المبحث الثاني:
الوسطية في فكر الإمام ابن تيمية:
من خلال تتبعنا لمؤلفات وأقوال ابن تيمية رحمه الله نجد أن منهجه وسطي ويؤكد على إن الإسلام دين الوسطية والاعتدال فيقول... إن الله أكمل للأمة محمد صلى الله عليه وسلم الدين وأتم عليهم النعمة وجعلهم خير امة أخرجت للناس من بين سبعين امة وجعلهم امة وسطا عدلا خيارا وشهداء على الناس وهم بذلك وسط بين الأطراف المتجاذبة ويضرب مثال لذلك من أحوال اليهود والنصارى ما يبرهن على وسطية الإسلام ، فأما اليهود والنصارى متضادين هذا في طرف ضلال وذلك في طرف يعاكسه والمسلمون هم الوسط في التوحيد والأنبياء والشرائع والحلال والحرام والأخلاق وغير ذلك . وأكد كذلك على أن هذه الأمة هي امة الجماعة فلا يوجد طائفة أعظم اتفاقا على الهدى والرشد من أصحاب رسول الله امة كما لم يكن في الامم أعظم اجتماعا على الهدى وابعد عن التفرق والاختلاف من امة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أكمل اعتصاما بحبل الله الذي هو كتابه المنزل وما جاء به نبيه المرسل عكس أهل الكتاب الذين تفرقوا وبدلوا ما جاء به الرسل واظهروا الباطل وعادوا الحق وأهله وإذا قيس ما في هذه الأمة من نقص مقارنة بالأمم السالفة كان قليلا من كثير غير إن السفهاء ينظرون إلى السواد القليل في الثوب الأبيض ولا ينظرون إلى الثوب الأسود الذي فيه بياض وهذا من جهلهم وظلمهم وبين ان الإسلام معتدل بين شدة اليهود ولين النصارى فقال إن شريعة التوراة يغلب عليها الشدة وشريعة الإنجيل يغلب عليها اللين ، وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وذاك قال تعالى. ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾( ) .
- وقال فبعث الله محمد صلى الله عليه وسلم بالشريعة الكاملة العادلة وجعل أمته عدلا خيارا لا ينحرفون إلى هذا الطرف أو ذلك الطرف بل يشتدون على أعداء الله ويلينون لأولياء الله . ويستعملون العفو والصفح فيما كان لنفوسهم والانتصار والعقوبة فيما كان حقا لله وهكذا كان في شريعته صلى الله عليه وسلم الين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل ومنها الشدة والجهاد وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة ولذا قال البعض بعث موسى بالجلال وبعث عيسى بالجمال وبعث محمد بالكمال( ) .
ويوضح ابن تيمية رحمه الله إن الشرائع ثلاث شريعة عدل فقط وشريعة فضل فقط وشريعة تجمع العدل والفضل والأخيرة هي شريعة القرآن( ) .
وعد ابن تيمية فرقة أهل السنة كالأعلام بين سائر الملل الأخرى فأهل السنة وسط في النحل كما إن ملة الإسلام وسط بين الملل فهم وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل وأهل التمثيل وسط في القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به وسط في مسألة الصحابة بين الغلاة والجفاة فلا يغلون في علي غلو الرافضة ولا يكفرونه تكفير الخوارج ولا يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان كما تكفرهم الروافض ولا يكفرون عثمان وعليا كما يكفرهم الخوارج فهم اقرب إلى كل طائفة من كل طائفة إلى ضدها. وكذلك أهل السنة معتدلون في الحكم على الناس .
أهل السنة يرون أن الشخص الواحد تجتمع فيه حسنات وسيئات فيثاب ويحمد على حسناته ويعاقب ويذم على سيئاته وأهل السنة لا يكفرون أهل القبلة لمجرد الذنوب بل يرون امرهم الى الله( ) .
وفي واقعنا المعاصر الذي نعيشه اليوم تفرق المسلمون إلى فرق وطوائف وكل منها تفرق إلى أخرى تتمحور أغلبها ..
في ثلاث محاور محور الإلوهية – والإيمان والتكفير – وقضية العصمة والولاية وتعيش البلاد الاسلامية اليوم في هذه الثلاثية العمياء أسوء مراحلها فمن طائفية مقيتة الى هجمة تكفيرية شرسة هجمت على الامة فأحرقت الأخضر واليابس وهددت بشكل خطير الهوية الإسلامية الصحيحة . أزهقت بسببها الأرواح البريئة وأتلفت فيها مقدرات الأمة فخسرت الأمة رجالها ودمرت اقتصادها .
وفي احتدام (فوضى الفكر) لابد من تغليب لغة الحوار الهادف وإشاعة أدب الخلاف وإعلاء قيم الوسطية لمواجهة تيارين باتا منتشرين ألان هو تيار التشدد الذي يستخدم لغة تكفيرية مقيتة والآخر هو التيار المنفلت باسم حرية الفكر. والاتفاق حول الثوابت والرجوع إلى المصدرين القرآن والسنة اللذان اتفاقا واتحادا عليهما الصحابة الكرام شريطة ان لا يتصدى للفتوى سوى العلماء وقبول الخلاف حول الأمور الفقهية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق