الخميس، 24 نوفمبر 2011

(ورقات في أصول الفقه)


1- أصول الفقه في الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
2- موضوعه: الأدلة والطرق الموصلة إلى الأحكام الفقهية فيبحث عوارض الألفاظ الذاتية وشروطها وقواعد الاستنباط منها.
3-  وغايته: معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين والعمل بها.
4-  وحكمه: فرض كفاية. وقيل فرض عين. والصحيح أنه فرض كفاية.
5-  إما فائدته: فإنه من أنفع العلوم وأجهلها حيث أن العلوم ثلاثة أصناف.
أ-عقلية محضة: كالحساب والهندسة والطب.
ب-ولغوية: كاللغة والنحو والصرف.
ج- وشرعية: وهي علوم القرآن والسنة وتوابعها.
        ولا شك أن أجلها العلوم الشرعية وأشرفها في الوسائل والمقاصد حيث أن به السعادة في الدارين وبعدمه الخسران المبين. ثم أن أشرف العلوم الشرعية بعد الاعتقاد الصحيح معرفة الأحكام التي تعبدنا الله بها ولا تتحقق تلك المعرفة إلا بالاجتهاد وفي الأصول وكلما ألم العالم بها إزدادته بصيرته في الفروع ولذلك فإن أصول الفقه من أولى العلوم الشرعية بعد العقيدة.
6- أما استمداده فيستمد من علم أصول الدين. وعلم اللغة. والأحكام الشرعية. فأما أصول الدين فلأن الأدلة الشرعية متوقفه على معرفة الباري سبحانه وعلى صدق المبلغ.
وأما اللغة ولأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان على ادراك معاني اللغة والتفريق بين العام والخاص والمطلق والمقيد والحقيقي والمجاز وإثباتها أو نفيها.


نشأة أصول الفقه

الحمد لله وبعد:

فإن أصول الفقه سابق من حيث النشأة للفقه لأنه أساسه ولا يقوم الفرع ألا بعد وجود الأساس.
فأصول الفقه نشأ في عهد الرسالة فكان النبي (r) يسأل عن أحكام الوقائع فينتظر الوحي وهو الدليل والأصل. سواء كان قرآناً أو سنة. حيث أن الوحي أنواع:
1-وحي تعبدنا لله بلفظه ومعناه. وهو القرآن.
2-وحي يلقيه الله إلى الملك ويفهمه الملك للنبي (r) وهو السنة فإن النبي (r) (ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه) فتعبدنا لله بمعناه ودون اللفظ.
3-وحي الإلهام فليهم الله النبي (r) الحكم بلا واسطة.
والقرآن والسنة هما أصل الأصول ومصدر الأحكام الاجمالية والتفصيلية فالأدلة الاجتهادية مستمدة منهما والقواعد والأصولية ثابتة بهما وباللغة التي نزلت بهما وكانت الشريعة سابقة للصحابة رضي الله عنهم فكانوا يعرفون مقاصد الكلام ....
وقد شهدوا عهد الوحي ولزموا النبي (r) في سفره وإقامته وكانوا على جانب عظيم من الفطنة والذكاء وسلامة الذوق فوقفوا على أسرار الشريعة ومقاصدها وقواعدها. لذا فقد أدركوا أصول الفقه وطبقوه في اجتهادهم.
ولم تدعهم الحاجة إلى تدوين ذلك وقد سار التابعون على نهجهم وسلكوا سبيلهم فكان كل إمام يجتهد بناء على أصول ثابتة عنده فجاء فقهم العظيم الواسع الذي شمل وما كان من قبلهم وماجد في حياتهم حتى تميز فقه أهل الحجاز عن فقه أهل العراق فعرف أهل الحجاز بالحديث وأهل العراق بالرأي.
وإلى جانب ما نعلمه من سابقة الصحابة والتابعين وادراكهم لمقاصد الشريعة. نجد من بعضهم التصريح والإشارة إلى ما اصطلح عليه علما الأصول بعد ذلك.
فهذا عمر رضي الله عنه يقول: "لعامله" واعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور وهو ما اصطلح عليه بالقياس.


وعن عمران ابن الحصين أنه قال رجل أنك أمرؤ أحمور أتجد في كتاب الطهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة ثم عدد إليه الصلاة والزكاة ونحوها ثم قال اتجد هذا في كتاب الله مفسراً إن كتاب الله أبهم هذا وأن السنة تفسر ذلك 4-الموافقات 4/26.
وهذا ما اصطلح عليه بالمجمل والمبين.
وعن نجدة الحنفي رضي الله عنه قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) أخاص أم عام قال بل عام، الإتقان في علوم القرآن 1/30.
وعن ابن عباس أنه قال ليس في القرآن عام إلا مخصص ألا قول الله )والله بكل شيء عليم( الموافقات وغير ذلك مما جاء في كلامهم رضي الله عنهم.
ولما بعد عهد النبوة واختلط المسلمون فيما بينهم دخلت العجمة من جهة أهل اللغات الأخرى وتأثر أبناء العرب بذلك وفسدت سليقتهم مما جعل أهل اللغة يسعون للمحافظة عليها من العجمة بتقرير قواعدها وتدينها. وكان الناس لا يدركون مقاصد الشريعة وأسرارها كما كان سلفهم اجتهد العلماء في بيان صور وتقرير قواعد الشريعة والعناية بها مما سهل توضيح ذلك وتقريره تميز أهل الحجاز وأهل العراق وظهوره في استدلال كل منهم وأن لم تكن مدونة لديهم.
وكان أول من دون هذا العلم هو الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله تعالى حيث دون كتاب الرسالة: عندما طلب منه عبدالرحمن بن مهدي ذلك فألف ذلك وأرسله إليه.
لذلك سمي بالرسالة والتي رواها عن الربيع بن سليمان المراوي.
وقيل أن للأمام أبي حنيفة تدويناً قبل ذلك. والأصح أن أول من دونه الإمام الشافعي.
وفي تألفه لها جمع بين أمرين:
1-   تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة وإيضاح منهم في الاستدلال.
2-   الإكثار من الأمثلة لزيادة الإيضاح والتطبيق والكثير من الأدلة على قضايا في أصول الشريعة وفروعها. مع نقاش للمخالفين بأسلوب قوي المبنى واضح فكان كتابه قاعدة محكمة بني عليها من جاء بعده ومنهجه فيها واضحاً سلكه من توسع فيه من بعده .
إلا أن مناهج المؤلفين في هذا العلم بعد ذلك تعددت فكانت على ثلاث طرق:
1-        طريقة المتكلمين.
2-        طريقة الأحناف.
3-        طريقة المتأخرين.
أولاً: طريقة المكلمين: وهي تقرير القواعد وتحقيق المسائل والاستدلال الشرعي والعقلي والإكثار من الجدل فيها على أسس الجدل والمناظرة لم يراعوا مذهباً معيناً مع قلة ذكر الأمثلة وقد سلك هذه الطريقة علماء الشافعية والمالكية والحنابلة وعلماء المعتزلة وأهم الكتب فيها.
1-        كتاب العمد للقاضي عبد الجبار والمعتمد لأبي الحسين البصري.
2-        البرهان لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي.
3-        المستصفى لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي.
4-        المحصول لفخر الدين الرازي وقد جمع الكتب السابعة.
5-         الأحكام لعلي بن محمد الآمدي.
6-        رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب مالكي.
7-        تنقيح الفصول للقرافي من علماء المالكية.
8-        العدة لأبي يعلى.
9-        التمهيد لأبي الخطاب.
10-   روضة الناظر لابن قدامة.

2- طريقة الأحناف: تقرير القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع من أئمتهم فاستمدوا أصولهم من الفروع والمسائل الفقهية عن أئمة المذهب الحنفي.
وبهذا إختلف عن طريقة المتكلمين. وأهم الكتب فيها.
1-        كتاب مأخذ الشرائع للماتريدي-33هـ.
2-        كتاب في الأصول لكرخي-34هـ وهما مخطوطان.
3-        أصول الجصاص للإمام أبي بكر حمد بن علي الجصاص.
4-        تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي.
5-        تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي.
6-        أصول البزودي وشرحه كشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري.
7-        أصول السرخسي. لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي.
8-        المنار وشرحه كشف الأسرار للنسفي.
3-        طريقة المتأخرين وهي الجمع بين الطريقتين السابقتين. ومن المؤلفات فيها.
2-   تنقيح الأصول لصدر الشريعة عبدالله بن مسعود البخاري وجمع فيه بين البردوي والمحصول والمختصر.... الحاجب.
3-        التحرير لكمال الدين الهمام.
4-        جمع الجوامع لابن السبكي وقال أنه جمعه أكثر من مائة كاب.


المقدمة المنطقية:
وهي مقدمة للعلوم كلها. وفيها نبحث عن مدارك العقول.
وأن مدارك العقول تنحصر في الحد والبرهان ونذكر شروطها.
والحد: هو اللفظ المفسر لمعنى المحدود على وجه يجمع ويمنع وقيل القول الدال على ماهية الشيء.
والبرهان: هو ما يتوصل به إلى العلوم التصديقية بالنظر.
وسبب انحصار الإدراك فيهما أن الإدراك ينقسم إلى قسمين:
1-إدراك الذوات المفردة. كإدراك الشمس. وإدراك الليل. وإدراك النهار. والعالم. والحادث والقديم.
2-إدراك نسبة المفردات إلى بعضها كادراك أن العالم حادث والشمس طالعة، والليل سكنا، والنهار معاشا.
3-والإدراك الأول يسمى تصور لأنه لا يقبل التصديق والثاني تصديق لأنه.
خبر يقبل التصديق والتكذيب.
فقالوا العلم أما تصور وإما تصديق. وقيل الأول معرفة والثاني علماً.
وينبغي معرفة البسيط قبل المركب فمن لم يعرف معنى العالم ومعنى حادث لا يعرف قولنا العالم حادث ومن لم يعرف معنى حيوان ومعنى ناطق لم يعرف قولنا الإنسان حيوان ناطق.
ومعرفة المفردات قسمان أولى وهو الذي يرتسم ويتضح معناه في النفس من دون بحث وطلب. كإدراك الموجود والشيء.

وديعـة التراث العربي في تركية المخطوطات والخطوط






مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 101 السنة السادسة والعشرون - كانون الثاني 2006 - المحرم

ما المخطوط؟ (1)

جرت عادة الباحثين المهتمين بالمخطوطات من حيث تاريخها وفهرستها ونسخها وتوثيقها وتحقيقها وما ماثل هذه الموضوعات أن لا يتعرضوا للكلام عن كلمة مخطوط من حيث التأثيل والتأصيل اللغوي ومن حيث استعمالها لأول مرة في النصوص العربية. وقد برر هذا بعض الغربيين المختصين في هذا المجال بكون اللغة العربية ما زالت تفتقر إلى معجم تاريخي يحدد تاريخ الألفاظ ويشير إلى النصوص الأولى التي ظهر فيها اللفظ على غرار معاجم اللغات العربية. 1 - المفهوم الدلالي للفظ مخطوط 2 - بداية ظهور المصطلح 3 - ماهية المخطوط العربي الإسلامي لا يقبلون استعمال لفظ مخطوط إلا إذا ألحق بكلمة كتاب، فيقولون الكتاب المخطوط لأنه ليس كل ما كتب باليد يعتبر بالضرورة مخطوطا. فشواهد القبور وما نقش على الأحجار وما نقر على الصخور لا يمكن اعتبارها مخطوطا. إن الكتابة باليد ليست ضرورية في ذاتها بالمفهوم الفيلولوجي(1) للمخطوط.

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

أهم الكتب الأصولية المؤلفة في المذاهب الأربعة3

المبحث الثالث: أهم كتب الأصول في المذهب المالكي: ويشتمل على مقدمة، ومطلبين، وخاتمة. المقدمة: وفيها إعطاء لمحة عن نشأة أصول الفقه في المذهب المالكي. المطلب الأول: الكتب المصنفة في أصول المالكية، مع ذكر بياناتها. المطلب الثاني: دراسة لبعض هذه الكتب بشيء من التفصيل. خاتمة: عبارة عن نتائج استفيدت من العرض. تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن المدرسة الفقهية المالكية على جلالتها في الفقه، لم تخلف الكثير من كتب الأصول، ولم يكن الاعتناء بكتب الأصول فيها إلا في مرحلة متأخرة، ويبدو أن انتشار المذهب المالكي في بعض المناطق دون بعض، واعتمادَ المالكية على النقل دون العقل، أسهم إسهاماً كبيراً في قلة الإنتاج الأصولي لهذه المدرسة، فقد كان المذهب المالكي هو المذهب الوحيد تقريباً في أفريقيا والأندلس، وهذا أثر سلباً على الكتابة في أصول الفقه، لأن المنافسة انتفت، فالمنافسة تحفز الهمم، وتولد الأفكار، وتنتج الجديد الذي يخدم المذهب، ويبين طريقته في الاستدلال والتقرير، يقول ابن خلدون فيما يتعلق بعلم أصول الفقه من الخلافيات: (وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية؛ لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت، فهم لذلك أهل النظر والبحث. وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر؛ وأيضا فأكثرهم أهل المغرب، وهم بادية غفل من الصنائع إلا في الأقل . ولهذا كان المذهب المالكي في العراق يختلف عنه في الأندلس والمغرب، فالتنافس بين المذاهب في العراق كان كبيراً، لذلك فقد ظهرت المصنفات الأصولية هناك، فكتب في الأصول أبو الفرج البغدادي، وابن القصار، والقاضي الباقلاني، وغيرهم. أولاًالمطلب الأول: الكتب المصنفة في أصول المالكية: 1- اللمع في أصول الفقه: لأبي الفرج (ت:330 أو 331هـ). المؤلف: عمر بن محمد بن عبد الله أبي الفرج الليثي البغدادي فقيه مالكي من علماء الأصول. نقل الأصوليون آراءه في مسائل أصول الفقه، في كتبهم، وممن ذكره ونقل عنه: الشوكاني في إرشاد الفحول، وابن حزم في الإحكام، وأبو الوليد الباجي في إحكام الفصول، وغيرهم،وهم كثيرون. 2- مقدّمة في أصول الفقه: لابن القصار، (ت: 398). المؤلف: علي بن عمر بن أحمد، البغدادي، المعروف بابن القصار، كان أصولياً نظاراً. وقد انتشرت آراءه، ونقوله الأصولية، في مراجع أصول الفقه، وممن ينقل عنه أبو الوليد الباجي، في إحكام الفصول، والقرافي في شرح التنقيح، والشوكاني في إرشاد الفحول، وغيرهم . وقد طبعت دار المعلمة للنشر والتوزيع، مقدمة ابن القصار، بتحقيق الدكتور مصطفى مخدوم، ط:1- 1420هـ 1999م. لكن المحقق ذكر أن ابن القصار له مقدمة أخرى، في الأصول، غير هذه التي قام بتحقيقها، وأنه لم يعثر عليها، وهي التي ينقل منها الأصوليون آراء ابن القصار. 3- التقريب، والإرشاد، في أصول الفقه: للباقلاني (ت:403هـ). المؤلف: القاضي الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي من كبار علماء الكلام، ومن مؤسسي علم أصول الفقه. ويقال: كل مصنِّف في بغداد، إنما ينقل من كتب الناس، إلا الباقلاني فإن صدره يحوي علمه، وعلم الناس. ومن المعلوم عند أهل المعرفة بعلم أصول الفقه، أن صاحب الترجمة يعد هو والقاضي عبد الجبار المعتزلي رائدي الأصوليين، إذ هما اللذان جمعا شتات علم أصول الفقه، وفكا رموزه، ومهدا سبيله، وشرحا غوامضه، ثم جاء الناس من بعدهما، فتبعوهما، وساروا على نهجهما.

أهم الكتب الأصولية المؤلفة في المذاهب الأربعة2

المبحث الثاني: أهم كتب أصول الفقه عند الحنفية تمهيد: اختلف العلماء في تسمية أول من وضع قواعد علم أصول الفقه ،فذهب الأكثرون إلى أن واضع أسس وقواعد العلم هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي ت204هـ من خلال كتابه القيم"الرسالة". وذهب فريق آخر إلى أن أول من وضع قواعد العلم هو الإمام أبو حنيفة ت150هـ من خلال كتاب سماه "الرأي"، وضع من بعده الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني كتابا في العلم ،ولم يصلنا شيئ من ذلك لإثبات هذه الدعوى، وما بين أيدينا الآن هو كتاب الرسالة للإمام الشافعي، إلا أن عدم وجود هذه الأصول مدونة لا يعني أن أبا حنيفة بنى فقهه على غير أصول وقواعد ، ذلك أن تأخر تدوين هذه الأصول لايعني عدم وجودها، يدل على ذلك التراث الفقهي الضخم المنقول عن الإمام وأصحابه ، فهذه الفروع الفقهية يدرك المتأمل فيها أن بينها ترابطا وتماسكا يدلان على أن واضع هذه الفروع الفقهية كان يقيد نفسه بقواعد لا يخرج عنها ، وإلا لظهر التناقض والاضطراب بين هذه الفروع ، ثم إن العلماء الذين جاؤوا فيما بعد ودونوا أصول المذهب إنما استنبطوا هذه القواعد من خلال الفروع المنقولة عن الإمام وأصحابه، وإلا لما جاءت تلك الفروع متناسقة بهذا الشكل . طريقة الحنفية في تدوين أصول الفقه: هناك طريقتان مشهورتان في كتابة أصول الفقه عند العلماء: طرقة الشافعية أوالمتكلمين وطريقة الحنفية وإذا كانت طريقة الشافعية قد تميزت بتقرير القواعد وتحقيقها نظريا، فإن طريقة الحنفية تميزت بكونها طريقة علمية، إذ إنها تأثرت بالفروع وبنيت عليها، فكانت قواعد الأصول خادمة للفروع وليست حاكمة عليها، وهذه أبرز مميزات الطريقة الحنفية في تأليف الأصول إثبات القواعد وتقريرها على مقتضى ما نقل من الفروع عن أئمة لمذهب. الالتزام بالمذهب فيما يتوصلون إليه من قواعد وأصول . كثرة الفروع والأمثلة والشواهد. وفيما يلي عرض لأهم الكتب الأصولية في المذهب الحنفي ثم دراسة بعض منها جرد لأهم الكتب الأصولية في المذهب الحنفي : 1 ـ كتاب الغنية في أصول الفقه المعروف بأصول الشيخ أبي صالح تأليف: منصور بن أي صالح بن أبي حعفر السجستاني ت سنة 290 هـ تحقيق وتعليق: د. محمد صدقي بن أحمد البورنو دار النشر :مطابع شركة الصفحات الذهبية بالرياض.ط الأولى 1410هـ 2 ـ كتاب "الأصـــول" لأبي الحسن الكرخي ت 340هـ 3ـ كتاب "أصـــــول الشاشي" تأليف الإمام أبي علي الشاشي، أحمد بن محمد بن إسحاق، المتوفي سنة 344هـ طبع بدار الكتاب العربي ببيروت 1402 وبهامشه: عمدة الحواشي للكنكوهي 4ـ كتاب " الفصول في الأصول " للإمام أبي بكر أحمد بن علي الجصاص المتوفى سنة 370هـ طبع في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت 1405 في أربع مجلدات بتحقيق: عجيل النشمي. 5 ـ كتاب "تقــــــويم الأدلة " للإمام القاضي عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي البخاري المتوفى سنة 430 هـ حقق الكتاب د. محمود العواطلي في رسالة دكتوراه من الأزهر . وطبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالأردن . وحققه الدكتور محمود توفيق العبد الله، سنة 1984م تحت عنوان: (الأسرار في الأصول والفروع ) 6 ـ كتاب أصول البزدوي المسمى " كنز الوصول إلى معرفة الأصول " للإمام أبي الحسن علي بن محمد البزدوي ت 482هـ طبع بمطبعة الصحافة العثمانية /ط الأولى سنة 1308هـ/19890. وطبعته دار الكتاب العربي / بيروت الطبعة الأولى سنة/1991ـ مع كتاب (كشف الأسرار) / تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي. 7 ـ كتاب أصول السرخسي 490 هـ"تمهيد الفصول في الأصول ( طبع بتحقيق أبي الوفا الأفغاني دار النهضة / بيروتـ / سنة1973 8 ـ كتاب "معرفة الحجج الشــرعية" لمحمد بن محمد بن الحسين البزدوي 493هـ. طبع بتحقيق عبد القادر بن ياسين بن ناصر الخطيب، قدم له الدكتور يعقوب الباحسين، مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة الأولى 2000 م 9 ـ كتاب: "أصـــول الفقه "لمحمود بن زيد، أبي الثناء اللاماشي الحنفي طبع بتحقيق: عبد المجيد التركي ،دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1995مـ 10 ـ كتاب " منار الأنوار في أصـول الفقه" مؤلف الكتاب: هو الإمام النسفي، حافظ الدين أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود، المتوفى 701هـ. طبع في إسطنبول، المطبعة العثمانية ، دار سعادت، 1326 هـ - 1911مـ ، الطبعة الرابعة ، وطبعت معه حاشية مصطفى أفندي. كشف الأسرار في شرح المنار للإمام النسفي نفسه وشرح هذا الكتاب كثير من العلما دراسة لبعض الكتب الأصولية : 1 ـ كتاب أصول الشاشي : أ ـ ترجمة المؤلف: هو أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي ، الفقيه الحنفي أبو علي الشاشي ، سكن بغداد ودرس بها ،تتلمذ على أبي الحسن الكرخي ، وقد أثنى علي،قال أبو الحسن الكرخي :"ما حاءنا أحد أحفظ من أبي علي " وصار التدريس بعد أبي السن إلى أصحابه، منهم أبو علي الشاشي ، قال الصميري : توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة . طبعات الكتاب: ـ طبع الكتاب بكانبور في الهند ، مطبعة مجيدي سنة 1388هـ ـ وطبع بدار الكتاب العربي ببيروت سنة 1402هـ ،وبهامشه "عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي" لمحمد فيض الحسن الكنكوهي . ـ كما طبع من قبل دار الغرب الإسلامي سنة 1422هـ ،بتحقتق مجمد أكرم الندويفي هذا ا. قيمة الكتاب : يعد الكتاب من المتون العلمية المعتمدة في هذا الفن، تناوله العلماء سلفا وخلفا بالشرح ،وأقبل عليه طلبة العلم بالتحصيل، فذاع صيته، يقول أبو علي في مقدمته :"وبعد فإن أصول الفقه أربعة : كتاب الله ،وسنة رسول الله،وإجماع الأمة ،والقياس، فلابد من البحث في كل واحد من هذه الأقسام ليعلم طريق تخريج الأحكام ". شروح الكتاب : ـ شرح المولى محمد بن الحسن الخوارزمي المتوفى سنة 781هـ .

أهم الكتب الأصولية المؤلفة في المذاهب الأربعة1

مقدمة. كان الصحابة رضي الله عنهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم – يرجعون إليه في بيان أحكام الحوادث التي تنزل بهم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يأخذون حكم حوادثهم ونوازلهم من الكتاب والسنة ، فإذا لم يجدوا حكمها فيهما ، اجتهدوا وأخذوا الحكم عن طريأهم الكتب الأصولية المؤلفة في المذاهب الأربعة ق الاجتهاد بأنواعه، ونهج التابعون ذلك، وزاد أخذهم بفتاوى الصحابة واجتهاداتهم. ثم بعد ذلك كثر الاجتهاد، وكثرت طرقه، ثم أصبح لكل إمام قواعد قد اعتمدها في الفتوى والاجتهاد، وهؤلاء الأئمة لم يدونوا تلك القواعد التي اعتمدوها في اجتهاداتهم سوى الإمام الشافعي، فقد دونها في كتابه الرسالة، فنبه الشافعي أنظار العلماء والباحثين إلى متابعة البحث في هذا العلم، حتى أصبح علم أصول الفقه علما مستقلا، رتبت أبوابه، وحررت مسائله، وجمعت مباحثه، وألفت فيه المؤلفات على اختلاف في الطرق التي اتبعوها في التأليف. وإليك ذكر طرق التأليف في هذا العلم ومميزات كل واحدة. الطريقة الأولى: طريقة الحنفية، وتتميز بأنها تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع والفتاوى الصادرة عن الحنفية المتقدمين كأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف وابن أبي ليلى، وزفر. وسميت هذه الطريقة بطريقة الفقهاء، لأنها أمس بالفقه وأليق بالفروع، ومن أهم كتب هذه الطريقة: الفصول في الأصول للجصاص، وتقويم الأدلة للدبوسي، وأصول البز دوي. الطريقة الثانية: طريقة الجمهور- وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة، والمعتزلة، وتتميز بالميل الشديد إلى الاستدلال العقلي، والبسط في الجدل والمناظرات وتجريد المسائل الأصولية عن الفروع الفقهية، ومن أهم كتب هذه الطريقة: 1- كتب مالكية: التقريب والإرشاد للباقلاني، وأحكام الفصول للباجي ... 2- كتب شافعية: الرسالة للشافعي، اللمع للشيرازي، البرهان للجويني... 3- كتب حنبلية: العدة لأبي يعلى، الواضح لابن عقيل، ... 4- كتب ظاهرية: الإحكام لابن حزم، والنبذ له. 5- كتب على مذهب المعتزلة: العمد للقاضي عبد الجبار ، والمعتمد لأبي الحسين البصري. الطريقة الثالثة: الجمع بين طريقة الحنفية وطريقة الجمهور ، حيث إن من سار على هذه الطريقة حقق القواعد الأصولية، وأثبتها بالأدلة النقلية والعقلية، وطبق ذلك على الفروع، ومن أهم كتب هذه الطريقة: بديع النظام لابن الساعتي، وتنقيح أصول الفقه، وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي. الطريقة الرابعة: تخريج الفروع على الأصول، وهي طريقة: ربط الفروع بالأصول، ومن أهم كتب هذه الطريقة: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، التمهيد للأسنوي، مفتاح الوصول لتلمساني. الطريقة الخامسة: وهي طريقة عرض أصول الفقه من خلال المقاصد والمفهوم العام الكلي للتكليف، ومن أهم كتب هذه الطريقة الموافقات للشاطبي. وفي هذا العرض سنتعرض لذكر أهم المؤلفات الأصولية وفق الخطة التالية: مقدمة المبحث الأول: أهم كتب الأصول في المذهب الشافعي: المبحث الثاني: أهم كتب أصول الفقه عند الحنفية المبحث الثالث: أهم كتب الأصول في المذهب المالكي: المبحث الرابع: أهم كتب الأصول في المذهب الحنبلي أهداف العرض: إعطاء لمحة موجزة عن طرق التأليف في علم الأصول. التعريف بأهم الكتب الأصولية المؤلفة في كل المذهب . إبراز الجانب المنهجي و الخصائص و القيمة العلمية لأهم الكتب المؤلفة في كل مذهب. المبحث الأول: أهم كتب الأصول في المذهب الشافعي: ويشتمل على وثلاثة محاور: المحور الأول: جرد لمجموعة من الكتب التي ألفت في المذهب الشافعي في أصول الفقه بصورة مجملة المحور الثاني: الحديث بشيء من التفصيل عن أهم كتب الشافعية. تحدثت في هذا المحور عن: 1. التعريف بالمؤلف 2. بيانات الكتاب 3. نبدة مختصرة عن الكتاب 4. المؤلفات الأصولية لصاحب الكتاب 5. منهج الكتاب المحور الثالث : -جرد ببليوغرافي لكتب أصول الفقه بالمكتبة القديمة للكلية -جرد ببليوغرافي لكتب أصول الفقه الموجودة بسجل الكتب المهداة من طرف الدكتور عبد الوهاب التازي سعود بالمكتبة الجديدة للكلية الطابق الثالث . مدخل: نشأة أصول الفقه وطرق التأليف فيه. كان الصحابة رضي الله عنهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم – يرجعون إليه في بيان أحكام الحوادث التي تنزل بهم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يأخذون حكم حوادثهم ونوازلهم من الكتاب والسنة ، فإذا لم يجدوا حكمها فيهما ، اجتهدوا وأخذوا الحكم عن طريق الاجتهاد بأنواعه، ونهج التابعون ذلك، وزاد أخذهم بفتاوى الصحابة واجتهاداتهم. ثم بعد ذلك كثر الاجتهاد، وكثرت طرقه، ثم أصبح لكل إمام قواعد قد اعتمدها في الفتوى والاجتهاد، وهؤلاء الأئمة لم يدونوا تلك القواعد التي اعتمدوها في اجتهاداتهم سوى الإمام الشافعي، فقد دونها في كتابه الرسالة، فنبه الشافعي أنظار العلماء والباحثين إلى متابعة البحث في هذا العلم، حتى أصبح علم أصول الفقه علما مستقلا، رتبت أبوابه، وحررت مسائله، وجمعت مباحثه، وألفت فيه المؤلفات على اختلاف في الطرق التي اتبعوها في التأليف. وإليك ذكر طرق التأليف في هذا العلم ومميزات كل واحدة. الطريقة الأولى: طريقة الحنفية، وتتميز بأنها تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع والفتاوى الصادرة عن الحنفية المتقدمين كأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف وابن أبي ليلى، وزفر. وسميت هذه الطريقة بطريقة الفقهاء، لأنها أمس بالفقه وأليق بالفروع، ومن أهم كتب هذه الطريقة: الفصول في الأصول للجصاص، وتقويم الأدلة للدبوسي، وأصول البز دوي. الطريقة الثانية: طريقة الجمهور- وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة، والمعتزلة، وتتميز بالميل الشديد إلى الاستدلال العقلي، والبسط في الجدل والمناظرات وتجريد المسائل الأصولية عن الفروع الفقهية، ومن أهم كتب هذه الطريقة: 6- كتب مالكية: التقريب والإرشاد للباقلاني، وأحكام الفصول للباجي ... 7- كتب شافعية: الرسالة للشافعي، اللمع للشيرازي، البرهان للجويني..

السبت، 19 نوفمبر 2011

لمن يبحث في القواعد الفقهية هذه مصادر موضوعك!!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، فقد يحتاج الباحث في علم قواعد الفقه إلى معرفة مصادر تفيده في إعداد بحثه، أو تقرب له معلومة ينفق ثمين الوقت في البحث عنها، وقد وجدت جمعًا مباركًا لمصادر ومراجع القواعد الفقهية وذكر مؤلفيها وطابعيها وسنة الطبع...إلخ، فنقلته إلى هنا بعد إعادة تنسيقه، وهاك هو: مصادر ومراجع في القواعد الخمس الكبرى 1-أثر العرف في التشريع الإسلامي، د. السيد صالح عوض، القاهرة: دار الكتاب الجامعي. 2-التحرير في قاعدة المشقة تجلب التيسير، عامر سعيد الزيباري، بيروت: دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1994م. 3-رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، د. صالح عبد الله بن حميد، مكة المكرمة: مركز إحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1403هـ. 4-رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، د. يعقوب عبد الوهاب الباحسين، الرياض: دار النشر الدولي، الطبعة الثانية، 1416هـ. 5-الشك وأثره في نجاسة الماء وطهارة البدن وأحكام الشعائر التعبدية، د.عبد الله بن محمد السليمان، الرياض: دار طويق، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م. 6-العرف حجيته وأثره في فقه المعاملات المالية عند الحنابلة، عادل بن عبد القادر قوته، مكة المكرمة: المكتبة المكية، الطبعة الأولى، 1418هـ -1998م. 7-العرف وأثره في الشريعة والقانون، د. أحمد بن علي المباركي، الرياض: الطبعة الأولى، 1412هـ-1992م. 8-العرف والعادة في رأي الفقهاء، د. أحمد فهمي أبو سنة، الطبعة الثانية، 1412هـ 1992م. 9-قاعدة الأمور بمقاصدها، د. يعقوب عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1419هـ -1999م. 10-قاعدة العادة محكمة، د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1423هـ -2002م. 11-قاعدة لا ضرر ولا ضرار، محمد عبد العزيز السويلم، الرياض: دار عالم الكتاب، الطبعة الأولى، 1423هـ -2002م. 12-قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1424هـ ـ 2003م. 13-قاعدة اليقين لا يزول بالشك، د. يعقوب عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، 1417هـ-1996م. 14-القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، إسماعيل بن حسن علوان، الدمام: دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى،1420هـ-2000م. 15-القواعد الفقهية الكبرى وأثرها في المعاملات المالية، د. عمر عبد الله كامل، مصر: دار الكتب، الطبعة الأولى، 1421هـ -2000م. 16-القواعد الفقهية الكبرى وماتفرع عنها، د. صالح بن غانم السدلان، الرياض: دار بلنسيه، الطبعة الأولى، 1417هـ. 17-القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، د. عبد الرحمن صالح العبد اللطيف، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، عمادة البحث العلمي، الطبعة الأولى، 1423هـ-2003 م. 18-المدخل إلى القواعد الفقهية الكلية، د. إبراهيم بن محمد الحريري، عمان: دار عمار، الطبعة الأولى، 1419هـ -1998م. 19-المشقة تجلب التيسير، صالح سليمان اليوسف، الرياض: المطابع الأهلية للأوفست، 1408هـ -1988م. 20-الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، د. محمد صدقي بن أحمد البورنو، بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة، 1419هـ ـ 1998م. 21- المؤلفات المفردة في سد النقص، وإكمال السقط....جمعًا وتعريفًا. كتب القواعد الفقهية العامة 1- القواعد الفقهية، علي أحمد الندوي، دمشق: دار القلم، الطبعة الرابعة، 1418هـ-1998م. 2- القواعد الفقهية، د.محمد الزحيلي، دمشق: دار المكتبي، الطبعة الأولى، 1418هـ-1998م. 3- القواعد الفقهية، د.يعقوب عبد الوهاب الباحسين، الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1418هـ-1998م. 4-إدرار الشروق على أنواء الفروق، قاسم بن عبد الله بن الشاط، مطبوع بهامش الفروق للقرافي، بيروت: عالم الكتب. 5-الاستغناء في الاستثناء، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406هـ ـ 1986م. 6-الاستغناء في الفرق والاستثناء، محمد بن أبي سليمان البكري،تحقيق: د. سعود بن مسعد الثبيتي، مكة المكرمة: مركز احياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م. 7-الإسعاف بالطلب مختصر شرح المنهج المنتخب، أبو القاسم بن محمد بن أحمد التواتي، راجعه: حمزة أبو فارس، وعبد المطلب قنباشه، طرابلس ـ ليبيا: دار الحكمة، 1997م. 8-الأشباه والنظائر، زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم الحنفي، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دمشق: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1403هـ ـ 1983م. 9-الأشباه والنظائر، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1414هـ ـ 1993م. 10-الأشباه والنظائر، تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411هـ ـ 1991م. 11-الأشباه والنظائر، محمد بن عمر مكي بن عبد الصمد بن المرحل المعروف بابن الوكيل، تحقيق ودراسة: د. أحمد بن محمد العنقري، ود. عادل بن عبد الله الشويخ، الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية، 1418هـ ـ 1991م. 12-الأصول والضوابط، يحيى بن شرف النووي، تحقيق: د. محمد حسن هيتو، بيروت: دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية، 1409هـ ـ 1988م. 13-الاعتناء في الفرق والاستثناء، بدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411هـ ـ 1991 م . 14-إعداد المهج للاستفادة من المنهج، أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي، راجعه: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، قطر: إدارة إحياء التراث الإسلامي، 1403 هـ ـ 1983م.

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

عودة الوعي بقيمة تصاوير المخطوطات العربية الإسلامية

أسعد عرابي /فنان تشكيلي وباحث في الفن العربي الإسلامي من أصل لبناني مقيم في باريس منذ العام 6791. تراجعت النظرة الاستشراقية حول مفهوم الصورة في الفن العربي الإسلامي مع إطلالة القرن العشرين, وهي النظرة التي كانت لقرون تجد في المناظر الروحية والألوان الموسيقية الرهيفة تجديفاً فنياً يخالف ذوق مبادئ البرتي في عصر النهضة الايطالي، بخاصة إن بعض فناني المعاصرة الرواد من أمثال هنري ماتيس اخذوا ينهلون من نواظمه البصريةـ الصوتية، وذلك اثر تواتر معارض «المنمنمات» ورسوم المخطوطات بين لندن وباريس. ويقول هنري ماتيسفي في مذكراته عن هذه المعارض أنها كانت بمثابة عودة الوعي اللوني بالنسبة إليه وان «الفن الإسلامي هو الوحيد الذي يقتصر في قوة التعبير على اللون واللون وحده». وهكذا نشأت «الوحشية» وتيارات «ما بعد الانطباعية» (مثل الأنبياء وأطياف التعبيرية اللونية في ألمانيا والنمسا وبلجيكا). والواقع إن فضولية هذه الدهشة تعود إلى القرن السابع من العهد المغولي ـ وذلك اثر الاكتشاف الاستعماري الهولندي لثقافة آسيا الوسطى. وهكذا أصبح التصوير التشخيصي العربي الإسلامي في مركز تيارات المعاصرة والحداثة، مثله مثل الرولو الطاوي (الصيني) والاستامب الياباني ورسوم المخطوطات الهندوسية والإشارات «الشامانية». وصل هذا التأثير إلى بول كلي وبابلو بيكاسو وسواهما، ولا زلنا نحن ورثته الشرعيين في غفلة عن مصداقيته، نضع رأسنا في رمال احابيس الحلال والحرام، ولا نستقي من ذاكرته التلفيقية سوى التعاويذ والحروف والطربوش والبابوج والدلاية والمشاهد الاطلالية الفولكلورية، التي تستدر النحيب المفتعل على الخواء والتصحر الثقافي الصوري. لا شك في أن الهجمة الاستعمارية والصهيونية على التراث التصويري محقت القسم الأعظم من مخطوطاته المصورة، وزورت تاريخها. لنتخيل حجم الإخفاء من غياب أربعة قرون منها، ابتداء من منتصف القرن الثامن (بداية وصول الورق السمرقندي) وحتى أواخر القرن الثاني عشر، حتى لنكاد لا نعرف من هؤلاء سوى العباسي البغدادي محمود بن سعيد الواسطي، الذي تخصص في رسوم مقامات الحريري والمخطوطة بأكثر من مئة لوحة محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس، منجزة العام 1237 أو 1238م. أي قبل إهلاك هولاكو لمكتبات بغداد بعشرين عاماً، عندما اغرق دجلة بلون مدادها قبل نقله ألفاً منها إلى عاصمته سمرقند. لم يبق من ذكر هؤلاء إلا النزر اليسير ما بين مصر والشام على غرار المصري والجزري وابن دانيال. من المثير للأسف الغياب المطلق لرسوم هذه المخطوطات في المتاحف العربية ما خلا القليل منها في دار الكتب المصرية ومؤخراً في مقتنيات المتحف الإسلامي في الكويت وذلك رغم الإشارات المتواترة لهذه الصناعة وصنّاعها في الفترات الفاطمية المملوكية والأيوبية من خلال معاجم السير والتواريخ. تصوير المخطوطات في آسيا الوسطى علينا إن ننتظر قروناً عدة بعد زلزلة مكتبات بغداد حتى نشهد نهوض صناعة المخطوطات ورسومها في آسيا الوسطى المسلمة، إي ما يشمل اليوم خرائط إيران وجزءاً من العراق وأفغانستان وباكستان وأجزاء من أذربيجان وتركستان وصولاً حتى أناضول العثمانيين ما بين قونية واسطنبول. وعلى رغم إن المصائب التترية ـ المغولية التي ابتليت بها محترفات هذه المناطق (بخاصة هيرات وتبريز) لا تقل تدميراً عن نظائرها في بغداد ودمشق فإن الهجمة الثقافية الاستعمارية كانت اخف وطأة مما عانته ذاكرة رسوم المشرق العربي، وهو ما يؤكده الازدهار النسبي في شيوع نماذجها في المتاحف والطباعات الزاهية. وإذا كان اسم الواسطي يمثل الاستثناء البغدادي الذي تسرب من مساحة التظليل والتقييم فإن شهرة بهزاد اليوم عالمياً لا تقارن به، على رغم إن الأول اسبق من الثاني بأكثر من قرنين. فقد خُصص لأعمال بزهاد الغزيرة ولمدرسة هيرات ما لم يخصص من الدراسات والكتب والمطبوعات لسواهما. وإذا كان بزهاد يستحق هذه الشهرة فإن العديد من الباحثين والجماليين يعتبرونه من دون مغالاة من أعظم المصورين في تاريخ الإنسانية، على رغم إنهم لم يكشفوا بالقدر الكافي إسراره المهنية، باعتباره القُطب النقيب الأول والعارف المعلم الذي خرّج أسماء لامعة من مريديه وتلامذته من أمثال شيخ زاده وعلي مظفر, نقل عديد منهم عقائده الروحية في الرسم والتلوين إلى المحترفات المغولية ثم العثمانية، وعرفنا بفضله اسم أستاذه ميراك ومنافسه المتأخر سلطان محمد. سلطان التصوير: بزهاد تقع بين دفتي تاريخ ميلاد بزهاد في هيرات العام 1465 ووفاته العام 1535م في تبريز ابرز الإحداث التشكيلية (نشوء المحترفات المحلية) المرتبطة بالإحداث السياسية، والارتباط عضوي في هذا المقام لان العائلات الحاكمة هي التي ترعى فن الكتاب وتتسابق على تأسيس دور العلم ودائرة الحكمة (نموذجها الذي أسسه المأمون للترجمة) والمكتبات العامة. يقع تاريخه ضمن العهدين التيموري والصفوي، ولكنه عمل تحت حماية الكثير من السلالات السنية والشيعية من تركمان ويزبك إلى ايرانيين فرس، إلى مغول وتيمورلنكيين. لكن اسمه ارتبط بمؤسس الدولة الصفوية الشيعية (الدولة الوطنية الايرانية الأولى) إسماعيل شاه (وكان سابقاً بعهده التيموري حسين بقراو وزيره المتنور مير علي شيخ نواوي)، فبعد التماع نجمه في هيرات وتأسيسه لمدرستها وتيارها الغني المعروف، يطلبه إسماعيل شاه في العام 1510م إلى تبريز وبمرسوم تاريخي كتبه بعد فترة العام 1522م محفوظ في متحف طوب قابو يصبح فيه بزهاد مسؤولا عن المحترف الملكي للمكتبة السلطانية بشتى صناعتها من موضبي صناعة صفحات الرسم بالألوان، هي التي لا يقدر على غلاء صباغاتها إي فنان خاصة مادة اللازورد والذهب. بزهاد النخبوي أسس كمال الدين بزهاد لفن تشخيصي تعبيري نخبوي (ثقافي)، موازياً لنصوص كبار الشعراء الملحميين الذين يكتبون بالفارسية من مثال سعدي وحافظ وجامي والعطار والرومي، كان متأثراً مثلهم بالعرفانية الصوفية والطريقة النقشبندية، وإذا صوّر الداعية ماني ذلك المصور الذي عاش في القرن الثالث وكان يعتمد قوته في الرسم والتلوين في نشر دعوته فإن بزهاد لم يكن يحب مقارنته به بسبب تربيته الصوفية، لذلك فهو بعيد عما يدعيه المستشرقون من استبطانه للثنوية الزرادشتية أو المزدكية المنوية، بخاصة انه كان على صراع مرير ومخفي مع التقاليد البوذية «الطاوية» المحمولة مع «روليهات» الصين من قبل المغول الخانيين والتيموريين (أبناء تيمورلنك) وذلك لسبب القرابة القبائلية بين هؤلاء وحكام الصين سواء الذين حكموا بكين في البداية قبل عائلة إيوان أو الذين انقلبوا عليهم وهم عائلة مينغ، والاسمان يعبران عن أسلوبين صينيين متمايزين في تصوير الطبيعة، وضمن منظور تقصب «الشامان» لهيئة الصخور والمياه باعتباره اصل الكون، واعتبار الفراغ نفسا قدسيا من الواجب عدم إرهاقه بأثقال اللون والرسم والتفاصيل. وبسبب قوة شخصيته فقد كان لا يُذعن لسلطة الخطاطين في إخراج صفحات الرسم، بل انه زعزع تقاليدهم لصالح تفوق الرسم، وعزل الكتابة في مستطيلات متواضعة المساحة مزروعة داخل الفراغ. كما اخترع صيغة الصورة العارية عن الكتابة كالتي تفترش صفحتين متقابلتين، أو أنها تُرسم خارج المخطوطة ثم تلصق في مكانها. لعل أهم تطور ابتدعه بزهاد هو استبدال الفراغ «الطاوي» الصيني الأحادي اللون بالفراغ التنزيهي الذي يعتمد على توزيع شطرنجي للون، محاولاً عبر احواله الشطية والوجودية الاتحاد بالموسيقى الصوفية ورفع الحدود بين عقيرة اللون وصوته البصري. تبدو ألوانه بالغة الإشعاع (مثل ألوان السيراميك المزجج) مبعثرة في بؤر متباعدة ومعزولة، تعوم في فراغ فلكي معراجي هادئ اللون، بما يسمح بترصيع التركواز (الفيروز) أو العقيق أو اللازوردي أو الذهبي، وإثارة الحوار الرهيف بين الألوان المتكاملة والمسطحة دون ظل أو منظور أو حجم، يزداد عدد الأشخاص مقارنة برسوم الواسطي، ويزداد الفراغ بالتالي رحابة وعمارة هندسية داخلية، لدرجة تبدو فيه السطوح الزخرفية وجدر العمائر البلاطية وكأنها ملصقات تجريدية. ترسّخ منظور عين الطائر (السيمورغ أو العنقاء) الذي ندعوه «بعين وحدة الوجود» والاقتصار الزهدي على بعدين، أقول ترسّخ المعنى التنزيهي في حين يعتمد المشهد الصيني الوصفي على المعنى التشبيهي، تزداد العناصر إطلاقا بهجرتها من باطن الصفحة إلى الهامش، إي من المكان الفرضي المهندس إلى المكان المطلق، بما يشبه دور المحراب كبرزخ متوسط بين عالم الملكوت والناسوت واللاهوت. عرف بزهاد بشجرته الرمزية الخريفية التي يزرعها في شتى التصاوير (ذات الأوراق الشاحبة أو الجمرية القانية)، كما عُرف بأفضلية الطوبوغرافية الهندسية البلاطية الحضرية بحيث تبدو الشخوص وكأنها عرائس معلقة بها. وهنا نعثر على حيوية العلاقة بين الشكل المكوّر لثوب الفتاة وتعارضه مع الخطوط المتعامدة للباب، كما إن حدة ميلان بعض الخطوط الأساسية (مثل المشربية أو السجادة) يمنح للفراغ حيوية شطحية. ويتعامل بزهاد مع العالم المرسوم على أساس انه ورقة أو جدار مسطّح أو مرآة، ويضاعف بالتالي من إبعاد رموزه الباطنية، فلوحة «يوسف وزليخة» المعروضة في المكتبة الوطنية في القاهرة والتي تمثل زليخة وهي تمسك بتلابيب يوسف اقرب إلى القزمين العائمين في فراغ متاهي مهندس بالأبواب السبعة المغلقة مع أدراجها المائلة. لا يمكننا بالنتيجة إن نعوّل على توقيع بزهاد المتواضع ذي العبارة الشهيرة «عمل العبد بزهاد»، لأنها كثيراً ما تكون امهاراً رسمياً لمحترفه، بخاصة في تبريز. فقد وهن نظره وفقدت أنامله ثباتها مع تقدمه في العمر واقتصر على مراقبة الرسم والتلوين والإشراف عليه، ناهيك إن عدداً من الصناع المتأخرين كانوا يزورون توقيعه طلباً للالتحاق بأسطورة شهرته. لكن التمييز يبدو سهلاً بقدر ما هو يسير تميز واستقلال شخصية رسوم بزهاد، بخاصة مقارنة بأعمال المصورين الذين استمروا في استسهال استثمار العناصر المنقولة عن التقنية الصينية (بخاصة الروليهات الموجودة في تبريز وسواها)، ومن هؤلاء سلطان محمد وأكثر من ذلك المتأخرين من أمثال محمد سياح قلم ومحمدي. ويقول البعض إن اصل هذا الأخير صيني. يحاول المستشرقون إثارة الفرقة بين اتجاهات محترفات الفن الإسلامي على أساس قومي، وذلك بالإلحاح على تسمية كل ما هو رسوم كتب «بالمنمنمة الفارسية»، فإذا كان لكل إقليم محترفاته وخصائصه الثقافية فإن البعد الروحي التصوفي يجمع الجميع في حالات وجدية ورمزية واحدة، حتى ليبدو أن عزلها نوع من تقسيم ما لا يقبل القسمة سواء أكانت الخطوط المرفقة بالنسخي العباسي ام بالنص تعليق الفارسي. المصدر: موقع النور . http://www.annoormagazine.com/mag/ar/167/thakafa/thakafa_02.asp

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

ابن طفيل الأندلسي



هو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي: من قبيلة قيس المعروفة. وكان يسمى كذلك الأندلسي القرطبي أو الإشبيلي. أطلق عليه علماء النصارى في القرون الوسطى " أبو باسر" Abubacer وهو تحريف لأبي بكر. ومن المحتمل أن يكون ابن طفيل قد ولد في العقد الأول من القرن الثاني عشر الميلادي في وادي آش على بعد أربعين ميلاً في الشمال الغربي لغرناطة. ولا نعرف شيئاً عن أسرته أو تعلمه. وليس من الصواب أن نقول، كما قال بعض المؤلفين، إنه كان تلميذ ابن باجه؛ لأنه يقرر في مقدمة قصته الفلسفية أنه لم يتعرف إلى هذا الفيلسوف. وقد زاول ابن طفيل في أول أمره الطب في غرناطة، ثم أصبح كاتب سر والي هذا الإقليم.
وفي عام (549هـ/1154م) أصبح أخيراً (558-580 هـ/1163-1184م) طبيب السلطان الموحدي أبي يعقوب يوسف، ويقال إنه وزر لهذا السلطان كذلك. ويرى ليون جوتييه Leon Gauthier أنه من المشكوك فيه أن ابن طفيل نال لقب الوزارة، إذ لم يرد ذلك إلا في نص واحد، أضف إلى ذلك أن البطروجي وهو أحد تلاميذه لم يقرن اسمه إلا بلفظ القاضي فقط. ومهما يكن من شيء فإن ابن طفيل كان دائماً ذا تأثير كبير على هذا السلطان، وقد استغل هذا التأثير في اجتذاب العلماء إلى البلاط، مثال ذلك أنه قدم الشاب ابن رشد إلى السلطان.
وقد وصف المؤرخ عبد الواحد المراكشي هذه المقابلة اعتماداً على رواية ابن رشد نفسه، تلك المقابلة التي أظهر فيها أمير المؤمنين دراسة واسعة بالمسائل الفلسفية. كما أن ابن طفيل هو الذي حبب إلى ابن رشد – تلبية لرغبة الخليفة – شرح كتب أرسطو، ذكر ذلك أبو بكر بندود تلميذ ابن طفيل، وهو يقول كذلك، "وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له، وبلغني أنه كان يقيم في القصر عنده أياماً ليلاً ونهاراً لا يظهر".
ولما طعن فيلسوفنا في السن، حل ابن رشد محله في الطبابة للخليفة عام 578هـ، ومع ذلك فقد ظل ابن طفيل محتفظاً بمحبة الخليفة أبي يعقوب. وبعد وفاة الأخير عام 580هـ، احتفظ بصداقة ولده أبي يوسف يعقوب وتوفي ابن طفيل عام 581هـ (1185 –1886م) بمراكش، وحضر الخليفة بنفسه جنازته.
وابن طفيل هو مؤلف القصة الفلسفية المعروفة "حي بن يقظان" التي تعد من أعجب كتب العصور الوسطى. وسنفصل كلام عنها فيما بعد. ولا نعرف له غير هذه القصة إلا القليل. فقد كتب رسالتين في الطب، وكانت بينه وبين ابن رشد مراسلات حول كتاب الأخير "الكليات".
ويظهر أنه كان لابن طفيل آراء مبتكرة في علم الفلك، كما يفهم من أقوال البطروجي المنجم ومن كلام ابن رشد في شروحه الوسطى على كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو، (الكتاب الثاني عشر). وحاول البطروجي أن يجرح نظرية بطليموس الخاصة بفلك التدوير Epicycles وبالفلك الخارج المركز، ويقول في مقدمته إنه يتبع في ذلك آراء ابن طفيل.
وقصة "حي بن يقظان" الفلسفية التي نشرها بوكوك Pococke بعنوان Philosophus Autodidactus، تعرف أيضاً باسم "أسرار الحكمة الإشراقية". وليست هذه الفلسفة في حقيقتها سوى فلسفة المدرسة الأفلاطونية الجديدة في أشد صورها صوفية (انظر مادة "إشراقيون").
وقد عرض ابن طفيل في كثير من المهارة هذه الفلسفة على مراحل متدرجة، متخذاً لذلك إنساناً قصصياً موهوباً قادراً على التفكير وجد منذ طفولته في جزيرة مقفرة. وهناك استطاع بقوة عقله فقط أن يميط اللثام عن الفلسفة، وأسس لنفسه مذهب الأفلاطونية الجديدة في صورته الإسلامية. وسمي ابن طفيل هذا الإنسان، وهو رمز للعقل، "حي بن يقظان" أي ابن الله، وتظهر في نهاية هذه القصة شخصيتان هما: سلامان وأسال، لهما أيضاً دور رمزي في هذه القصة.
وقد ظهرت في المصنفات الفلسفية من قبل أسماء "حي" و"سلامان" و"أبسال" أو "أسال". إذ كتب ابن سينا قصته المرموزة "حي بن يقظان" وهي القصة التي نالت شهرة كبيرة في العصور الوسطى والتي قلده فيها ابن عزرا. وينسب الجوزجاني إلى ابن سينا فيما أحصى له من كتب رسالة عن قصة سلامان وأبسال وقد أثبت نصير الدين الطوسي رواية لهذه القصة، كما جعلها الشاعر الفارسي المعروفة بـ"جامي" موضوعاً لإحدى منظوماته المشهورة.
ويختلف شأن سلامان وأبسال في هذه المؤلفات المختلفة ولكنه دائماً رمزي، وهو يمثل بصفة عامة العقل في نضاله مع العالم المادي. وسلامان في أشعار جامي أمير يافع، أما أبسال فهي ظئره التي تصبح معشوقته فيما بعد. وأبسال أيضاً امرأة في إحدى القصص التي ذكرها نصير الدين الطوسي، كما أن سلامان وأبسال شقيقان في قصة أخرى له، وهما عند ابن طفيل ملك ووزير. ويقال إن حنين بن إسحاق قد نقل إحدى هذه القصص عن اليونانية. على أنه يحتمل جداً أن هذه القصص كلها ترجع إلى أصل أسكندري.
ونحن نلخص فيما يلي قصة ابن طفيل: بدأ المؤلف كتابه بمقدمة أعطانا فيها إلمامة طريفة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية. وهو يمتدح في هذه المقدمة أسلافه من الفلاسفة وخاصة ابن سينا وابن باجه والغزالي. ثم يبين أن غرض الفلسفة – كما يرى متصوفة العصور الوسطى – هو الوصول إلى الاتحاد بالله، أعني الوصول إلى حالة من البهجة والمكاشفة لا يعرف المرء فيها الحقيقة بطريق القياس العقلي، وإنما يعرفها بالحدس. ثم يأخذ بعد ذلك في سرد قصته: ولد ولد من غير أب في جزيرة مقفرة، أو قل إن أميرة من أميرات الجزر المجاورة ألقت به في أليم فحمله التيار إلى هذه الجزيرة، وهنا يناقش المؤلف بالتفصيل النظرية القائلة بإمكان التولد الذاتي عن طريق تخمر الطين في درجة حرارة معتدلة. ثم تولت ظبية إطعام الطفل وأصبحت أول معلميه، ولما شب الطفل قليلاً لاحظ أنه عاري الجسد أعزل من السلاح على خلاف ما كان يلقاه من حيوان، فغطى جسده بأوراق الشجر وتسلح بعصا، وأدرك منذ تلك اللحظة فضل يديه، ولما أصبح صياداً تقدمت أساليبه الصناعية فاستعاض عن أوراق الشجر بلباس من جلد نسر – ولما أسلّت الظبية التي ربته وأصابها المرض، أهمه ذلك، وأخذ يبحث عن سبب ما لحقها من آفة. وشرع لهذا في دراسة نفسه حتى تنبه إلى ما عنده من حواس. وظن أن الآفة قد تكون في صدر الظبية، فرأى أن يشق بين أضلاعها بحجر حاد، وعرف من هذه التجربة القلب والرئتين، كما أعطته أول فكرة عن شيء خفي قد فارق الجسد وهو الذي يكوّن الذات أكثر من الجسد. ولما بدأ الفساد يدب في جسد الظبية، عرف حي من الغربان كيف يواريه التراب.
واكتشف "حي" النار صدفة، إذ انقدحت نار في أجمة من احتكاك أغصانها، فأتى بقبس منها إلى مأواه وعمل على إبقائه مشتعلاً. وقد جعله هذا الكشف يفكر في أمر هذه النار وفي الحرارة الحيوانية التي أحس بها في الأحياء، فأخذ في تشريح حيوانات أخرى. ولم يقف تفننه عند هذا الحد، بل اكتسى بجلود الحيوانات وتعلم غزل الصوف والقنب وصنع الإبر، واهتدى إلى البناء بما رأى من فعل الخطاطيف، واستعان بجوارح الطير في الصيد له، وانتفع ببيض الدواجن وصياصي البقر... إلخ. وهذا الجزء من القصة عبارة عن دائرة معارف شيقة للغاية مرتبة ترتيباً يشهد لمؤلفها بالبراعة والحذق.
وتطورت معارف حي بن يقظان حتى أصبحت فلسفة: فبعد أن درس النبات والمعادن وخواصها ووظائف أعضاء الحيوان أخذ يصنفها في أجناس وأنواع، فقسم الأجسام إلى خفيفة وثقيلة؛ وعاد إلى درس الروح الحيواني الذي رآه في القلب، ثم توصل إلى فكرة النفس الحيوانية والنفس النباتية، وقد بدت له الأجسام صوراً تصدر عنها أفعال. فأخذ يبحث عن عناصرها الأولية حتى اهتدى إلى العناصر الأربعة.
ولما فحص الطين توصل إلى فكرة الهيولى وتراءت له الأجسام على أنها هيولى في صور مختلفة. وشاهد تبخر الماء فتنبه إلى فكرة تحول الصور بعضها إلى بعض، وعرف أن كل ما يوجد لا بد له من علة فاعلة. وهكذا ارتقى إلى فكرة فاعل لهذه الصور بوجه عام، وقد بحث عنه أولاً في الطبيعة ولكنه وجد أن جميع ما فيها عرضة للتحول والفساد، فاتجه بنظره حينئذٍ إلى الأجرام السماوية.
وانتهى حي إلى هذا النظر على "رأس أربعة أسابيع من منشئه" أي عندما بلغ ثمانية وعشرين عاماً من عمره. وبدأ منذ ذلك الحين يتأمل السماء، وتساءل: أهي ممتدة إلى غير نهاية؟ ولكنه عرف بطلان هذا الرأي فتصورها كروية. ولاحظ ضرورة وجود أفلاك خاصة بالقمر وغيره من الكواكب، وتخيل السماء حيواناً كبيراً، كما أدرك وجوب اعتبار فاعل الكل غير جسم، واعتبار محرك هذا العالم خارجاً عنه إذا كان قديماً. ثم أخذ يمعن النظر في فكرة الله، فتوصل إلى استنتاج صفاته من النظر في صفات الكائنات الطبيعية: فالله – كما بدا له – قادر عاقل عليم رحيم... الخ. ولما عاد إلى تأمل نفسه انتهى إلى أنها غير فانية، واستنتج من ذلك أن لذته لا بد أن تكون في مشاهدته للموجود الكامل. والوصول إلى هذه اللذة لا يتأتى إلا بمحاكاة الجواهر السماوية، أي بأن يأخذ نفسه بالرياضة والمجاهدة. وعند ذلك انقطع حي إلى حياة كلها تأمل حتى بلغ "رأس سبعة أسابيع من منشئه" أي تسعة وأربعين عاماً.
وعند ذاك هبط "أسال" من جزيرة مجاورة، وهو رجل شديد الإيمان بدين منزل. وما إن تفاهم الرجلان، حي وأسال، حتى أدركا أن ذلك الدين إن هو إلا عين العقيدة الفلسفية التي انتهى إليها حي. ووجد أسال في تلك الفلسفة التي تعلمها على هذا الرجل الناسك، تفسيراً سامياً لدينه وللأديان المنزلة بوجه عام، وتمكن أخيراً من إقناع حي باصطحابه إلى الجزيرة المجاورة ليبسط فلسفته لملكها "سلامان" الذي كان أسال وزيره وخليصه. ولكن فلسفته لم تفهم هناك رغم ما بذله من الجهود التي ذهبت أدراج الرياح. فرجع حي وأسال إلى الجزيرة المقفرة ووهبا حياتهما للتأمل الخالص، بينما ظل الناس يعيشون بالرموز والصور الخيالية.
وهكذا تحدد هذه الأسطورة العجيبة في وضوح موقف الفلسفة الصوفية من الدين.
وقد كلف المسلمون كلفاً شديداً بهذه القصة، ونقلت إلى لغات عدة، كما نقلها إلى العبرية وشرحها موسى بن قربون عام 1349 وقد امتدحها الفيلسوف ليبنتز وكان قد قرأ طبعة بوكوك Pococke لهذه القصة.

الأحد، 13 نوفمبر 2011

التحقيق بين حداثة المصطلح وأصالة العلم


د. فيصل الحفيان
لم يعرف العرب والمسلمون «التحقيق» مصطلحاً شائعاً يتردد محمَّلاً بدلالته التي نعرفها اليوم. وما عَنى به بعض الباحثين أنفسهم من تتبع لفظ «تحقيق» في المعاجم والمصادر لتلمس المعنى الاصطلاحي للفظ ومحاولة التقريب بين معناه السياقي ومعناه اليوم، ليس ذا بال، فالمصطلحات ليست هي العلم، لا تطبيقاً ولا تنظيراً، وما هي إلا رموز أو عناوين يصطلح عليها بين جماعة في مرحلة، فإذا ما جاءت جماعة أخرى في مرحلة جديدة فلا مشاحة عليها في أن تتفق على رمز أو عنوان مختلف. لكن ذلك لا يعني أن العرب المسلمين لم يستخدموا القواعد والأصول التي تندرج تحته بدءاً من تحقيق عنوان النص وتوثيق نسبته الى صاحبه، وانتهاءً بالتقديم للنص وشرح خطوات العمل فيه، وتكشيفه (فهرسته)، مع بعض الفروق والاختلافات العرضية التي لا تضير شيئاً.
وقد لا يجادل كثيرون في هذا الذي قلنا: العرب المسلمون عرفوا التحقيق قواعد وأصولاً، لكن كثيرين - بالتأكيد - يجادلون في أنهم فكروا نظريّاً في الأمر، وألفوا فيه، إذ إن التفكير النظري والتأليف مرتبطان في أذهانهم بالاستشراق في القرن العشرين، وبالجهود التي قام بها نفر من الباحثين العرب المسلمين ابتداءً بعبدالسلام هارون وصلاح الدين المنجد في منتصف القرن الماضي.
والحق أن التراث العربي الإسلامي أسس نظريّاً لعمليات نقل العلم وحركته بغرض ضبطه وتفسيره، وقد دار هذا التأسيس في فلك العلوم والمعارف العربية والإسلامية جميعاً، وبخاصة علوم القرآن والحديث واللغة والشعر، وتجلى في إشارات تنظيرية في مباحث ضمن كتب هذا العلم أو ذاك، بل إنهم تجاوزوا الإشارات إلى مؤلفات مستقلة وإن ارتبطت بالعلوم، وبخاصة علم الحديث الشريف، ولربما استقلت حقلاً معرفيّاً، قد يصَحّ أن نطلق عليه «علم التربية» أو «آداب العلم». ففي التراث مجموعة من الكتب التي تتحدث عن آداب العالم والمتكلم، والمفيد والمستفيد، وتقييد العلم... ونستطيع أن نعد مجموعة من الكتب المهمة تدل دلالة واضحة على مدى النضج الذي وصلوا إليه في هذا المجال، من مثل «الإلماع في معرفة أصول الرواية وتقييد السماع» للقاضي عياض (ت544هـ)، و «الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد» لبدر الدين الغزي (ت984هـ) و «المعيد في أدب المفيد والمستفيد» للعلموي (ت981هـ)، و «مقدمة ابن الصلاح» (ت643هـ). فهذه الكتب (وغيرها) نظّر أصحابها لمسائل كثيرة، من مثل المقابلة بين النسخ أو المعارضة، وإصلاح الخطأ، وضوابطه، ومعالجة السقط، والأماكن المُثلى لإثباته، والزيادة واصطلاحاتها، وتشابه الحروف ووسائل التفرقة بينها حتى لا تختلط... الخ.
نحن مدينون في شأن التفكير النظري في التحقيق والتأليف فيه، في العصر الحديث، لثلاثة رجال، وهم وفق الترتيب التاريخي: المستشرق الألماني برجستراسر، والأستاذ عبدالسلام هارون، والدكتور صلاح الدين المنجد، لأنهم هم الذين فتحوا الباب من جديد، واحتشدوا للتنظير في مسائل التحقيق عن وعي مسبق، بعد القطيعة التي عاشها العرب المسلمون مع تراثهم عموماً، ومع تراثهم في التحقيق تطبيقاً وتنظيراً خصوصاً.
قدم الثلاثة إسهاماتهم في أواسط القرن الماضي، وتحديداً بين الثلاثينات والستينات منه، فقد ألقى برجستراسر محاضراته في الجامعة المصرية في العام الدراسي 1932-1933، ونشر هارون كتابه «تحقيق النصوص ونشرها» عام 1954، كما نشر المنجد «قواعد تحقيق المخطوطات» في مجلة «معهد المخطوطات العربية» (1955). وعلى رغم أن برجستراسر كان الأسبق، فإن محاضراته - كما هو معروف - لم تنشر إلا بعد 37 عاماً من إلقائها (عام 1969)... نشرها تلميذه محمد حمدي البكري تحت عنوان «أصول نقد النصوص ونشر الكتب القديمة».
وثمة مفارقات تشير إلى المناخ الذي ساد هذه المرحلة المبكرة من البدايات (الجديدة) يحسن أن نلفت إليها، فمَن يقرأ كتاب المستشرق الألماني يقع بين الفينة والأخرى على ما يشعره بأن الرجل يرى الفضل كل الفضل في ما يكتب لتراثه وجهود أبناء جلدته في مجال نقد النصوص القديمة ونشرها، ما يعد قرينة على أنه لم يكن يعرف ما قدَّمه العلماء العرب المسلمون قديماً، أو أنه غَضَّ النظر عنها، ومَن يطلع على كتاب هارون لا يشعر بتلك الصلة الوثيقة مع التراث، وكأنه لم يرجع إلى ما كتب فيه، ولا أدل على صدق هذه الملاحظة من النظر في إحالاته في هوامشه، فليس فيها ذكر لأي من الكتب القديمة المهمة التي أشرنا إليها، كما أن مقدمته لكتابه ليست فيها إشارات تدل على تأصيله لما يكتب، مما قد يوحي بأنه هو الذي ابتدع هذا العلم غير المسبوق، وهو ما صرح به في طبعة تالية لكتابه في سياق الخلاف المعروف عند المتخصصين بينه وبين د. المنجد، فقد أخذ عليه هذا الأخير في مستهل ما كتبه في «قواعد تحقيق المخطوطات» عدم رجوعه إلى ما كتبه المستشرقون في مجال التحقيق، فردَّ عليه بما معناه أنه مدحه من حيث أراد القدح فيه، بأن أقرَّ له بأنه وضع علماً جديداً من تلقاء نفسه، وكأنه أغفل - كما سبق أن فعل برجستراسر - جهود العلماء العرب المسلمين القدامى. وفي السياق نفسه اعترف (هارون) بأنه عَلِمَ بأن برجستراسر ألقى محاضرات في الجامعة المصرية قبل نحو عشرين عاماً، لكنه لم يتمكن من الاطلاع عليها، وهذا غريب.
فالمسافة بين دار العلوم التي كان هارون أستاذاً فيها، والتي تتبع الجامعة نفسها، وبين كلية الآداب ليست بعيدة، والمحاضرات ألقيت على مدى عام على مجموعات من الطلبة، ولن يعجزه أن يصل إليها.
وإذا كان هارون لم يطلع على برجستراسر، ولم يستقص ما جاء في التراث، فإن المنجد كان اعتماده كليّاً على المستشرقين،
وهو ما صرَّح به بقوله: «وقد استقيناها من نهج المستشرقين الألمان، ومن خطة جمعية غيوم بوده، ومن قواعد المحدثين القدامى في ضبط الروايات، ومما نُشر في هذا الموضوع من قبل. أفدنا من ذلك كله ومن العقبات التي مرت بنا أثناء نشرنا عدداً من المخطوطات القديمة».
على أن هذا الذي نقول لا ينفي أننا - كما قلتُ - مدينون لهؤلاء الثلاثة من جهة فتح الباب من جديد لهذا النظر المستقل في التأسيس للتحقيق، وأيضاً من جهة أنهم وضعوا أسساً لم يخرج عنها أحد ممن كتب بعدهم. وأخيراً من جهة أن ما قاموا به كان بمبادرات منهم، أعني أن الفضل يعود إليهم، وهم أفراد، لا إلى مؤسسات، ما يعني أن التفكير النظري في التحقيق بدأ فرديّاً، لا مؤسَّسيّاً، حتى المنجد الذي كان مديراً لمعهد المخطوطات وضع قواعده بصفته باحثاً، لا بصفته مديراً لمؤسسة.
وعلى أية حال، فإن لدينا مجموعة من الملاحظات نوردها على هامش كلامنا السابق:
أولاها، أن محمد مندور الناقد المعروف كان له قبل هارون والمنجد (عام 1944) إسهام، جاء بين يدي بحث نقدي له لكتاب قوانين الدواوين لابن مماتي نشره على جزءين في مجلة «الثقافة» (العددين 277، 280) ثم أعاد نشره في كتابه «في الميزان الجديد» في العام نفسه (1944).
وثانيتها، أن المجمع العلمي العربي في دمشق (مجمع اللغة العربية اليوم) ساق في مقدمة الجزء الأول من «تاريخ دمشق» الذي أصدره عام 1951، مجموعة من قواعد التحقيق التي اعتمدها في تحقيقه للتاريخ، وكانت هذه محاولة أسبق من هارون والمنجد أيضاً.
وثالثتها، أن مجمع اللغة العربية المصري نشر أيضاً القواعد التي اعتمدها في تحقيق «الشفاء» لابن سينا، وصدَّرها مقدمة الكتاب، وجاء ذلك بقلم الدكتور إبراهيم بيومي مدكور رئيس المجمع في ذلك الزمان.
سقنا هذه الملاحظات لنقول إن عمل برجستراسر كان أسبق منها وأكمل، وأنها لم تكن مقصودة قصداً وإنما جاءت لخدمة نشر كتب، وهو ما يميز عمليْ هارون والمنجد، وإن خلط هارون - كما انتقده المنجد - بين موضوعات التحقيق وغيره من العلوم المساعدة، وإن جاءت قواعد المنجد في صورة لائحة، تفتقر إلى أفق الدرس والتحليل، مما يشير إلى أن عمله في معظمه إنما هو صياغة جديدة (مقنّنة) لما اطلع عليه من قواعد المستشرقين في أثناء دراسته في باريس، وإن كانت صياغة محكمة كان لها أثرها في ضبط عمل المحققين في البلاد العربية والإسلامية.
منقول من موقع معهد المخطوطات

















التحقيق بين حداثة المصطلح وأصالة العلم


د. فيصل الحفيان
لم يعرف العرب والمسلمون «التحقيق» مصطلحاً شائعاً يتردد محمَّلاً بدلالته التي نعرفها اليوم. وما عَنى به بعض الباحثين أنفسهم من تتبع لفظ «تحقيق» في المعاجم والمصادر لتلمس المعنى الاصطلاحي للفظ ومحاولة التقريب بين معناه السياقي ومعناه اليوم، ليس ذا بال، فالمصطلحات ليست هي العلم، لا تطبيقاً ولا تنظيراً، وما هي إلا رموز أو عناوين يصطلح عليها بين جماعة في مرحلة، فإذا ما جاءت جماعة أخرى في مرحلة جديدة فلا مشاحة عليها في أن تتفق على رمز أو عنوان مختلف. لكن ذلك لا يعني أن العرب المسلمين لم يستخدموا القواعد والأصول التي تندرج تحته بدءاً من تحقيق عنوان النص وتوثيق نسبته الى صاحبه، وانتهاءً بالتقديم للنص وشرح خطوات العمل فيه، وتكشيفه (فهرسته)، مع بعض الفروق والاختلافات العرضية التي لا تضير شيئاً.
وقد لا يجادل كثيرون في هذا الذي قلنا: العرب المسلمون عرفوا التحقيق قواعد وأصولاً، لكن كثيرين - بالتأكيد - يجادلون في أنهم فكروا نظريّاً في الأمر، وألفوا فيه، إذ إن التفكير النظري والتأليف مرتبطان في أذهانهم بالاستشراق في القرن العشرين، وبالجهود التي قام بها نفر من الباحثين العرب المسلمين ابتداءً بعبدالسلام هارون وصلاح الدين المنجد في منتصف القرن الماضي.
والحق أن التراث العربي الإسلامي أسس نظريّاً لعمليات نقل العلم وحركته بغرض ضبطه وتفسيره، وقد دار هذا التأسيس في فلك العلوم والمعارف العربية والإسلامية جميعاً، وبخاصة علوم القرآن والحديث واللغة والشعر، وتجلى في إشارات تنظيرية في مباحث ضمن كتب هذا العلم أو ذاك، بل إنهم تجاوزوا الإشارات إلى مؤلفات مستقلة وإن ارتبطت بالعلوم، وبخاصة علم الحديث الشريف، ولربما استقلت حقلاً معرفيّاً، قد يصَحّ أن نطلق عليه «علم التربية» أو «آداب العلم». ففي التراث مجموعة من الكتب التي تتحدث عن آداب العالم والمتكلم، والمفيد والمستفيد، وتقييد العلم... ونستطيع أن نعد مجموعة من الكتب المهمة تدل دلالة واضحة على مدى النضج الذي وصلوا إليه في هذا المجال، من مثل «الإلماع في معرفة أصول الرواية وتقييد السماع» للقاضي عياض (ت544هـ)، و «الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد» لبدر الدين الغزي (ت984هـ) و «المعيد في أدب المفيد والمستفيد» للعلموي (ت981هـ)، و «مقدمة ابن الصلاح» (ت643هـ). فهذه الكتب (وغيرها) نظّر أصحابها لمسائل كثيرة، من مثل المقابلة بين النسخ أو المعارضة، وإصلاح الخطأ، وضوابطه، ومعالجة السقط، والأماكن المُثلى لإثباته، والزيادة واصطلاحاتها، وتشابه الحروف ووسائل التفرقة بينها حتى لا تختلط... الخ.
نحن مدينون في شأن التفكير النظري في التحقيق والتأليف فيه، في العصر الحديث، لثلاثة رجال، وهم وفق الترتيب التاريخي: المستشرق الألماني برجستراسر، والأستاذ عبدالسلام هارون، والدكتور صلاح الدين المنجد، لأنهم هم الذين فتحوا الباب من جديد، واحتشدوا للتنظير في مسائل التحقيق عن وعي مسبق، بعد القطيعة التي عاشها العرب المسلمون مع تراثهم عموماً، ومع تراثهم في التحقيق تطبيقاً وتنظيراً خصوصاً.
قدم الثلاثة إسهاماتهم في أواسط القرن الماضي، وتحديداً بين الثلاثينات والستينات منه، فقد ألقى برجستراسر محاضراته في الجامعة المصرية في العام الدراسي 1932-1933، ونشر هارون كتابه «تحقيق النصوص ونشرها» عام 1954، كما نشر المنجد «قواعد تحقيق المخطوطات» في مجلة «معهد المخطوطات العربية» (1955). وعلى رغم أن برجستراسر كان الأسبق، فإن محاضراته - كما هو معروف - لم تنشر إلا بعد 37 عاماً من إلقائها (عام 1969)... نشرها تلميذه محمد حمدي البكري تحت عنوان «أصول نقد النصوص ونشر الكتب القديمة».
وثمة مفارقات تشير إلى المناخ الذي ساد هذه المرحلة المبكرة من البدايات (الجديدة) يحسن أن نلفت إليها، فمَن يقرأ كتاب المستشرق الألماني يقع بين الفينة والأخرى على ما يشعره بأن الرجل يرى الفضل كل الفضل في ما يكتب لتراثه وجهود أبناء جلدته في مجال نقد النصوص القديمة ونشرها، ما يعد قرينة على أنه لم يكن يعرف ما قدَّمه العلماء العرب المسلمون قديماً، أو أنه غَضَّ النظر عنها، ومَن يطلع على كتاب هارون لا يشعر بتلك الصلة الوثيقة مع التراث، وكأنه لم يرجع إلى ما كتب فيه، ولا أدل على صدق هذه الملاحظة من النظر في إحالاته في هوامشه، فليس فيها ذكر لأي من الكتب القديمة المهمة التي أشرنا إليها، كما أن مقدمته لكتابه ليست فيها إشارات تدل على تأصيله لما يكتب، مما قد يوحي بأنه هو الذي ابتدع هذا العلم غير المسبوق، وهو ما صرح به في طبعة تالية لكتابه في سياق الخلاف المعروف عند المتخصصين بينه وبين د. المنجد، فقد أخذ عليه هذا الأخير في مستهل ما كتبه في «قواعد تحقيق المخطوطات» عدم رجوعه إلى ما كتبه المستشرقون في مجال التحقيق، فردَّ عليه بما معناه أنه مدحه من حيث أراد القدح فيه، بأن أقرَّ له بأنه وضع علماً جديداً من تلقاء نفسه، وكأنه أغفل - كما سبق أن فعل برجستراسر - جهود العلماء العرب المسلمين القدامى. وفي السياق نفسه اعترف (هارون) بأنه عَلِمَ بأن برجستراسر ألقى محاضرات في الجامعة المصرية قبل نحو عشرين عاماً، لكنه لم يتمكن من الاطلاع عليها، وهذا غريب.
فالمسافة بين دار العلوم التي كان هارون أستاذاً فيها، والتي تتبع الجامعة نفسها، وبين كلية الآداب ليست بعيدة، والمحاضرات ألقيت على مدى عام على مجموعات من الطلبة، ولن يعجزه أن يصل إليها.
وإذا كان هارون لم يطلع على برجستراسر، ولم يستقص ما جاء في التراث، فإن المنجد كان اعتماده كليّاً على المستشرقين،
وهو ما صرَّح به بقوله: «وقد استقيناها من نهج المستشرقين الألمان، ومن خطة جمعية غيوم بوده، ومن قواعد المحدثين القدامى في ضبط الروايات، ومما نُشر في هذا الموضوع من قبل. أفدنا من ذلك كله ومن العقبات التي مرت بنا أثناء نشرنا عدداً من المخطوطات القديمة».
على أن هذا الذي نقول لا ينفي أننا - كما قلتُ - مدينون لهؤلاء الثلاثة من جهة فتح الباب من جديد لهذا النظر المستقل في التأسيس للتحقيق، وأيضاً من جهة أنهم وضعوا أسساً لم يخرج عنها أحد ممن كتب بعدهم. وأخيراً من جهة أن ما قاموا به كان بمبادرات منهم، أعني أن الفضل يعود إليهم، وهم أفراد، لا إلى مؤسسات، ما يعني أن التفكير النظري في التحقيق بدأ فرديّاً، لا مؤسَّسيّاً، حتى المنجد الذي كان مديراً لمعهد المخطوطات وضع قواعده بصفته باحثاً، لا بصفته مديراً لمؤسسة.
وعلى أية حال، فإن لدينا مجموعة من الملاحظات نوردها على هامش كلامنا السابق:
أولاها، أن محمد مندور الناقد المعروف كان له قبل هارون والمنجد (عام 1944) إسهام، جاء بين يدي بحث نقدي له لكتاب قوانين الدواوين لابن مماتي نشره على جزءين في مجلة «الثقافة» (العددين 277، 280) ثم أعاد نشره في كتابه «في الميزان الجديد» في العام نفسه (1944).
وثانيتها، أن المجمع العلمي العربي في دمشق (مجمع اللغة العربية اليوم) ساق في مقدمة الجزء الأول من «تاريخ دمشق» الذي أصدره عام 1951، مجموعة من قواعد التحقيق التي اعتمدها في تحقيقه للتاريخ، وكانت هذه محاولة أسبق من هارون والمنجد أيضاً.
وثالثتها، أن مجمع اللغة العربية المصري نشر أيضاً القواعد التي اعتمدها في تحقيق «الشفاء» لابن سينا، وصدَّرها مقدمة الكتاب، وجاء ذلك بقلم الدكتور إبراهيم بيومي مدكور رئيس المجمع في ذلك الزمان.
سقنا هذه الملاحظات لنقول إن عمل برجستراسر كان أسبق منها وأكمل، وأنها لم تكن مقصودة قصداً وإنما جاءت لخدمة نشر كتب، وهو ما يميز عمليْ هارون والمنجد، وإن خلط هارون - كما انتقده المنجد - بين موضوعات التحقيق وغيره من العلوم المساعدة، وإن جاءت قواعد المنجد في صورة لائحة، تفتقر إلى أفق الدرس والتحليل، مما يشير إلى أن عمله في معظمه إنما هو صياغة جديدة (مقنّنة) لما اطلع عليه من قواعد المستشرقين في أثناء دراسته في باريس، وإن كانت صياغة محكمة كان لها أثرها في ضبط عمل المحققين في البلاد العربية والإسلامية.
منقول من موقع معهد المخطوطات

















السبت، 12 نوفمبر 2011

معهد المخطوطات العربية: قراءة في سفر الماضي



معهد المخطوطات العربية: قراءة في سفر الماضي / د. فيصل الحفيان
مقالات
نُشر ورقيًّا في: ندوة العيد الذهبي (1964-199): وقائع الماضي ورؤى المستقبل / مجلة معهد المخطوطات العربية؛ ع40، ج1 (المحرم 1417 هـ / مايو 1996 م): ص 49 - 71.
د.فيصل الحفيان
تمهيد:(أ) تراث الأمة أساس نهضتها، تلك هي القاعدة مهما كانت قيمة هذا التراث، فكيف يكون الحال، والتراث هو التراث العربي؛ غنى وتنوُّعًا، وامتدادًا ومساحة جغرافية، وقدرة على التأثير بما يملكه من قيَم روحية ودينية؟
(ب) في بادرة واعيةٍ بأصالة الماضي، واحتياجات الحاضر، وفي لفتة مستشرقة للمستقبل، أصدر مجلس جامعة الدول العربية، في جلسته السابعة من دورته العادية الثالثة، قراره رقم 39، الذي نصّ على إنشاء معهد اسمه: معهد إحياء المخطوطات، مُلحَق بالأمانة العامة للجامعة، وإذا كانت الجامعة العربية قد أنشئت عام 1945، فإن هذا المعهد يُعَد من أقدم "إدارات" الجامعة.
(جـ) وقد نصَّ القرارُ السابق في مادته الثانية على أن تكون مهمة المعهد:
? جمع فهارس المخطوطات العربية الموجودة في دور الكتب العامة والخاصة، وفهارس المخطوطات التي يمتلكها الأفراد؛ لتَوْحيدها في فهرس عام.
? تصوير أكبر عدد ممكن من المخطوطات العربية القيِّمة.
? وضع هذه المصورات تحت تصرُّف العلماء أولاً، بعرضها لمن يطلبها، للاطِّلاع عليها بواسطة الآلات العارضة المكبِّرة، أو بإعطاء صورة مكبرة منها بأسعار مناسبة، أو بإعارة نسخة ثانية منها للعلماء الذين يطلبونها من البلدان الأخرى، عن طريق المؤسسات العلمية، أو بإرسالها رأسًا إليهم بأسعار مناسبة.
? طبع صور المخطوطات القيِّمة، التي نصها صحيح، وخطها مقروء، ونشر نصوص المخطوطات ذات الأهمية الكبرى.
? تنظيم التعاون بين العلماء والمؤسسات العلمية في سبيل نشْر المخطوطات، وتزويد الناشرين بالمعلومات اللازمة عن المخطوطات التي يعنون بها، وإعلامهم بأسماء مَن يعنى بمخطوطات مماثلة لمخطوطهم أو مشابهة له.
? إصدار نشرة دورية عما طُبع أو يُطبع من المخطوطات العربية، والإشارة إلى ما هو معد منها للطبع.
1 - التطور التاريخي : مرَّ المعهد على مدى نصف قرن تقريبًا بمراحل عدة، ليس بينها حدود فاصلة أو قاطعة تمامًا، ذلك أن نهر العمل كان يجري في مجرى واحد، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان لكل مرحلة طابعٌ خاص، ويُمكن إيجاز هذه المراحل على النحو التالي:
الأولى: من الإنشاء (1946) حتى (1954)، وفيها كان المعهد جزءًا من الدائرة الثقافية في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
الثانية: تبدأ بانفصاله عن الدائرة الثقافية عام (1955)، وتستمر حتى عام (1969)، حيث ألحق بعد تلك السنة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
الثالثة: تبدأ منذ عام (1970)، وتستمر حتى عام (1990)، وفيها عمل المعهد في ثلاث عواصم عربية: في القاهرة حتى عام (1979)، وفي تونس حتى أوائل عام (1981)، وفي الكويت حتى عام (1990).
الرابعة: تبدأ مع بداية عام (1991)، وهي مستمرة حتى اليوم، وفيها تركز عمل المعهد في مقره الأول، في العاصمة المصرية.
وفي هذه المراحل جميعًا تحمل مسؤولية كبيرة، كبر الهدف، وثقيلة، ثقل التحديات المصيرية التي حاصرت الأمة، ولا تزال تحاصرها.

ووفقًا لطبيعة الأشياء، فإن عمل المعهد بدأ محدودًا، ثم نما شيئًا فشيئًا، وازداد ثراء وغنى، واشتد عودُه وقوي، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.
(1 - 1) المرحلة الأولى : النواة (جمع التراث):
(أ) تمتد هذه المرحلة التي كان المعهد فيها جزءًا من الدائرة الثقافية بالجامعة العربية، عقدًا من الزمان تقريبًا (1946 - 1954)، وتركز العمل خلالها على جَمْع التراث المخطوط المبعثر في مناطق شتى، ومكتبات عامة وخاصة، داخل الوطن العربي وخارجه.
(ب) وكانت الوسيلة الأساسية لخدمة هذا الهدف هي البعثات التي أوفدها المعهد إلى أماكن وجود المخطوطات؛ لتقوم بالانتقاء والتصوير.
وقد حققت "البعثات" هدفًا رئيسًا من الأهداف التي نصَّت عليها الفقرة (ب) من قرار إنشاء المعهد، وأسهمت بحظ وافر في جمع "النواة" التي لا غنى عنها في تحقيق الأهداف الأخرى، من فهرسة وتحقيق ونشر للنصوص الجيدة، وغير ذلك.
هذه "النواة" كانتْ ولا تزال أعظم الأهداف التي أُنشِئ المعهد مِنْ أجْلِها.
(1 - 2) المرحلة الثانية : المعالم (خطوط العمل):
(أ) هذه المرحلة تبدأ مع عام 1955، الذي انفصل المعهدُ فيه عن الدائرة الثقافية، وعين له مجلس أعلى من كبار العلماء في العالم العربي، انتخب د. طه حسين رئيسًا له.
وهي متَّصلة اتِّصالاً وثيقًا بالمرحلة السابقة، إذ تُعَدُّ امتدادًا لها في التركيز على جمع التراث المخطوط، لكنها شهدت إرهاصات، واتضحتْ فيها خطوط العمل المستقبلية.

(ب) إن ما جمعه المعهد من التراث المخطوط لا يكاد يُذكَر، إذا ما قورن بما هو موجود في مكتبات العالم؛ ولذلك فقد رنا بنظره مع مطلع هذه المرحلة إلى مناطق غنية بالتراث العربي، في إفريقيا وأوروبا، كما استأنف إرسال بعثاته لداخل دولة المقر (مصر)، وانضمتْ إلى خزانته مجموعة جديدة، عن طريق الاتصالات، مع أصدقائه في البلاد الأوروبية والشرقية.
(ج) وبدأ معلم أو خط جديد، تَمَثَّل في إصدار فهارس للمخطوطات التي تضمها خزانة المعهد، إلى جانب إعداد قوائم بما صورته البعثات الداخلية والخارجية.
(د) كما طلع فجر مجموعة من المطبوعات القيِّمة، من أمهات كُتُب التراث، التي كانت مخطوطات، لا تصل إليها الأيدي، ولا تفيد منها، فتحولتْ إلى مراجع مبذولة للجميع، ويلاحظ أن معظمها في أجزاء عديدة؛ ولذلك فإن أكثرها لم يصدر مرة واحدة، بل إن بعضها لم يكتمل حتى الآن.
(هـ)ومن هذا المعلم تفرع معلم آخر، فصدر عام 1955 العدد الأول من "مجلة المعهد"، وهي مجلة نصف سنوية محكمة، ورتبت على ثلاثة أقسام: الأول لشؤون المخطوطات العربية في العالم، والثاني: للتعريف بالمخطوطات، والثالث: لنشاط المعهد.
(و) وفي هذه المرحلة انتشر خبر المعهد، وطار صيته في الدوائر الثقافية، في الشرق والغرب، وعرفه الباحثون والدارسون، كما عرفتْه الجامعات والمؤسَّسات المعنية بالتراث العربي، داخل الوطن وخارجه.
لكن الوقت لَم يكن قد حان بعدُ لكي يسلك هذا التعاون، ويفاد من هذه الشهرة عربيًّا، في شكْل اتفاقات تُعقد، وهيئات تكون، وهو ما سوف تشْهده المرحلة التالية.
(ز) ومما يؤسَف له أن الجزء الأخير من هذه المرحلة، قد شهد لونًا مِن ألوان الركود، فقد توقَّف إرسال البعثات، وانحسر بعضُ إشعاع المعهد، وتعطلت المجلة عن الصدور.
لكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد استؤنف إرسال البعثات في أواخر عام 1969، وأرسل خبير لاستطلاع أوضاع المخطوطات في إسبانيا والبرتغال، ثم قامتْ بعثة عام 1970 إلى تركيا.
(1 - 3) المرحلة الثالثة : العطاء (بذور التنسيق القومي):
(أ) عمر هذه المرحلة عقدان (1970 - 1990)، ومارس المعهد فيها عمله من ثلاث عواصم عربية: القاهرة، ثم تونس، فالكويت، والحد الفاصل الذي بدأت منه هو ذلك القرار الذي صدر بفصل المعهد عن الأمانة العامة للجامعة العربية، وإلحاقه بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1970.
(ب) وأهم ما يُميز هذه المرحلة الاتجاه بقوة إلى التعاوُن والتنسيق القَوْمي من خلال اللقاءات، والتشْريعات، والاتِّفاقات، والتقديم للدعم المادي والعلمي، والدورات التدريبية، والحلقات الدراسية، والندوات، والنشر المشترك، والتبادُل في ميداني المخطوطات والمطبوعات.
(ج) ولم يؤثر هذا الاتجاه على نشاطات المعهد الأخرى، فقد استمرت البعثات، كما توالى إصدار المطبوعات؛ بل إن هذه المرحلة شهدت ولادة نشرة (أخبار التراث العربي) التي قامت فيما بعد بدَوْر كبير في تنسيق الجهود القائمة حول تحقيق التُّراث ونَشْره.
(د) لكن العمل توقَّف - أو كاد - خلال الفترة التي كان المعهد فيها في تونس، وذلك لأسباب عديدة؛ منها: أنه ترك في القاهرة كل رصيده من المخطوطات، وكل أوراقه ووثائقه التي تعينه على الاتصال والعمل، وعلى الرغم من ذلك، فقد نظم - وهو في تونس – حلقة في بغداد، حول أُسُس تحقيق التراث ومناهجه، وحاول محاولات أخرى، تمثلت في البدْء بإعداد فهرس لدار الكتب الوطنية بتونس، وتجهيز مادة لإصدار المجلَّة، وإعداد برنامج لاستخدام الكمبيوتر في حفظ فهارس المخطوطات، وآخر لإيفاد بعثة تصوير إلى الباكستان والهند، لكن هذه المحاولات لم يقدَّرْ لها أن تكتمِل.
ومهما يكن، فإن عُمر هذه الفترة كان قصيرًا جدًّا، ويُمكن عدها مرحلة "انتقالية" لا أكثر.
(هـ) في الكويت بدأ المعهد من الصفر، وَوُضِع له نظامٌ أساسي جديد، حدد أهدافه في خمسة عناصر: تصوير المخطوطات، وفهرسة التراث وتيسير الانتفاع به، وصيانة التراث والحفاظ عليه، وخدمة حركة التحقيق والبحث العلمي، والتعاوُن مع مؤسَّسات التُّراث.
كما شكل له مجلس استشاري، ضَمَّ نُخبة من كبار العلماء والخبراء في التُّراث العربي، وأسندتْ إليه مهمة وضْع خطط المعهد، ومراجعتها، ومتابَعة تنْفيذها.
(و) وقد استطاع المعهد خلال فترة وجيزة أن يُكَوِّنَ رصيدًا مناسبًا من المخطوطات، ويبني نواة لا بأس بها لمكتبة حفلتْ بعد ذلك بفهارس المخطوطات والمصادر الأساسية المعينة في العمل، كما تمكن من إقامة علاقات وثيقة مع مؤسسات التراث في البلاد العربية بعامة، وفي الكويت بخاصة.
وقطف - وهو في الكويت - ثمار جهد، بذل على مدى المرحلتين السابقتين، في ميدان التعاون والتنسيق القومي، فأقرت البلاد العربية الصيغة النهائية لـ"القانون النموذجي لحماية المخطوطات العربية"، وشكل "الهيئة العربية المشتركة لخدمة التراث"، ونشر بالتعاوُن مع معهد التراث العلمي العربي التابع لجامعة حلب (سورية) مجموعة نافعة من أمهات كُتُب التُّراث العلمي العربي، وأرسل بعثات تصوير عديدة إلى بلدان عربية وأجنبية، ووضع بذرة عدد من المشروعات المهمة، مثل: "المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع".
(ز) في أواخر هذه المرحلة عادت جمهورية مصر العربية إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وأصبح لدى المنظمة معهدان للمخطوطات: أحدهما في القاهرة، والآخر في الكويت، فأثيرت قضية دمج المعهدين، مما أسفر عن قرار أصدره المؤتمر العام للمنظمة في دورته العاشرة، نص على ضرورة وضع خطة مُحكَمة لتطوير عمل المعهدين، وتحقيق أهدافهما، والإفادة من إمكاناتهما ومقتنياتهما المادية والفنية والتقنية، كما حثَّ على إعطاء الأسبقية للحفاظ على ذخيرة المعهدين من المخطوطات، وأقرَّ مشروعًا مُهمًّا، يتمثَّل في تجديد مصورات المعهد بالقاهرة، ذلك أنه قد مضى عليها عقود طويلة، مما يُهَدِّدها ويعرضها للتلَف، وخصصت للصرف على هذا المشروع (80) ألف دولار من ميزانية المعهد بالكويت.
(ح) في أغسطس 1990 وقعت أحداث الخليج، ونقلت ثروة المعهد في الكويت من المخطوطات والكتب والأجهزة، إلى جهاز الموسوعة العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في بغداد، وتوقف عمل المعهد هناك.
(1 - 4) المرحلة الرابعة : إرهاصات المستقبل:
(أ) ولم ينْتَهِ العام (1990) حتى استأنف المعهدُ عملَهُ في القاهرة، وكلف بتنفيذ مشروعاته بالكويت.
(ب) في نهاية عام 1991 أصدر المجلس التنفيذي للمنظمة قرارًا يقضي بتوحيد جهود معهدي المخطوطات في الكويت والقاهرة، وقد نصَّ القرارُ على الإفادة من إمكانات المعهدين، ومتابعة الاتصالات لاستكمال استعادة لمحتويات المعهد بالكويت وإعادتها إليه.
وقد عمل المعهد في القاهرة على تنفيذ القرار، لكن التركيز كان على تنفيذ الشق الخاص به في القاهرة؛ ذلك أن الشق الخاص بالمعهد بالكويت، والشق الثالث المتعلق بالمعهدين معًا، لم يمكن تنفيذهما لسببٍ جوهري هو: أن مقتنيات المعهد بالكويت ليست تحت يديه.
(ج) إن الجهد الذي بذل في القاهرة، أدَّى إلى تطويرٍ كبيرٍ في عمله، فعادت الحياة إلى أرجائه، ورجع كما كان مقصدًا للعلماء والباحثين وطلبة الدراسات العليا، سواء منهم المصريون، أو القادمون من البلاد العربية وغيرها، كما التحمت العُرى من جديد مع الجامعات ومراكز البحث التراثي العربية.
من ناحية أخرى وُضِعتْ خُطة محكمة لإنقاذ ما هو معرَّض للتلَف من ذخيرة المعهد من المخطوطات من ناحية، وتجديد ما أصبحت الحاجة مُلحة لتجديده، قبل أن يصل إلى مرحلةٍ يحتاج فيها إلى إنقاذ من ناحية أخرى.
(د) وقد استمرتْ في هذه المرحلة نشاطات المعهد، وحظيتْ بدفعات قوية، تمثَّلتْ في تحقيق الكثير في ميدان الفهرسة، ونشْر كُتُب التراث، وانتظام صدور الدوريات (المجلة، النشرة)، كما شهدت المجلة تطويرًا ملموسًا، تجلَّى في طريقة إخْراجها، وإضافة أبواب جديدة إليها، حتى أصبح عدد الأبواب سبعة بعد أن كان ثلاثة، وركزت المجلة في هذه المرحلة على بابٍ عظيم النفْع، هو نشْر فهارس لكُتُب التُّراث المطبوعة بدون فهارس، ولقي ذلك قبولاً كبيرًا من الجِهات المعنيَّة ومن العلماء والباحثين، على حدٍّ سواء.
2 - القضايا الأساسية.
(2 - 1) قضية الإنقاذ:
(أ) أصابت التراث العربي مِحَن قاسية، لعل أهمها تلك الغربة المزدوجة التي عانى ولا يزال يعاني منها، فقد تعرض للسرقة والنهب وعمليات الاتجار غير المشروعة، وهكذا أصبح معظمه خارج الوطن العربي، كما أنه لم يجد العناية والحماية بين أهله، وألقي في كثير من الأحيان في أماكن لا تتوفر فيها الظروف الملائمة ليستمر حيًّا.
ولم يكن ممكنًا إعادة المخطوطات من غربتها، كما لم يكن ممكنًا إصلاح أوضاع المخطوطات في أماكنها، وخاصة أن جزءًا كبيرًا منها في حوزة أشخاص أو أُسر، تعتز بها بوصْفها جزءًا من "الماضي"، وتضعها في صناديق أو أكياس، دون أن تدركَ خُطُورة ذلك، أو تفكِّر في العلم الذي تُهدده الأرضة، وتأكله الحشرات، ولذلك فإن المعهد لجأ إلى جمع مصورات لهذه المخطوطات من خلال عدة قنوات.
(ب) بعثات التَّصْوير: لقد جابت البعثات التي أوفدها المعهد منذ أُنشئ الأرضَ، حاملة مُعداتها، وكانت الحركة من البداية داخل دائرتين واسعتين:
? دائرة العالم العربي.
? دائرة العالم الخارجي.
وداخل الدائرتين لم تقتصر الحركة على المكتبات الرسمية، بل تعدتْها إلى المكتبات الخاصة التي يملكها أسر أو أفراد.
داخل الدائرة الأولى - الدائرة العربية - شهد عام 1947 البدْء في تصوير مخطوطات العاصمة المصرية، فقد صورتْ مخطوطات من دار الكتب المصرية، والمكتبة التيمورية، ومكتبة طلعت، ومكتبة حليم، ومكتبة الجامع الأزهر، وفي العام التالي 1948 وجه المعهد نظره إلى البلدان المصرية الأخرى، فأرسل بعثتين: الأولى: إلى الإسكندرية، وصورت من: مكتبة بلدية الإسكندرية، ومكتبة جامع الشيخ (خاصة)، والثانية: إلى سوهاج، وصورت من مكتبة المجلس البلدي التي تضم بقايا كُتُب رفاعة الطهطاوي، ومكتبة جمال الدين بدر ببلصفورة (خاصة)، وتلَتْ هذه بعثات أخرى، صورتْ من مكتبات الجامع الأحمدي بطنطا، والبلدية بالمنصورة، والمعهد الديني بدمياط، وكلُّها غير مُفَهْرَسة.
وفي الكويت - البلد المضيفة خلال الثمانينيات - صور المعهدُ أكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة تحتفظ بها جامعة الكويت، وهي من مصوراتها من مكتبة جامعة تشستربتي بدبلن (إيرلندة).
وعندما عاد المعهد إلى القاهرة في أوائل التسعينيات استأنف نشاطه في مجال التصوير، لكن ذلك اقتصر حتى الآن على المخطوطات الموجودة داخل مصر، وذلك بسبب بعض العقبات التي يُرجى تجاوزها لاستئناف نشاط التصوير الخارجي.

وامتدادًا للدائرة الأولى شهد عام 1947 أيضًا أول بعثة تحط رحالها في سورية، وقد صورت البعثة من المكتبة الظاهرية (دمشق)، ومن كل من المكتبة الأحمدية، ومكتبة الشيخ ناجي الكردي قيم الجامع الأموي، ومكتبة الأستاذ زين العابدين، والمكتبات الثلاث في مدينة حلب، والأخيرتان خاصتان غير مفهرستين.
وفي عام 1953 قامتْ بعثة لتصوير مخطوطات القدس الشريف، فصورت مخطوطات كثيرة من مكتبات رسمية وخاصة، بلغ عددها عشر مكتبات، وكلها غير مفهرسة، وانتقلت البعثة نفسها إلى بيروت، فصورتْ من مكتبة الجامعة الأمريكية، ومكتبة نور الدين بيهم.
وفي أواخر عام 1954 قصدتْ بعثة أخرى المملكة العربية السعودية، وصورت من مكتبة محمد نصيف بجدة، ومكتبة الحرم المكي الشريف، ومكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة.
وفي عام 1956 أرسل المعهد بعثة إلى تونس، صورت من خمس مكتبات هناك، ثم قامتْ بعثة إلى المغرب، وتوقفتْ بعد ذلك عشر سنوات تقريبًا.
وفي عام 1972 قامتْ بعثة إلى المغرب، وليبيا (72 أيضًا)، والسعودية (73)، وشمال اليمن في ذلك الوقت (74)، والمغرب (75)، وجنوب اليمن في ذلك الوقت (76).

وفي الكويت انطلقت البعثات تترى، فعلى الصعيد العربي قصدت بعثة في عام 83 اليمن الجنوبي، وفي عام 84 اليمن الشمالي، وفي عام 86 سورية.
على الصعيد الخارجي - غير العربي - قامتْ بعثات توجهتْ إحداها إلى تُركيا، وصورتْ من مكتبات كثيرة حوالي ثلاثة آلاف مخطوطة، وتوجهت الثانية إلى الهند، ومكثتْ هناك ستة شهور، انتقتْ خلالها وصورتْ عددًا كبيرًا منَ المخطوطات المحفوظة في 32 مكتبة بمدن بتنه وحيدر آباد وكلكتا ومدراس ولكهنو ورامبور وعليكره، وغيرها.

وفي عام 1960 قامتْ بعثة إلى إيران، وأخرى إلى تركيا (1970)، وإسبانيا (71)، وإيران (73)، وروسيا (77).

وفي الكويت قصدت بعثة في عام 88 إيطاليا، لتصور من مكتبة الأمبروزيانا بميلانو، وأعقبها في عام 89 بعثة إلى يوغسلافيا، لتصور من مكتبة غازي خسرو بك بسراييفو.

وقد كانت حصيلة هذه البعثات الكثيرة خيرًا وفيرًا، فقد تجاوزتْ ثروة المعهد في القاهرة من المخطوطات ثلاثين ألفًا، وقاربت ثروة المعهد في الكويت عشرة آلاف مخطوطة.
(ج) الاتصالات : وفي الوقت الذي كانت البعثات فيه تقوم بما لها، كانت الاتصالات مع أصدقاء المعهد خارج الوطن العربي قائمة، وبفضل هذا السعي انضمت إلى خزانته - وهو في القاهرة - مجموعات جديدة من المخطوطات، من مكتبات في إيران وفرنسا وهولندا وإنجلترا وإسبانيا.
كما انضمت مجموعات أخرى - وهو في الكويت - من المكتبات السعودية، ومن مكتبة معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب (سورية)، ومكتبة جامعة برنستون في الولايات المتحدة... إلخ.
(د) الترميم : كان ذلك كله جانبًا من جوانب الإنقاذ، لكنَّه لم يكنْ كافيًا؛ إذ لا بد من سُرعة إنقاذ بعض المخطوطات، وهي في أماكنها، وذلك من خلال خبراء متخصصين في الترميم، فقد تدهورتْ أحوال بعض المكتبات إلى درجة يستحيل معها إتمام عمليات تصويرها، قبل أن ترمم.
والحق أنَّ هذا الجانب الجديد لم يأخذْ طريقه إلى التنفيذ إلا في المرحلة الرابعة؛ إذ أقر ضمن مشروعات المعهد لعام 95 - 1996 مشروعٌ اسمه: "إنقاذ المكتبات العربية المعرضة للتلف"، ومن المقرر أن يشرع في تنفيذه قريبًا.
(هـ) إعداد الأجيال: إنَّ ترْميم المخْطوطات أصبح علمًا، تستخدم فيه أجهزة، ويأتي كل يوم فيه بجديد؛ ولذلك كان لا بد من إعداد أجيال فنيَّة متَخصِّصة قادرة على صيانة التُّراث وحمايته، وقد نظم المعهد دورات، بدْءًا من عام 1971، لكنها لم تعرض لقضية صيانة المخطوطات وترميمها بجدية، وفي مرحلةٍ لاحقة (الثمانينيات) نضجت الفكرةُ، وكتب المعهد إلى عددٍ من المراكز التدريبية المتخصِّصة في بلاد أجنبية متَقدمة في هذا الميدان، وكذلك إلى بلاد عربية، كما استقدم - وهو في الكويت - خبيرة عربية، تشاوَر معها حول أفضل السبُل لتكوين كفاءات عربيَّة جيدة، وألقتْ هذه الخبيرة محاضَرة عن مُعالجة وصيانة ورق المخْطُوطات.
وتبنَّى المعهد - وهو في الكويت - مشروعًا لدورة تدريبية، لكنه لم ينجحْ في تنفيذها، بسبب عدم تعاوُن الجهات المعنية في ترْشيح المتدرِّبين، وأيضًا عدم استجابة المراكز المتخصِّصة في تنفيذ الدَّوْرة.
وفي القاهرة - بعد عودة المعهد إليها - تبنى دورة مماثلة، وهو بسبيل تنفيذها قريبًا، بعد أن تعثر التنفيذ، لاعتبارات تتعلق بالمراكز المتخصصة في التنفيذ.
(2 - 3) قضية التعريف:
(أ) التراث العربي رُكام، بعضه فوق بعض، والتعريف به لم يحظَ بالاهتمام الذي يدفع به بؤرة الضوء، وقد تنبَّه المعهدُ لهذه القضية مبكرًا، فنص في نظامه الأساسي الأول الذي أقر في القاهرة، في الفقرة (أ) من مادته الثانية على: "جمع فهارس المخطوطات العربية الموجودة في دور الكُتُب العامة والخاصة، وفهارس المخطوطات التي يمتلكها الأفراد، لتوحيدها في فهرس عام".
وكان هذا هدفًا صعب المنال، فالفهارس كثيرة جدًّا، وفي كل يوم يطالعنا منها جديد، ولهذا فإنه لم يتحقق إلا في الثمانينيات، فقد أصدر المعهد في الكويت فهرسًا كبيرًا في جزأين، تحت عنوان "فهارس المخطوطات العربية في العالم" يُعد الآن مرْجعًا في بابه.
(ب) تلك كانتْ خطوة عامة، رافقتها خطوات تفصيليَّة، تشعبت في أكثر من اتجاه، فقد بدأ المعهد في القاهرة بإصدار فهارس تحليلية لمصوراته، استهلها بفهرس عام مصنف على العلوم، صدر عام 1954 وأتبعه فهارس خاصة بعلوم مختلفة: التاريخ، والطب، والعلوم، والكيمياء، والتاريخ، والمعارف العامة، وفي الكويت أصدر فهارس أيضًا لمصوراته في علوم الفقه، والأدب، والتاريخ، وبعد عودته إلى القاهرة أصدر جزءًا مكمِّلاً لفهارس "الأدب" التي أصدرها قبل انتقاله إلى الكويت، ويعمل حاليًّا في إعداد جزءٍ جديد لمخطوطات الأدب أيضًا.
(ج) ولم يقتصرْ جُهد المعهد على فهرسة مخطوطاته؛ بل تبنَّى إلى جانب ذلك فهرسة وطبع ونشر مخطوطات مكتبات في البلاد العربية، وقد امتدَّ هذا النشاط ليشمل عددًا من هذه البلاد في شرقي الوطن وغربيه، فصدرتْ فهارس لمكتبات عامة وخاصة، ومن هذه الفهارس: فهرس الخزانة الصبيحية بسلا - المغرب، وفهرس مخطوطات مكتبة السيد محمد باقر الطبطبائي في كربلاء - العراق، وفهرس مجاميع المدرسة العمرية في دار الكتب الظاهرية - دمشق... وكان آخر ما صدر "فهرس مخطوطات مكتبة جامعة الإسكندرية" الذي صدر عن المعهد في القاهرة بعد استئنافه عمله فيها.
ويشرع المعهد حاليًّا في اتخاذ إجراءات طباعة فهرس للمخطوطات العلمية في دار الكتب الوطنية بتونس، وذلك بالتعاون مع "بيت الحكمة" إحدى المؤسسات العلمية في الجمهورية التونسية.
(د) وتجاوز المعهد البلاد العربية، وطمح بعينيه إلى الخارج، فالتراث العربي - أينما كان - هويته واحدة، وقد نشر المعهد في هذا الإطار "فهرس المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بجامعة ستراسبورغ - فرنسا" و"مجموعات مخطوطة في مكتبات إستانبول" وقبلها "فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأمبروزيانا في ميلانو - إيطاليا".
(هـ) ولا يغيب عن البال تلك المهمات العلمية التي قام بها خبراء المعهد إلى مواطن المخطوطات؛ للكشْف عن أوضاعها وكتابة تقارير عنها، ومن ذلك التقارير التي نشرها عن المخطوطات العربية في الهند، ويوغسلافيا، ونيجريا.
(و) كما لا يغيب الدور الكبير الذي قامت به مجلة المعهد في خدمة قضية التعريف، فقد تضمنتْ مُجلداتها ثروة من الفهارس التي تلقي الضوء على ما تحتويه مكتبات المخطوطات العامة والخاصة، داخل الوطن العربي وخارجه.
(2 - 3) قضية الإحياء:
(أ) إحياء التراث في نشره، وقد نص النظام الأول الذي وضع للمعهد في القاهرة، في فقرته (د) من المادة الثانية، على أن يقوم بـ"طبع صور المخطوطات القيمة، التي نصها صحيح، وخطها مقروء، ونشر نصوص المخطوطات ذات الأهمية الكبرى".
(ب) ولما كانتْ طرائق التحقيق مختلفة بين البلاد العربية من ناحية، والبلاد العربية والأوساط الاستشراقية من ناحية أخرى، فإنَّ المعهد وضَع في وقت مبكر طريقة موحدة، لقيتْ قبولاً كبيرًا لدى الجانبين.
وفي وقتٍ لاحق (مايو 1980) عقد حلقة في بغداد، دعا إليها مجموعة من الأساتذة المشهود لهم بطول الباع في الميدان، خلصوا إلى أُسُس عامة لتحقيق التُّراث ومناهِجه، نشرتْ بعد ذلك ضمن كُتيب صغير، صدر عن المعهد في الكويت.
(ج) وقد نهد المعهد - منذ أنشئ - للمهام الجسام، فاختار تلك المخطوطات الكبيرة ذات الأجزاء التي لا يطيق الأفراد النهوض بها، سواء من الناحية العلمية، أو المادية، كما لا تقبل عليها دور النشر، لقلة جدْواها تجاريًّا.
(د) التراث العربي غنيٌّ كمًّا ونوعًا، ولذلك فإن المسؤولية كبيرة، تفرض أن تظل العين على هذا التراث بمختلف صنوف المعرفة التي تناولها، فلا يطغى صنفٌ على صنف، ولا يهمل منه علم، فيظل في منطقة النِّسيان.
واعتمادًا على ذلك ضمتْ قائمة منشورات المعهد كتبًا، مثل: "سير أعلام النبلاء"، و"ذيل الدرر الكامنة (في التراجم)، وشرح السير الكبير (في الحقوق الدولية)، والمحكم، ومجمل اللغة (معجمات)، وديوان الألغاز للمعري، ودواوين المثقب العبدي والمتلمس الضبعي وعمرو ابن قميئة وشعر تغلب في الجاهلية (شعر وأدب)، والتبصرة في القراءات، والموضح في التجويد (علوم قرآن)، والنكت في تفسير سيبويه، وتفسير المسائل المشكلة في أول المقتضب للفارقي (نحو)"... وغير ذلك.
(هـ) ووسط ذلك كله لم يضع التراث العلمي، فقد نشر المعهد كُتُبًا في الطب؛ مثل: "القولنج"، و"المنصوري في الطب"، وهما لأبي بكر الرازي، وثلاثة من كتب ابن سينا صدرت في كتاب واحد تحت عنوان: "من مؤلفات ابن سينا الطبية" وكتبًا في الحساب والرياضة "التكملة في الحساب"؛ للبغدادي، و"نظرية الخطوط المتوازية في المصادر العربية القديمة"، و"وأساس القواعد في أصول الفوائد"؛ لكمال الدين الفارسي... وغير ذلك.
(و) إلى جانب ذلك احتوتْ مجلة المعهد على عددٍ كبيرٍ من الكتب الصغيرة ذات الأهمية، والمحققة وفْق الأُسُس العلميَّة؛ بل إن بعض الكتب الكبيرة نشرتْ أحيانًا بدلاً من بعض أعداد المجلة، مثل: "المرشد أو الفصول مع نصوص طبية مختارة"؛ لأبي بكر الرازي، و"تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن"؛ لأبي الريحان البَيْروني الخوارزمي.
(ز) إن من المِحَن التي تعرض لها تُراثنا، تلك الهوة التي حدثتْ بينه وبين الأجيال الجديدة لأسباب عديدة، ولا شك أنَّ قضية الإحياء لن تخدم بالصورة المثلى ما دامتْ هذه الهوة قائمة.
لهذا سعى المعهد إلى تنظيم دورات تدْريبية لخريجي الجامعات، تهدف إلى تقريبهم من تراثهم، وتَمْرينهم على قراءته وفَهْمه وتوثيقه ودراسته وأصول تحقيقه وفهْرسته، ومن ثم الإفادة منه والبناء عليه، كما هدفتْ هذه الدورات إلى تعويدهم على التعامل مع أنواع الخطوط التي كتب بها، والمراحل التي مرت بها المخطوطة العربية.
وكانت أول دورة في العاصمة المصرية عام 1971، تلتها دورات أخرى في الأعوام 73، 74، 77، في القاهرة أيضًا، ثم عقدت دورة خامسة في عام 80 ببغداد، وسادسة في عام 89 بالكويت، ويجرى التخطيط لعقد دورة سابعة في إحدى بلدان المغرب العربي، لكن أحداث أغسطس 90 حالتْ دون ذلك.
(2-4) قضية التعاون:
(أ)حرص المعهد على الارتباط بعلاقات تعاوُن وثيقة مع مختلف المؤسسات والهيئات والمراكز المعنية بالتراث في البلاد العربية والعالم؛ وذلك تحقيقًا لهدف رئيس، نص عليه نظامه الأساسي الأول في الفقرة (هـ) من مادته الثانية.
وقد بدأتْ خيوط هذا التعاوُن تتشابَك وتتلوَّن حتى شكلتْ شبكةً كبيرةً، لكل خيط من خيوطها لون ووظيفة وهدف.
(ب) أول هذه الخيوط تقديم التمويل المادي والعون العلمي للهيئات التراثية المحتاجة للدعم، ومن ذلك المعونة المادية التي قدمها لهيئة القُدس العلمية لصيانة المخطوطات في مكتبات المدينة المقدسة، وإهداؤه مجموعة من أجهزة التصوير لأحد مراكز البحث العلمي الموريتانية، وصرفه على الندوة العالمية الرابعة لتاريخ العلوم عند العرب، التي نظمها معهد التراث العلمي العربي التابع لجامعة حلب في الجمهورية العربية السورية.
(ج) وثاني هذه الخيوط تبادُل مُصورات المخطوطات والمطبوعات مع المؤسسات الموجودة في الوطن العربي وخارجه، وفي هذا الإطار أعدَّ قائمة طويلة من عناوين هذه المؤسسات يحرص على تزويدها بإصداراته ودورياته، ويتلقى منها ما تصدره، كما أنه تبادل مصورات المخطوطات مع مؤسسات عديدة، مثل: جامعة الكويت، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت، وعدد من الجامعات السعودية، ومكتبة الأسد الوطنية، ومعهد التراث العلمي العربي (سورية)، وجامعة يوتا، وجامعة برنستون بأمريكا، وغيرها.
(د) وثالثها النشر المشترك، وفي إطاره نشر المعهد - وهو في الكويت، بالتعاون مع معهد التراث العلمي العربي التابع لجامعة حلب - مجموعة قيمة من كُتُب التراث العلمي.
كما نشر - وهو في القاهرة - بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، في مرحلة مبكرة، كتاب "مختار الأغاني".
(2 - 4) قضية التنسيق:
(أ) معهد المخطوطات معهد قومي، يقوم على خدمة تراث غني لأمة عريضة، تمتد على مساحة جغرافية واسعة، والتنسيق الذي يخدم هذا التراث، حفظًا وصيانة، وتحقيقًا ونشرًا، وفهرسة ودراسة - ينبغي أن يكونَ هدَفًا رئيسًا له؛ إذ بدون هذا التنْسيق تضيع الجهود وتتكرَّر، وبدونه يعمل الجميع، مؤسسات وأفرادًا، كلاًّ على حدة، فتغيب أهداف، وتتوه قضايا.
إلا أن هذا الهدف لم ينص عليه صراحة في النظام الأساسي الأول، ربما لأنَّ المعهد لما يكن قد امتلك أدواته بعدُ، كما أن مُعظم البلاد العربية لم يكنْ فيها أيامها مراكز خاصة بالتراث، تعمل على أُسس واضِحة.
(ب) والحق أن قضية التنسيق نمتْ شيئًا فشيئًا، بدأتْ بالتعاون مع المراكز والمؤسسات المعنية - كما سبقت الإشارة في القضية الرابعة - وكان لا بد أن يسلك هذا التعاون في تشريعات وقوانين واتفاقات وتشكيل هيئات تكون نواة لوضع إستراتيجيات عاجلة وآجلة.
(ج) وجاءتْ حلقة حماية المخطوطات العربية وتَيْسير الانتفاع بها التي عقدها المعهد في بغداد عام 1975، لتضع بذرة هامة في ميدان التنسيق، فقد أوصتْ بإعداد مشروع قانون لحماية المخطوطات في البلاد العربية، وتنفيذًا لذلك؛ كوَّنَ المعهد لجنة من المتخصصين في التراث والقانون، وأرسل المشروع إلى الدول العربية في عام 1977.
وعندما انتقل المعهد إلى الكويت نصَّ نظامه الجديد في مادته الثالثة على أن "يعمل على تحقيق مشروع القانون الموحد لحماية المخطوطات العربية"، وظلَّ المشروعُ في بؤرة الاهتمام يخْضع للتَّعْديلات والإضافات التي ترد إليه من الدول العربية حتى أقرَّ الوزراء المسؤولون عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، في مؤتمرهم السادس الذي عقدوه عام 1987، "القانون النموذجي لحماية المخطوطات العربية".
وكانت هذه ثمرة عظيمة من ثمار الجهود المبذولة في ميدان التنسيق.
(د) والتشريعات وحدها ليستْ كافية، ولذلك فإنَّ المعهد استطاع أن يتوجَ علاقاته الوثيقة مع المؤسّسات التراثية العربية بتشكيل "هيئة عربية مشتركة لخدمة التراث"، ضمتْ أربع عشرة هيئة ومؤسسة عربية متخصصة، عقدتْ أول اجتماعاتها في الكويت، في أواخر عام 1983.
وقد اتخذتْ هذه الهيئة توصيات مُهمة، شددتْ على دور المعهد في وضْع الخطط اللازمة لتصوير المخطوطات وفهرستها والعناية بها، بدْءًا بالتراث المهَدَّد بالتلف والضياع، وخاصة التراث العربي الإسلامي في بيت المقدس وفِلَسْطين، وكذلك على ضرورة تعاوُنها مع المعهد في شتَّى المجالات التي تخدم العمل التراثي.
وكانت هذه "الهيئة" ثمرة عظيمة أخرى.
(هـ) إلا أن الظروف التي مرتْ بها المنظمة في السنين التالية لتشكيل هذه الهيئة، أدتْ إلى تعطيل عقد اجتماع جديد لهذه الهيئة.
(و) وفي القاهرة - بعد أن استأنف المعهد عمله منها - جدَّد المعهد القضية، وتبنَّى مشروعًا لتشكيل هيئة جديدة، وبدأ بالكتابة إلى البلاد العربية في هذا الخصوص، وذلك إدراكًا منه بضَرُورة الاستمرار في اللقاءات بين المسؤولين عن مراكز التُّراث، لتدارس ما جدَّ منذ الاجتماع الأول، ومتابَعة تنْفيذ التَّوْصيات السابقة.
ومنَ المؤمل أن تعقدَ هذه الهيئة اجتماعها الثاني في أواخر عام 1996.
ويذكر أن هذه الهيئة قد نصَّ النظام الأساسي الذي وضع للمعهد عقب انتقاله للكويت على تشكيلها.

(ز) كان ذلك على صعيد التخطيط للعمل القومي في مجمله، ولكن ماذا عن الحركة الداخلية الجزئية في ميدان العمل التراثي الذي يتم داخل المؤسسات العربية، أو يقوم به الباحثون؟ سواء كانوا يعملون بمبادرات ذاتية، أو للحصول على درجات علمية.
هذا ما قامتْ به نشرة (أخبار التراث العربي) التي أصدرها المعهد عام 1971، وقد شهدتْ هذه النشرة تقدُّمًا كبيرًا، وأصبح لها ملامح خاصة ومتميزة بعد انتقال المعهد إلى الكويت، فقد وضعت لها خطة، وانتظمتْ مادتها في أبواب ثابتة، ترصد نشاطات المعهد، والمؤسسات التراثية العربية والباحثين، وطلبة الدراسات العليا، والكتب الصادرة حديثًا. بالإضافة إلى التعقيبات والاستدراكات التي ترد على ما ينشر فيها، حتى غدت قناة رئيسة يحرص كل المشتغلين في ميدان التراث على الاطِّلاع عليها، ويقوم المعهد بتوزيعها مجانًا.
(ح) وفي الاتجاه نفسه تبنَّى المعهدُ مشروعًا لإعداد معجم شامل للتراث العربي المطبوع، وعلى الرغم من أن معجمات قد صدرتْ من قبل بجهود فردية، فإن هذا المعجم يعد أوسع معجم في بابه، يعتمد المنهج التحليلي في مادته.
وقد صدر من هذا المعجم الأجزاء الأول والثاني والثالث والخامس، وتعطل إصدار "الرابع" لأن مادته قد نقلت إلى الموسوعة العربية في بغداد، ضمن ثروة المعهد التي نقلت إلى هناك.
ولهذا المعجم خاصية ليست في غيره، فهو حي متَجَدِّد، يواكب ما تقذفه المطابع كل يوم، من خلال ملاحقه التكميلية، وسوف يصدر الملحق الأول خلال الدورة الحالية (95 - 1996).
الطموح : والآن وبعد مُضي ما يقرب من نصف قرن على إنشاء معهد المخطوطات العربية، فإن هذا المعهد قد بلغ مرحلة متقدمة من النضج، وفي ظل الرعاية الخاصة التي توليها المنظمة له، فإن خطواته المستقبليَّة أصبحتْ واضحةً ومحسوبةً بدقَّة شديدة.
لقد أعدَّ المعهد تصوُّرًا مستقبليًّا لخطة عمله، ركَّز فيها على ضرورة "توظيف" التكنولوجيا في خدمة التراث، وزيادة عدد بعثات التصوير، وتنمية القدرات العربية من خلال الدورات التدريبية المتخصصة، وتبني جوائز لتشجيع الأجيال الجديدة على العمل التُّراثي، ورسم خطة خاصة بإنقاذ المكتبات العربية المعرضة للتلف، وأيضًا الاستمرار في نشر الكتب التراثية الأصيلة والكبيرة، بالإضافة إلى الاتجاه نحو إصدار سلسلة من الفهارس لكتب التراث المطبوعة بدون فهارس أو بفهارس غير وافية، وذلك في محاولة لحل مشكلة عويصة من مشكلات التراث.
وسوف يمثل النجاح في تنفيذ هذا التصوُّر المستقبلي - إن شاء الله - لبنة جديدة تضاف إلى إنجازات المعهد في مجالات نشاطه المختلفة، أملاً في أن يأخذ تراث هذه الأمة مكانه الصحيح كأساس لنهضتها وبناء المستقبل الذي يليق بها.
منقول من موقع معهد المخطوطات العربية © / المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم