الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما
بعد:
فقد امتن الله على عباده بتعليمهم البيان، فقال - تعالى -: {الرَّحْمَنُ 1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ 2 خَلَقَ الإنسَانَ3 عَلَّمَهُ
الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 - 4].
وامتدح الله تعالى كتابه الكريم بالبيان والإفصاح، وبحسن التفصيل
والإيضاح، فقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ
شَيْءٍ} [النحل: 89].
وموسى عليه السلام طلب من ربه أن يفك الحُبْسة التي كانت في بيانه،
فقال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي 27 يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27 - 28].
وأنبأنا الله تعالى أن فرعون شغّب على موسى: فقال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ
يُبِينُ } [الزخرف: 52].
فالبيان ميَّز الله به الآدمي عن غيره، وهو من أجلِّ النعم وأكبرها
عليه، فبه يبين الإنسان عمَّا في ضميره، وبه يعبر عن حاجته، ويفصح عن حجته، ويبلّغ
للناس مراده.
وكلما كان الكلام أتم بياناً كانت العقول عنه أفهم، والأعناق إليه أميل،
والنفوس إليه أسرع، ولهذا بعث الله تعالى لكل أمة رسولاً من بني جنسها ينطق
بلسانها: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ
لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
وقد أمر الله تعالى بتفادي ما يحصل به اللِّبس في المعنى، أو خلط الحسن
بالقبيح في ذهن السامع، فذلك خلاف البيان المقصود، قال تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْـحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْـحَقَّ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٤].
وأيّة كلمة تتسبب في خفاء المعنى المقصود، أو توهم غير المراد، فلا بدَّ
من حذفها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا
انظُرْنَا} [البقرة: 104].
وقال ابن كثير: (نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في
مقالهم وفعالهم، وذلك أنَّ اليهود كانوا يغيرون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه
من التنقيص، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا. يقولون: راعنا. يودون بالرعونة كما
قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: 46]، وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم أنهم كانوا إذا سلَّموا إنما
يقولون: السام عليكم، والسام: هو الموت، ولهذا أُمرنا أن نردَّ عليهم
بعليكم)[1].
وكذلك ينهى الشارع عن كل كلمة تفهم مدح ماذمه الله تعالى، فقد نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب: كرماً، وقال: «الكَرْم قلب المؤمن»[2].
فقد قيل: (إن النهي عن تسمية العنب بهذا مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف
بالكرم والخير والمنافع لأصل هذا الشراب الخبيث المحرم، وذلك ذريعة إلى مدح ما حرم
الله وتهييج النفوس إليه)[3].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العِشاء بالعتمة[4]، محافظة منه على الأسماء التي سمَّى الله بها، فلا تُهجر، ويُؤثر عليها
غيرها[5].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير في خطابه، ويختار أحسن الألفاظ
وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والفحش، وكان يكره أن يُستعمل اللفظ الشريف المصون في
حق من ليس كذلك، وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله. فقد منع أن
يُقال للمنافق: ياسيد، ونهى الملموك أن يقول لسيده: ربي، ونهى السيد أن يقول
للمملوك: عبدي.
وفي هذه الورقات عرض لقضية فكرية وهي التعامل مع الاصطلاحات عرضاً
وتقعيداً شرعياً، أسأل الله تعالى فيه التوفيق والسداد.
أولاً: تعريف المصطلحات وأنواعها:
وهذه الاصطلاحات منها ما استعمله الشرع - وهي المصطلحات الشرعيّة - أو
الأسماء الشرعية الدالة على معان شرعية، سواء أكانت هذه المعاني مما استعمل في
اللغة العربية بنفس المعنى كالجزية والخراج، أم استعملها في معنى جديد كالصلاة
والحج والطهارة والزكاة والأذان ونحوها فإنها مستعملة عند العرب سابقاً لكن ليس
بنفس الدلالة والمعنى الذي جاء به الشرع.
فالنوع الأول من المصطلحات هو: المصطلح الشرعي.
وأما الثاني: فهو المصطلح الحادث، أي الاسم المستعمل في معنى اتفاقي
وليس مستفاداً من القرآن والسنة.
والمصطلح الحادث قد يكون مستورداً من خارج الأمة الإسلامية، آتياً من
حضارة خارجية، وقد يكون ناشئاً في الحضارة الإسلامية نفسها.
وقد يستعمل أهل العلم في التعريف ببعض المصطلحات الحادثة كلمة المصطلح
الشرعي، ويريدون به أنه من كلام الفقهاء مثلاً وهو وإن لم يكن متلقّىً من الشرع إلا
أنه اصطلاح حملة الشرع[10].
ثانياً: خصائص المصطلحات:
المصطلحات ضرورة علمية، ووسيلة مهمة من وسائل التعليم ونقل المعلومات،
وبها يبدأ التعليم، وينتشر العلم، وتلتقي أفكار العلماء، وينتفع الخلف بمجهود
السلف، لكونها تجمع الفكر على دلالة محددة واضحة[11].
فالمصطلح له أهميته العلمية وأبرز خصائصه أنه وضع للتعريف وبيان
المفهوم، ولذا قيل المصطلح: لغة التفاهم بين العلماء.
والخصيصة الثانية للمصطلحات أنها مرتبطة بالبيئة التي نشأ فيها المصطلح
دلالةً، واتساعاً، فكل صياغة لمصطلح له مقصد، وهذا المقصد هو الذي يعطي الدلالة
الحقيقية للمفهوم، فالمفهوم لا يكتسب معنى ذاتياً، بل بحسب ما يقصد إليه، ولذا شاع
بين أهل العلم قولهم: لا مشاحّة في الاصطلاح، بمعنى أنه لا ضير أن يختص كل علم
بمصطلحه الذي قد يوافقه أو يخالفه مصطلح آخر في علم آخر، وهو طبعاً ما لم يتضمن
المصطلح معنىً سيئاً أو اقتضى مفسدة، قال ابن القيم: (والاصطلاحات لا مشاحة فيها
إذا لم تتضمن مفسدة)[12].
فالمصطلح إذاً قد لا تثبت دلالته على وتيرة واحدة.
وتأسيساً على ماسبق نجد أن المصطلحات الشرعية تمتاز بما
يلي:
1 - الربانية:
المصطلحات (والأسماء) الشرعية: وحي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه
وسلم، والتشريع حق الله تعالى، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته، وليس لأحد أن يبدل
هذه الأسماء ولا أن يغير معانيها، بل يجعلها بمراداتها الشرعية حاكمة على التصورات،
ضابطة للعلوم[14]، يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن هذه المصطلحات: (فالنبي صلى الله
عليه وسلم قد بيَّن المراد بهذه الألفاظ بياناً لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك
بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك، فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء
إلى بيان الله ورسوله فإنه كاف شاف، بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة
للخاصّة والعامّة، بل كل من تأمّل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم
بالاضطرار أنه مخالف للرسول)[15].
ولكونها ربانية المصدر فإنها لا تتبدل ولا تتغير في لفظها ولا في
دلالتها، فتمتاز بالثبات المطلق الذي يجعل أي تدخل في تبديل لفظها أو معناها
تحريفاً للكلم عن مواضعه قال ابن تيمية - رحمه الله -: (فما أطلقه الله من الأسماء،
وعلق به الأحكام من الأمر والنهي والتحليل والتحريم لم يكن لأحدٍ أن يقيده إلا
بدلالة من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)[16].
وكذلك فإنها لربانيتها فإن التزامها يتضمن مصالح البشر، وحسن توجههم إذ
التشريع الرباني قد تضمن مصالح العباد في العاجل والآجل.
2 - البيان والوضوح والانضباط:
وهذا من خصائص التشريع الإسلامي المستفاد من كتاب الله تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
فإن دلالة ومفهوم المصطلح الشرعي واضح بيِّن منضبط لا يختلف باختلاف
البيئات والثقافات، فهو لفظ الوحي الذي لا يأتيه الباطل، ولذا يتفق المتمسكون
بدلالتها ولا يختلفون باختلاف العصور والبيئات.
يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن أهل الأهواء: (ولو اعتصموا بالكتاب
والسنة لا تفقوا، كما اتفق أهل السنة والحديث، فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا
في شيء من أصول دينهم)[17].
وهذا الانضباط لمعاني المصطلحات والوضوح فيها لا يمنع من تنوع تطبيقاتها
ووقوع التفاوت فيها، فإن ذلك ليس عائداً لمفهوم المصطلح، بل لأمر خارج
عنه.
وكما امتازت المصطلحات الشرعية بهذه المزايا فقد تميزت المصطلحات
الحادثة أيضاً بما يلي:
1 - ارتباط مفهومها بالمقصد الذي يراد منها، أو بالبيئة التي نشأ فيها،
أو بالتطور العلمي، فالمصطلح كثيراً ما يعتريه الاستبدال والسعة والضيق، فلا تثبت
دلالته على وتيرة واحدة.
(لكلِّ مفهوم صياغة نظرية لها مقصد، وهذا المقصد هو الذي يعطي الدلالة
الحقيقية للمفهوم، فالمفهوم إذاً لا يكتسب معنى لذاته؛ بل بحسب ما يقصد
إليه)[18].
ولذا ينشأ عنه الثاني مما تتميز به المصطلحات الحادثة وهو:
2 - عدم وضوح المعنى وانضباطه لعدم إدراك مدلولاته حق المعرفة، لكونها
تسمية مبنية على أصول مرجعية، وحضارية وبيئية معينة لابدَّ من إدراكها لمعرفة
المعنى المقصود.
(فالمصطلحات قد تكون مستقرة في سياقها الحضاري، وتفي بالغرض الذي وضعت
من أجله لدرجة مقعولة، ولكنها تصبح لا معنىً لها تقريباً، بل تصبح أداة تضليل،
حينما تنقل إلى سياق آخر)[19].
3 - إنها لا تلتزم قاعدة اللغة العربية، فقد تكون وافدةً، أُسئ تعريبها،
أو نُحِتت على خلاف قاعدة اللسان العربي[20].
ومعلوم أن اللجوء للعربية وإحياءها، وإخراجها إلى سوق التداول العلمي:
من أقوى عوامل اتصال حاضر الأمة بماضيها، وثباتها على دينها[21].
(ولا يمكن الاهتمام بفنٍّ من الفنون، ولا بعلم من العلوم، دون العناية
بترسانة مصطلحاته، وخزان معاني ودلالات تلك المصطلحات، ومراقبة مفعولها في الأذهان،
ومتابعة سريانها داخل منظومة ونسق المفردات، والمصطلحات التي يتم تداولها داخل
المجتمع المعني بالأمر من خلال لغة الخطاب والتخاطب... وقد أصيبت أمتنا.. بتخليها
بشكل واضح وملموس عن العناية باللغة العربية، وعدم بذل الجهد لإحلالها المكانة
اللائقة بها داخل المجتمع.. مما يقطع التواصل مع تراث الأمة وكنزها التاريخي، بل
ويقطع الطريق بينها وبين قواعدها المعرفية والحضارية)[22].
4 - ومما يرتبط بما سبق أن هذه المصطلحات قد يفسر بها النص الشرعي أو
المصطلح الشرعي على المعنى الحادث فتختلط المفاهيم، وذلك أن المصطلح إذا خوطب به
العوام أخذ عدة معان طبقاً لمستوى المخاطب فيفسر كل واحد منهم هذا المصطلح تفسيراً
عشوائياً، وكيف إذا كان هذا المصطلح أصلاً بحاجة للتنقيح؟!
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: (ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله
ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث فيريد أن يفسّر كلام الله بذلك الاصطلاح
ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)[23].
5 - المصطلحات الحادثة قد يؤدي استعمالها لإبطال المقاصد والمرادات
الشرعية.
فالمصطلح قد يموه على الناس ويلبّس عليهم، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:
(إن من البيان لسحراً)[24]، تشبيه بليغ؛ إذ البيان يعمل عمل السحر فيجعل الحق في قالب الباطل،
والباطل في قالب الحق، فيستميل قلوب الجهال حتى يقبل الباطل وينكر الحق[25].
أي أن وصف المعطلة من أهل البدع لمن يثبت صفات الله تعالى بأنهم مشبهة
أو مجسمة، لا يمنعنا عن أن نثبت لله ما أثبته لنفسه.
وقد درس بعض الكتاب مفهوم التسامح، وقرر أن القوى الأوروبية في القرن
التاسع عشر الميلادي سعت باسم التسامح وحق الاختلاف في الاعتقاد إلى تفكيك الدولة
العثمانية، وأن تنزع منها الحماية على الأقليات غير المسلمة، وأنه لهذا السبب وقف
جمال الدين الأفغاني ضد مفهوم التسامح لمعرفته بدلالته وما يقصد منه[27].
والمقصود أن المصطلح الحادث لابدَّ من تمييزه وضبطه شكلاً ومضموناً، مع
الحذر عند استعماله لما قد يؤدي إليه من تعطيل لمقصد شرعي.
ثالثاً: قاعدة التعامل مع المصطلحات:
الواجب نحو المصطلحات يمكننا أن نجمله في ثلاثة محاور:
1 - المحافظة على المصطلحات الشرعية لفظاً ومعنى، قلباً
وقالباً.
فيستمل المصطلح الشرعي للدلالة على مراده، ولا يسمى بغير اسمه، سواء
أكان المراد حسناً أم قبيحاً، وقد تقدم في بداية هذا المقال شواهد من الشرع على ذلك
قال ابن القيم في تعليقه على النهي عن تسمية العِشاء بالعتمة: (وهذا محافظة منه صلى
الله عليه وسلم على الأسماء التي سمَّى الله بها العبادات فلا تُهجر، ويُؤثر عليها
غيرها، كما فعل المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص، وإيثار المصطلحات الحادثة عليها،
ونشأ بسبب ذلك من الجهل والفساد ما الله به عليم)[28].
وقال أيضاً: (كان الصحابة والتابعون يتحرون ألفاظ النصوص غاية التحري،
حتى خلف من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص، واشتقوا لهم ألفاظاً، ومعلوم أن تلك
الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص... فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من
الخطأ)[29].
وفي المقابل فإن إطلاق اسم غير الاسم الشرعي على الشيء لا يغـيِّر حكمه،
إذ المصطلح كما يُحَافظ على لفظه يحافظ على معناه، وفي هذا الخصوص يقول ابن القيم:
(معلوم أن تحريم الخمر للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة، فإن إيقاع العداوة
والبغضاء والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة لا تزول بتبديل الأسماء والصور عن ذلك،
وهل هذا إلا من سوء الفهم وعدم الفقه عن الله ورسوله... ولو أوجب تبديل الأسماء
والصور لتبدلت الأحكام والحقائق، ولفسدت الديانات، وبدلت الشرائع، واضمحل الإسلام،
وأي شيء نفع تسمية الأشياء بغير اسمها؛ بل هؤلاء حقيق أن يتلى عليهم: {إنْ هِيَ إلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا
أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم: ٣٢][30].
2 - تعريب المصطلح غير العربي، ولزوم إحسان الصناعة العربية
فيه.
فلابدَّ من (تنزيل المواضعات على مقاييس اللغة العربية وقواعدها لتحقيق
سلامة المفردات، وصحة الدلالة، واستقامة تأليف المركبات منها على وجه مقبول في لسان
العرب ومنهجها)[31].
وهذا لابدَّ منه إذ اللغة مرآة تنعكس فيها أحوال الثقافة والحضارة،
واللسان يزدهر أو يضمحل بحسب تجدد اللغات الاصطلاحية وتعدد الرموز العلمية[32].
ومن المعلوم ما ترجم كيفما اتفق لا كيفما يجب أن يكون، بينما المتعين أن
(ننظر إلى الظاهرة ذاتها، وندرس المصطلح في سياقه الأصلي، ونعرف مدلولاته حق
المعرفة، ثم نحاول توليد مصطلح من داخل المعجم يطابق المراد، فتكون تسمية توافق
وجهة نظرنا ونتجاوز بذلك تسميات الآخر وأوهامه، وهذا ليس انغلاقاً على الذات، بل هو
انفتاح حقيقي بديل للخضوع التام.
وإحسان الصناعة المصطلحية يدخل فيها عدم استعمال لفظ أو تركيب نهى عنه
الشرع أو أفهم معنى يخالف الشرع أو مقاصده.
ومن إحسان الصنعة المصطلحية أن ما كان توقيفياً فلا يجوز أن يدخل فيه أي
تعديل، فإن التغيير فيه إحداث في الدين، ومخالفة لمقصد التوقيف.
ومنها: انطباق الاسم على المسمى فقد قال تعالى: {وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152].
والمراد أن إحسان توظيف اللغة مطلوب متأكد (فنحن مأمورون أمر إيجاب أو
أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسنة المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة
فهم الكتاب والسنة... وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات،
وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة... بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية
أخُرج منه، مع أنه يجوز النطق بها لأصحابها)[34].
3 - المصطلح الحادث لا يستعمل ولا يطلق فيما فيه إطلاق أو تسمية شرعية،
ومدلولات المصطلحات الحادثة لا يسلّم بها حتى يتحقق من مرادها فيقبل الصحيح ويُردُّ
الفاسد.
فقد سبق أن المصطلحات الشرعية لا تستبدل، والحادثة لما قد يشوبها من عدم
تنقية المعنى فلا بدَّ من وضعها تحت مجهر الشريعة ليكشف أي دخيل على
الشريعة.
يقوم ابن تيمية - رحمه الله -: (من تكلم بلفظ يحتمل عدة معان، لم يُقبل
قوله، ولم يُرد، حتى نستفسره ونستفصله حتى يتبيّن المعنى المراد. ويبقى الكلام في
المعاني العقلية، لا في المنازعات اللفظية..)[35].
فسبيل أهل السنة: التعبير عن الحق: بألفاظ شرعية: إلهية أو نبوية كلما
أمكن ذلك وعدم العدول لغيرها ولذا كرّه السلف التكلم بالجوهر والجسم والعرض ونحوها
ليس لكونها اصطلاحاً حادثاً فقط، بل لاشتمالها على أمور كاذبة مخالفة للحق، ولذا
كان الواجب في هذه الألفاظ ألَّا يطلق معناها حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان
معنى صحيحاً قُبل؛ لكن قيل له ينبغي التعبير عن الحق بلفظ شرعي دون اللفظ المجمل،
وعند الحاجة يستعمل مع قرائن تبين المراد وتوضح الحاجة له[36].
والحاصل أن المصطلحات الحادثة (يجب أن توقفها الجمارك عند الاستقبال في
حدود الأمة الحضارية للسؤال والتثبت من حسن النية ودرجة النفع والملائمة للهوية
فالمصطلح الوافد في العلوم الإنسانية ظنين حتى تثبت براءته، والمصطلح التراثي في
هذا الشأن له الأسبقية والأولوية على غيره متى وجد)[37].
والله الموفق والهادي للصواب لا إله إلا هو.
[18]الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، على أو مليل 82 بواسطة الاصطلاحية الغربية في
الفكر الإسلامي المعاصر سعيد شبار ص 703 ضمن ندوة الدراسات المصطلحية.
[37] نظرات في المنهج والمصطلح، الشاهد البوشيخي ص 54.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق