المواقف المتناقضة

بقلم - د. وحيد محمد مفضل




معا لنتجنب ويلات تغير المناخ
أخيرا وفي ظل نشوة الصحوة المتأخرة، توصلت حكومات العالم العربي بعد طول تمنع وتردد، أن عليها التحرك بسرعة من أجل محاولة الحد من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري، ومشاركة من ثم الجهود العالمية الدائرة حاليا بقمة كوبنهاجن للمناخ، من أجل تحقيق هذا الغرض.

بحساب الأرقام، فقد أرسلت غالبية الدول العربية بالفعل ممثلين عنها للمشاركة في القمة، وهو ما يعد أمرا جيدا وجديرا بالاعتبار، لكن لغة الأرقام، التي قد تأتي خادعة، لا يمكن أن تعبر -وحدها- عن جدية وفعالية المشاركة.

وبحساب التوجه فقد اشتركت الدول العربية في المفاوضات الدائرة برؤية موحدة وبورقة عمل واحدة، تقوم على رفض تحميلها أي جزء من فاتورة الاحتباس الحراري، بل ومطالبة الدول المتقدمة بمساعدة الدول العربية الفقيرة على مواجهة مخاطر التغير المناخي المتوقعة، ومطالبتها كذلك بتعويض الدول النفطية عن الخسائر المنتظرة نتيجة فرض ضرائب الكربون والانخفاض المتوقع في استهلاك الوقود الحفري.

لكن الغياب اللافت والواضح للقادة العرب عن فعاليات هذه القمة، وترك أمور التفاوض لمسئولين وزاريين، لا حول لهم ولا سلطان بالنسبة لإمكانية اتخاذ القرار النهائي، فضلا عن عدم وجود سياسات علمية أو آليات محددة يمكن من خلالها الحد من الانباعاثات الغازية في غالبية البلاد العربية، يثير في الحقيقة شكوكا كبيرة بشأن جدية المشاركة العربية وبشأن ورقة العمل المقدمة، كما يثير تساؤلا كبيرا وذا مغزى، مفاده هل الهدف من مشاركة العالم العربي هو دعم الجهود العالمية القائمة بالفعل والمساهمة في إنقاذ كوكب الأرض والمنطقة من براثن التغير المناخي، أم أن الهدف يتمثل فقط في الخروج من المفاوضات الدائرة بأكبر مكاسب ممكنة أو بالأحرى بأقل خسائر ممكنة؟.

ثم هل يعني عدم مساهمة الدول العربية إلا بخمسة في المائة فقط من جملة الانبعاثات الغازية العالمية، التبرؤ أو التنصل مسبقا من أي التزامات تحاول فرضها الاتفاقيات الدولية الداعية للحد من الاحتباس الحراري؟.

الإجابة على الأسئلة المطروحة سابقا، ليست سهلة في الواقع وتستلزم إلقاء الضوء أولا وبشكل سريع على الآثار والمخاطر المتوقعة للتغير المناخي على المنطقة العربية، ومدى استعداد الدول العربية لمواجهتها.

تهديدات وسلبيات قائمة
في تقرير حديث عن هذا الموضوع، صادر منذ أسابيع قليلة عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، تتكرر الإشارة إلى أن البلاد العربية ستكون من أكثر المناطق تعرضًا للتأثيرات ومخاطر التغير المناخي المحتملة.

وفي هذا يذكر التقرير أرقاما وإحصائيات مقلقة عن حجم الخسائر المتوقعة، منه أن ارتفاع مستويات البحار بمقدار متر واحد فقط سوف يؤثر بشكل مباشر على 41 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية العربية، كما سيؤثر بشكل مباشر على 3,2 % من سكان البلدان العربية. وأن أكثر التأثيرات خطورة ستكون في مصر وتونس والمغرب والجزائر والكويت وقطر والبحرين والإمارات.

كما يشير تقرير "أفد" إلى أن حوالي 75 % من المباني والبنى التحتية في المنطقة سوف تتعرض هي الأخرى لخطر تأثيرات تغير المناخ، وتحديدا الارتفاع المتوقع في مستويات البحار وازدياد حدة العواصف والتداعيات الأخرى. وهذا فضلا عن تأثيرات وتداعيات أخرى تمس الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي وموارد المياه والزراعة والصحة والتنوع الحيوي.

الخطر إذن داهم ومحدق بما يفترض معه اتخاذ الدول العربية لاسيما المهددة الأكثر من غيرها إجراءات حثيثة وجادة من أجل التعامل مع هذه المخاطر والاستعداد لها، لا بالبدء في بناء السدود والحواجز البحرية، ولا بهجر المناطق الساحلية وتهجير ساكنيها منها حماية من مخاطر الغرق، كما أفتى بذلك بعضهم، وهو ما لا نقر بصحته أو نعتبره ذا جدوى أو ينطوي على واقعية في التعامل مع المخاطر المتحملة. إنما بأخذ السبل الواقعية الأخرى والتي تحتملها هذه المرحلة، مثل سن القوانين اللازمة من أجل الحد من الانباعاثات، والتوسع في استخدام التقنيات النظيفة وتدوير النفايات، وتشجيع جهود البحث العلمي في هذا الاتجاه، وترشيد سلوك الأفراد والجماعات بما يقلل من الضغوط الواقعة على الأنظمة البيئية وحدة التلوث الناتجة.

هذا هو السبيل الأمثل المفروض اتباعه في التعامل مع هذه المشكلة، وهذا هو المتبع في الدول المتقدمة التي تنطوي إدارة الأمور فيها، على فكر ثاقب ومنظومة عمل قوية وتشريعات نافذة ووعي كامل بحجم المشكلة وتداعياتها المستقبلية.

لكن إذا نظرنا إلى واقع غالبية الدول العربية وسبل تعاملها مع تهديدات التغير المناخي، فسوف نجد أنها تأخذ بمبدأ القول دون العمل، وأن عددا كبيرا من هذه الدول لم يبذل أي جهد حقيقي من أجل إصحاح شئون البيئة والقضاء على مشاكل التلوث وغيرها من المشاكل البيئية المتفاقمة فيها. وليس أدل على هذا من استمرار ظاهرة السحابة السوداء وفشل الجهات المعنية في بلد الكنانة في التعامل مع هذه المشكلة أو حتى الحد منها طوال السنوات السبع الماضية.

نفس الأمر ينطبق على استمرار ظاهرة ردم المناطق الساحلية وما بها من موائل وكائنات قاعية عالية الإنتاجية في دول الخليج، ومشكلة التلوث الناتجة عن معاصر الزيتون في لبنان، ومشكلة التخلص من النفايات والمخلفات الصلبة في الكويت وغير ذلك. وليس أدل عليه أيضا من خسارة الاقتصاد العربي لما يقدر بـ5% من الناتج القومي سنويًّا بسبب التدهور البيئي، ومن محدودية الميزانية المخصصة للمشاريع البيئية بما لا يتعدى 1%.

المشهد العربي والتناقض البيئي
فضلا عما سبق، هناك أكثر من نقطة تضاد واضحة بين مواقف الدول العربية المعلنة وبين ممارساتها البيئية والإجراءات الواقعية التي اتخذتها أو أقدمت عليها لمواجهة تأثيرات التغير المناخي وبقية المشكلات البيئية، مما يؤكد تردد العرب في التعامل مع قضايا البيئة المصيرية، ووجود حالة من الانفصام بين ما تعلنه وتنادي به، وبين ما تطبقه أو تعمل به، ومن ذلك:

إنه في حين صدر عن الدول العربية -ممثلة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية- منذ عامين تقريبا إعلان مبادئ هاما يوضح الموقف العربي حول قضية التغير المناخي، لم تترجم للآن هذه المبادئ إلى خطة عمل أو إجراءات حقيقية تنبئ بإيمان العرب بهذه المبادئ واهتمامهم بمواجهة المخاطر المستقبلية المحتمل وقوعها.

أنه في حين أقر إعلان المبادئ العربي السابق برأي اللجنة الدولية للتغير المناخي في أسباب التغير المناخي ومسئولية الأنشطة البشرية عن هذا التغير، ذهب عدد من المفاوضين العرب إلى القمة الحالية بكوبنهاجن، برؤية مخالفة، تقوم على التشكيك في مشكلة الاحتباس الحراري، والتنصل المسبق من الالتزامات المقرر فرضها على جميع الأطراف.

أنه في حين اتفق وزراء البيئة العرب غير ذات مرة على تبادل المعلومات والبيانات والخبرات بين الدول العربية وبعضها من أجل تعظيم جهود محاربة الاحتباس الحراري وتقييم مخاطر التغير المناخي، لم يتم للآن تفعيل ما تم الاتفاق عليه ولو على مستوى ثنائي.

أنه في حين يكثر حديث وزراء البيئة والبحث العلمي العرب عن ضرورة دراسة آثار التغير المناخي على السواحل العربية والموارد البشرية والطبيعية الأخرى المتاحة بها، لم نسمع عن أي مبادرة حقيقية أو جادة تدعم جهود البحث العلمي في هذا الاتجاه، أو عن تبني برامج علمية مشتركة لرصد وفهم ما يجرى في المنطقة من تغيرات وتداعيات.

أنه في حين تنادي أكثر من دولة عربية بتنويع مصادر الطاقة وضرورة إيجاد مصادر بديلة، حماية من تقلبات المستقبل واحتمال نضوب النفط قريبا، لم تسع أي منها، باستثناء بعض المحاولات الخجولة في الإمارات والسعودية ومصر، لتطوير أو استغلال المقومات الطبيعية المتاحة بكثافة فيها مثل الشمس والرياح والأمواج البحرية في تطوير مصادر وطنية بديلة ونظيفة للطاقة.

حلول واجبة
بطبيعة الحال لا تعد المتناقضات السابقة في صالح الدول العربية ولا في صالح المفاوضات العسيرة المنتظر أن تخوضها في قمة كوبنهاجن والقمم الأممية الأخرى اللاحقة لها، وبديهي أنه يتعين على العالم العربي أن يبرهن أولا على صدق قناعاته البيئية وقدرته على حل مشاكله البيئية المتفاقمة، قبل أن يقدم على مطالبة الدول الغنية بتعويضه مقدما عن آثار التغير المناخي المستقبلية، وعن قضية بيئية لازلت تحتمل الجدل ولازال يكتنفها بعض الشك لاسيما فيما يخص مسئولية الأنشطة الصناعية والبشر عن التسبب فيها.

من نافلة القول أيضا أن على جميع المعنيين في العالم العربي، سواء كانوا أفرادا أم وجماعات، جمعيات أهلية أم حكومات، العمل على تصحيح كل النقائص والنقائض السابقة، من أجل زيادة قدرتنا على مواجهة مشاكل البيئة المتداعية علينا ومن بينها مشكلة التغير المناخي، وهذا بدوره لن يتأتي إلا من خلال تضافر الجهود واتباع السلوك الرشيد وزيادة الحس البيئي، وتفعيل القوانين القائمة، فضلا عن دعم وتشجيع البحث العلمي في هذا الاتجاه، وإقرار سياسات وآليات محددة وقابلة للتنفيذ للتعامل مع قضايا البيئة المختلفة.

ولعل ظهور أكثر من مبادرة بيئية جيدة وممارسات أخرى إيجابية مؤخرا في أكثر من قطر عربي، ينير مشهد التناقض والانفصام العربي البيئي السابق ولو قليلا، كما يعطي بادرة مشجعة على إمكانية تحقيق تقدم في هذا الاتجاه. ومن تلك المبادرات المضيئة، البدء في إقامة مناطق مستدامة بيئيا ونظيفة، من أبرزها مدينتي "مصدر" الخالية من انبعاثات الكربون بدولة الإمارات، و"المدينة المنورة" التي تم إعلانها كأول مدينة إسلامية صديقة للبيئة، والإقبال على استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وبدء انتشار مفاهيم "الاقتصاد الأخضر" و"التنمية لمستدامة" في أكثر من بلد عربي.

بمثل هذا النهج القويم، يمكن إذن مواجهة تأثيرات التغير المناخي القادمة وحل جميع مشاكلنا البيئية وغير البيئية، كما يمكن أن نكون ذا ثقل وأطرافًا فاعلة في قمة كوبنهاجن وجميع المفاوضات الأممية المقبلة.. أما دون ذلك، فلا أمل في أن يُجاب لنا مطلب أو تقوم لنا قائمة.



--------------------------------------------------------------------------------

دكتور باحث بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد – الإسكندرية، مصر. ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة oloom@islamonline.net.

ليست هناك تعليقات: