الاثنين، 5 يوليو 2010

الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية

الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية
طبيعتها ــ أهميتها ــ مصادرها
ملخص البحث
تشكل الألفاظ العربية المشتركة المعاني مع ما صدر لها من شروح ودار حولها من مناقشات جزءاً مهماً من تراثنا اللغوي والأدبي . غير أن موقف الباحثين واللغويين العرب حيال هذه الألفاظ وحديثهم عن طبيعتها وعن أهميتها ودورها في مجال التعبير كان وما يزال خلافياً غير مستقر ، كما أن الكتب المحتوية على هذه الألفاظ تنقصها المنهجية ويعوزها التنظيم . وهذا ما جعل من هذه الألفاظ قضية لغوية جديرة بالدراسة ، لاسيما وأن الظروف اللغوية الراهنة تقضي بالبحث عن ما يثري اللغة ويبعث على التمكن منها . وهذا البحث يعالج هذه القضية من زوايا مختلفة : لغوية وأدبية وبلاغية ، معالجة تعتمد الفحص والتحليل والطرح الموضوعي ومناقشة الآراء وفق منهج نقدي جديد يهدف بالدرجة الأولى إلى إيجاد حلول جذرية للخلاف الدائر حول الألفاظ المشتركة المعاني في اللغة العربية ، كما يسعى إلى توضيح طبيعة نشوئها وإثبات أهميتها ومدى فاعليتها في مجالات التعبير في حياتنا الحاضرة.
ثم إلى دراسة أهم الكتب التي تضمها ، بنحو يمهد لوضع معجم عصري موحد شامل متطور لها .
هذا كله بالإضافة إلى ما يثيره هذا البحث من أسئلة وموضوعات تتعلق بجوانب جديرة بالدراسات المستقبلية ، من مثل ارتباط المشترك اللفظي بالشعر بنوعيه القديم والحديث ، وارتباطه ببعض الأساليب البلاغية كالمجاز والتورية والاستعارة والجناس . وأخيراً ما يمكن أن تكون له من صلة بمستقبل المصطلح العلمي .
تقـديم :
بالإضافة إلى الاختلاف القائم حول حقيقة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية ، هناك تباين في الآراء حول أهميته ، أو مدى إيجابية وجوده ، أو كثرته في اللغة : فمن مدع أن المشترك اللفظي يشكل دليلاً على ضعف اللغة ، وعدم قدرتها أو قدرة رصيدها على التعبير عن معاني الحياة وأغراضها المختلفة ، لذلك يجب تنزيه اللغة عنه . ومن مدع أن المشترك اللفظي يشكل عاملاً مهـماً من عوامل الغموض في النصوص، ولاسيما النصوص الشعرية ، وإذاً فلا يعد وجوده أو تزايده في العربية صفة إيجابية محمودة ؛ لأنه يسلبهـا جانباً من وضوحها وجلائها المفترض .
وهذا مذهب تؤيده بعض النزعات التقليدية التي تشترط وضوح العبارة على عمومها ، وترى أن أحسن الكلام ما كشف القناع عن معناه ، وأفهم سامعه مضمونه دون جهد أو عناء . بينما ترفضه الاتجاهات التي تعد الغموض سمة إيجابية في النص الأدبي ، لاسيما إذا كان شعراً ، وتعتبر كثرة المشترك اللفظي دليلاً على ثراء اللغة ، وطواعيتها ومرونتها ، وشاعريتها ، واتساعها في التعبير ، وليس فقرها وضعفها كما يزعم الآخرون .
من جانب آخر فقد كان للمشترك اللفظي عند أهل البديع مقام كبير ؛ لأن عدداً من فنون البديع كالجناس والتورية والترصيع وغيره من فنون البلاغة الأخرى قائم عليه ، مستمد وجودها من وجوده .
وهذا من جملة ما جعل المشترك اللفظي موضع اهتمام الفقهاء والأصوليين والمفسرين والباحثين في بلاغة القرآن وإعجازه من علماء العرب ونقادهم القدامى .
الإشكالات والآراء المختلفة أو المتضاربة التي سبقت الإشارة إليها جعلت من المشترك اللفظي قضية تستوجب الاهتمام، وتحفز على البحث، من أجل الوصول إلى معادلة صريحة ، أو قرار حاسم حول طبيعة المشترك اللفظي وحقيقته، وحول ما يمكن أن يكون له من دور في إثراء الرصيد اللغوي وتنمية القدرة على التعبير، وفي واقع الحياة اللغوية عامة ، والتحقيق في ما يرتبط بظاهرة الاشتراك اللفظي من شبهات أو ملابسات، هذا بالإضافة إلى التنبيه إلى أهم وأبرز مصادر المشترك اللفظي نفسه ، وإلى ما يمكن أن يجعل هذه المصادر أكثر فاعلية .
وهذه الدراسة تبحث هذه الجوانب في إطار نقدي مختصر جديد ، تسعى إلى أن تكون فيه بعيدة عن تلك الاستطرادات والسرديات والطروحات المتكررة التي حفلت بها معظم الدراسات أو الكتابات السابقة ذات الصلة بالقضية ، كما تطمح إلى أن تكون حافزة وممهدة لدراسات مستقبلية أكثر عمقاً وشمولية واتساعاً .
طبيعة الاشتراك اللفظي
يفرق بعض علماء اللغة المعاصرين من حيث المفهوم([1]) بين الاشتراك اللفظي ، أو ما يسمونه بـ 'homonymy ' وبين ' تعدد المعنى للفظ الواحد ' أو ما يطلقون عليه ' polysemy' ، وينظرون إليهما على أنهما موضوعان مستقلان ، يتناول أولهما - كما يستفاد من كتاباتهم أو طروحاتهم - تلك الألفاظ التي تتطور في شكلها وبنيتها الخارجية تطوراً متوازياً ممتداً حتى تتقابل وتتقارب وربما تتفق اتفاقاً تاماً وبطريق المصادفة في أصواتها وصورة نطقها ، رغم اختلاف معانيها وصورة كتابتها ، كما في الكلمتين الإنكليزيتين: see التي تعني بالعربية (يرى) و seaالتي تعني (البحر) ، وكذلك الكلمتين flour التي تعني (الدقيق أو لب القمح) وكلمة flower التي تعني (الزهرة) ، بينما يتناول الموضوع الثاني تلك الكلمات التي تنشأ عن تطور مدلولات الكلمة الواحدة منها إلى أن تتباعد (( بعضها عن بعض في خطوط متفرقة))([2])
وبهذا فإن مصطلح ' المشترك اللفظي ' وفق هذا المفهوم يعني التكرار مع التغير، ولكنه يتضمن وجود أكثر من كلمة بصيغة واحدة .
بينما يتضمن المصطلح الآخر وجود كلمة واحدة بنفس الصيغة والشكل لأكثر من معنى واحد ، أو بمعنى آخر أن الاشتراك اللفظي يعني وجود كلمات منحدرة من أصول مختلفة وذات مدلولات مختلفة أيضاً ولكنها متقاربة أو متطابقة من حيث الصيغة أو النطق . بينما يعني ' تعدد المعنى' وجود كلمة واحدة منحدرة من أصل واحد لها أكثر من مدلول .
رغم ما يوجد من تفريق دقيق بين مفهومي المصطلحين السابقين ، فإن هناك بعض التداخل الملحوظ بينهما، وهذا التداخل ناشئ عن اعتبار بعض الكلمات ' متعددة المعنى ' عند بعض من أشرنا إليهم من العلماء من ضمن ' المشترك اللفظي ' لمجرد تطابق هذه الكلمات في النطق أو الصياغة ، وعدم إدراك أو ملاحظة العلاقات بينها من قبل المتكلم العادي .
يعتبر (ستيفان أولمان) على سبيل المثال كلمة see التي تعني في العربية (يرى) غير كلمة see في عبارة مثــل « the bishop's see » التي تعني (عرش الأسقف) ، وكلمة page التي تعني (صفحة في كتاب) منفصلة عن كلــمة page نفسها في عبارة page boy التي تعني (الساعي أو البواب) ، وكلمة flower التي تعني (زهرة) مستقلة عن الكلمة نفسها في عبارة مثل « the flower of the country's manhood » ، أي ( صفوة رجال الأمة) . وعلى هذا الأساس فإن هذه الكلمات تعتبر من ضمن «المشترك اللفظي» وليست من « متعدد المعنى »؛ لعدم وجود ما يشعر متكلم اللغة العادي بوجود علاقة بين كل زوج من هذه الكلمات ، وعدم وجود ما يدل دلالة قاطعة على انحدارهما من أصل واحد([3]).
وهذا تعليل موجب للارتباك والخلط ، كما هو واضح ، وقد أشار أولمان نفسه إلى تحفظ الاشتقاقيين والباحثين في الأصول التاريخية للكلمات على هذا الرأي ، ذلك ؛ لأن التعليل المذكور لا يسهل معه التفريق بين الاشتراك اللفظي ، وتعدد المعنى بنحو ثابت ، فكلمة (الخال) العربية على نحو المثال تعني كما ورد في « المعجم الوسيط » : (أخو الأم) وتعنــى (لواء الجيش) كما تعنى (ما توسمت به خيراً ) وهي معان مختلفة كما نرى، قد لا يدرك المتكلم العادي في الأعم الأغلب أدنى علاقة بينها ، فهل يدعو ذلك لإخراج هذه الكلمة عن كونها كلمة « متعددة المعنى » واعتبارها ثلاث كلمات منحدرة من أصول مختلفة! ؟
لا يبدو من كلام اللغويين العرب الأوائل ولا المعاصرين - حسب ما انتهى إليه تحقيقي - أنهم يفرقون بين « الاشتراك اللفظي » و بين « تعدد المعنى » على النحو الذي سبق توضيحه ، فالمفهوم منهما عندهم كما يبدو واحد ، وهو عكس ما يفهم من الترادف تماماً .
فإذا كان الترادف يعني اتحاد المعنى وتعدد اللفظ ، أو (إطلاق كلمتين أو عدة كلمات على مدلول أو معنى واحد ) ، فإن الاشتراك اللفظي يعنى اتحاد اللفظ في الصيغة والنطق والكتابة والأصل في أغلب الأحيان أيضاً مع تعدد المدلول ، أو بتعبير آخر (إطلاق كلمة واحدة في اللغة على معنيين فأكثر على السواء )([4]) دون شرط ارتباطها بالسياق
الكلامي . كما تطلق في العربية مثلاً كلمة (الخال) على أخ الأم وعلى الشامة، وكلمة (النوى) على البعد وعلى جمع النواة ، وكلمة (العين) على العين الباصرة، وعلى نبع الماء ، وعلى رئيس أو وجيه القوم ، وعلى الجاسوس ، وعلى النقد والذهب ، وعلى الشيء نفسه ، وعلى معان أخرى غيرها ... ([5])
ومما يكثر استعماله في عصرنا من هذا النوع من الألفاظ على نحو المثال كلمة (الهاتف) التي نستخدمها للدلالة على الصوت الذي يسمع ولا يرى صاحبه ، أو على الصوت الباطني الخفي فنقول مثلاً : « هتف به هاتف » و « كأن هاتفاً هتف بي بين النوم واليقظة أن أعلن كلمة الحق » و « كلنا نهتف بعظمة الخالق سبحانه » . كما نطلق هذه الكلمة أيضاً على الذي يصيح بشخص مادحاً إياه فنقول : « هتف القوم بحياة الرئيس » . و نطلقها على آلة التلفون فنقول : « استعمل دليل الهاتف » و « أجهزة الهاتف المتنقل » ، وكذلك على (دائرة البرق والبريد والهاتف) نفسها ، فنقول : « فلان يعمل في الهاتف ، أو في دائرة الهاتف » ..
فهذه المعاني المختلفة كلها تشترك في لفظة (هاتف) ، بنفس الصيغة والنطق ونفس الحركات ، وهي وإن كانت تتحدد بالسياق في الغالب ، إلا أنها يمكن أن تتبادر إلى الأذهان في حالة الإفراد أيضاً ، أي بمجرد نطق الكلمة وعدم وجود السياق الذي ينص على مدلول واحد منها دون غيره ..
ولا يختلف مفهوم «الاشتراك اللفظي » عند البلاغيين العرب ، كما يبدو عما هو عليه عند علماء اللغة ، فهو ، أو « الاشتراك في اللفظ » - كما يطلق عليه أحياناً - يستخدم كمرادف لـ « تعدد المعنى » ، وإن كان هناك من يستخدم هذا المصطلح وكأنه أعم في مدلوله من تعدد المعنى للفظ الواحد .
فابن رشيق القيرواني (ت 456هـ) مثلاً يقسم الاشتراك في اللفظ في إطار حديثه عن التجنيس إلى ثلاثة أنواع ([6]) :
النوع الأول : وقد أدرجه ضمن أنواع التجنيس أو المماثلة .
وهو « أن تكون فيه اللفظة واحدة باختلاف المعنى » ، مثل قول زياد الأعجم يرثي المغيرة بن المهلب :
شعواءَ مشعلة كنبح النابح فانعَ المُغيرَة للمُغيرَة إذ بَدَتْ
فالمغيرة الأولى : رجل ، والمغيرة الثانية : الفرس ، وهو ثانية الخيل التي تُغير .
فهنا اللفظة استخدمت بمعنيين ، فهي مشترك لفظي صريح وفق المفهوم المتعارف عليه آنذاك .

النوع الثاني : وهو أن يحتمل اللفظ معنيين ، أحدهما يلائم السياق الذي يستخدم فيه اللفظ والآخر لا يلائمه ولا دليل عليه وذلك كقول الفرزدق :
أبو أمه حَيٌّ أبوه يُقاربه وما مثله في الناس إلا مملكاً
فقوله : (حَيٌّ) ، يحتمل القبيلة ، ويحتمل الواحد الحَيَّ . وهذا النوع ، كما هو واضح مشابه للنوع الأول ، ما عدا أن المعنى الآخر للفظ غير واضح ، أو لا وجود لقرينة لفظية أو سياقية تدل عليه في النص الذي استخدم فيه ، وهذا بالطبع لا يخرجه عن كونه مشتركاً في الأصل .
النوع الثالث : وهو أن يكون اللفظ مشتركاً من حيث أحقية استخدامه بين الناس ، لا أحد من الناس أولى به من الآخر . فالاشتراك عنده هنا يعني شركة الناس في استعماله وتداوله وليس هناك ما يتعلق بمعناه وتعدد هذا المعنى .
ألفاظ الأضداد
ومما يعد من المشترك اللفظي في اللغة العربية نوع آخر متميز يسمى (الأضداد) ، وتعني في اصطلاح اللغويين العرب الكلمات التي يدل كل منها على معنيين متباينين ، أو متعاكسين متناقضين ، مثل لفظة (جون) التي تدل على الأسود والأبيض ، و (المولى) التي تطلق على العبد والسيد ، و (السليم) التي تطلق على الصحيح وعلى الملدوغ و (البصير) التي تطلق على المبصر وعلى الأعمى ، و (الحميم) التي تطلق على الحار وعلى البارد ، و (الجلل) التي تطلق على الكبير والصغير ، و (الزوج) التي تطلق على الرجل وعلى المرأة ،
فيقال : (( الرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل ... )) ([7])
فهذه الكلمات وأمثالها تجري ، كما ينص السيوطي : (( مجرى الحروف التي تقع على المعاني المختلفة ))([8]) لما تنطوي عليه من تعدد أو اختلاف الدلالة .
وقد جمع محمد بن القاسم الأنباري في كتابه « الأضداد » - الذي سنعود للحديث عنه فيما بعد - ما يزيد على (300) ثلاثمائة ضد - كما يتبين من فهرس- « الألفاظ الأضداد » الملحق بالنسخة التي اعتمدناها في هذا البحث - معظمها تجاوز الدلالة على معنيين متعاكسين أو متناقضين إلى الدلالة على عدد من المعاني ذكرها المؤلف . والضد كما تحدث عنه بعض اللغويين العرب لا يعني النقيض أو العكس بصفة مطلقة ، فهناك أصناف عدت من الأضداد ، مع أنها لا تفيد معنى التناقض أو العكس ، وإنما يدل كل لفظ منها على معنيين متباينين يربط بينهما رابط معين من قريب أو بعيد ، كما يحصل لكثير من باقي الألفاظ المشتركة المعاني ، مثال ذلك : كلمة (الظعينة) التي تدل على الهودج وعلى المرأة في الهودج ، و كلمة (الكأس) التي تطلق على الإناء ذاته وعلى ما فيه من الشراب، وكلمة (الغريم) التي تدل على الدائن وعلى المدين وعلى الخصم أيضاَ ، وربما تندرج تحت ذلك كل الصيغ الصرفية المماثلة التي تستعمل للفاعل والمفعول مثل: سميع وعليم وقدير وكحيل وقتيل ودهين وجريح وطريد ...([9])
مدى توافر المشترك اللفظي في اللغة العربية
في اللغة العربية ، كما تظهر المصادر التي بين أيدينا مجموعات كبيرة من الألفاظ المتعددة المعاني ، ومجموعات أخرى من الأضداد لا يستهان بها خصصت لإحصائها مؤلفات عديدة سنذكر لاحقاً بعضاً منها . وقد تضمن كتاب « المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه » لمؤلفه المعروف بكراع النمل (ت 310 هـ) ، تضمن هذا الكتاب وحده (900) تسعمائة كلمة منها ..
أما الكتاب الذي جمع فيه أوغست هفنر أربعة كتب في الأضداد لكل من الأصمعي وأبي حاتم السجستاني ويعقوب بن اسحق بن السكيت والصغاني فقد احتوى - وفق تسلسل ترقيم الألفاظ الواردة فيه - على (706) سبعمائة وستة من الأضداد .. ([10])
وإذا كان لا يمكن القطع بصحة نسبة كل هذه الأعداد إلى الألفاظ المشتركة المعاني فإن هذه الأرقام تشير بلا شك إلى كثرتها . رغم ما دار حولها أو حول بعضها من نزاع أو وجد من خلاف .
هـنـاك في الحقيقة نزاع بين عدد من الباحثين حول مبلغ ورود المشترك اللفظي عامة في العربية ، بل إن منهم من ينكره ويعمل على تأويل بعض أمثلته ونسبة الاشتراك في الألفاظ إلى المجاز أو إلى عوامل أخرى تنفي وجوده أصلاً أو تشير إلى قلة وروده ([11]) . ونحن لا نجد مبرراً للخوض في النزاع الذي قام حوله ، بل لا نرى جدوى من الجدل أو كثرة النقاش حول شئ لا يمكن تجاهله فضلاً عن إنكاره .
إن ظاهرة تعدد الدلالات للمبنى اللفظي الواحد وإن بالغ البعض في القول بكثرتها وشيوعهـا في العربية وبالغ آخرون في إنكارها أو التقليل من شأنها ودار حولها النزاع كما أشرنا ، فإن الواقع الفعلي يشهد بوجودها كظاهرة لغوية بارزة مألوفة ، ليس في اللغة العربية وحدها ، وإنما في اللغات السامية على عمومها، والنصوص الموروثة ونشاطات هذه اللغات على اختلافها تجسدها([12]).
كما أن القوانين اللغوية تقرها وسنن الحياة البشرية تقتضيها وتسلم بوجودها في كل اللغات المتطورة . " إن قدرة الكلمة على التعبير عن مدلولات متعددة إنما هي خاصة من الخواص الأساسية للكلام الإنساني" .
وإن نظرة واحدة في أي معجم من معجمات اللغة لتعطينا فكرة عن كثرة ورود هذه الظاهرة ، بل إن شحنة المعاني التي تحملها بعض الكلمات تدعو إلى الدهشة ، لاسيما تلك الأفعال الكثيرة الشيوع والذيوع مثل : يعمل ويقوم ويضع ... الخ (([13])
أما بالنسبة لبروز ظاهرة الاشتراك اللفظي في اللغة العربية فقد صرح السيوطي بقوله : (( وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب - قال : لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النحاة ، والأفعال الماضية مشتركة بين الخبر والدعاء ، والمضارع كذلك ، وهو أيضاً مشترك بين الحال والاستـقـبـال والأسماء كثير فيها الاشتراك ؛ فإذا ضممناها إلى قسمي الحروف والأفعال كان الاشتراك أغلب )) ([14])
وفي موضع آخر ضمن حديثه عن المشترك اللفظي وعن الأضداد يقول أيضاً : (( وهذا الضرب كثير جداً ، ومنه ما يقع على شيئين متضادين كقولهم : جلل للكبير والصغير وللعظيم أيضاً والجون للأسود والأبيض ... وهو أيضا كثير )) ([15]).
إن كلمة (يعمل) في اللغة العربية مثلاً لها من المعاني المتعددة التي لا يمكن بأية حال من الأحوال رفضها أو تجاهلها ؛ لأنها في حيز الاستخدام الفعلي ، فنحن نقول فعلاً ، وعلى سبيل الحقيقة : « عمل خيراً » أي بمعنى فعل، و « عمل بالقانون » أي طبقه ، و « عمل على نشر الكتاب » أي سعى لنشره و « عمل في مصنع ، وعمل تاجراً » أي صنع أو مهن ، و «عمل بجد» أي اشتغل أو تصرف أو قام بالعمل .. ولا نجد هذا التعدد لمعاني هذه الكلمة في نصوص الشعر والنثر العادية فحسب ، وإنما نجده في آيات القرآن الكريم أيضاً .
لقد وردت الآيات التالية من قوله تعالى : ( وَأمّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ) . (وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِه ) . ( لمِثِلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ ) . ( أَمَّا السَّفِيَنة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيْ البَحْرِ ) . ( لاَ يَسْبقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) . ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيْبَ وَتَمَاثِيْلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ ))[16])
وفي كل آية من هذه الآيات معنى خاص لكلمة (عمل) لا يتطابق مع المعنى الآخر ، وإن تقارب أو تشابه بعضها . ولا شك أن التعدد في معنى (عَملَ) الفعل يتبعه تعدد معنى المصدر « عَمَلْ » .
هذا وفي كتاب « الأشباه والنظائر في القرآن الكريم » لمقاتل بن سليمان البلخي
(ت 150هـ) أمثلة كثيرة مشابهة لما أوردناه من الأسماء والأفعال والصفات([17]) .
وفي المعاجم العربية عدد كبير من الألفاظ ذات الدلالات المتعددة ، ربما يفوق عدد الألفاظ التي تنفرد بمعنى واحد . ولا يقتصر ذلك على المعاجم القديمة الواسعة ، وإنما يشمل المعاجم الحديثة الوسيطة أيضا .
وتصل المعاني التي ترد للكلمة الواحدة في المعاجم الحديثة الراصدة للتطورات الدلالية الجديدة منها أحياناً إلى عدد كبير من المعاني المستعمـلة في الحياة الفعلية الحاضرة .
فقد جاء في تفسير الفعل (فتح) على نحو المثال في « المعجم العربي الأساسي » الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، وهو من أحدث المعاجم المتطورة ، ما نصه : (( فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحا فهو فاتح : 1 البابَ والصُّندوقَ ونحوهما : خِلاف أغلقهما ، 2 الطّريقَ : هيَّأه للمرور فيه ، أذِنَ بالمرور فيه ، 3 الاجتماعَ ونحوه : بدأ عمله ، 4 المدينةَ أو البلدَ : احتلّها ، 5 الكتابَ : نشَرَ طَيَّهُ ليقرأ منه / فتح اعتماداً في المصرف : خصّص مبلغا للصرف منه على عمل معيّن . فتح اللّه عليه : هداه أرشده . فتح الباب على مصراعيه لعمل ما : أفسح المجال له ، سمح به دون قيود . فتح البخْت : تنَّبأ بالمُستقبل . فَتَح بين الخصمين : قَضى ( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) [قرآن] . فتح حِسَابا في المَصْرِف : أودع مبلغا من المال صالحا للسحب منه . فتح شهته : جعله راغبا في الأكْل . فتح صفحة جديدة : غيَّر طريقته « فتحت العراق صفحة جديدة مع مصر » . فتح عيْنَيْه جيدا : انتَبَه ، حَذِرَ . فَتَحَ عيْنَيْه على شيء : شاهده أو اختبره وهو لا يزال طِفْلا . فَتَحَ له َقْلبَهُ : باح بسِرِّهِ له ، وثق به فأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ . فَتَّحَ يُفَتِّحُ تَفْتِيحاً : الأبوابَ ونحوها : بالَغَ في فَتْحِها ( لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) [قرآن] ([18]).
فنحن نجد هنا أن كلمة (فتح) قد اتسعت لأكثر من (16) ستة عشر معنى ، بين محسوس ومجرد ، وكلها جارية متداولة ، متعارف على استعمال الكلمة فيها ضمن سياقاتها الخاصة . ويمكن أن تتسع لمعان مجازية أخرى متعددة أيضاً كما اتسعت غيرها .
نظم المعلم بطرس البستاني صاحب معجم « محيط المحيط » قصيدة تصل إلى (30) ثلاثين بيتاً تنتهي كل أبياتها بكلمة (الخال) بمعان مختلفة . ولهذا سميت بالقصيدة الخاليِّة ، وربما أراد بذلك إظهار مدى اتساع التعدد الدلالي للألفاظ العربية وسعة إطلاعه وإحاطته بهذا التعدد . ومن هذه القصيدة :
فسح من الأجفان دمعك الخـال
أمن خدها الوردي أفتنك الخال
لعينيك أم من ثغرها الومض الخال
الومض برق من محيا جمالها
تلاعب في أعطافه التيه والخـال
رعى الله ذياك القوام وإن يكن
وإن لام عمي الطيب الأصل والخـال ([19])
مهـاة بأمي أفتديها ووالــدي
ومعاني كلمة (الخال) في هذه الأبيات على التوالي : الشامه في الوجه /السحاب الممطر/البرق/ الغرور أو التكبر/ أخو الأم
إن تعدد المعاني أو المدلولات للكلمة الواحدة إلى الحد الذي رأيناه ليس في الحقيقة ظاهرة غريبة ؛ لأن معنى الكلمة كما يقول رائد الفلسفة اللغوية في العصر الحديث (لودفج فتجنشتين) L Wittgenstein : (ليس له ثبات أو تحديد .. واللغة ليست حساباً منطقياً دقيقاً لكل كلمة معنى محدد ولكل جملة معنى محدد ولكل الجمل وظيفة واحدة ..
وإنما تتعدد معاني الكلمة بتعدد استخداماتنا لها في اللغة العادية ، وتتعدد معاني الجملة الواحدة حسب السياق الذي تذكر فيه .. وأن الكلمة مطاطة تتسع وتضيق استخداماتها حسب الظروف والحاجات )([20]) ومع ذلك فإن لهذا التعدد مبررات وأسباباً ثابتة ومحسوسة يفرضها الواقع الاجتماعي وظروف الحياة المختلفة المتغيرة .
أسباب نشوء المشترك
إن تعدد المعنى للكلمة الواحدة قد يحدث - كما هو ثابت ومشهود - نتيجة لاختلاف اللهجات واختلاف استخدامهـا للكلمات ، فكلمة القرءُ ، كما يقول ابن السكيت (( عند أهل الحجاز الطهر وعند أهل العراق الحيض ))([21]) بينما القروء في واقعها الأوقات التي يحصل فيها الطهر أو الحيض .
وقد يحصل أن تداخل اللهجات عن طريق التجاور والمعاشرة والاختلاط بين أفراد الجماعات ، مما يؤدي إلى حدوث عملية التراكم الدلالي .
وقد يتعدد المعنى للكلمة الواحدة كذلك نتيجة للاستخدامات المجازية الإرادية لهذه الكلمة ، أو نتيجة لاستعمالها في معنى معين ، ثم استعارتها لمعنى أو معان أخرى ، يكثر ويغلب تداولها حتى تصير بمنزلة المعنى الأصلي في الاستعمال والشيوع .
وهذا ما نص عليه أبو علي الفارسي بقوله : (( إن اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ينبغي أن لا يكون قصداً في الوضع ولا أصلاً ، ولكنه من لغات تداخلت ، أو أن تكون لفظة تستعمل لمعنى ثم تستعار لشيء فتكثر وتصير بمنزلة الأصل ))([22])
فكلمة سيارة في اللغة العربية على سبيل المثال تعني في الأصل القافلة ، ثم استعيرت واستعملت بمعنى (العربة الآلية التي تستخدم في نقل الناس والبضائع ) وقد شاع استعمال الكلمة بهذا المعنى في عصرنا الحاضر حتى أصبح بمنزلة المعنى الأصلي لها ، وهكذا كلمة مبلغ التي تعني في الأصل ( منتهى الشيء أو غايته )، ثم استعملت بمعنى ( مقدار من المال ) . وقد غلب استعمال هذا المعنى لها في العصر الحاضر كما نرى حتى صار بمنزلة الأصل ...
وينشأ المشترك أحياناً في ظروف لغوية معينة يُعدل فيها عن المعنى الأصلي للفظ إلى معنى آخر مباين أو مضاد لمعنى اللفظ المتعارف عليه بهدف التفاؤل أو التأدب أو التهكم والسخرية أو التهويل والتعظيم أو اجتناب التلفظ بما يمجه الذوق أو بما يكره أو يحرج أو يؤلم المخاطب أو يحدث له أو للمتكلم ضرراً أو بصورة عامة لغرض ما اصطلحت اللغات الأوروبيّة على تسميته باسم «Euphemism » أي تلطيف التعبير عن شئ بغيض ([23]).
ثم يرجع إلى استعمال المعنى الأصلي في ظروف لاحقة أخرى ، وهكذا يحصل التناوب والتبادل بين المعنيين أو المعاني وقد تصبح هذه المعاني نتيجة لكثرة هذا التناوب والتبادل في مستوى واحد من الاستعمال والدوران ، ولا ينفك أي منها عن الارتباط باللفظ .
نحن نقول للأعمى بصيراً ونقول لمن ذهب بصر إحدى عينيه كريم العين ، للتأدب أو لتفادي إحراج المخاطب وإيلامه أو للتطلف في التعبير عامة . ويطلق على المهلَكة لفظ المفازة على جهة التفاؤل كما يسمى العطشان رياناً والأسود أبو البيضاء ([24]). تماماً كما كان العرب يطلقون على عبيدهم أسماء يتفاءلون بها مثل : ميمون ومبروك وكافور ..
ويسمى الملدوغ سليماً للتفاؤل كذلك أو الدعاء أحياناً.. كما يقال للمهرة الجميلة شوهاء خوفاً من أن تصيبها العين ، وللغراب أعور تعبيراً عن حدة بصره ، وتطلق عبارة « بيضة البلد » على من انفرد بميزة ممدوحة حسنة ، كما يجوز أن يراد بها عكس ذلك ، حيث تطلق على من يراد أن يهزأ به ويسخر منه كما يقول السجستاني ([25]) .
وقد تحدث ظروف معينة تفرضها السياقات أو المواقف المختلفة التي تستعمل فيها الكلمات ، توجه الذهن بشكل لا إرادي إلى اتجاهات جديدة أحياناً ، مما يوحي بخلق معان جديدة لهذه الكلمات ، وذلك لما يوجد في هذه الكلمات نفسها ، كما يعبر (جوزيف فندريس) Vendryes - من قابلية على التأقلم ؛ أي ( القدرة على اتخاذ دلالات متنوعة تبعاً للاستعمالات المختلفة التي تستخدم فيها وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات ومن ثم أداء عشرات من وظائفها بسهولة ويسر . حيث إن خلق معانٍ جديدة لها لا يقضي بالضرورة على المعاني السابقة ، فيمكن لكل المعاني التي اتخذتها أن تبقى حية في اللغة . وحركة التغيرات المعنوية تسير في كل الاتجاهات حول المعنى الأساسي ، ولكن كل واحد من المعاني الثانوية يمكن أن يصبح بدوره مركزاً جديداً للإشعاع المعنوي ([26]) .
ولا يمنع أن يوضع أو يستعمل اللفظ الواحد للدلالة على معنيين قصداً ، كما تصور أبو علي الفارسي ، بل من الممكن أن يكون ذلك من قبل واضع واحد أو من قبل واضعين اثنين ، يضع أحدهم لفظاً لمعنى ، كما يقول السيوطي ، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر ([27]) ،
ويستمر استعمال اللفظ بالمعنيين الموضوعين كليهما ؛ فالكلمات على نحو ما تبين رموز طيعة مرنة . كما أن الكلمة (( لا تدل بنفسها على شئ ، ولكن المفكر يستعملها فيصبح لها معنى ، إذ يتخذها أدوات )) ([28])
ونحن نعلم أن مجموعات كبيرة من مفردات اللغة توضع من قبل واضعيها قصداً للدلالة على معان اصطلاحية خاصة قد تكون متعددة ، مع الإقرار أو الوعي بمعانيها اللغوية العامة ، وقد يحصل التزامن في اتخاذ كلمة ما للدلالة على أكثر من معنى اصطلاحي واحد من جانب واحد ، كما هو الشأن في المجامع أو المؤسسات اللغوية عامة حين تتولى لجانها الخاصة وضع المصطلحات العلمية والفنية مثلاً .
ولنشوء المشترك اللفظي أو حدوثه أسباب وتبريرات وآراء أخرى كثيرة ذكرها اللغويون العرب وغيرهم ، يمكن الرجوع إليها في مظانها ([29]) تجنبنا تعدادها والحديث عنها تفادياً للإطالة والتكرار . واعتقاداً منا بأن الواقع العملي الفعلي بحد ذاته يكفي لإثبات وقوع المشترك اللفظي .
وتوضيح الكثير من أسبابه وملابساته وإدراك طبيعة نشوئه . كما أنه لا يعنينا في هذا المجال تعداد أسباب حدوث المشترك اللفظي بقدر ما يعنينا وجوده ، وتهمنا وفرته وفاعليته في واقعنا اللغوي ، ثم حل الإشكاليات التي تحوم حوله ، بغية التوجيه لمزيد من العناية به والتمكين منه ، واستغلاله كجزء هام من الثروة اللفظية التي تتسع لها لغتنا العربية .
إشكاليات حول المشترك
مهما كانت عوامل نشوء ظاهرة التعدد الدلالي ، وأسباب تطورها ، فإن الألفاظ العربية المشتركة المعاني التي يمكن أن نلحظها في معاجم اللغة العامة، أو نمر بها ونشهدها في ما نسمع من الكلام وما نقرأ من نصوص شعرية ونثرية قديمة وحديثة في هذه اللغة تشكل - كما سبق القول - قدراً لا يستهان به من الثروة اللغوية .
وليس صحيحاً ما زعمه أحد الدارسين المعاصرين من أن المشتـرك اللفظي في العربية "يكثر في الألفاظ الحوشية أو الغريبة غير الدائرة على الألسنة ولا كثيرة في نصوص الأدب ، من مثل : السرداح ، والسرداحة ، والدردبيس ، والخلابيس ، والقردوع ". وأن كثرته تنهك اللغة وتثقل عليها([30]) .
وليس صحيحا كذلك ما رآه الدكتور إبراهيم أنيس ، وأيد فيه ابن درستويه ، من أن غالب المشترك من الألفاظ العربية ناتج عن التوسع المجازي ، وأن ما كان ناتجاً عن التوسع المجازي من قريب أو من بعيد لا يعد من المشترك([31]) .
هذه المزاعم - كما سبقت الإشارة - فيها نوع من المغالاة ، وهي تفضي بلا شك إلى التقليل من شأن هذا النوع من الألفاظ ؛ فهناك مجموعات كبيرة من الألفاظ المشتركة المعاني الفاعلة المتداولة في معظم النشاطات اللغوية الحيوية في عصرنا الحاضر ، وقد أوردنا بعضاً منها، ولو اتسع لنا المجال لأوردنا المزيد . ولقد ورد في كتبها المخصصة ومعاجم اللغة العامة وعدد من مصنفات اللغة ألفاظ قديمة كثيرة مماثلة لها([32]) . كما ورد الكثير منها في المعاجم العربية الحديثة على نحو ما تبينا فيما سبق .
علاوة على ما ذكر فإن المعاني الوظيفية التي تعبر عنها المباني الصرفية في اللغة العربية هي بطبيعتها . كما يقرر أحد الباحثين في هذه اللغة : " تتسم بالتعدد والاحتمال ، فالمبني الصرفي الواحد صالح لأن يعبر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامة ما في سياق ما ، فإذا تحقق المعنى بعلامة أصبح نصاً في معنى واحد بعينه تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية على السواء . ويصدق هذا الكلام على كل أنواع المباني التي سبق ذكرها ، سواء في ذلك مباني التقسيم ومنها الصيغ ومباني التصريف ومنها اللواصق ومباني القرائن اللفظية وكذلك مباني بعض التراكيب ... إن مباني الأقسام قد تتعدد معانيها ، كالمصدر من الأسماء ، ينوب عن الفعل نحو ضرباً زيداً ، ويؤكد الفعل كضربته ضرباً ، ويبين سببه كضربته تأديباً له ، وينوب عن اسم المفعول نحو « بِدَمٍ كَذِبٍ » ، واسم الفاعل مثل ( أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً ) . ويكون بمعنى الظرف
نحو : آتيك طلوع الشمس وهلم جرا "([33]) ...

ومن جانب آخر فقد ثبت أن المجاز يعد أصلاً وأساساً في تكوين العديد من مفردات اللغة ومعانيهـا ، ومظهراً مهماً من مظاهر التطور الدلالي فيها. والعربية لغة التوسع المجازي ، وباب المجاز مفتوح على مصراعيه فيها . كما يقول أحد المجمعيين العرب . ([34]) و "المجاز القديم مصيره إلى الحقيقة " ([35]) كما يصرح د. أنيس ذاته .
وسبب ذلك - كما يعلل باحث آخر- هو أن " المعاني الفنية المجازية يكثر ترديدها على الألسنة مع إطلاقها المجازي الفني ، فحين يطول عليها الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالتها على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني "([36]).
علماً بأن د . إبراهيم أنيس نفسه قد عارض رأيه السابق الذكر ، وأقر في كتابه « في اللهجات العربية » بأن المعاجم العربية مليئة بالألفاظ المشتركة ، وأن ما نشأ من هذه الألفاظ عن التطور الصوتي قد بلغ المئات ، وصرح هو نفسه أيضاً بما يفيد بأن " الألفاظ تنشأ لها نتيجة للاستعمال دلالات هامشية بالإضافة إلى دلالاتها المركزية ويشترك الناس أحياناً في استعمال هذه الدلالات ، ومع مرور الزمن يتضخم الانحراف وتصبح هذه الدلالات شائعة ، ويرث الجيل التالي ما شاع من دلالات مركزية وهامشية على حد سواء " ([37]).
وهذا القول في الوقت الذي يشير فيه الباحث المذكور إلى عامل مهم من عوامل حصول الاشتراك اللفظي أعم من المجاز - وهو "نشوء دلالات هامشية للألفاظ ثم شيوعها نتيجة لكثرة الاستعمال وبقائها جنباً إلى جنب مع الدلالات المركزية" - يؤكد على أهمية هذا الاشتراك وضرورة التسليم بتوالي حصوله واعتباره كظاهرة بارزة في اللغة . إلا أن قائله لم يثبت عليه . وقد لاحظ عليه بعض الباحثين هذا التناقض أو التذبذب في الرأي ([38]).
وقد كان لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) بعض التحفظ على عدد مما نسب للأضداد من الألفاظ ، إذ لم ير إطلاق اسم الأضداد على كل ما سمعه منها ، فلم يعد كلمة (السليم) مثلاً من الأضداد كما فعل غيره ، وإنما استثناهما بقوله : « قالوا السليم السالم ، وقالوا السليم الملدوغ . وهو عندي على التَفَؤُّل . » .
ويقصد بذلك أن هذا المعنى الأخير لا يعتبر معنى ثابتاً مرتبطاً باللفظ بنحو دائم إذ اللفظ مزال عنه جهته بنحو موقت . ومثل ذلك كلمة (شوهاء) التي تستعمل عندهم بمعنى قبيحة وجميلة . أما هو فيقول : "لا أظنهم قالوا للجميلة شوهاء إلا مخافة أن تصيبها عينٌ كما قالوا للغراب أعور لحدة بصره" ([39]).
وعلى أساس من هذا الاعتقاد سمي السجستاني كتابه « كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب ، والمزال عن جهته ، والأضداد » وبذلك أخرج مجموعة مما شاعت نسبتها للأضداد وهي ليست كذلك في رأيه ، وميز ما يصدق عليه صفة الضد بنحو قاطع ثابت ضمن مجموعة خاصة .
الحقيقة أن السجستاني مصيب فيما رآه من أن بعض الألفاظ تزال عنه جهته ، ويستخدم بمعنى جديد ، وربما يكون مرتجلاً ، ثم يعدل بعد ذلك عنه إلى المعنى الأصلي ، وقد لا يعدل فيظل استعمال اللفظ بالمعنى الثاني الجديد مستمراً وجائزاً .
لكنه غير مساو للمعنى الأصلي في دلالته واستخدامه ، وبهذا يمكن أن تخرج مجموعة مما نسب إلى الأضداد العربية . إلا أن استخدام اللفظ بمعنى مرتجل أو وقتي لسبب عابر طارئ ، كإرادة التفاؤل ، أو الحذر من الإصابة بالعين أو غيره ، كاستخدامه بمعنى مجازي ، يمكن أن يكون في حد ذاته عاملاً في نشوء التضاد أو الاشتراك اللفظي بمفهومه الحقيقي الذي تحدثنا عنه ، وذلك كما سبق أن أوردنا بيانه لأحد الباحثين " عندما يكثر ترديد اللفظ على الألسنة بهذا المعنى ويطول عليه الأمد في هذا الاستعمال يميل الناس إلى اعتبار دلالته على المعنى المجازي الجديد دلالة عليه على سبيل الحقيقة ومن ثم يصبح معنى الكلمة متعدداً وترصد لها هذه المعاني المتعددة في المعجم فتكون الكلمة بين جلدتي المعجم محتملة لكل معانيها المعجمية المختلفة المنشأ حتى توضع في سياق يحدد لها واحداً من هذه المعاني([40]).
وبناء على ذلك فلا يصبح في تحفظ السجستاني نفي للمشترك اللفظي أو التقليل من شأنه أو الطعن في القول بكثرة وروده في اللغة العربية .
أما دعوى أن الاشتراك اللفظي يشيع في اللغة أو في ثقافتها الغموض والالتباس ([41]). فإنها مبنية في الأصل - فيما يبدو - على شبهة قديمة مبالغ فيها ، أثارها بعض الشعوبيين زراية بالعرب وبلغتهم ، وتبناها (ابن درستويه) ، الذي نفى حصول الاشتراك اللفظي بالوضع وادعى ندرة المشترك في العربية . كما ألف كتاباً في إبطال الأضداد . وقد نقل عنه السيوطي فيما أورد له بهذا الشأن قوله : « وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب ، وواضع اللغة - عز وجل - حكيم عليم ؛ وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني ؛ فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين ، أو أحدهما ضدٌ للآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية ([42]).
فرأي (ابن درستويه) هذا ، كما هو واضح ، مبني أولاً على كون اللغة توقيفية . كما أن فيه الكثير من المغالاة أو ضيق الأفق . وقد تحدث ابن الأنباري في كتابه « الأضداد » بما يرد عليه .
يقول ابن الأنباري([43]) : " ويظن أهل البدع والزَّيغ والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمـتـهم ، وقلّة بلاغتهم ، وكثرة الالتباس في محاوراتهم ، وعند اتصال مخاطباتهم ؛ فيسألون عن ذلك ، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته ، ودالٌّ عليه ، وموضح تأويله ؛ فإذا اعتور اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطَب ايّهما أراد المخاطِب ، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على هذا المسمّى ؛ فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة : أحدهن أن كلام العرب يصحّح بعضه بعضاً ، ويرتبط أوّله بآخره ، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفه ؛ فجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادين ؛ لأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدلُّ على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر ، ولا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد " .
ويستشهد ابن الأنباري على قوله هذا بأمثلة شعرية وقرآنية ونثرية كثيرة مما يفرض فيها السياق معنى للفظة المشتركة دون غيره ، فلا يلتبس المعنى على القارئ ، كقول الشاعر :
والفتى يسعى ويُلْهيه الأمـَل كلُّ شيء ما خلا الموت جَلَلْ
ويعقب على ذلك بقوله : « فدل ما تقدم قبل « جلل » ، وتأخر بعده ، على أن معناه كلُّ شيء ما خلا الموت يسير ، ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن الجَلَل هنا معناه عظيم . » وهذا عكس ما يفرضه السياق في قول الشاعر الآخر :
ولئن سَطوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي فلئن عفـوتُ لأعفونْ جَللاً
فإذا رميتُ يصيبـني سهمـي قومي هُمُ قتلوا أُمَيْمَ أخـي
فهذا الكلام يدل ، كما يعقب ابن الأنباري : « على أنه أراد : فلئن عفوت لأعفونّ عفواً عظيما ؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير . فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين . » وهكذا يتحدد المراد من كلمة « جلل » المشتركة أو المختلفة المعنى من خلال السياق بيسر وسهولة ، ولا يحدث اللبس المزعوم .
وقد رد ضياء الدين ابن الأثير على دعوى وقوع الغموض عند استعمال المشترك اللفظي بمثل ما رد به ابن الأنباري مؤكداً على أن فائدة البيان أو وضوح الدلالة عند استعمال المشترك اللفظي يمكن استدراكها بالقرينة ، بينما لا يمكن استدراك ما يمكن أن يتحقق بفضل استعماله من التحسين البلاغي أو الجمالي الفني في الكلام في حالة تركه ([44]).
وإذاً فالأولى استعماله والقرينة أو السياق كفيل بإزالة ما يمكن أن يحدثه هذا الاستعمال من غموض .
إن للسياق أهميته ومقامه الكبير في التبادل اللغوي ، وبفضله يستطيع الناس أن يستخدموا المشترك اللفظي ويتفاهموا من خلاله فيما بينهم تفاهماً واضحاً صريحاً لا غموض فيه ؛ لأن مقدرة الكلمات على أداء وظيفتها - كما يصرح (ستيفن أولمــان) Stephen Ullmann - « لا تتأثر بحال من الأحوال بعدد المعاني المختلفة التي قدر لها أن تحملها ، بدليل أن بعض هذه الكلمات تستطيع بالفعل أن تقوم بعشرات الوظائف في سهولة ويسر ))([45]) .
والقول بأهمية السياق وبدوره في تحديد المفهوم المناسب أو المراد من بين المفاهيم الأخرى التي قد تشترك في اللفظ الواحد لا يمنع من التسليم بأن بعض المفاهيم المشتركة قد تلتبس أحياناً أو تتداخل فتؤدي إلى نوع من
الغموض . كما يحدث أن تهجر أو تتراجع بعض هذه المفاهيم أو تطغى المعاني الجديدة على المعاني القديمة منها ، فتنسى القديمة ولا يتمكن المتلقي الحديث العهد من معرفتها ، ولاسيما إذا كان ضئيل المحصول من مفردات اللغة ، وربما قاد ذلك إلى صعوبة فهمه للنص الذي ترد فيه ، خصوصاً إذا كان هذا النص شعرياً فنياً متعمق اللغة . إلا أن تعدد المعنى رغم ذلك ليس بحال من الأحوال هو المصدر الوحيد للغموض أو اللبس ، فهناك كما يبين ( وليم إمبسون ) William Empson في كتـــــابه
Seven Types of Ambiguity أنواع سبعة من اللبس أو ازدواج الدلالة([46]) ، وربما كان الاشتراك اللفظي من أقلها سلبية على النص الأدبي ، بل ربما كان من أظهرها إيجابية في إضافة معنى جديد أو ظل موح بمعنى آخر يستخلص مباشرة من صريح العبارة ، ويكون له أثر في توجيه القارئ لاتجاه أو اتجاهات مختلفة فعالة لها أهميتها في إضافة قيمة أو قيم جديدة للنص كما يحصل ذلك في التورية وفي غيرها من الأنواع والأساليب البلاغية .
من خلال ما سبق ذكره نتبين أن كثرة المشترك اللفظي لا تشين اللغة ولا تنهكها ليقال : إن إنكاره أو التقليل من شأنه يعد دفاعاً عن حياض اللغة أو حماية لها . كما أن كثرته لا تدل على ضعف اللغة أو ضيقها وقلة ألفاظها ، بل تدل على اتساعها ومرونتها ؛ لأن استعارة العرب لفظ الشيء لغيره كما يقول ابن رشيق : " إنما هي من اتساعهم في الكلام اقتداراً ودالة ، ليس ضرورة . ألا ترى أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهم يستعيرون له مع ذلك ؟ على أنا نجد أيضاً اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة ، نحو (العين) التي تكون جارحة ، وتكون الماء ، وتكون الميزان ، وتكون المطر الدائم الغزير ، وتكون نفس الشيء وذاته ، وتكون الدينار ، وما أشبه ذلك كثير ، وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم ، ولكنه من الرغبة في الاختصار ، والثقة بفهم بعضهم عن بعض . ألا ترى أن كل واحد من هذه التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء
كثيرة ؟ " ([47])
علاوة على ما سبق ذكره فإن قدرة الكلمة على التعبير عن الفكر أو المعاني المتعددة وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة في حد ذاتها " دليل على حيوية اللغة ورواجها . فكيف ننادي لفائدة أحادية المعنى ؟ علماً بأن أحادية المعنى لا يمكن أن تقوم إلا بتحجير اللغة والقضاء على حركتها ، أي قتلها ، وعلماً كذلك بأن المجاز والسياق يعرضان اللفظ للتوسع الدائم "([48]) .
أهمية المشترك اللفظي
أشير فيما سبق ذكره إلى أن التعرف على الأبعاد أو المجالات الدلالية للكلمات والتراكيب اللغوية المكتسبة تمكن الفرد من استغلال الطاقات المتوافرة في ألفاظ اللغة للتعبير عن مكنونات النفس ودقائق الفكر ونوازع الوجدان ، وبما يتلاءم مع كافة الظروف النفسية والاجتماعية ومع السياقات اللغوية المختلفة . لاسيما أن ألفاظ اللغة ، أية لغة - مهما كثرت فهي محدودة من حيث الكم ، بينما المعاني والأفكار والمدركات متجددة متطورة متنامية لا حدود لاتساعها .
إن المعاني غير متناهية ، والألفاظ متناهية . كما يؤكد علماؤنا العرب القدامى([49]) . " ولدينا نحن الكبار طائفة لا حصر لها من المعاني لا نجد لها الألفاظ المناسبة وكثرة من الأفكار يستعصي علينا التعبير عنها . من ذلك أننا نقول : إن الطيف الشمسي يحتوي على سبعة ألوان ، مع أن مناطق تداخل هذه الألوان تحتوي على ظلال شتى دقيقة لطيفة من الألوان ليست لدينا أسماء لتسميتها كذلك كثير من حالاتنا الشعورية والوجدانية " ([50]).
وهكذا يبقى المخزون اللفظي للغة - مهما اتسع وتنامى - قاصراً عن الوفاء بمطالب التعبير ولاسيما في مجال الأفكار المجردة ونوازع النفس البشرية وانفعالاتها وأحاسيسها الدقيقة المتشعبة المتنامية ، وبذلك فلا غنى للإنسان في تواصله ونشاطه اللغوي بمختلف أشكاله عن استعمال آخر أو استعمالات أخرى متعددة للكلمات التي يضعها أو يرثها .
إن وجود كلمة مستقلة خاصة بكل شئ يتداوله الناس أمر صعب ، لأنه يفرض عبئاً ثقيلاً على الذاكرة . هذا إن استطاعت هذه الذاكرة أن تحيط بكل ما يتواضع عليه أفراد الجماعة من الألفاظ . لقد ثبت أنه لا قدرة للإنسان على الإحاطة بكل مفردات اللغة ([51]).
وأنه حتى لو كرس شخص ما وهب قوة الحفظ جهداً خاصاً لاستظهار قسط وافر من هذه المفردات في فترة معينة من الزمن ، فإن المشكلة أو الصعوبة تبقى قائمة في قدرة هذا الشخص على استرجاع ما حفظ أو استظهر ، بعد توالي الزمن ؛ إذ يتعذر على ذاكرة الإنسان - مهما قويت و اتسعت - كما يقرر علماء النفس - أن تحتفظ بكل ما أودع أو اختزن فيها من معلومات لأمد طويل ، حيث إن الإنسان معرض لأن ينسى الكثير مما حفظ واكتسب من معلومات أو معارف مع مرور الزمن ، وخاصة عندما لا تتوافر الحوافز أو الأسباب لاسترجاع وحضور هذه المعلومات أو المعارف في ذهنه ([52]).
ومع هذا الافتراض فإن الإنسان يجد في المشترك اللفظي ما يسعفه في التعبير عن أغراضه حتى وإن كان محصوله من ألفاظ اللغة عامة قليلاً ، ودونما تعرض لما يرهق ذاكرته .
يقول (ستيفن أولمان) « إن الآثار المترتبة على تعدد المعنى للكلمة الواحدة بالنسبة للثروة اللفظية للغة آثار بعيدة المدى . من ذلك مثلاً أن وجود كلمة مسـتـقـلة لكل شيء من الأشياء التي قد نتناولها بالحديث من شأنه أن يفرض حملاً ثقيلاً على الذاكرة الإنسانية . وسوف يكون حالنا حينئذ أسوأ من حال الرجل البدائي الذي قد توجد لديه كلمات خاصة للدلالة على المعاني الجزئية « كغسل نفسه » و « غسل شخصاً آخر» و « غسل رأس شخص آخر » و « غسل وجهه » و « غسل وجه شخص آخر » الخ ، في حين أنه لا توجد لديه كلمة واحدة للدلالة على العملية العامة البسيطة وهي « مجرد الغسيل » .
إن اللغة في استطاعتها أن تعبر عن الفكر المتعددة بواسطة تلك الطريقة الحصيفة القادرة ، التي تتمثل في تطويع الكلمات وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة . وبفضل هذه الوسيلة تكتسب الكلمات نفسها نوعاً من المرونة والطواعية ، فتظل قابلة للاستعمالات الجديدة من غير أن تفقد معانيها القديمة([53])
وحتى لو أحاط الفرد بكل ما يمكن أن يعبر عن جميع أغراضه وأفكاره من ألفاظ اللغة وصيغها ، فإن الموقف أو النمط والأسلوب الكلامي قد يفرض عليه أحياناً الاقتصاد في استعمال الألفاظ ، أو استعمالها في معان وخطابات غير مباشرة ، تجنباً لحرج أو مواجهة غير محمودة ، كما قد تدعوه نزعة فنية إلى نوع من التنميق الجمالي والتنغيم الصوتي المحبب ، مما يحوجه لكلمات ذات أصوات متشابهة ودلالات متشعبة ثرية . وفي مثل هذه الحال يكون المشترك اللغوي عوناً له في تحقيق غرضه ..
كان المشترك اللفظي في اللغة العربية قديماً وما يزال عوناً لأولئك المغرمين بالمحسنات اللفظية وألوان البيان وفنون البديع كالاستعارة والتجنيس أو الجناس والترديد والمماثلة والمشاكلة والترصيع والتورية (( التي كان لها شأن في الرمزية الأسلوبية العربية ))([54]) وما إلى ذلك من المغالطات المعنوية أو الألعاب اللغوية ، كما يحلو للبعض أن يسميهـا([55]).
وقد عد ضياء الدين بن الأثير (ت 559هـ) الأسماء المشتركة من جملة أدوات البيان وآلاته ، ومن أهم ما يحتاج الشاعر والكاتب إلى معرفته والإحاطة به كوسيلة للقول البليغ ، على أساس أن فائدة وضع اللغة في رأيه ووفق نظرته التوقيفية لها لا تكمن في البيان وحده ، وإنما في البيان والتحسين : « أما البيان فقد وفى به الأسماء المتباينة التي هي كل اسم واحد دل على مسمى واحد ، فإذا أطلق اللفظ في هذه الأسماء كان بيناً مفهوماً ، لا يحتاج إلى قرينة ، ولو لم يضع الواضع من الأسماء شيئاً غيرها ، لكان كافياً في البيان ..
وأما التحسين فإن الواضع لهذه اللغة العربية ، التي هي أحسن اللغات ، نظر إلى ما يحتاج إليه أرباب الفصاحة والبلاغة فيما يصوغونه من نظم ونثر ، ورأى أن من مهمات ذلك (التجنيس) ، ولا يقوم به إلا الأسماء المشتركة ، التي هي كل اسم واحد دل على مسميين فصاعداً ، فوضعها من أجل ذلك([56]) .
والتجنيس أو الجناس القائم على الاشتراك اللفظي هو الجناس التام الذي يعد أرقى أنواع الجناس وأكثرها إبداعاً عند رجال البلاغة . وهو لا يقتصر على الأسماء كما يمكن أن توحي عبارة ابن الأثير السابقة ، وإنما يشمل الأفعال والألفاظ عامة . يقول ابن حجة الحموي : "أما الجناس التام : فهو ما تماثل ركناه واتفقا لفظاً واختلفا معنى ، من غير تفاوت في تصحيح تركيبهما ، واختلاف حركتهما ، سواء كانا من اسمين ، أو من فعلين ، أو من اسم وفعل ، فإنهم قالوا : إذا انتظم ركناه ، من نوع واحد ، كاسمين أو فعلين ، سمي مماثلاً ، وإن انتظما من نوعين ، كاسم وفعل ، سمي مستوفى ، وجل القصد تماثل الركنين في اللفظ والخط والحركة واختلافهما في المعنى ، سواء كانا من اسمين أو من غير ذلك ، فإن المراد أن يكون الجناس تامًّا ، على الصفة المذكورة ، من حيث هو أكمل الأنواع إبداعاً وأسماها رتبة وأولها في الترتيب "([57]).
و(التجنيس) أو الجناس التام الذي لا يقوم به إلا الألفاظ المشتركة ، ليس من مهمات الفصاحة والبلاغة عند ابن الأثير وابن حجة الحموي وحدهما ، وإنما كان موضع اهتمام معظم البلاغيين والنقاد العرب القدامى عامة ، إلى درجة أن قدمه بعضهم على الألوان البديعية الأخرى .
فقد عده يحيى بن حمزة العلوي صاحب الطراز ( ت 745 هـ) "من ألطف مجاري الكلام ومن محاسن مداخله ، وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس )) ([58]) ؛ وما ذلك إلا لما للتجنيس عندهم من ارتباط وثيق بالذوق اللغوي للشاعر أو المتكلم البليغ عامة ومن دلالة على رقة طبعه وتعمقه في اللغة وقوة تداعي الألفاظ والمعاني لديه ، ثم لما للتجنيس البديع ذاته من أثر في التجسيد والإيحاء وجمال الإيقاع وجذب النفس وصرف الذهن إلى بديع المعاني .
يقول البهاء السبكي (ت 763 هـ) عن عماد الدين بن الأثير - وكان يجد هذا الأخير متعة في الإصغاء إلى التجنيس في الكلام - : " إن مناسبة الألفاظ تحدث ميلاً وإصغاء إليها ، ولأن اللفظ المشترك إذا حمل على معنى ثم جاء والمراد به معنى آخر كان للنفس تشوف إليه" ([59]) .
ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الكتاب الأوروبيّين الشكليين ولاسيما كتاب العصور الوسطي وما بعدها ، قد أغرموا باستخدام الجناس - القائم على الاشتراك اللفظي - مثلما أغرم به الكتاب العرب من قبل ، ويظهر ذلك واضحاً في عدد من مسرحيات الكاتب الفرنسي ( جان راسين ( Jean Racine، وكتابات الكاتب والشاعـر الإيطــــالي (جيوفــاني بوكاشيو) Giuvanni Boccaccio ([60]) .
كان المشترك اللفظي كذلك ملجأً للشعراء في حال احتياجهم لتكرار ألفاظ بعينها في قوافيهم ، سواء لاستغلال النواحي الصوتية في هذه الألفاظ أو الطاقات المعنوية أو الجوانب الشكلية فيها وما يمكن أن تؤديه من دور في النغم والإيقاع العروضي أو المضمون التأثيري عامة .. ولقد أجاز عدد من النقاد وعلماء البلاغة العرب للشاعر تكرار لفظ بعينه في قوافيه إذا كان هذا اللفظ لمعنى مختلف ولم يعتبره أحد منهم (إيطاء) كما صرح بذلك ابن رشيق القيرواني([61]) .
ولقد هيأ المشترك اللفظي تطوير محسن بلاغي كان له شأنه وموقعه الجليل عند أهل البلاغة وكان من الناحية العملية محل اهتمام كثير من الشعراء والكتاب أيضاً . ذلك هو « رد العجز على الصدر ، وهو في الشعر » أن يكون أحد اللفظين المكررين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر الثاني »([62]) ، فقد تفنن الشاعر العربي القديم في استخدام هذا المحسن وأظهر براعة في استغلال الطاقات الموسيقية الجميلة التي يحدثها التماثل اللفظي . وقد اشتملت كتب البلاغة والنقد على الكثير مما يجسد براعته في ذلك([63]) .
يتبين مما سبق ذكره أن المشترك اللفظي قد أتاح فرصاً متنوعة لكثير من الأدباء والشعراء لإشباع هواياتهم في التحسين اللفظي وفي تطلعاتهم الفنية لاستغلال القيم والإمكانيات التعبيرية لأصوات اللغة بالإضافة إلى الطاقات المعنوية للكلمات ، وكان من بين هؤلاء الشاعران المشهوران المتنبي وأبو حية النميري ، اللذان كانا مولعين بالجناس كما يقول القيرواني([64]) ، كما كان منهم أبو تمام الذي اشتهر بمجازاته واستعاراته اللفظية الغريبة الكثيرة . وهكذا فقد كان لتوافر هذا المشترك فضل في كثير مما أنتجه هؤلاء الشعراء وغيرهم من تجارب وأشكال تعبيرية فنية رائعة تجلت فيها براعة الفنان العربي وذكاؤه في استثمار مخزون اللغة من هذا المشترك وطاقاته التعبيرية والإشارية وتطويعها لفنه ولما كانت تتطلبه ثقافة العصر من هذا الفن .
وإذا كانت للمشترك اللفظي أهميته بالنسبة للشعراء القدامى أو بالنسبة للشعر التقليدي عامة ، فلاشك أن شأنه يزداد في اعتبار نظريات الشعر الحديث . حيث تنادي هذه النظريات بتعميق الرؤية وتعددية المعنى وبعد الدلالة وكثافة الصورة في العبارة الشعرية ، وتعتبر " الشعر استكشافاً دائماً لعالم الكلمة ، واستكشافاً دائماً للوجود عن طريق الكلمة " ([65])
وتعد " أولى مميزات الشعر هي استثمار خصائص اللغة بوصفها مادة بنائية " ([66]).
وبذلك تفترض من الشاعر المبدع أن يسعى بكل ما لديه من إمكانيات لاستغلال كل ما يمكن أن تحمله الكلمات من دلالات وكل ما تكمن فيها من طاقات معنوية وإيحائية . ليجعل من تجربته الشعرية نسيجاً فنياً ثرياً مفعماً بالرؤى والشحنات الانفعالية المؤثرة ، تمتزج فيه التوقعات والانفعالية بالمفاجآت وخيبة الظن كما يعبر الناقد الإنكليزي (رتشاردز Richards I.A. . )([67]) ومن هنا تأتي أهمية المشترك اللفظي كرافد يمد الشاعر الحديث بما يمكنه من فنه ويثري تجربته .
والحقيقة أن الشاعر سواء أكان قديماً أم حديثاً لا يكتفي باستغلال ما تحمله الألفاظ من دلالات موروثة . وإنما يسعى لشحنها بدلالات جديدة ، وربما ألغى أو تجاهل تلك الدلالات القديمة كلها وخلق لألفاظه المختارة معاني ومسميات لا عهد لأصحاب اللغة الآخرين بها ، مستفيداً في كل ذلك مما يتيحه المجاز ويحققه له من إمكانيات لغوية للتعدد الدلالي المستمر للفظ أو التركيب اللغوي الواحد حيث يصبح المجاز في العبارة الشعرية وسيلة أساسية للشاعر للاختراق والنفاذ إلى عوالم الكون اللامحدودة ، أو أداته للانتقال والامتداد والاتساع والعبور باللفظ من معناه الحقيقي ودلالاته المعتادة المألوفة . كما هو في تصور علماء البلاغة العرب القدامى([68]) .
وحيث يكون هذا المجاز ، كما يعبر النقاد المعاصرون وسيلة للعدول وإعادة البناء والانزياح باللفظة من وظيفتها المرجعية ودلالتها الذاتية الوضعية السابقة إلى دلالات أخرى قد يصعب حصرها([69]) .
وبهذه الدلالات الجديدة المتنامية تتولد المفاجآت وينشأ الإدهاش والإبهار والغموض والإبداع في الشعر لغة ومعنى وصورة ، وتتبلور وتتميز لغة الشاعر الخاصة . كما تتوسع وتتنامى في الوقت نفسه طاقات المشترك اللفظي كماً ونوعاً . ويصبح الشاعر مستثمراً لإمكانيات المشترك اللفظي المتاحة ، ومجدداً ومطوراً لهذه الإمكانيات في آن واحد وكان المشترك اللفظي وما ينتج عن استعماله أحياناً من تباين في تحديد المفاهيم وإدراك المقاصد والأهداف في التوريات والاستعارات والتعميات والمغالطات المعنوية أو في النصوص الأخرى ذات المعاني الدقيقة المعمقة ، كان سبباً لاختلاف النقاد واللغويين في فهم كثير من النصوص الشعرية وعاملاً في طرح التفسيرات المتعددة وإثارة الكثير من الخلافات والمناقشات الأدبية المثرية بشأنها أحياناً([70]) ، وربما كان ذلك من أسباب الاتجاه لتفسير النصوص وشرح المعلقات والقصائد ثم تعدد شروحها وعقد الدراسات حولها ، وما يعقب هذه الأعمال في العادة من توسع في الحديث عن المجاز والاستعارة وعن القرائن اللفظية والمعنوية والسياقية وعن الأساليب البيانية وغير ذلك من المسائل اللغوية والبلاغية والنقدية ذات العلاقة .
تضاربت الأقوال واختلف اللغويون والنقاد في تفسير كلمة ( عَيْر) التي وردت في بيت للشاعر الجاهلي الحارث بن حلّزة اليشكري نصه :
رَ موال لنا وأنى الولاء ! زعموا أن كل من ضرب العَيْـر
فقيل : إنه أراد بـ (العير) الوتد ، وقيل : إنه أراد بها الضاربين العرب ؛ لأنهم كانوا أصحاب عمُد وأوتاد وخيام ، كما قيل أنه أراد عير العين ، وهو ما نتأ منها ، أي كل من ضرب عير عينه بجفنة ، وقيل : أراد بالعير ما يطفو على الحوض من الأقذاء ، وقيل إنه قصد جبلاً في الحجاز ، وقيل غير ذلك ؛ لأن كلمة (عير) تعني هذه المعاني كلها ومعاني غيرها([71]) ، وليس من قرينة بيّنة توضح المراد ولا من سبب يمنع إرادة أي من هذه المعاني ، والشاعر فحل مشهور لا يستهان بقوله أو يطرح ويتجاهل .. وهكذا كان التضارب ومن ثم التعليق والنقاش حول هذا البيت .
وأصبح لغموض الكلمة والتباس معناها فيه دور فعال في التفكير والتعليق والاستشهاد بالإضافة إلى استحضار معاني الكلمة المفسَرة نفسها ، ما كان قريباً منها وما كان بعيداً عن الأذهان ربما من قبل بعض النقاد([72]) .
وقد احتوى القرآن الكريم والحديث الشريف على طائفة من الألفاظ المشتركة المعاني عنى بجمعها وتصنيفها عدد من علماء اللغة([73]) .
سنذكر في أثناء حديثنا عن مصادر المشترك لاحقاً بعضاً منهم . وكان ذلك سبباً في اختلاف المفسرين وعلماء الفقه والأصول في تأويل كثير من آيات القرآن وتفسير مجموعة من الأحاديث النبوية ، مما أدى إلى الاختلاف في استنباط أو تقرير كثير من الأحكام الفقهية وفي تحديد بعض الأفكار والمواقف العقائدية . ودفع الأصوليين والفقهاء والمتكلمين للاهتمام بالمشترك اللفظي وبالمسائل الأخرى المتعلقة بدلالات الألفاظ عامة([74]) .
كما دفع بعض للغويين أنفسهم إلى المزيد من الاهتمام بالمشترك اللفظي والتوجه لجمعه أو التأليف فيه والخوض في مناقشة ما يتعلق منه بألفاظ القرآن .
يقول أبو حاتم السجستاني في مقدمته لكتابه « كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب والمزال عن جهته والأضداد » ، مبيناً ما حمله على تأليف هذا الكتاب : (( حملنا على تأليفه أنا وجدنا من الأضداد في كلامهم والمقلوب شيئاً كثيراً ، فأوضحنا ما حضر منه إذ كان يجيء في القرآن الظن يقيناً وشكاً ، والرجاء خوفاً وطمعاِ ، وهو مشهور في كلام العرب ، وضد الشيء خلافه وغيره ، فأردنا أن يكون لا يرى منْ لا يعرفُ لغاتِ العربِ أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ حينَ قالَ : إنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعينَ * الذينَ يظنونَ مدحَ الشاكينَ في لقاءِ ربهمْ ، وإنما المعنى يستيقنونَ ، وكذلكَ في صفةِ منْ أوتيَ كتابهُ بيمينهِ منْ أهلِ الجنةِ هاؤم اقرءوا كتابيهْ * إنِّي ظننتُ ، يريد إنِّي أيقنتُ ، ولوْ كان شاكًّا لمْ يكنْ مؤمناً ، وأماَّ قولهُ : قلتمْ ما ندري ما الساعةُ إنْ نظنُ إلا ظناًّ فهؤلاء شكَّاكٌ كفاَّرٌ ))([75]).
ولا بد أن يكون المشترك اللفظي وفقاً لما سبق ذكره مدعاة لاهتمام المشرعين والقانونيين والمفكرين أو العقائديين في وقتنا الحاضر . حيث تتوقف كثير من القضايا الشرعية والقانونية والفكرية أيضاً على تحليل وفهم الوثائق والنصوص ذات الصلة فهماً صحيحاً دقيقاً مانعاً للتردد أو الشك . وما دام هناك ألفاظ مشتركة في اللغة سارية المفعول جارية الاستخدام ، نافذة التأثير فلابد أن يكون هذا الاهتمام موجوداً .
ومع ما تشهده اللغة من تطور مستمر وسريع لدلالة الألفاظ ومفاهيم الصيغ اللغوية وما يتبع ذلك من زيادة للمشترك اللفظي كماً ونوعاً واتساع معانيه أو تغيرها . يزداد تعلق هذا الجزء من اللغة بشؤون الحياة وقضايا العصر على اختلافها ، ولاسيما تلك القضايا التي تتوقف الأمور فيها على الفهم الصحيح الدقيق للوثائق المدونة والنصوص والعهود والمواثيق المحكية أو المسموعة فيها ، أو تترتب نتائج خطيرة أو مواقف حساسة فيها على الاختلاف في دلالة الألفاظ والصيغ اللغوية المستعملة في هذه الوثائق أو النصوص . كالقضايا السياسية ، وقضايا العلاقات الدولية والدبلوماسية والمعاملات التجارية والاقتصادية . ثمة تلك الموضوعات المتعلقة بصناعة المصطلحات العلمية وتحديد المفاهيم المرتبطة بها . ومن هنا يصبح المشترك اللفظي محط اهتمام رجال العلم والسياسة والفكر ، كما هو مجال اهتمام اللغويين والأدباء وعامة المثقفين والمتعلمين .
إن كل ما سبق ذكره يؤكد أن « المشترك اللفظي » في اللغة العربية لم يكن دليلاً ثابتاً على سعة اللغة ومرونتها وعاملاً في زيادة ثرائها وطواعيتها فحسب ، وإنما كان أيضاً سبباً في ظهور وتبلور كثير من الأعمال العلمية والأدبية وإنماء وتوسيع النشاطات الفكرية وفي إثراء العقل العربي عامة . وأن فاعليته في كل ذلك ما زالت قائمة في حياتنا الحاضرة ، ولاشك أن هذه الفاعلية ستكون أوسع وأكبر ما بقي الاهتمام باللغة وبتطوير القدرات التعبيرية والإنتاجية فيها، وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً في التفسير والتأويل والاستنباط والاستنتاج والحكم ، وكانت هناك حرية للفكر والرأي والتعبير . وما دام التطور مستمراً في مستجدات الحياة ومستحدثات العصر وشؤونه . ومن هنا تنشأ الضرورة في وجود معجم متطور شامل جامع لكل ما وجد في اللغة العربية من ألفاظ مشتركة المعاني متمشية مع أصول اللغة ملبية لمتطلبات الحياة مناسبة لذوق العصر ومعبرة عن مستجداته ومستحدثاته المتطورة وفاعلة في مجال التعبير بأشكاله وأنشطته المختلفة.
مصادر المشترك
لقي المشترك اللفظي عناية اللغويين والمفسرين وعلماء الفقه والأصول القدامى كما سبق القول ، وألفت لجمعه وتصنيفه كتب عديدة منها ما اختص بالموجود منه في القرآن أو في الحديث الشريف ، ومنها ما عنى بعامة المشترك دون تخصيص . ومما وصل إلينا وتم طبعه ونشره من الصنف الأول كتاب « الوجوه والنظائر » لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150هـ)، و « الوجوه والنظائر » أيضاً لهارون بن موسى الأزدي (ت 170هـ) ، و « كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد » للمبرد (ت 285هـ) ، وكتاب « الأشباه والنظائر في الألفاظ القرآنية التي ترادفت مبانيها وتنوعت معانيها » للثعالبي (ت 429هـ) ، ومن الصنف الثاني كتاب « الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى » لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) ، و « المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه لعلي بن الحسن الهنائي الأزدي الملقب بكراع النمل ( ت 310هـ ) ...
أما ما ورد ذكره ولم يصل إلينا أو وصل ولم يطبع وينشر من هذه الكتب فكثير([76]) .
وبالنسبة لكتب المشترك اللفظي التي وضعت تحت عنوان « الأضداد » فإنها على كثرتها وتفاوت أحجامها وأشكالها لا توحي بعناوينها بالاختلاف أو التباين من حيث المضمون . ولم يصل إلينا منها - على حد علمي - ما يشير عنوانه إلى خصوصية معينة أو تفرد بنوعية مميزة من المشترك اللفظي ، أو الضد . ومن أبرز وأشهر ما ظهر من هذه المؤلفات : كتاب « الأضداد » لمحمد بن المستنير بن أحمد الملقب بقطرب (ت 206 هـ) ، و « الأضداد » لعبد بن محمد ابن هارون التوزي (ت 233 هـ) . و« الأضداد » ، لمحمد بن القاسم الأنباري (ت 327هـ) . و «الأضداد في كلام العرب » لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي (ت 359هـ) . و « الأضداد في اللغة » لناصح الدين بن المبارك الأنصاري (ت 569 هـ) .
وقد قام الدكتور ( أوغست هفنر) Haffner , A في عام 1913م كما سبقت الإشارة بنشر أربعة كتب للأضداد الـعربـيـة في مجلد واحد لكل من أبي سعيد عبد الملك بن قُريب الأصمعي (ت 216هـ) وأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت 250هـ) وأبي يوسف يعقوب بن اسحق السكيت (ت 244هـ) ، والحسن بن محمد بن الحسن الصغاني (ت 650 هـ) . علماً بأنه قد نشر بعض هذه الكتب كل على حدة في طبعات مستقلة([77]) .
ويعد كتاب « الأضداد » ، لمحمد بن القاسم الأنباري في نظر محققه محمد أبو الفضل إبراهيم . أكثر معاجم هذا النوع شواهد وأوضحهـا عبارة وأوسعها مادة ، لأنه كما يقول : أتى على جميع ما ألف قبله وأربى عليه([78]) ، إلا أن كتاب «الأضداد في كلام العرب » لأبي الطيب اللغوي ــ الذي ألف كما يبدو من تاريخ وفاة مؤلفه بعد كتاب ابن الأنباري ــ يضاهيه في الواقع في سعة المادة وبسط الشرح وكثرة الاستشهاد وجودة التنظيم ، فقد اشتمل هذا الكتاب على (370) ضداً مرتبة في أصل الكتاب وفق التسلسل الهجائي([79]) ، بينما تضمن كتاب ابن الأنباري (296) ضداً . وردت في أصل الكتاب على غير ترتيب معين . أما « كتاب الأضداد » للصغاني ، فهو وإن لم يكن كسابقيه في الاستشهاد وزيادة الشرح والتوضيح إلا أنه تضمن كما يشير تسلسل الأرقام فيه (337) ضداً مرتبة على حروف المعجم([80]) .
ومع أن المؤلفات المذكورة وكتب ورسائل أخرى غيرها ([81]) مطبوعة ومنتشرة فإن أياً منها لا يمكن أن يشكل في الحقيقة معجماً متكاملاً ، يشتمل على كل ما ورثناه من الأضداد ويتناسب من حيث المادة والمنهج في التصنيف والترتيب والشرح مع معطيات هذا العصر وحاجاته ومع طرق التصنيف اللغوي والتأليف المعجمي ومناهجه المتطورة .
في بعض هذه الكتب ما لا يوجد في بعض آخر ، وفي بعضها حوشي غريب يمكن الاستغناء عنه ، لعدم حيويته وفاعليته في لغة العصر أو لمحدودية هذه الحيوية وهذه الفاعلية أو تخصيص كتب مستقلة بما يؤمل أن تكون له فائدة منه في المستقبل ، بينما لا يشتمل أي من هذه الكتب بطبيعة الحال على ما خلقته ظروف الحياة الجديدة أو الحاضرة منها .
هذا كله بالإضافة إلى ما ينقصها من التنظيم المحكم في الفهرسة والتبويب والترتيب والتصنيف والإخراج . وما يعوز أكثرها من دقة التحديد واختصار الشرح والاقتصار على ما يهم القارئ . حيث يغص الكثير منها بالروايات والاستطرادات والشواهد القرآنية والأبيات الشعرية والشروحات المطولة والتداخل في تفسير المواد ، وما إلى ذلك مما عبر عنه وأيده ناصح الدين بن المبارك الأنصاري من قبل في مقدمته لكتابه المذكور (( الأضداد في اللغة )) ([82]).
يتألف كتاب « الأضداد » ، لمحمد بن القاسم الأنباري في طبعته التي بين أيدينا ([83]) على نحو المثال من (428) صفحة ، لا تتضمن سوى (300) من ألفاظ الأضداد أو الألفاظ المشتركة ([84]) ، غارقة في حشد كبير من الشواهد القرآنية والشعرية والأحاديث النبوية الشريفة والأرجاز والأقوال المأثورة الأخرى التي تثبت صحتها أو صحة استعمالها أو تبين الاختلاف في نطقها أحياناً ، مما يبلغ عدده (270) آية ، و (53) حديثاً نبوياً و (762) بيتاً من الشعر و(100) من الأرجاز ، هذا عدا أنصاف الأبيات ، وأسماء الرواة والمحدثين والشعراء والمفسرين والفقهاء ، وغير ذلك مما استغرق إحصاؤه وفهرسته بمجموعه (88) صفحة ، أضيفت لصفحات المتن المبينة فجعلت من الكتاب سفراً ضخماً تبلغ مجموع صفحاته (517) صفحة .
وقد تضمنت الشروح الواردة لعدد من ألفاظ الأضداد التي اشتمل عليها الكتاب المذكور كثيراً من الحشو والاستطراد والتوسع في ذكر أوجه الخلاف في تفسيرها وتحديد المفهوم منها وتباين القراء في نطقها إن كانت مما ورد في القرآن الكريم ، وما قد يرد من اختلاف اللهجات في معناها أو في استعمالها . هذا عدا سلسلة الروايات التي تسرد أحيانا لتوثيقها وعدا ذكر الفروق بين كل كلمة منها وبين ما قد يقاربها في النطق أو يشابهها في الرسم والشكل وذكر بعض الفوائد النحوية والصرفية ، وشرح بعض الشواهد الواردة على الكلمة وما إلى ذلك مما يدل على سعة اطلاع المؤلف وعميق معرفته وحسن تتبعه ويثري الكتاب ويفيد الباحث المتخصص المتعمق أو الأديب المتوسع ، ولكنه لا يهم المثقف العام أو المتعلم الناشئ ، بل إنه قد يصرفه عن الكتاب وعن متابعة البحث فيه عن مراده من الألفاظ التي عقد الكتاب في الأصل من أجلها ..
ورد شرح كلمة (الساجد) وحدها في الكتاب المذكور على نحو المثال في ما يقرب من أربع صفحات([85]) ، تضمنت من الشواهد ثلاث آيات قرآنية و (18) بيتاً من الشعر مع شروحات وتعليقات عليها، وأسماء لثمانية من الشعراء ورواة الشعر ، وشرحاً لستة من تصاريف الكلمة المذكورة . وإذا كان القارئ غير المتخصص محتاجاً لمعرفة مدلولات الكلمة التي تضمنتها الصفحات الأربع ومعرفة أوجه استعمالها في معانيها المجازية المتعددة ، فإنه غير محتاج لذلك الكم من الشواهد والاستطرادات في الشرح والتعليق وبيان مختلف تصاريف الكلمة ، وإن كان في الشواهد ما ينمي ذوقه الأدبي ويزيد من إطلاعه ، فليس لديه من الصبر على استقصاء وتتبع كل التفاصيل والشروح أو التعليقات الملحقة بهذه الشواهد ليصل إلى بغيته من معرفة المعاني المشتركة للكلمة المقصودة ، ولاسيما إذا كان في هذه التفاصيل وهذه الشروح كلمات وعبارات غامضة تحتاج بذاتها إلى شرح وتفسير .
إن الكتاب المذكور بالصورة التي ورد ذكرها لا يمثل معجماً بالمفهوم الحديث و الدقيق لهذا المصطلح ، فالمعجم وفق هذا المفهوم لا يهمل الجمل السياقية ولا الأمثلة التوضيحية ، ولكنه (( يشترط أن يكون مجموع الكلمات المستخدمة في الشرح محدودة العدد ، ومقتصراً على الكلمات التي يفترض مسبقاً أن يكون مستعمل المعجم على علم بها ))([86]) علماً بأن هذا الكتاب بصورته المبينة لا يختلف في الواقع كثيراً عن بقية كتب الألفاظ المشتركة التي سبق ذكرها وغيرها . فهي وغيرها مما لم يذكر تقريباً تحمل طابع الكتب الأدبية اللغوية العامة . ولذلك فالحاجة تبقى ماسة لمعجم شامل لكل ما ورث أو نشأ في عصرنا الحاضر من الألفاظ المشتركة المعاني .
ولقد أحسن الدكتور (أوغست هفنر) Haffner , A حين جمع مصنفات كل من الأصمعي والسجستاني وابن السكيت والصغاني في الأضداد كلها في كتاب واحد وأخرجها في تحقيق موفق وتنسيق مقبول([87]) ، إذ جعل ما احتوته هذه الكتب الأربعة من ألفاظ الأضداد كلها ضمن تسلسل رقمي واحد، بحيث يسهل على الدارس إحصاؤها ، ووضع لهذه الألفاظ فهرساً موحداً جامعاً لها مرتباً إياها على حروف المعجم ، فسهـل على القارئ إمكانية الرجوع إليها والإحاطة بها ، كما أرفق كل ذلك بفهارس مستقلة لأسماء الشعراء وقوافي الأبيات التي وردت ضمن شروحها فأفاد القارئ بها ونبه الدارس على ما في كتب المجموعة من مخزون أدبي واسع رائع . وبذلك يكون هذا المحقق قد جمع الكثير مما كان مفرقاً مشتتاً في إطار موضوعي واحد سهل المأخذ ، يهيئ للباحث في موضوع هذه الألفاظ بلا شك جزءاً كبيراً من مادته .
رغم ما سبق ذكره فإن هذا الكتاب في شكله ووضعه الحالي وبمجموع ما احتواه لا يصلح أن يكون معجماً لألفاظ الأضداد فضلاً عن كونه معجماً للألفاظ المشتركة المعاني بنحو عام ، وإن كان يمكن أن مهيئاً ومشجعاً على تكوين معجم شامل جامع لها . فمناهج السرد والشرح والتعليق باقية فيه على صورتها الأصلية ، وكثير من الألفاظ يتكرر ورودها وشرحها فيه ، والنقل أو الاقتباس في بعض المصنفات المجموعة من بعضها الآخر وارد وكثير ، ولم يكن بوسع المحقق بطبيعة الحال أن يحذف أو يغير في الأصول أو أن يعمد إلى تصفيتها مما تخللها من نواقص أو شوائب تتعلق بالنصوص ذاتها ..
لا أعرف للألفاظ المشتركة في اللغة العربية على عمومها معجماً أو كتاباً حديثاً خاصاً بها سوى : « معجم الألفاظ المشتركة في اللغة العربية » ، لعبد الحليم محمد قنبس ، الصادر عن مكتبة لبنان عام 1987م ، وهو كتاب مقبول الطباعة جيد الإخراج حسن العرض لمادته نوعاً ما ، ولكنه ضئيل الحجم قليل المحتوى ، قاصر عن الإحاطة بما وجد ووضع أو استجد من الألفاظ المشتركة المعاني ، وبما استحدث وتطور من معاني هذه الألفاظ في العصر الحاضر .
بذل صاحب هذا المعجم مجهوداً ريادياً يشكر عليه في جمع بعض الشتات مما كان في متناول يده من بعض المصادر القديمة للألفاظ المذكورة ، معتمداً في أكثر ذلك على ما ورد منها في معجم « لسان العرب » لابن منظور الأفريقي وفي بعض الموروث من كتب اللغة العامة وكتب الأضداد . ولكنه لم يخضع مادة كتابه لغربلة تامة ، كما أنه أهمل الكثير مما احتوته بعض الكتب الخاصة بالموضوع ، وما اشتملت عليه المعاجم اللغوية العربية الحديثة من ألفاظ مشتركة ومن معان للألفاظ التي أوردها في كتابه . إضافة إلى ذلك فإنه لم يتبع في عرض وتوثيق معاني الألفاظ التي اختارها منهجاً موحداً ثابتاً من حيث التحديد والشرح ، فهو يستشهد أو يمثل لبعض هذه المعاني من آيات من القرآن أو الحديث الشريف أو الشعر ، بينما يسرد البعض الآخر منها دون توثيق أو تمثيل أو تعليق ، كما أن الأمثلة ينقلها المؤلف من مصادرها في الغالب على علاتها ، دون تحقيق كاف ، ودون النظر إلى مدى صلاحيتها لتوضيح المعنى أو تحديده وتقريبه ، أو مقدار ما يكتنفها هي نفسها من غموض أو ثقل أو غرابة أو تحريف أو تصحيف([88]) .
حبذا لو اقتدي بمن حرصوا على إغناء لغاتهم وتمكين أهلها منها من أبناء الشعوب المتقدمة ووضع للمتعلمين ولعموم المثقفين والاختصاصيين معجم حديث للكلمات متعددة الدلالات عامة ، بنوعيها اللذين تحدثنا عنهما. يستمد مواده ، ليس من ما ورثناه من كتب أو رسائل خاصة بهذه الألفاظ فحسب ، وإنما يستمدها أيضاً من معاجم الألفاظ اللغوية العامة : القديم منها والحديث ، ثم من النصوص الأدبية القديمة ، لاسيما تلك النصوص الثرية بالألفاظ والمحسنات البديعية اللفظية من جناس وترصيع وطباق وغيره ، كالرسائل الأدبية القديمة والمقامات والتوقيعات ونصوص الشعر, وأخيراً من نصوص التخاطب العصري الفصيح ، المقروء منه والمسموع . (( فالحكم على دلالة اللفظ في نص ما أدق وأوثق مما لو استقيناه من المعاجـم وحدها )) ([89]).
و يجدر الاستعانة بالحاسب الآلي والتقنيات الأخرى ذات الصلة بصناعة المعجم الحديث ، في الرصد والتخزين والإحصاء والتحليل والغربلة والمقارنة والانتقاء والتصنيف والتنسيق والإخراج والمتابعة ، من أجل تحقيق معجم شامل دقيق ميسر للمشترك اللفظي ، أسوة بما تعمله المؤسسات اللغوية المتطورة في صناعة معاجمها .
إن كتب المشترك اللفظي القديمة في معظمهـا - كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق - غنية بالأمثلة والشواهد القرآنية والشعرية والنثرية وبالاستطرادات والفوائد اللغوية والبلاغية والنقدية التي تهم الكثير من الدارسين والباحثين المتخصصين بلا ريب ، إلا أنها قد تكون ثقيلة منفرة أو مشتتة للذهن بالنسبة لعامة المتعلمين والمثقفين في وقتنا الحاضر ؛ لأن الشواهد والأمثلة التي تشتمل عليها هذه الكتب ربما كانت هي نفسها محتاجة للشرح والتفسير ، وهذا ما يسبب التعثر أو الإبطاء في الوصول إلى الهدف المنشود . كما أن هذه الشواهد والأمثلة تظهر أو تجسد في كثير منها إن لم يكن معظمها الاستعمالات القديمة للمشترك اللفظي والمعاني التي لم تعد متداولة في الوقت الراهن ، ولربما كان لذلك أثار إيجابية في فهم النصوص التراثية ، ومن ثم في توثيق الارتباط بالتراث والاستفادة من تجاربه الفكرية والإبداعية النافعة . إلا أن المتعلم الحديث يهمه بالدرجة الأولى الاطلاع على ما بقي من تلك الاستعمالات حياً ساري المفعول مقبولاً في لغة الحاضر ، وعلى ما تجدد وتطور واستحدث أو أضيف منها ، ليتمكن من الجمع بين كل ما تتطلبه أنشطة التعبير في الحياة المعاصرة من المشترك اللفظي .
بناء على ما تقدم ذكره فالحاجة تبقى ماسة لمعجم انتقائي سياقي للمشترك اللفظي في اللغة العربية . يرصد كل ما نشأ منه وتطور واستقر وتجددت حيويته في لغة العصر . ويتنكب الحوشي والغريب الثقيل الذي لم يعد مستعملاً أو ليس فيه من الحيوية والمرونة ما يكفي لإنعاشه وإدراجه في هذه اللغة أو استثماره في فهم النصوص التراثية . كما يتولى توضيح ما صعب تفسيره أو إدراكه من معاني هذه الألفاظ بالأمثلة السياقية المستمدة من لغة الحاضر المرنة الحرة الميسرة . ولا مانع أن تكون هذه الأمثلة منتقاة من النصوص التراثية الثرية الفاعلة المفهومة المقتصرة على تحديد المعنى المقصود ومد مستخدم المعجم بما يزيد من فائدته اللغوية أو البلاغية والفنية والمعرفية في آن واحد ، ولكن دون استطراد أو إطالة . ولابد من الاستعانة في ذلك بما توصلت إليه النظريات الحديثة في إعداد مثل هذا المعجم وإخراجه([90]) .
الحواشي والتعليقات
(1)ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ترجمة د. كمال محمد بشر (القاهرة : مكتبة الشباب ، 1975م)، ص ص 60 - ،61 112- 123 ؛ ،
John Lyons. Semantics (London: The Cambridge University Press, 1977), vol.2 p.55 Ladislav Zgusta. Manual of Lexicography (Mouton Hague, Paris. 1971), p.60 ff
(2)انظر أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ص 112.
(3)أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ص ،60 و ص 112 - 113.
(4)انظر جلال الدين السيوطي ، المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم وآخرين ، ( القاهرة : دار إحياء الكتب العربية ، د . ت ) ، ص 369 .
(5)اكتفينا في الأمثلة المبينة بذكر القريب المستخدم من هذه المعاني بغية التقريب والاختصار
(6)انظر الحسن ابن رشيق القيرواني ، العمدة في صناعة الشعر ونقده ، ط 4 ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد( بيروت : دار الجيل ، 1972م ) ، ج،1 ص 321 ، ج2 ، ص 97 .
(7)محمد بن القاسم الأنباري ، كتاب الأضداد ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت:المكتبة العصرية ، 1407هـ/1987م ) ، ص 374 . يحتوى هذا الكتاب على (357) من الأضداد .
(8)السيوطي ، المزهر في علوم اللغة ، ص 399 .
(9)لمزيد من التفصيل حول هذه المسألة أنظر د . احمد عبد الرحمن حماد ، عوامل التطور اللغوي ، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية ( بيروت : دار الأندلس، 1403/1982)، ص ص 71- 84 .
(10)انظر ثلاثة كتب في الأضداد ، للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت والصغاني ، ويليها ذيل في الأضداد للصغاني ، نشر وتحقيق د .( أوغست هفنر) Haffner , A بيروت : مطبعة اليسوعيين ، 1912م ) ، لقد وضع المحقق الألفاظ الواردة في الكتب الأربعة كلها وفق تسلسل واحد آخر رقم فيه هو (706) ، انظر ص248
(11)انظر د. حسن ظاظا ، كلام العرب : من قضايا اللغة العربية ( بيروت : دار النهضة العربية ، ( 1976 ، ص ص 108-113 .
(12)انظر د. ربحي كمال ، التضاد في ضوء اللغات السامية : دراسة مقارنة ( بيروت : دار النهضة العربية ، 1975م. (
(13)انظر ، ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللغة ، ص 114- 116 .
(14)السيوطي ، المزهر في علوم اللغة ، ص 370 .
(15)السيوطي ، المصدر نفسه ، ص 388 .
(16)الآيات على التوالي هي : الآية 88/ سورة الكهف ،18 آية 12/سبأ 34 ، 61/الصافات 37 ، 79/ الكهف 18 ، 27/ الأنبياء 21 ، 13/ سبأ 34 .
(17)مقاتل بن سليمان البلخي ، الأشباه والنظائر في القرآن الكريم ، دراسة وتحقيق د. عبد الله محمود شحاته ( القاهرة : الهيئة المصرية العامة ، 1395هـ/1975م ) .
(18)المعجم العربي الأساسي للناطقين بالعربية ومتعلميها ، تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويين العرب ) تونس : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 1408هـ - 1988م ) ، ص 914 .
(19)احمد عبد الرحمن حماد ، عوامل التطور اللغوي ، ص 73 .
(20)انظر د . محمود فهمي زيدان ، في فلسفة اللغة ( بيروت : دار النهضة العربية ، 1405هـ/1985م ) ، ص 106.
(21)يعقوب بن إسحق السكيت ، كتاب الأضداد ، هفنر ، ثلاثة كتب في الأضداد ، ص 163.
(22)علي ابن إسماعيل ابن سيده ، المخصص ( بولاق ، 1316هـ ) ، ج3 ص 259 .
(23)ربحي كمال ، التضاد في ضوء اللغات السامية ، ص 4 .
(24)أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني : « كتاب المقلوب لفظه في كلام العرب ، والمزال عن جهته والأضداد » ، ثلاثة كتب الأضداد : للأصمعي وللسجستاني ولابن السكيت ويليها ذيل للصغاني ، نشر وتحقيق د أوغست هفنر ( بيروت : مطبعة اليسوعيين ، 1912م ) ، ص 127 .
(25)المصدر السابق نفسه ، ص 117 .
(26)جوزيف فندريس Vendryes ، اللغة ، تعريب عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ( القاهرة : مطبعة لجنة البيان العربي ، 1370هـ /1950 ) ، ص254 .
(27)السيوطي ، المزهر ، ج1 ، 369 ؛ أولمان ، دور الكلمة ص 127 ، اسباب نشوء المشترك ؛ حماد ، عوامل التطور اللغوي ، ص 7




منقول

الخميس، 1 يوليو 2010

جوهر العقيدة النصرانية

جوهر العقيدة النصرانية
سنوضح في هذه السطور القادمة مفهوم الألوهية في العقيدة النصرانية التي تمثل الركن الركين في عقيدتهم وأصل الإيمان عندهم سنناقش ذلك مراعين إتخاذ كل طرق البحث العلمي حتى يتسنى لنا إظهار هذه العقيدة للناس جميعا ولإقامة الحجة عليهم ولدحض شبهاتهم التي بها يدافعون عن عقيدتهم ويذبون عن أنفسهم براثن الكفر والالحاد وينفونه عنهم بالرغم من أنهم وحلوا في الكفر وغرقوا في براثن الوثنية اللادينية واستقوا من عقائد الوثنيين من البوذية وغيرها والفلسفة الإغريقية الوثنية ماجعلوا منه دينا وثنيا الله سبحانه وتعالى شأنه منه برئ وعيسى منه برئ.


جوهر العقيدة النصرانية

إن أصول العقيدة النصرانية تتخلص فيما يسمونه بالأمانة الكبيرة وهذا نصها: { نؤمن بالله الواحد الأب ضابط الكل مالك كل شئ مانع مايرى وما لايرى وبالرب الواحد يسوع بن الله الواحد بكر الخلائق كلها الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها وليس بمصنوع اله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول وصلب أيام ( بيلاطس الملك ) ودفن وقام في اليوم الثالث ( من هذا المنطلق لهذه العقيدة عندهم عيد يسمى بعيد القيامة أي قيام المسيح بعد صلبه وللأسف الشديد أصبح المسلمين يوالون أعداء الله وعقيدتهم تفرض عليهم معاداتهم فالمولاة والمعاداة والحب في الله والبغض في الله هو الركن الركين في العقيدة الاسلامية ومن هدى المسلم أن يخالفهم ولا يعيد عليهم ولا يهنئهم ولا يشاركهم عيدهم بأي حال من الأحوال ) كما هو مكتوب وصعد إلى السماء وجلس عـن يمين أبيه مستعد للمجئ تارة أخرى للقضاء بين الأحياء والأموات . ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من أبيه الذي بموقع الأب والابن يسجد له ويمجد الناطق بالأنبياء وبكنيسة واحدة مقدسة رسولية وبمعبودية واحدة لمغفرة الخطايا وتترجى قيامة الموتى والحياة والدهر العتيد آمين } .

- لقد قرر هذه العقيدة {318} أسقفا اجتمعوا بمدينة يذقية في عهد قسطنطين عام 325م وفي عام 381م زادوا فيها مايلي: { والأب والابن وروح القدس هي ثلاثة أقانيم وثلاثة وجوه وثلاثة خواص توحيد في تثليث في توحيد كيان واحد بثلاثة أقانيم إله واحد جوهر واحد طبيعة واحدة } .

ويجب أخي القارئ معرفة أن هذه المجامع التي انشئت بعد ثلاثمائة سنة من حياة المسيح ماهي إلا مصنعا لإنتاج الآلهة وتحريف الدين ليرضى أهل الغنى والضلال من الملوك الوثنيين الذين فرضوا الوثنية على الديانة المسيحية ووصمها بهذه الوثنية الالحادية الكافرة ويجب معرفة أن المسيحية الحقة لم تستمر إلا ثلاثمائة سنة بعد رفع نبيهم على عقيدة التوحيد الخالص والحنفية السمحة ثم بعد هذه الفترة عقدوا المجمع الأول وألهوا المسيح عليه السلام وفي المجمع الثاني ألهوا مريم عليها السلام وفي المجمع الثاني عشر منحوا الكنيسة حق الغفران ( حق الغفران يذكرنا بصكوك الغفران في القرون الوسطى التي ظهرت في عهد مارتن لوثر أثناء عصور الظلام والفساد والطغيان الذي كان يصدر عن الكنيسة مما أدى إلى تكوين مناخ جيد لميلاد العلمانية اللادينية وإنفصال الدولة عن الكنيسة ) والحرمان ولها أن تمنح ذلك لمن تشاء من رجال الكهنوت والقساوسة وفي المجمع العشرون قرروا عصمة البابا . . . . . . . . . . الخ.


حول الامانة الكبرى وقفة مع العقل

لقد جاء في
الامانة الكبرى التي هي الركن الركين في العقيدة النصرانية : ان الاب يعني الله صانع الكل لما يرى وما لا يرى وجاء فيها ان الابن يعني عيسى خالق كل شيئ فاذا كان الله صانع كل شيئ فما الذي خلقه عيسى ؟ واذا كان عيسى خالق كل شيئ فما الذي خلقه الله ؟ انه التناقض العجيب الذي تذهل منه العقول وكيف يكون عيسى قديم لا اولية لوجوده مع انه عندهم هو ابن الله والابن لابد من ان يكون ابوه اقدم منه ؟ وهل يوجد الابن مع الاب وكيف ؟!! واذا كان المسيح هو الله بعينه فكيف يكون ابن وفي نفس الوقت هو اب ؟ واذا كان المسيح غير الله فلماذا يحتمل خطيئة لم يفعلها هو ؟ الا يعتبر هذا ظلم من الخالق ؟ ثم الم يكن من العدل ان يحيي الله ادم ثم يجعله يصلب ليتحمل عقوبة خطيئته ؟

ثم اما كان الله قادرا على مغفرة ذنب ادم دون الحاجة الى تلك الخرافات المضحكة , ثم ما ذنب البشرية الذين دخلوا في سجن ابليس قبل صلب المسيح في شيئ لم يفعلوه ؟ ثم اذا كان الذي صلب ( الله ) صلب عن طيب خاطر كما يقولون فلماذا كان يصيح ويستغيث ؟ وهل يكون الها من يصيح ويستغيث ولا يستطيع تخليص نفسه من اعدائه ومخالفيه ؟.

ثم لماذا يستحق الصليب هذا التعظيم والعبادة ولا يستحق الاهانة لانه كان الاداة في صلب الهكم كما تزعمون ( علما ان السيد المسيح عند رجوعه قبل قيام الساعة كما اخبر القران والحديث اول ما يفعله هو تكسير الصليب والدعوة الى الاسلام ) فان قلتم لانه لامس جسد المسيح , قلنا لكم صليب واحد لمس جسد المسيح ؟ وهل ملايين الصلبان الحديدية التي تصنعونها اليوم لمست جسد المسيح ؟ واذا كانت الامانة التي هي جوهر عقيدتكم تنص على ان الاله مات ثلاثة ايام فمن الذي احياه بعد ذلك ؟ واذا كان المسيح بيده ارزاق العالم فمن تولى شؤون العالم خلال مدة موته ؟ انه يوجد لدينا العديد من الاسئلة لا يجاب عنها الا بالفرار منها والغاء العقل نهائيا ولنا سؤال اخير هل اليهود صلبوا الرب برضاه ام بغير رضاه ؟ فان كان برضاه فيجب ان تشكروهم لانهم فعلوا ما يرضي الرب , وان كان صلبوه بغير رضاه فاعبدوهم لانهم غلبوا الرب وصاروا اقوى منه لان القوي احق بالعبادة من الضعيف , كما قال الشاعر :

عجبا لليهود والنصارى والى الله ولدا نسبوه
اسلموه لليهود و قالوا انهم من بعد قتله صلبوه
فلئن كان ما يقولون حقا فسلوهم اين كان ابوه
فاذا كان راضيا باذاهم فاشكروهم لاجل ما صنعوه
واذا كان ساخطا غير راضي فاعبدوهم لانهم غلبوه
فهل بعد الحق الا الضلال ,
فهل يعقل لنا ان ننادي كما ينادون اليوم يوحدة الاديان وان كل الاديان على حق وان يتخير الانسان فيما بينها ؟ وقد وضح الله طريق المؤمنين ومنهاج السالكين فقال : (( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) . وقال عليه الصلاة والسلام بعد ان خط خطا مستقيما وعلى جنبيه خطوط عن يساره ويمينه وقال ان هذا الخط المستقيم هو طريق الحق والسبل التي على جنبيه هي سبل الباطل وعلى راس كل طريق منها شيطان يدعوا المسلم ليحرفه عن طريقه المستقيم او كما قال . فعليك اخي المسلم ان تعرف طريق الحق وتترك السبل التي تفرق بك عن سبيل الله الى طريق الباطل والغي , بعد ان عرفت ان دينك هو الدين الحق وان ما سواه هو الباطل .



عقيدة الخلاص ولماذا يؤمنون ويقنعون بها

إن القاعدة التي تنطلق في الكنيسة لعامة الناس أنه لا تسأل فتطرد أو تعترض فتهلك فهم عليهم أن يطبقوا ما يلقنهم به قساوستهم وإن خالف العقل حتى أن بعض القساوسة يرددون دون فهم فكيف يستطيع إقناع النصراني بهذه العقيدة وهو نفسه لم يستطع إقناع نفسه وهذا نص عقيدة الخلاص التي يسلموا بها فعليك أن تناقشها بعقلك وروحك هل هذه عقيدة؟!!! .

أن من يؤمن بهذه العقيدة يتخلص من الآثام التي ارتكبها وأن من لا يؤمن بها فهو هالك لا محالة .

ويقولون أن آدم بعد أن أكل من الشجرة صار كل من يموت من ذريته يذهب إلى سجن إبليس في الجحيم وذلك حتى عهد موسى ثم إن الله عز وجل لما أراد رحمة البشرية وتخلصها من العذاب إحتال على إبليس فنزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن مريم ثم ولدته مريم حتى كبر وصار رجلا يقصد (عيسى) فمكن اعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه وتوجوا رأسه بالشوك وسمرو يديه ورجليه على الصليب وهو يتألم ويستغيث إلى أن مات ثلاثة أيام ثم قام من قبره وارتفع إلى السماء وبهذا يكون قد تحمل خطيئة آدم إلا من أنكر حادثة الصلب أو شك فيها .

فهل يعقل لأحد أن يصدق هذه الخرافات فإنهم الضالين كما وصفهم القرآن الكريم في محكم آياته .

لماذا قررت المجامع ألوهية عيسى؟

إن المجامع النصرانية التي ظهرت بعد ثلاثمائة سنة من رفع المسيح ماكانت إلا هيئة ومصنع لإصدار الأوامر وإفساد المسيحية وتأليه عيسى وأمه وعصمة البابا ورجال الكنيسة كما تقدم ولقد وضعوا أسبابا بها يبررون ألوهية عيسى وسنرد عليها إن شاء الله في حينه وهي:
1- ورود نصوص في أناجيلهم المحرفة التي نقلها بولس اليهودي .
2- إحياءه الموتى .
3- ولادته من غير أب .

ويجب ملاحظة أن إنجيل يوحنا لم يكتب إلا بعد حوالي ستين عاما من رفع المسيح فمثل هذا كيف يحفظ ما قاله المسيح مع العلم بأنهم قد أخذوا أغلب مافي إنجيل يوحنا من رسائل بولس اليهودي فكيف تقبل رسائل مثل هذا الرجل الذي كفره البابا ( إنجيل برنابا أصدر البابا أمرا بعدم تداوله (قبل ظهور الاسلام) بين النصارى لاحتوائه على التوحيد والكثير من الأشياء التي تتفق مع الاسلام والبشارة الحقيقة بمحمد عليه السلام وقد إكتشف هذا الإنجيل وطبع وهو أقرب الأناجيل للحقيقة ) في مقدمة إنجيله ولقد جاء في دائرة المعارف الفرنسية التي كتبها غير مسلمين أن إنجيل يوحنا ومرقص من وضع بولس اليهودي وجاء في دائرة المعارف الكبرى التي اشترك في تأليفها أكثر من 500 باحث من غير المسلمين أنهم أكدوا وقوع التحريف والتزوير في الأناجيل واعتبروا قصة الصلب ومافيها من تعارض وتناقض أكبر دليل على ذلك كما أكدوا أن كاتبي هذه الأناجيل قد تأثروا بعقائد البوذية والوثنية القديمة (كما سيأتي تفصيله فيما بعد) .

ولقد كانت الأدلة الواهية التي بها ألهوا عيسى ناتجة عن قصور إدراكهم والفهم الخاطئ في تأويل النصوص .

فلقد اخطأوا في فهم فقرات من الكتاب المقدس مثل ماجاء في سفر إرمياء النبي وهو يتحدث عن ولادة المسيح ( في ذلك الزمان يقوم لداود ابن هو ضوء النور . . . إلى قوله ويسمى الاله ) .
فانهم يفهمون من ذلك ان هذا النبي اقر بالوهية المسيح ومثل هذا النص ان صح عن نبي من الانبياء انما يقصد بذلك ان يحكي عن شيئ سوف يقع في المستقبل ( من الغيبيات ) ولا يقصد انه يقر ذلك , ومعنى النص انه سيقوم ولد من نسل داود يدعو الناس الى الدين ويؤيده الله بالمعجزات ( كاحياء الموتى وابراء الاعمى والابرص باذن الله ) فيطلق عليه اسم الاله !!. فهذا مجرد تنبؤ بشيئ سيحدث في المستقبل , ولقد حدث فعلا فارسل الله هذا الولد من نسل داود وايده بالمعجزات ولقد سمي بالاله بعد ذلك مما يدل على تحقق النبوة , وليس دليلا على الوهيته , ومما يؤيد ذلك ما جاء في مزمور داود ان الله عز وجل قال لداود عليه السلام انه ( سيولد لك ولد ادعى له اب ويدعى لي ابن , اللهم ابعث جاعل السنة ( اي محمد صلى الله عليه وسلم ) كي يعلم الناس انه بشر ) . فانهم يستدلون بذلك على ان الكتب المقدسة اشارت الى ان المسيح ابن الله , وانما المراد منها الاخبار عما سيقع في المستقبل , وفعلا بعث الله هذا الولد من نسل داود وادعى الناس انه ابن الله ثم ارسل الله صاحب السنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي بين لهم انه بشر واقام الحجة عليهم وبهذا تحققت النبوة بضلال هؤلاء الناس الذين الهوا المسيح وجعلوه ابنا لله بغيا وعدوانا وبعد ذلك كله ارسل الله خاتم النبيين الذي وضح لهم ان الباطل ما كانوا يفعلون وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه .



نموذج لجهل أصحاب المجامع

مما يدل على جهلهم ما نقله سعيد بن البطريق عما حدث في المجمع الثالث حيث اجتمع الوزراء والقواد الى الملك وقالوا : ان ما قاله الناس قد فسد وغلب عليهم ( آريوس ) و ( اقدانيس ) فكتب الملك الى جميع الاساقفة والبطارقة فاجتمعوا في القسطنطينية فوجدوا كتبهم تنص على ان الروح القدس مخلوق وليس باله فقال بطريق الاسكندرية : ليس روح القدس عندنا غير روح الله , وليس روح الله غير حياته فاذا قلنا ان روح الله مخلوقة فقد قلنا ان حياته مخلوقة واذا قلنا حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي وذلك كفر . فاستحسنوا جميعا هذا الراي ولعنوا ( آريون ) ومن قال بقولته هذه , واثبتوا ان ( روح القدس اله حق من اله حق ثلاثة اقانيم بثلاثة خواص) !!.

ولقد قال البوصيري :

جعلوا الثلاثة واحدا ولو اهتدوا لم يجعلوا العدد الكبير قليلا يقول الاستاذ عثمان القطعاني تعليقا على هذا الجهل الشنيع ما نصه : لقد ورد بالقران والسنة النبوية ان المسيح روح الله وذلك كقوله تعالى عن جبريل (( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا )) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه دخل الجنة ) .
وقد قام علماء المسلمين بتوضيح هذه النصوص لازالة ما يلبس من الخطأ في الفهم , فقالوا : ان الله عز وجل منزه عن الامتزاج باي مخلوق .
والامتزاج هو الحلول والاتحاد , الذي يمثل اساس النصرتنية , حيث قالوا بحلول الله في جسد عيسى عليه السلام وهو ما بنى الصوفية عليه اعتقادهم حيث يجعلون الله يحل في كل شيئ , وان الاقطاب تصير الهة على الارض ويعتبر من كمال التوحيد عند الصوفية اعتقاد ان الله يحل في كل شيئ .(( تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا )) .
وتضاف كلمة روح القدس وروح منه الى الله ليس لاتحادها به , وانما نسبة تشريف فهي اضافة تشريف وليست تبعيض ( اي جزء منه ) كما يقال ناقة الله وبيت الله . . . الخ . فمن المعلوم انه ليس المراد من ناقة الله : الناقة التي يركبها الله , وبيت الله ليس بمعنى البيت الذي يسكنه الله . فروح الله اي روح من الارواح التي خلقها الله , واضيفت اليه بقصد التشريف كقوله تعالى : (( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى )) يقصد به اضافة تشريف



حــول حــادثــة الــصــلب

لقد عرفت اخي القارئ مما تقدم ان دائرة المعارف الكبرى التي قام بتاليفها علماء غير مسلمين اكدت على وجود التزوير والتلفيق في الاناجيل , وتزويد وتلفيق حادثة الصلب وما جاء فيها من متناقضات , وسنلقي الضوء في هذه السطور على بعض الجوانب لاظهار هذا التناقض . فقد جاء في الانجيل ان عيسى عندما وثب اليهود عليه ليقتلوه قال : ( قد جزعت نفسي الان فماذا اقول يا ابتاه سلمني من هذا الوقت ) كما جاء انه عندما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال : ( يا إلهي لما سلمتني ) ؟.

يقول عثمان القطعاني : إن هذه النصوص تلزم النصارى بخيارين لا ثالث لهما : اما ان يكون حادث الصلب غير صحيح وبالتالي تكون الاناجيل ليس كل ما فيها صحيح ويترتب على ذلك ابطال خرافة الفداء . وهي الاصل لدين النصارى . واما ان تكون حادثة الصلب صحيحة فيكون المسيح ليس باله لانه جعل يصيح صياحا عظيما ويقول : يا إلهي . ويستغيث منهم فكيف يكون اله ويستغيث باله اخر ؟ وكيف يكون خالق ويغلبه مخلوق ؟ واذا كان اله فمن هو الاله الاخر الذي يدعوه ؟ , واذا قالوا ان الذي قتل هو الجزء البشري " الناسوت " فكيف يعيش الاله بجزء واحد فقط فاصبح الاله غير كامل , قد قال الشاعر :
أعباد عيسى لنا عندكم سؤال عجيب فهل من جواب ؟
إذا كان عيسى على زعمكم الها قديرا عزيزا يهاب
فكيف اعتقدتم بأن اليهود أذاقوه بالصلب مر العذاب
وكيف اعتقدتم بأن الاله يموت ويدفن تحت التراب ؟!

بالله عليك ايها القارئ الكريم المنصف هل يحتار من كان له عقل بأن هذا كذب ؟ وهل تريد كفرا اكثر من الذين جعلوا المخلوق يقتل الخالق ؟! .

ولقد اعترف النصارى ضمنا بتكذيب حادثة الصلب في الاناجيل عندما عقدوا مجمعا في سنة 1950 م قرروا فيه تبرئة اليهود من دم المسيح ؟ مع ان الاناجيل تذكر انهم وثبوا على المسيح كما تقدم ! فهل تريد تناقضا بعد كون المسيح قادرا على كل شيئ وكونه عاجزا عن حماية نفسه ؟.


مع القرآن الكريم وموقفه من هذه العقيدة

إن القران الكريم اثبت بطلان ما عليه النصارى من عقيدة التثليث وتأليه المسيح وقولهم انه ابن الله وغير ذلك الكثير كما تقدم .
فقال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )) . وقال عن الحلول والتحاد الذي اخذه النصارى من الوثنية القديمة فكان اساس دينهم وبداية التخبط في الغي والضلال : (( لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح عيسى ابن مريم )) .
وقال تعالى في نسب عيسى الى الله وجعله ابنا لله : (( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي ان يتخذ الرحمن ولدا * إن كل من في السموات والارض إلا أتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا )) .

وقال تعالى : (( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى امرا فإنما يقول له كن فيكون )) .
ورد القرآن على اعتقادهم ان خلق عيسى من ام بلا اب دليل على الوهيته فقال القران ان عيسى مثل ادم قد خلقه الله من تراب بدون اب ولا ام كما خلق حواء من ادم بدون ام , فالله اذا اراد ان يخلق شيئا انما يقول له كن فيكون : (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )) .
كما رد القرآن الكريم على ألوهية عيسى وأمه واثبت انه لا دخل لعيسى وامه فيما يدعونه عليهما فقال تعالى : (( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما امرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيئ شهيد )) .
فعيسى وامه لم يطلبا من النصارى عبادتهم وقد تبرأ منهم عيسى وامه كما تقدم . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رضي ان يعبد من دون الله دخل النار ) ولكن عيسى ابن مريم وامه لم يرضيا بعبادتهم من دون الله كما ذكرت الايات .

كما ان عيسى عليه السلام تبرأ من قومه ووكل امرهم بعد رفعه إلى الله فهو الشهيد عليهم (( فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله امنا بالله واشهد بانا مسلمون * ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين )) والشاهدين هم المسلمون اتباع خاتم الانبياء لكونهم اقاموا الحجة عليهم وبرءوا عيسى من هذه المفتريات ودعوا الى عبادة الله وحده وبغض ما سواه من الالهة الباطلة واتباع الحق .

كما ان الله سبحانه وتعالى اثبت بنفسه عدم الوهية عيسى بالاضافة الى ما سبق من الادلة وانه ناقص وبشر ولا يستحق ان يرتفع ويرقى الى مرتبة الالوهية فهذا انسان لم ما للانسان ويخضع لما يخضع له الانسان فهو يأكل ويشرب وبالتالي فعليه ان يلبي نداء الطبيعة ويتغوط وغير ذلك مما يلزم الانسان في معيشته .
ومن كان حاله هذا فلا يرقى لان يكون اله لان الله لا ياكل (( وهو يطعم ولا يطعم )) .
قال تعالى : (( ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا ياكلان الطعام )) .

واخيرا اسرد لكم هذه الاية الكريمة لتكون حسن الختام في هذا الشأن وليتضح الحق ويزهق الباطل .
قال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلالثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم )) .

جوهر العقيدة النصرانية

جوهر العقيدة النصرانية
سنوضح في هذه السطور القادمة مفهوم الألوهية في العقيدة النصرانية التي تمثل الركن الركين في عقيدتهم وأصل الإيمان عندهم سنناقش ذلك مراعين إتخاذ كل طرق البحث العلمي حتى يتسنى لنا إظهار هذه العقيدة للناس جميعا ولإقامة الحجة عليهم ولدحض شبهاتهم التي بها يدافعون عن عقيدتهم ويذبون عن أنفسهم براثن الكفر والالحاد وينفونه عنهم بالرغم من أنهم وحلوا في الكفر وغرقوا في براثن الوثنية اللادينية واستقوا من عقائد الوثنيين من البوذية وغيرها والفلسفة الإغريقية الوثنية ماجعلوا منه دينا وثنيا الله سبحانه وتعالى شأنه منه برئ وعيسى منه برئ.


جوهر العقيدة النصرانية

إن أصول العقيدة النصرانية تتخلص فيما يسمونه بالأمانة الكبيرة وهذا نصها: { نؤمن بالله الواحد الأب ضابط الكل مالك كل شئ مانع مايرى وما لايرى وبالرب الواحد يسوع بن الله الواحد بكر الخلائق كلها الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها وليس بمصنوع اله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول وصلب أيام ( بيلاطس الملك ) ودفن وقام في اليوم الثالث ( من هذا المنطلق لهذه العقيدة عندهم عيد يسمى بعيد القيامة أي قيام المسيح بعد صلبه وللأسف الشديد أصبح المسلمين يوالون أعداء الله وعقيدتهم تفرض عليهم معاداتهم فالمولاة والمعاداة والحب في الله والبغض في الله هو الركن الركين في العقيدة الاسلامية ومن هدى المسلم أن يخالفهم ولا يعيد عليهم ولا يهنئهم ولا يشاركهم عيدهم بأي حال من الأحوال ) كما هو مكتوب وصعد إلى السماء وجلس عـن يمين أبيه مستعد للمجئ تارة أخرى للقضاء بين الأحياء والأموات . ونؤمن بروح القدس المحيي المنبثق من أبيه الذي بموقع الأب والابن يسجد له ويمجد الناطق بالأنبياء وبكنيسة واحدة مقدسة رسولية وبمعبودية واحدة لمغفرة الخطايا وتترجى قيامة الموتى والحياة والدهر العتيد آمين } .

- لقد قرر هذه العقيدة {318} أسقفا اجتمعوا بمدينة يذقية في عهد قسطنطين عام 325م وفي عام 381م زادوا فيها مايلي: { والأب والابن وروح القدس هي ثلاثة أقانيم وثلاثة وجوه وثلاثة خواص توحيد في تثليث في توحيد كيان واحد بثلاثة أقانيم إله واحد جوهر واحد طبيعة واحدة } .

ويجب أخي القارئ معرفة أن هذه المجامع التي انشئت بعد ثلاثمائة سنة من حياة المسيح ماهي إلا مصنعا لإنتاج الآلهة وتحريف الدين ليرضى أهل الغنى والضلال من الملوك الوثنيين الذين فرضوا الوثنية على الديانة المسيحية ووصمها بهذه الوثنية الالحادية الكافرة ويجب معرفة أن المسيحية الحقة لم تستمر إلا ثلاثمائة سنة بعد رفع نبيهم على عقيدة التوحيد الخالص والحنفية السمحة ثم بعد هذه الفترة عقدوا المجمع الأول وألهوا المسيح عليه السلام وفي المجمع الثاني ألهوا مريم عليها السلام وفي المجمع الثاني عشر منحوا الكنيسة حق الغفران ( حق الغفران يذكرنا بصكوك الغفران في القرون الوسطى التي ظهرت في عهد مارتن لوثر أثناء عصور الظلام والفساد والطغيان الذي كان يصدر عن الكنيسة مما أدى إلى تكوين مناخ جيد لميلاد العلمانية اللادينية وإنفصال الدولة عن الكنيسة ) والحرمان ولها أن تمنح ذلك لمن تشاء من رجال الكهنوت والقساوسة وفي المجمع العشرون قرروا عصمة البابا . . . . . . . . . . الخ.


حول الامانة الكبرى وقفة مع العقل

لقد جاء في
الامانة الكبرى التي هي الركن الركين في العقيدة النصرانية : ان الاب يعني الله صانع الكل لما يرى وما لا يرى وجاء فيها ان الابن يعني عيسى خالق كل شيئ فاذا كان الله صانع كل شيئ فما الذي خلقه عيسى ؟ واذا كان عيسى خالق كل شيئ فما الذي خلقه الله ؟ انه التناقض العجيب الذي تذهل منه العقول وكيف يكون عيسى قديم لا اولية لوجوده مع انه عندهم هو ابن الله والابن لابد من ان يكون ابوه اقدم منه ؟ وهل يوجد الابن مع الاب وكيف ؟!! واذا كان المسيح هو الله بعينه فكيف يكون ابن وفي نفس الوقت هو اب ؟ واذا كان المسيح غير الله فلماذا يحتمل خطيئة لم يفعلها هو ؟ الا يعتبر هذا ظلم من الخالق ؟ ثم الم يكن من العدل ان يحيي الله ادم ثم يجعله يصلب ليتحمل عقوبة خطيئته ؟

ثم اما كان الله قادرا على مغفرة ذنب ادم دون الحاجة الى تلك الخرافات المضحكة , ثم ما ذنب البشرية الذين دخلوا في سجن ابليس قبل صلب المسيح في شيئ لم يفعلوه ؟ ثم اذا كان الذي صلب ( الله ) صلب عن طيب خاطر كما يقولون فلماذا كان يصيح ويستغيث ؟ وهل يكون الها من يصيح ويستغيث ولا يستطيع تخليص نفسه من اعدائه ومخالفيه ؟.

ثم لماذا يستحق الصليب هذا التعظيم والعبادة ولا يستحق الاهانة لانه كان الاداة في صلب الهكم كما تزعمون ( علما ان السيد المسيح عند رجوعه قبل قيام الساعة كما اخبر القران والحديث اول ما يفعله هو تكسير الصليب والدعوة الى الاسلام ) فان قلتم لانه لامس جسد المسيح , قلنا لكم صليب واحد لمس جسد المسيح ؟ وهل ملايين الصلبان الحديدية التي تصنعونها اليوم لمست جسد المسيح ؟ واذا كانت الامانة التي هي جوهر عقيدتكم تنص على ان الاله مات ثلاثة ايام فمن الذي احياه بعد ذلك ؟ واذا كان المسيح بيده ارزاق العالم فمن تولى شؤون العالم خلال مدة موته ؟ انه يوجد لدينا العديد من الاسئلة لا يجاب عنها الا بالفرار منها والغاء العقل نهائيا ولنا سؤال اخير هل اليهود صلبوا الرب برضاه ام بغير رضاه ؟ فان كان برضاه فيجب ان تشكروهم لانهم فعلوا ما يرضي الرب , وان كان صلبوه بغير رضاه فاعبدوهم لانهم غلبوا الرب وصاروا اقوى منه لان القوي احق بالعبادة من الضعيف , كما قال الشاعر :

عجبا لليهود والنصارى والى الله ولدا نسبوه
اسلموه لليهود و قالوا انهم من بعد قتله صلبوه
فلئن كان ما يقولون حقا فسلوهم اين كان ابوه
فاذا كان راضيا باذاهم فاشكروهم لاجل ما صنعوه
واذا كان ساخطا غير راضي فاعبدوهم لانهم غلبوه
فهل بعد الحق الا الضلال ,
فهل يعقل لنا ان ننادي كما ينادون اليوم يوحدة الاديان وان كل الاديان على حق وان يتخير الانسان فيما بينها ؟ وقد وضح الله طريق المؤمنين ومنهاج السالكين فقال : (( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) . وقال عليه الصلاة والسلام بعد ان خط خطا مستقيما وعلى جنبيه خطوط عن يساره ويمينه وقال ان هذا الخط المستقيم هو طريق الحق والسبل التي على جنبيه هي سبل الباطل وعلى راس كل طريق منها شيطان يدعوا المسلم ليحرفه عن طريقه المستقيم او كما قال . فعليك اخي المسلم ان تعرف طريق الحق وتترك السبل التي تفرق بك عن سبيل الله الى طريق الباطل والغي , بعد ان عرفت ان دينك هو الدين الحق وان ما سواه هو الباطل .



عقيدة الخلاص ولماذا يؤمنون ويقنعون بها

إن القاعدة التي تنطلق في الكنيسة لعامة الناس أنه لا تسأل فتطرد أو تعترض فتهلك فهم عليهم أن يطبقوا ما يلقنهم به قساوستهم وإن خالف العقل حتى أن بعض القساوسة يرددون دون فهم فكيف يستطيع إقناع النصراني بهذه العقيدة وهو نفسه لم يستطع إقناع نفسه وهذا نص عقيدة الخلاص التي يسلموا بها فعليك أن تناقشها بعقلك وروحك هل هذه عقيدة؟!!! .

أن من يؤمن بهذه العقيدة يتخلص من الآثام التي ارتكبها وأن من لا يؤمن بها فهو هالك لا محالة .

ويقولون أن آدم بعد أن أكل من الشجرة صار كل من يموت من ذريته يذهب إلى سجن إبليس في الجحيم وذلك حتى عهد موسى ثم إن الله عز وجل لما أراد رحمة البشرية وتخلصها من العذاب إحتال على إبليس فنزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن مريم ثم ولدته مريم حتى كبر وصار رجلا يقصد (عيسى) فمكن اعداءه اليهود من نفسه حتى صلبوه وتوجوا رأسه بالشوك وسمرو يديه ورجليه على الصليب وهو يتألم ويستغيث إلى أن مات ثلاثة أيام ثم قام من قبره وارتفع إلى السماء وبهذا يكون قد تحمل خطيئة آدم إلا من أنكر حادثة الصلب أو شك فيها .

فهل يعقل لأحد أن يصدق هذه الخرافات فإنهم الضالين كما وصفهم القرآن الكريم في محكم آياته .

لماذا قررت المجامع ألوهية عيسى؟

إن المجامع النصرانية التي ظهرت بعد ثلاثمائة سنة من رفع المسيح ماكانت إلا هيئة ومصنع لإصدار الأوامر وإفساد المسيحية وتأليه عيسى وأمه وعصمة البابا ورجال الكنيسة كما تقدم ولقد وضعوا أسبابا بها يبررون ألوهية عيسى وسنرد عليها إن شاء الله في حينه وهي:
1- ورود نصوص في أناجيلهم المحرفة التي نقلها بولس اليهودي .
2- إحياءه الموتى .
3- ولادته من غير أب .

ويجب ملاحظة أن إنجيل يوحنا لم يكتب إلا بعد حوالي ستين عاما من رفع المسيح فمثل هذا كيف يحفظ ما قاله المسيح مع العلم بأنهم قد أخذوا أغلب مافي إنجيل يوحنا من رسائل بولس اليهودي فكيف تقبل رسائل مثل هذا الرجل الذي كفره البابا ( إنجيل برنابا أصدر البابا أمرا بعدم تداوله (قبل ظهور الاسلام) بين النصارى لاحتوائه على التوحيد والكثير من الأشياء التي تتفق مع الاسلام والبشارة الحقيقة بمحمد عليه السلام وقد إكتشف هذا الإنجيل وطبع وهو أقرب الأناجيل للحقيقة ) في مقدمة إنجيله ولقد جاء في دائرة المعارف الفرنسية التي كتبها غير مسلمين أن إنجيل يوحنا ومرقص من وضع بولس اليهودي وجاء في دائرة المعارف الكبرى التي اشترك في تأليفها أكثر من 500 باحث من غير المسلمين أنهم أكدوا وقوع التحريف والتزوير في الأناجيل واعتبروا قصة الصلب ومافيها من تعارض وتناقض أكبر دليل على ذلك كما أكدوا أن كاتبي هذه الأناجيل قد تأثروا بعقائد البوذية والوثنية القديمة (كما سيأتي تفصيله فيما بعد) .

ولقد كانت الأدلة الواهية التي بها ألهوا عيسى ناتجة عن قصور إدراكهم والفهم الخاطئ في تأويل النصوص .

فلقد اخطأوا في فهم فقرات من الكتاب المقدس مثل ماجاء في سفر إرمياء النبي وهو يتحدث عن ولادة المسيح ( في ذلك الزمان يقوم لداود ابن هو ضوء النور . . . إلى قوله ويسمى الاله ) .
فانهم يفهمون من ذلك ان هذا النبي اقر بالوهية المسيح ومثل هذا النص ان صح عن نبي من الانبياء انما يقصد بذلك ان يحكي عن شيئ سوف يقع في المستقبل ( من الغيبيات ) ولا يقصد انه يقر ذلك , ومعنى النص انه سيقوم ولد من نسل داود يدعو الناس الى الدين ويؤيده الله بالمعجزات ( كاحياء الموتى وابراء الاعمى والابرص باذن الله ) فيطلق عليه اسم الاله !!. فهذا مجرد تنبؤ بشيئ سيحدث في المستقبل , ولقد حدث فعلا فارسل الله هذا الولد من نسل داود وايده بالمعجزات ولقد سمي بالاله بعد ذلك مما يدل على تحقق النبوة , وليس دليلا على الوهيته , ومما يؤيد ذلك ما جاء في مزمور داود ان الله عز وجل قال لداود عليه السلام انه ( سيولد لك ولد ادعى له اب ويدعى لي ابن , اللهم ابعث جاعل السنة ( اي محمد صلى الله عليه وسلم ) كي يعلم الناس انه بشر ) . فانهم يستدلون بذلك على ان الكتب المقدسة اشارت الى ان المسيح ابن الله , وانما المراد منها الاخبار عما سيقع في المستقبل , وفعلا بعث الله هذا الولد من نسل داود وادعى الناس انه ابن الله ثم ارسل الله صاحب السنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي بين لهم انه بشر واقام الحجة عليهم وبهذا تحققت النبوة بضلال هؤلاء الناس الذين الهوا المسيح وجعلوه ابنا لله بغيا وعدوانا وبعد ذلك كله ارسل الله خاتم النبيين الذي وضح لهم ان الباطل ما كانوا يفعلون وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه .



نموذج لجهل أصحاب المجامع

مما يدل على جهلهم ما نقله سعيد بن البطريق عما حدث في المجمع الثالث حيث اجتمع الوزراء والقواد الى الملك وقالوا : ان ما قاله الناس قد فسد وغلب عليهم ( آريوس ) و ( اقدانيس ) فكتب الملك الى جميع الاساقفة والبطارقة فاجتمعوا في القسطنطينية فوجدوا كتبهم تنص على ان الروح القدس مخلوق وليس باله فقال بطريق الاسكندرية : ليس روح القدس عندنا غير روح الله , وليس روح الله غير حياته فاذا قلنا ان روح الله مخلوقة فقد قلنا ان حياته مخلوقة واذا قلنا حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي وذلك كفر . فاستحسنوا جميعا هذا الراي ولعنوا ( آريون ) ومن قال بقولته هذه , واثبتوا ان ( روح القدس اله حق من اله حق ثلاثة اقانيم بثلاثة خواص) !!.

ولقد قال البوصيري :

جعلوا الثلاثة واحدا ولو اهتدوا لم يجعلوا العدد الكبير قليلا يقول الاستاذ عثمان القطعاني تعليقا على هذا الجهل الشنيع ما نصه : لقد ورد بالقران والسنة النبوية ان المسيح روح الله وذلك كقوله تعالى عن جبريل (( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا )) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه دخل الجنة ) .
وقد قام علماء المسلمين بتوضيح هذه النصوص لازالة ما يلبس من الخطأ في الفهم , فقالوا : ان الله عز وجل منزه عن الامتزاج باي مخلوق .
والامتزاج هو الحلول والاتحاد , الذي يمثل اساس النصرتنية , حيث قالوا بحلول الله في جسد عيسى عليه السلام وهو ما بنى الصوفية عليه اعتقادهم حيث يجعلون الله يحل في كل شيئ , وان الاقطاب تصير الهة على الارض ويعتبر من كمال التوحيد عند الصوفية اعتقاد ان الله يحل في كل شيئ .(( تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا )) .
وتضاف كلمة روح القدس وروح منه الى الله ليس لاتحادها به , وانما نسبة تشريف فهي اضافة تشريف وليست تبعيض ( اي جزء منه ) كما يقال ناقة الله وبيت الله . . . الخ . فمن المعلوم انه ليس المراد من ناقة الله : الناقة التي يركبها الله , وبيت الله ليس بمعنى البيت الذي يسكنه الله . فروح الله اي روح من الارواح التي خلقها الله , واضيفت اليه بقصد التشريف كقوله تعالى : (( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى )) يقصد به اضافة تشريف



حــول حــادثــة الــصــلب

لقد عرفت اخي القارئ مما تقدم ان دائرة المعارف الكبرى التي قام بتاليفها علماء غير مسلمين اكدت على وجود التزوير والتلفيق في الاناجيل , وتزويد وتلفيق حادثة الصلب وما جاء فيها من متناقضات , وسنلقي الضوء في هذه السطور على بعض الجوانب لاظهار هذا التناقض . فقد جاء في الانجيل ان عيسى عندما وثب اليهود عليه ليقتلوه قال : ( قد جزعت نفسي الان فماذا اقول يا ابتاه سلمني من هذا الوقت ) كما جاء انه عندما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال : ( يا إلهي لما سلمتني ) ؟.

يقول عثمان القطعاني : إن هذه النصوص تلزم النصارى بخيارين لا ثالث لهما : اما ان يكون حادث الصلب غير صحيح وبالتالي تكون الاناجيل ليس كل ما فيها صحيح ويترتب على ذلك ابطال خرافة الفداء . وهي الاصل لدين النصارى . واما ان تكون حادثة الصلب صحيحة فيكون المسيح ليس باله لانه جعل يصيح صياحا عظيما ويقول : يا إلهي . ويستغيث منهم فكيف يكون اله ويستغيث باله اخر ؟ وكيف يكون خالق ويغلبه مخلوق ؟ واذا كان اله فمن هو الاله الاخر الذي يدعوه ؟ , واذا قالوا ان الذي قتل هو الجزء البشري " الناسوت " فكيف يعيش الاله بجزء واحد فقط فاصبح الاله غير كامل , قد قال الشاعر :
أعباد عيسى لنا عندكم سؤال عجيب فهل من جواب ؟
إذا كان عيسى على زعمكم الها قديرا عزيزا يهاب
فكيف اعتقدتم بأن اليهود أذاقوه بالصلب مر العذاب
وكيف اعتقدتم بأن الاله يموت ويدفن تحت التراب ؟!

بالله عليك ايها القارئ الكريم المنصف هل يحتار من كان له عقل بأن هذا كذب ؟ وهل تريد كفرا اكثر من الذين جعلوا المخلوق يقتل الخالق ؟! .

ولقد اعترف النصارى ضمنا بتكذيب حادثة الصلب في الاناجيل عندما عقدوا مجمعا في سنة 1950 م قرروا فيه تبرئة اليهود من دم المسيح ؟ مع ان الاناجيل تذكر انهم وثبوا على المسيح كما تقدم ! فهل تريد تناقضا بعد كون المسيح قادرا على كل شيئ وكونه عاجزا عن حماية نفسه ؟.


مع القرآن الكريم وموقفه من هذه العقيدة

إن القران الكريم اثبت بطلان ما عليه النصارى من عقيدة التثليث وتأليه المسيح وقولهم انه ابن الله وغير ذلك الكثير كما تقدم .
فقال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة )) . وقال عن الحلول والتحاد الذي اخذه النصارى من الوثنية القديمة فكان اساس دينهم وبداية التخبط في الغي والضلال : (( لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح عيسى ابن مريم )) .
وقال تعالى في نسب عيسى الى الله وجعله ابنا لله : (( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي ان يتخذ الرحمن ولدا * إن كل من في السموات والارض إلا أتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا )) .

وقال تعالى : (( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى امرا فإنما يقول له كن فيكون )) .
ورد القرآن على اعتقادهم ان خلق عيسى من ام بلا اب دليل على الوهيته فقال القران ان عيسى مثل ادم قد خلقه الله من تراب بدون اب ولا ام كما خلق حواء من ادم بدون ام , فالله اذا اراد ان يخلق شيئا انما يقول له كن فيكون : (( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون )) .
كما رد القرآن الكريم على ألوهية عيسى وأمه واثبت انه لا دخل لعيسى وامه فيما يدعونه عليهما فقال تعالى : (( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما امرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيئ شهيد )) .
فعيسى وامه لم يطلبا من النصارى عبادتهم وقد تبرأ منهم عيسى وامه كما تقدم . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رضي ان يعبد من دون الله دخل النار ) ولكن عيسى ابن مريم وامه لم يرضيا بعبادتهم من دون الله كما ذكرت الايات .

كما ان عيسى عليه السلام تبرأ من قومه ووكل امرهم بعد رفعه إلى الله فهو الشهيد عليهم (( فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله امنا بالله واشهد بانا مسلمون * ربنا امنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين )) والشاهدين هم المسلمون اتباع خاتم الانبياء لكونهم اقاموا الحجة عليهم وبرءوا عيسى من هذه المفتريات ودعوا الى عبادة الله وحده وبغض ما سواه من الالهة الباطلة واتباع الحق .

كما ان الله سبحانه وتعالى اثبت بنفسه عدم الوهية عيسى بالاضافة الى ما سبق من الادلة وانه ناقص وبشر ولا يستحق ان يرتفع ويرقى الى مرتبة الالوهية فهذا انسان لم ما للانسان ويخضع لما يخضع له الانسان فهو يأكل ويشرب وبالتالي فعليه ان يلبي نداء الطبيعة ويتغوط وغير ذلك مما يلزم الانسان في معيشته .
ومن كان حاله هذا فلا يرقى لان يكون اله لان الله لا ياكل (( وهو يطعم ولا يطعم )) .
قال تعالى : (( ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا ياكلان الطعام )) .

واخيرا اسرد لكم هذه الاية الكريمة لتكون حسن الختام في هذا الشأن وليتضح الحق ويزهق الباطل .
قال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من انصار لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلالثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم )) .

شــهود يهــوه

شــهود يهــوه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

إن جماعة شهود يهوة: جماعة صهيونية عالمية متأثرة بالديانة اليهودية ترتدي ثوب المسيحية. قام بتأسيسها Charles Russel (1852-1916) وقد أقامت زوجته شكوى ضده في المحكمة لسوء خلقه. ثم جاء من بعده وجوزف رذرفورد (Joseph Rutherford) (1869-1942) ثم تولى ناثان هومر كنور ( ؟-1905).

وأما الاله «يهوه» فقد ذكر القسيس ابراهيم جبر القبطي أنها الترجمة العبرية للقب (اله الحرب). وهو عند شهود يهوه اله فئوي خاص بالشعب اليهودي ينفث حقدا وغضبا ضد أبناء الأمم والشعوب الأخرى. وهم يدعون الى سلام عالمي تحت حكم يهودي عالمي بيته الأبيض: هيكل سليمان. ومن لم يقبل فلينتظر معركة أرمجدون (يقصدون المعركة الكبرى بين اليهود والعرب). وأي سلام يأتي من قوم قتلوا أنبياءهم وأشعلوا الحروب بين الامم؟

وجماعة شود يهوه لا تعترف بأي حكومة ولا شعار فقد قالوا في كتاب (Let God be true P. 295) « يعلن شهود يهوه اليوم أحكام الله العادلة والقاضية بتدمير جميع حكومات هذا العالم الشرير». ولا تنحني رؤوسهم الا الى العلم الذي تعلوه نجمة داود السداسية. صدرت في حق العديد من أعضاء هذه الجماعة بالتجسس لصالح أمريكا وغيرها.

وهي أحرى أن تسمى منظمة عالمية سياسية فان أهم أهدافهم ان تقوم مملكة اسرائيل وتحكم العالم كله. وهي تدعو لحشد التأييد لليهود في مملكتهم القادمة ولتهيئة الناس وتعبئتهم ليكونوا جنودا متطوعين لحرب يهودية مقدسة قادمة ضد المسلمين وهي معركة أرمجدون. جمعية تدعي الانسانية والسلام وهي تمجد الحرب وتدق طبولها. وتعتبر القتل والتدمير الذي يحصل عندها تحقيقا لنبوءات التوراة. يدعون الناس للاستسلام لحلم « مملكة اسرائيل الكبرى المباركة من ربها يهوه».

يتسترون بالمسيحية ويعملون لخدمة السياسة التوسعية لليهود. يمجدون الحركة الصهيونية وصفون زعيمها تيودور هرتزل بالمحبوب من الله. ويعبرون عن نشأة الكيان الصهيوني بنعمة يهوة التي أرسلها الى شعبه الخاص والمختار الى الأبد. ولهذا لم يصدر عن الجمعية حتى الآن قرار يدين الانتهاكات الصهيونية للشعب الفلسطيني.

أعلن شهود يهوه أن سنة 1914 شهدت ارتفاع غضب الله عن اليهود بعد أن كان وقع غضبه عليهم سنة 606 وابعد 1914 أصبحوا أصحاب السلطة الذين سيحكمون العالم، وطيلة فترة عدم حكمهم كان الحكم للشيطان. (عن كتاب الخلاص لجوزف راذرفورد). ولهم حسابات خاصة اعتمدوها لتبرير وتسويق فكرتهم بابتداء العمل الجاد لبعث مملكة يهوذا من جديد. فهم مندوبو مبيعات استأجرهم اليهود للترويج والدعاية لمشروعهم الأكبر في حكم العالم.

وقد يتظاهر أفرادهم أمام المعترض بعدم الرضا عن قتل وتهجير الفلسطينيين لكنهم لم يصرحوا رسميا بالاعتراض على ما تفعله اسرائيل في لبنان وفلسطين لأن عقيدة شهود يهوه تنطلق من فكرة أن الله قد رفع منذ 607 غضبه عن بني اسرائيل، وأن كل ما تقوم به اسرائيل انما هو يمثل إرادة الله ذلك منهم ولا بد أن يكون راض عن كل ما فعلوه لتتحقق النبوءات حول قيام مملكة اسرائيل الكبرى. وعلى الأمم الأخرى الصبر على ما قدره الله لهم من التشريد والموت واقتطاع أراضيهم وأملاكهم.

ولذلك فإن تسميتهم «شهود يهوه» تربطهم باليهود أكثر من ارتباطهم بالمسيحية: فإنهم غير مقبولين كمسيحيين لا في الكنيسة ولا بين حكومات العالم التي اتحذرهم بشدة وترتاب من أمرهم. فلا تزال حكومات العالم تلاحقهم وتمنع نشاطهم كما حدث في لبنان وتركيا ومصر وسويسرا وايطاليا وألمانيا والنمسا وكندا وغيرها من بلاد العالم حيث صدرت قرارت المنع بحجة أن جمعية شهود يهوة انما هي حركة سياسية تعمل لمصلحة الصهيونية ووفق توجيهاتها.

فجماعة شهود يهوه حين تدعو المسلم الى أن يترك دينه اليها لا ترضى أن يكون بروتستانتيا ولا كاثوليكيا فانها لا تراهم مسيحيين أصلا. ومن أهم أسباب قبول دعوتهم أنهم يستخدمون الجنس الناعم لطرق أبواب الناس والدخول على البيوت. ويتميزون بالملابس الراقية والمظاهر البراقة ليوقعوا الناس في حبالهم. يسمحون لأنفسهم بدق أبواب الناس ليعرضوا عليهم فكرهم بينما لا يسمحون لأحد بطرق أبوابهم. ان فكرة دق المرأة الباب عند بيوت الرجال فكرة جذابة لجلب الزبائن. وهذه الفكرة لم تعد تقتصر على بائعي الملابس وانما على بائعي الأديان! وكما جاء في بيان كنيسة اللاتين بدمشق « جماعة تدخل على المنازل البسيطة بثياب الحملان وهي ذئاب خاطفة تفترس الأذهان الضعيفة بآيات من توراة مزيفة لا تمت بصلة الى الكتب المقدسة». ونظرا لازعاجاتها المتكررة في البيوت ألصق الناس في هولندا وغيرها على أبواب بيوتهم عبارة (ممنوع دخول الكلاب وشهود يهوه).

عقائد شهود يهوه
وتتلخص عقائد شهودي يهوه في :

الدعوة العالمية الى أن يكون الشعب الوحيد الحاكم على الأرض هم شعب اسرائيل وأن تزول الممالك جميعها وتبقى مملكة واحدة هي مملكة بني اسرائيل في القدس. يبشرون الناس بفلسطين وطنا قوميا لليهود. ويعملون على تقرير عقيدة مملكة اسرائيل العالمية بين الناس ومن ثم الدعوة الى القضاء على جميع الأنظمة السياسية.
الانتصار للصهيونية العالمية ولذلك أصدوا أول نشرة لمجلتهم سنة (1879) بعنوان Zion’s Watch Tower غير أنهم لاحظوا أن دعوتهم مكشوفة فحذفوا كلمة (صهيون) وصارت بعد ذلك Watch Tower. إنهم يسعون لاقامة هيكل سليمان ليكون عرش اليهود يحكمون العالم وهم عليه .
يبشرون بمعركة أرمجدون التي يتم لشهود يهوه بعدها السيطرة على العالم وخضوع العالم لمملكة اسرائيل.
إنكار عقيدة ألوهية المسيح ومع ذلك فهو ابن الله غير أنهما شخصيتين منفصلتين وأن الابن غير مساو للأب كما تدعي الكنيسة.
إنكار عقيدة الثالوث واعتبارها من مخلفات العقائد الوثنية القديمة. إذ لم ينص الكتاب المقدس على كلمة ثالوث. غير أن سؤال المسيح من دون الله أمرا مشروعا عندهم. فهو وسيط بين الله والناس. وهذه وساطة لم يأذن الله بها. والكتاب باعترافهم محرف لا يصلح لأخذ العقائد منه.
إن رفض شهود يهوه الثالوث وأن النص الذي دل على الثالوث في البايبل هو كذب مع قبول عقيدة ابن الله هو تناقض. ما يدريهم أن هذا أيضا من التحريف؟
اعتراف شهود يهوه بتحريف البايبل (الكتاب المقدس)
وقد ابتدعوا اسما لله لم تعرفه المسيحية من قبل (يهوه) أو (ياوي) أو (Jahova). وزعموا أن جميع نسخ الكتاب المقدس القديمة كانت تتضمن هذا الاسم من قبل لكنها تعرضت للتحريف. وأعلنوا أن اسم الله ورد سبعة آلاف مرة ولكن تعرض اسمه للحذف، ولكن أي اعتبار لكتاب من عند الله لا يتضمن حتى اسم الله؟! وزعموا أن سبب حذفها أنهم تعرضوا لللاضطهاد ولهذا كانوا يخفون اسم الله. وهو تبرير باطل فان الاضطهاد لم يمنعهم أن يكتبوا التوراة ويقرأوها؟! هل كانوا ممنوعين فقط من ذكر اسم ربهم؟! وهل يعني هذا حقيقة مهمة وهي أن كل الكتب التي بأيدي النصارى من غير شهود يهوه هي كتب محرفة لأنه قد جاء في كتابهم "وأما كلمة الهنا فتثبت الى الأبد" (اشعيا40:8). وقد زعموا ان المسيح قال " السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول". وقوله " ولا يجوز أن تزال نقطة واحدة من الكتاب".

فهو اتهام ليس بسهل لأنه يعني أن الروح القدس ترك النصارى ألفي سنة ولم يعلمهم ما يجب عليهم ولم يحذرهم من التحريف الواقع في كتبهم.
بل قد أعلن شهود يهوه في مجلتهم Awake العدد الصادر في 8 سبتمبر 1967 أن هناك خمسين ألف خطأ في الكتاب المقدس .
وهذا اتهام للمسيحيين بأنهم ضالون بقوا يجهلون اسم الله الحقيقي منذ ألفي عام. إن إقرار شهود يهوه بوقوع التحريف في البايبل حول الثالوث (رسالة يوحنا الأولى 5: 7) وحول اسم الله يعتبر تناقضا منهم. فانه ما يدريهم ان هناك مواضع أخرى منه تعرضت للتحريف والإزالة أو الزيادة؟ وقد سبقهم البروتستانت الى استبعاد سبعة كتب من البايبل بحجة أنها محرفة. وحتى نسخة الملك جيمس التي يعتبرونها سالمة من التحريف قد تعرضت لحذفهم (متى 17: 21 مرقس 9: 44-46 لوقا 17: 36 يوحنا 5: 4 الأعمال 8: 37). والمورمونز يرفضون من البايبل ما يتعارض وكتاب نبيهم جوزف سميث الذي هو أكثر ثقة من البايبل.
المسيحية الحالية مسيحية زائفة. وأن من مهام شهود يهوه القضاء عليها. وهذا متعارض مع وعد المسيح بأنه بمجرد رحيله سيأتي من بعده روح الحق الذي سيعلم أتباعه كل شيء. فلا سلم الكتاب من التحريف ولا هم سلموا من الشرك والتثليث. قال جوزف سميث في كتابه (The Crisis P. 41) «إن المسيحية الاسمية أي الديانة التي تدعي خداعا أنها تمثل المسيح ليست في حقيقتها الا جزءا من هيئة الشيطان».
فلماذا يبقى شهود يهوه يتمسكون بانهم مسيحيون وأنهم متمسكون بالكتاب المقدس مادامت المسيحية زائفة والكتاب محرفا؟ لقد قالوا «إن شهود يهوه يؤمنون بالكتاب المقدس ككلمة الله، ويعتبرون أسفاره الـ 66 ملهمة ودقيقة تاريخيا» . لقد تحدثوا كثيرا عن الكاثوليك لكنهم لم يتحدثوا عن التحريف الذي تتعرض له نسخة الملك جيمس من قبل البروتستانيين كما تقدم.
يحرمون نقل الدم ويطالبون بإعفائهم من الخدمة العسكرية ويمتنعون من التبرع بالدم بدعوى الانسانية مع أنهم يبشرون بمعركة ارمجدون ويبنون عليها عقائد ونبوءات كثيرة ويحلمون بقيام مملكة اسرائيل بعدها. وقد اعتمدوا على نصوص من الكتاب المقدس تحرم أكل الطعام ممزوجا بدم الحيوان غير أن النص في (أعمال الرسل 15 : 28) يحرم الدم المذبوح للأصنام والدم المخنوق وأن ما عدا ذلك فلا بأس به. لكنهم فسروا نقل الدم من انسان لآخر على أنه مثل أكل الدم. وهذا غير منطقي فان الانسان لا يجوز أكله بخلاف الحيوان. والحفاظ على حياة الآدمي أمر الهي. ونقل الدم وسيلة لإنقاذ حياة نفس بشرية فيصير نقل الدم واجبا دينيا.
يدعون الى السلام العالمي والى انتزاع السلاح من أيدي جميع البشر الا من أيدي اليهود الذين انتشر السلاح عندهم حتى انقلبت فلسطين ترسانة أسلحة نووية وكيميائية، ويحق دائما لبني اسرائيل (شعب الله المختار) ما لا يحق لغيرهم. فهم وحدهم يحق لهم حمل السلاح ضد جميع الأمم. واذا اعتدى عليك معتد وأخذ أرضك فلا تقاومه وانتظر دائما الوعد بأرض أخرى تعطى لك يوم القيامة وليس الآن.
يحرمون البيبسي والشاي والقهوة لكنهم يبيحون شرب الخمر.
وجود فرصة للتوبة بعد الموت.
ينكرون الحياة الأخرى يوم القيامة ويعتقدون أن الجنة انما هي السلام العالمي على الأرض واستبدال حياة الشقاء الحالية بحياة نعيم على الأرض وهم في ذلك موافقون للصدوقيين من اليهود.
الجنة عندهم على الأرض. ولكن سيكون هناك صفا سماويا يسكن السماء وهم المختارون وعددهم (144000) أما البقية من أصحاب الأعمال الحسنة فسيكونون من الصف الأرضي أي يسكنون الأرض يحكمهم الصف السماوي وبهذا يحجمون ملكوت الله الى مستوى حكومية ثيوقراطية أرضية تدير شؤون الأرض من مدينة اورشليم. فماذا عن ثلاثة ملايين من شهود يهوه يبشرون ليهوه؟ واذا كان شهود يهوه يمتازون على غيرهم فما سبب حرمانهم من أن يكونوا في الصف السماوي؟
المختارون للحياة الأبدية 144000 فقط. معتمدين على الفصل السابع من رؤيا يوحنا. فالخلاص لليهود فقط من دون الأمم الأخرى. فما فائدة تبشير الأمميين ليكونوا شهودا والجنة تضيق بهم فلا تكفي الا الى مئة وأربعة وأربعين ألفا. وأين يكون شهود يهوه وأبناء شهود يهوه وهم ليسوا من بني صهيون المئة وأربع وأربعين ألفا، بل وأين يكون مؤسس شهود يهوه تشارلز راسل وهو ليس من بني صهيون وانما أممي من غير أمة اليهود؟
ويشترطون لهؤلاء أن لا يكونوا ممن تنجسوا بالزنى مع أن داود زنا بزوجة جاره وهو نبي وهو كاتب المزامير وكذلك زنا يهوذا ولوط وهم أنبياء فهل هؤلاء الأنبياء محرومون من الانضمام الي المئة وأربع وأربعين الفا؟
الحقيقة والمجاز في نصوص التوراة من خصوصية أبناء شهود يهوه. فلهم تفسيراتهم الخاصية التي لا يقتنعون هم بها لما فيها من الاعتساف. فتارة يأخذون النص حرفيا وتارة يؤولونه. وكل هذا بغير ضابط. فمثلا يأخذون عبارة " المولود الوحيد لله" حرفيا وأنه لا يجوز تأويل النص. مع أن المزمور (2: 7) وهنا أتوقف لأنبه الى أمور:
1- أن كتابهم يثبت داود على أنه مولود آخر لله مع المسيح لكن نسخة الملك جيمس التي بيد شهود يهوه قد تم تحريفها. أما النصوص الأخرى. فاستبدلوا عبارة (اليوم أنا ولدتك) بعبارة (أنا صرت اليوم أبوك).
2 – أن النص الوحيد الذي ورد عن المسيح (يوحنا 10: 30-35) أنه وصف نفسه بأنه ابن الله يؤكد المسيح فيه لليهود أنه لا يعنيه على ظاهره. لأنه قال لليهود اا كان كتابكم يقول: (أنتم آلهة) أفتلومونني لقولي أنني ابن الله). فتنبه لذلك فان شهود يهوه يهربون من هذه الحقيقة.
3 – أن نصوصا أخرى مثل (يوحنا 8: 40) تؤكد أن بنوة المسيح لله لا تؤخذ على ظاهرها لأن المقصود بها الرجل الصالح. وما رووه عن المسيح أنه وصف صانعي السلام وتلاميذه بأنهم اولاد الله.
وهنا تسأل شهود يهوه ماذا تقولون عما جاء في (اشعيا49:22) " هكذا قال السيد الرب : ها اني أرفع الى الأمم يدي والى الشعوب أقيم رايتي فيأتون بأولادك في الأحضان، وبناتك على الأكتاف يحملن. ويكون الملوك حاضنوك. وسيداتهم مرضعاتك. بالوجوه الى الأرض يسجدون لك. ويلحسون غبار رجليك". (حزقيال 4: 12) أن الله أمر النبي حزقيال وسائر بني اسرائيل أن يضعوا الغائط مع خبزهم ويأكلوه.

كيف يأمر الله جميع الأمم أن يسجدوا برؤوسهم على الأرض ويلحسوا غبار نعل كل يهودي؟ كيف يأمر الله النبي حزقيال وسائر بني اسرائيل أن يأكلوا الغائط مخلوطا مع الخبز؟
فسيقول لك شهود يهوه : لا يجوز لك أن تفهم النص (litterly) بل له معان أخرى. وهنا يقعون في المصيبة:

فتقول لهم: هل هذا القول بالتأويل يتضمن كل النصوص أم بعضها؟ وبأي ضابط تجيزون التأويل تارة وتمنعونه أخرى: هذا تحكم. ثم اذا كان لا يجوز أخذ هذا النص على ظاهره فقولوا أيضا لا يجوز أيضا أخذ نصوص بنوة المسيح لله على ظاهرها. وانما لها تأويل بمعنى أنه صالح وقد تقدم أن النص في (يوحنا 8: 40) يؤكد لفظة (ابن الله) تستعمل لكل رجل صالح كما أن النص نفسه يصف اليهود بأنهم أبناء الشيطان لكونهم غير صالحين وقد قال لهم المسيح (يوحنا8:42) لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني .. أنتم من أب واحد وهو ابليس ". وقال لتلاميذه " ولا تدعوا لكم أبا على الأرض لأن أباكم واحد: الذي في السموات " (متى23:9). وقال لهم في (متى5:45) لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ". ( كورنثوس الأول 6:18) وأكون لكم أبا وأنتم تكونون لي بنين وبنات . (متى5:9) طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون " . (يوحنا20:12) اني أصعد الى أبي وأبيكم والهي والهكم ".

نبوءات فاشلة
ان الكتاب الذي يستخرجون منه نبوءاتهم الكثيرة وأبرزها نبوءات معركة أرمجون: هو الكتاب الذي زعم :

أن الله أمر الأمميين أن يسجدوا لليهود على الأرض وأن يلحسوا غبار نعالهم (أشعيا 49:21).
أن الله أمر النبي حزقيال وكل بني إسرائيل أن يضعوا الغائط النجس في الخبز ويأكلوه (حزقيال 4: 12).
أن لوطا النبي ارتكب الفاحشة في ابنتيه (تكوين 19: 30). وأن داود اغتصب زوجة جاره (صموئيل الثاني 11: 1). وأن يهوذا زنا بزوجة ابنه (تكوين 15: 38).
أن الله أمر كل من لمس امرأة حائضا أو قعد في المكان الذي قعدت فيه فانه يكون نجسا ولا يطهره شيء حتى تغيب الشمس (لاويين15: 19).
أن الله شحن صدور الشعب المختار وضد كل يهودي ونصراني احتقار الفلسطيني وطرده من أرضه والتفنن في قتله حتى إنه يحكي قتل داود مئتي فلسطيني وتقديمهم مهرا لزوجتى وأن شمشون يقتل بعظمة حمار ستمئة فلسطينيا (1صموئيل الأول18: 25) (الأخبار الأول11: 20) (2صمو23: 8) (قضاة3: 31 و15: 4-15).
أن الله أمر اليهود بقتل كل من لم يخضع لهم من الأمم فيقتلوا رجالهم ونساءهم بل وأطفالهم وحتى حيواناتهم ومواشيهم وأن يملآوا البيوت قتلى ويحرقوا بيوتهم (عدد31: 1) (حزقيا9: 5) (2صمو8: 1) (يشوع16: 10) (قضاة21: 10) (تثنية20: 10) (قضاة 20: 18-20 و21: 20) (يشوع8: 3).
أن الله هدد من عصاه بأنه سيجوعهم الى درجة يجعل معها الأمهات يطبخن أولادهن ويأكلنهم (لاوي26: 29) (لاوي26: 14) (مراثي4: 4) (مراثي2: 20).
أن المسيح قال « لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً» وقال «جئت لألقي ناراً على الأرض» (لوقا12: 49) (متى10: 34)
أن الله يتصارع مع يعقوب (تكوين 33: 22) وأنه استراح من تعب بعد خلق السموات والأرض (خروج31: 17)
أن الله ه أمر نبي اسرائيل بسرقة قوم فرعون (خروج3: 21) (خروج11: 1).
أن الله حرم على اليهودي أن يقرض أخاه اليهودي بربا ولكنه أباح له أن يأخذ الربا من غير اليهودي (تثنية23: 19) (تثنية15: 1)
أن الله يلقي هواناً على الشرفاء ويرخي منطقة الأشداء... يكثّر الأمم ثم يبيدها. ينزع عقول رؤساء شعب الأرض ويضلهم في تيه بلا طريق. يتلمسون في الظلام وليس نور. ويوبخهم مثل السكران. (ايوب12: 21) وأنه لا ينتبه الى الظلم (ايوب24: 1). حتى قال له أيوب « اليك أصرخ فما تستجيب لي يوماً. أقوم فما تنتبه اليّ. تحولْتَ الى جافٍّ من نحوي» (ايوب29: 16).
لا يتعاملون مع العهد القديم الا بالنبوءات
فهكذا يتضمن العهد القديم نصوصا محرجة مخجلة لا يجد الشهودي جوابا عليها الا بأن يقول: هذا عهد قديم. ومثل هذه النصوص العقوبات التي فرضها كتابهم وهم يشعرون بالحرج لأن من هذه العقوبات ما هو أشد من العقوبات التي عينها القرآن. ومثال ذلك:
(لاويين20:9) كل انسان سب أباه أو أمه فانه يقتل ...
واذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجسا. انهما يقتلان ...
واذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة . بالنار يحرقونه واياهما .
(خروج21:16) ومن سرق انسانا يقتل قتلا .
(خروج21:12) من ضرب انسانا فمات يقتل .
(تثنية22:23) اذا اضطجع رجل مع فتاة فارجمهما حتى الموت .
وقد تتنبأ شهود يهوه بنبوءات أثبت الزمن فشلها. فقد ادعى رسل Charles Russel الحبر الأول في شهود يهوه أن سنة 1914 ستكون فاتحة العهد الألفي للمسيح لكن نشوب الحرب العالمية أبطل نبوءته. وادعى أن سنة 1918 ستشهد انقراض البابوية لكنه مات سنة 1916 في حادث قطار كان ينقله من لوس انجلوس الى بروكلين ولم تنقرض البابوية.
وجاء جوزف رذرفورد (Joseph Rutherford) (1869-1942) وكتب كتبا كثيرة في ذم المسيحية الحالية وادعى أن المسيح سيظهر في عهده ليقضي على المسيحية الزائفة. لكن نبوءته فشلت.

أسئلة موجهة الى شهود يهوه
قال بولس « كل الكتاب موحى به من عند الله» (تيموثاوس الثاني 3: 16) مع أن بولس لم يكن قد أنهى كل رسائله التي تمثل ثلثي العهد الجديد. ثم لا يبدو أنه يعرف شيئا عن الأناجيل الأربعة فانه لم يشر الى أي واحدة منها.
بولس يصرح بأن ما يقوله الآن ليس من عند الله
(1كورنث7: 10) وأما المتزوجون فأوصيهم : لا أنا بل الرب.
(1كورنث7: 25) وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن: ولكني أعطي رأياً.

بولس يصرح بأنه أحمق : هل هذا من عند الله؟
(كورنثوس الثاني 11: 17) ما أقوله ليس من عند الله بل أقوله كأحمق (11: 21 و 2: 11).
(رومية7: 24) لست أعرف ما أنا أفعله، اذ لست أعرف ما أريده. بل الذي أبغضه هو الذي أفعل. بل الخطيئة الساكنة فيّ.
فإني أعلم أنه ليس ساكن في جسدي شيء صالح.

وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده. بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل.
اذن: أجد الناموس لي، حينما أريد أن أفعل الحسنى: أن الشر حاضر عندي. فإني أسرّ بناموس الله بحسب الانسان الباطن.
ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني الى ناموس الخطية الكائن في أعضائي:
وَيْحي: أنا الانسان الشقي: من ينقذني من جسد هذا الموت(1).

هل الله هو المتكلم في هذه الآيات
(زكريا1: 12) يا رب الجنود: الى متى أنت لا ترحم أورشليم.
(مراثي3: 18) بادت ثقتي ورجائي من الرب.
(مزمور10: 1) يا رب: لماذا تقف بعيداً ؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟
(مزمور89: 46) حتى متى يا رب تختبىء كل الاختباء ؟ حتى متى يتقد كالنار غضبك .
(مراثي3: 42) نحن أذنبنا وعصينا وأنت لم تغفر. التحفتَ بالغضب وطردتنا. قتلتَ ولم تُشفق. التحفتَ بالسحاب حتى لا تنفذ الصلاة.
(مراثي3: 1) بادت ثقتي ورجائي من الرب.
(اشعيا63: 17) لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك؟ قسّيتَ قلوبنا عن مخافتك.
(مزمور35: 17) يا رب الى متى تنظر... لا يشمت بي الذين هم أعدائي باطلا. استيقظ وانتبه الى حكمي.
(مزمور40: 17) يا إلهي لا تبطىء.
(خروج5: 22) لماذا أسأت الى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتني؟ أنت لم تخلّص شعبك.

هل كتب موسى سفر التثنية؟
(تثنية34: 5) فمات موسى هناك..ودفنه الرب هناك. ولم يعرف انسان قبره الى اليوم. وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات.

ما اسم الله؟ كتابكم أغفل ذكر اسم الله فكيف تدعونني الى قبوله؟ هل اسمه جاهوفا؟ لماذا تسمونه بالانجليزية جاهوفا وبالعربية يهوه؟
لماذا توزعون البايبل (الكتاب المقدس) بالعربية وليس فيه اسم يهوه بينما الترجمة الانجليزية تتضمن اسم جاهوفا؟
وهل عرف النصارى اسم جاهوفا منذ 2000 سنة حتى ظهور هذا الاسم المخترع؟
ماذا سمى المسيح الله؟ هل قال له جاهوفا أو ايلي أو ياوي؟
هل المسيح اله؟ ابن الاله اله وابن الانسان انسان وابن الحيوان حيوان. وأنتم تزعمون أن ابن الانسان ابن اله. هو وصف نفسه 83 مرة بأنه ابن الانسان.
هل بقي النصارى ألف وسبعمئة سنة ضالون عن معرفة اسم ربهم؟ وهل يرضى الرب أن يبقى كتابه محرفا قرابة عشرين قرنا ولا يرسل من يحذر من التحريف.

شهود يهوة شهود اليهود. واليهود سعداء بوجود جماعة تدعو لأن يحكموا العالم ولذلك فهم مدعومون من اسرائيل أولا ومن أمريكا وفرنسا.
لم يظهر موقف رسمي من شهود يهوه يوافق قرار الأمم المتحدة رقم 574 القاضي بضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وانما الذي ظهر منهم تصريح كبارهم كريتشارد راسل وجوزف راذرفورد تصريحات لهم بأن أورشليم القدس عاصمة اسرائيل الأبدية؟
هل يعتبرون المقاومة الفلسطينية لاسترداد حقوقهم شيئا مشروعا أم أن المشروع وعد قوم بأرض على حساب طرد قوم آخرين منها. وهل يجوز ذلك في الله العادل؟

بعض نسخ كتاب النصارى قد ورد فيه لفظ جاهوفا. ولكن في العهد القديم فقط. ونسألهم ماذا عن المسيح نفسه وبولس وبطرس وجميع تلاميذ المسيح كلهم لم يعرفوا هذا الاسم ولم يحكوا عنه شيئا بل ان العهد الجديد لم يتضمن شيئا عن هذا الاسم؟ فإما أن كل أشخاص العهد الجديد جهلوا اسم الرب. وإما أن التحريف والاضافة قد تطرقا الى النسخ المتأخرة من العهد القديم. ولا يمكن أن يكون الاحتمال الأول هو الراجح. وسبب رجحان الاحتمال الثاني هو القرينة الكبرى وهي اختلاف النصارى فيما بينهم على مصداقية كتابهم الذي انشطر الى نسخ عديدة بعضها يتضمن كتبا لا توجد عند البعض الآخر.

وهذه من أهم الاجوبة المفحمة لفرقة شهود يهوه اليهودية التي من أولويات عقائدها تذكير الناس بمعركة ارمجيدون التق ستقع بين العرب واليهود.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن دمشقية، لبنان

http://arabic.islamicweb.com/christianity/jahova.htm