الاثنين، 31 أكتوبر 2011

دعاء: اللهم ارحم اهل سوريا

من لأطفال ونساء وشيوخ سوريا ..
هل سيستمر مسلسل القتل المجاني هكذا بلا مقابل بلا رد بلا ردع؟!!!!
اللهم إنا نشكوا اليك ضعف قوتنا
وقلة حيلتنا
وهواننا على الناس..
يا ارحم الراحمين
ارحم سوريا واهل سوريا..
نشكوا اليك ولا نشكوك ..
اللهم فكن لاهلنا بسوريا ..
وعليك بالاسد واعوانه..
اللهم من شق علينا فشق عليه
اللهم من شق علينا فشق عليه
اللهم من رأف بنا فارأف به
اللهم أرنا في الاسد وملاه يوما اسودا
اللهم ارنا فيهم آياتك
يا الله.. ياالله
..ياالله
نسألك باسمك الاعظم
ان تنتقم من الظالمين المعتدين
الذين استباحوا الدماء والحرمات والديار
وقتلوا الشيوخ الركع والاطفال الرضع والنساء
ولم يراعوا فينا الا ولا ذمة ولا رحما ولاجوارا ولا مودة

الأحد، 30 أكتوبر 2011

قراءة جديدة لقضية قديمة "القديم والجديد"


لعل من أهم القضايا التي أثارها مصطفى صادق الرافعي في زمانه , و التي كانت مثاراً للخلاف الشديد بين النقاد و علماء الأدب , هي قضية القديم و الجديد . و هي قضية قديمة لا مجال للشبهة فيها أو الشك في صحتها بحكم علاقتها بالعمل الأدبي و أدواتـه , و التي أصبحت فيما يذهب إليه محمد محمد حسين و غيره : ” معركة بين الذين يريدون أن يحملوا المسلمين و الشرقيين على حياة الغرب و عاداته من المستعمرين و من الذين يعينونهم على ذلك من المأجورين أو المفتونين أو السذج و المغفلين , و بين المحافظين الذين يدافعون عن دينهم و تراثهم سواء منهم من يفعل ذلك عن تدبر و وعي , و من يفعله عن تمسك بما ألف و عكف على ما ورث “ 1 .


ومنشأ هذه المسألة , يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر , حين شهدت الأمة العربية إبان نهضتها حركة لإحياء التراث العربي بعد أن طمره الحكم العثماني بطبقة كثيفة من النسيان و الإهمال و الركود , فحاول الأدباء و العلماء العودة بالناس إلى أمهات الكتب التي ألفت في عهد الفتوة و الازدهار , إلى أن دبَّتْ حركة جديدة في الذوق الأدبي, وحدث تطور ملموس في محيط النقد الأدبي . هذا ما نتج عنه خلاف بين أنصار القديم و دعاة التجديد , فالأولون استحسنوا بعث تراث الأقدمين الذي كان يتجاوب مع الناس و يساير أحداث ذلك الزمان , و الآخرون أخضعوا ذلك التراث الفكري العربي إلى البحث العلمي الدقيق على سبيل الدراسات النقدية الحديثـة , إشارة منهم في وضع بذور التجديد التي ما هي في الحقيقة إلا تطور طبيعي للقديم . و كان حتمياًّ أن يستتبع ذلك الخلاف في مسائل الأدب , خلافاً في المناهج النقدية بين الاتجاهين .

فبينما جمع أقطاب النقد اللغوي القديم كحسين المرصفي , و محمد المويلحي , و علي المرصفي , بين مقاييس بناء القصيدة القديمة في فنونها و أوزانها , و بين الالتزام بالأساليب العربية القديمة في بلاغتها وفصاحتها , إذا بالنقاد المحدثين يعنون بالتجربة الشعرية و الصياغة الفنية, وكانوا غالباً ما يوقفون نقدهم على الناحية الموضوعية و الأخذ بالمقاييس الغربية 2. و من أجل ذلك , انصرف كل أديب شاعراً كان أم ناثراً إلى أن يكون فطناً ملماًّ بكثير من فروع المعرفة , بارعاً قديراً على انتقاء الألفاظ و إدراك المعاني الجديدة و الاهتداء إلى الأفكار المبتكرة . فتعين بعد ذلك , اتساع ميادين النقد و استعداد الأدباء ذهنياًّ للابتكار و الإبداع .

وأثناء هذا الصراع الحاد وعلى أساسه, وقف مصطفى صادق الرافعي يتحسس الآراء و الرؤى, لتبدأ قصته مع ما سماه هو في كتابه "تحت راية القرآن" بـ "المعركـة بين القديـم و الجديد" .

وإذا كان لبّ الكتاب تلك المقالات التي دمغ بها الرافعي رحمه الله أستاذَ الجامعة المفتون بحضارة الغرب (طه حسين)، فإنه في مجمله ميدان معركة صاخبة طاحنة بين القديم والجديد، وبين أنصار هذا وأنصار ذاك. والرافعي – عليه رحمة الله – لا يستنكف أن يُنبز بأنه من أنصار القديم، بل يثبت ذلك ويعتز به.

إن مسألة " القديم و الجديد " هي ولادة الأدب العربي , إذ عرفها منذ عصوره القديمة , و غدت من المسلمات التي لا ينكرها أحدٌ , لكن المشكلة تحددت أكثر في العصر الحديث , حين احتضنت جريدة " المقتطف " – في أواخر عام 1881م – الدعوة إلى العامية و الاستغناء عن اللغة الفصحـى , ثم هاجت المسألة على يد خصوم اللغة العربية في سنتي 1902م و 1926م , و في كـل مرة كانت حركة التدمير في محاولة لإحلال عامية الجماهير محلّ العربية الفصحى تشتد و تقوى أكثر , بحجة – كما يذهب شكيب أرسلان- :” أنها أقرب إلى الإفهام, ولكن منهم من لا يحاول هدم الأمة في لغتها و آدابها لا حُبًّا باللغة و الآداب , و لكن علماً باستحالة تنصل العرب من لغتهم و آدابهم “ 3 و نحو هذا النزوع , جاءت رؤية جبران خليل جبران الجديدة في شعاره : " لكم لغتكم و لي لغتي " 4 . فيحار في أمره مصطفى لطفي المنفلوطي و يرجع ذلك إلى أنَّ جبران :”أعجمي يظن أن اللغة العربية حروف و كلمات , و هو لا يعرف منها غيرها , فينطق بشيء هو أشبه الأشياء بما يترجمه المترجمون من اللغات الأعجمية ترجمة حرفية , فإِنْ نَعَيْتَ عليه غرابة أسلوبه و استعجامه و التواءه على الفهم , كان مبلغ ما ينضج به عن نفسه أنَّ المعانيالعصرية و الخيالات الحديثة لا يستطاع إلباسها الأكسية البدوية, و الأردية العربية , كأنما هو يظنّ أنَّ المعاني و الخواطر خطط و أقسام , و أنصبة و سهام , هذا للشـرق , و هذا للغرب , و هذا للعرب و هذا للعجم “ 5 .

فلا ريب – بعدذلك- أن نجد وجوه الخلاف و التباين بين الفريقين عميقة , فريق أراد تسويد اللهجات العامية في البلاد العربية, على حساب الجملة العربية , و آخر يرفض كل الحملات و المحاولات التي تستهدف إخراج لغة القرآن من ذاتيتها و خصائصها . و في ذلك يقول حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية :

أَرَى لِرِجَال الغَرْبِ عِزًّا و مَنَعَةً

أَتَـوْا أَهْلَهُمْ بالمُعْجـِزَات تَفَنُّنـاً

أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الغَرْبِ نَاعِبُii

وَ لَوْ تُزْجِرُونَ الطَّيْرَ يَوْماً عَرَفْتُمْ

أَرَى كُـلَّ يَوْم بِالجَرَائِدِ مَزْلَقـًاii

وأَسْمَعُ لِلكُتَّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً

وكَـمْ عَـزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَـاتِii

فَـيَـا لَـيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمـَاتِii

يُـنَادِي بِوَأْدِي في رَبِيعِ حَيَاتِيii

بِـمَـا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةِ وشَتَاتِii

مِـنَ الـقَبْرِ يُدْنِينِي بِغَيْرِ أَنَـاةِii

فَـأَعْلَمُ أَنَّ الصَّائِحِينَ نُعَلتِـي6ii

و ها هو أيضا , خليل مطران يندفع مُدافعاً عن اللغة العربية في قوله :

لِـنَعِشْ مَعَاشَ زَمَانِنَا وَلْنَنْتَهـِزْii

لَـنْ تَرْجَعَ العَرَبِيَّة الفُصْحَى إِلَى

مَـا لَـمْ يَعُدْ ذَاكَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُii

إِنَّ الـتَّـجَدُّدَ لِلِّسَـانِ حَيَاتُـهُii

فِي عَصْرِنَا للضَّـادِ فَتْحٌ بَاهِرٌii

فُـرَصَ النَّجَاحِ نَفُزْ بِهِ أَوْنَسْلَمِii

مَـا كَانَ مِنْهَا فِي الزَّمَانِ الأَقْدَمِii

والـعَادُ والأَخْلاَقُ حَتَّى جَرَّهُمِii

وَ مَـنْ الَّذِي يُحْيِيهِ غَيْرَ المُقـْدَمِ

زِيدَتْ بِهِ فَخْراً , فَهَلْ مِنْ مَأْثَمِ 7

ولقد حاول الأدباء و المهتمون إيجاد تبريرٍحقيقي لتلك الانتفاضة التي عرفها الشرق في ذلك العهد , فجاءت الحلول المقترحة و ردود الأفعال متباينة الاتجاهات , و وقف الرافعي بمعية المحافظين يواجه كل محاولة تجديد أو تعديل , لأنَّ في اعتقادهم :” دعاة التجديد يكاثرون المحافظين بما عرفوا من آداب العرب و من فنونه الأدبية المستحدثة , ويسخرون من جهلهم , و يرمونهم بالجمود و الكسل . و كان المحافظون في الوقت نفسه يتهمونهم بأنهم يغُضُّونَ من قدر التراث الذي خلفه أجدادهم لأنهم يجهلونه , و يشيدون بمذاهب الأدب الغربي و فنونه لأنهم لم يعرفوا سواه . وهم عندهم بين خبيث مأجور على قومه يريد أَنْ يهدم كيانهم و يمحو طابعهم و بين مغفل يحكي ما أملي عليه عن غير وعي , و كلاهما معين للغرب على قومه , يلين اللقمة الصلبة تحت أضراسهم “ 8. و بهذا الاعتبار كانت اللغة العربيـة – عند الرافعي – اللغة المقدسة , و لغة القـرآن , و ديوان التاريخ العربـي . لذلك كان أدنى تصور نادى إليه هؤلاء الأدعياء هو طعن كلام الله , و كامل التراث اللغوي و الأدبي .

ولعل هذا المناخ الذي ألفه الرافعي , هو الذي حمله دائماً على الذَّوْد عليه , مُفْتَخِرًا مُعْجبًا, حيث يقول : ” إِنَّ هذه العربية بُنيتْ على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم و لا تموت , لأنها أَعدَّتْ من الأزل فَلَكاً دائرًا للنَيِّرَيْن الأَرْضِيَيْن العَظِيمَيْن:كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم , و من ثم كان فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أَخْذَة السِّحْر “ 9.

أمَّا المجددون , الذين دعوا إلى تعديلات من شأنها أنْ تجعل اللغة أكثرَ تلاؤماً مع مستلزمات الحياة المعاصرة, فإنَّ الرافعي لم يتعارض معهم بل حرص على ضرورة : ”وجوب الإصلاح اللغوي , وجوب أَنْ يكون للغة في هذه النهضة مجمعٌ يحوطها و يضع لها و لو على الأقلّ – كمصلحة الكََنْسِ *و الرَشِّ ** “ 10. و قد واجه الرافعي ذلك الفريق بالسلب و النقص , حيث عليه قصورَ مُناصريه


وضعفهم مُعْلِناً أنه : ” لا ينقصنا من اللغة شيء , و هي على ما هي من أحكام الأوضاع و التراكيب و الاتساع للمفردات,... ولكن ينقص هذه اللغة رجال يعملون و يحسنون إذا عملوا و يعرفون كيف يتأتى عملهم إلى الإحسان “ 11 . و ذلك حين كان تحامل أنصار الجديد – كما يقول – على اللغة العربية و محاولتهم طمس معالمها , في اعتقادهم ظاهرة من ظاهرة التجديد 12 . و مما زاد الرافعي إيماناً بصحة موقفه هو – كما يقول – أن : ” كل المجددين رجعوا الآن عن رأيهم في المدنية الأوربية و أقروا أنها مدنية زائفة “ 13.

عندئذ أحسَّ الرافعي و أنصار الصفاء اللغوي و حماة الفصحى بتقدير ذلك الدور و العمل به , إلى حدّ إعجاب الرافعي بنفسه حيث قال : ” يخيل إليَّ دائماً أني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن و لغته و بيانه , فأنا أبداً في موقف الجيش ... “ 14. على أن هذا الأمر كله لم يغب عن عميد الأدب العربي الأستاذ طه حسين حيث يشير إلى أنه : ” كان الكتاب و الشعراء – أول القرن الماضي و أثناءه- يرون أنهم قد أدوا ما عليهم من حق البيان إذا أرادوا هذه الجمل و الألفاظ التي كانوا يديرونها على نحو من البديع مألوف , ... و كان الناس يطمئنون إلى هذا النحو من الأدب تقبل غليه الخاصة و تنصرف عنه العامة إلى أزجالها و مواويلها و إلى قصصها و أحاديثها...“ 15 .

و بعد ذلك بدأت حركة أدبية جديدة تدبُّ في الذوق الأدبي , و أن الناس أصبحت تتفهم جيداً مهمة الأدب حين ينزع إلى أنه ترجمة عن النفس و تفسير للحياة و ليس صناعة لفظية جوفاء تؤثر فنون البيان و البديع على حاجة الناس إلى الجمال الفني و الذوق الراقي . من أجل ذلك , اهتم الرافعي بمعرفة هذا الجديد الذي شغف الأدباء تغنياً به , فجاء تقديرهـم مـن أن اللغـة : ” كمجموعة من الألفاظ أو الكلمات , مادة الخلق الأساسية , خاصة و أنَّ هذه الألفاظ متحدة بمدلولاتها في الذهن “16 , و ليس مادة محافظة على ذوق استعاري قديم , و عندها أدرك الرافعي أنَّ تسخير اللغة لأغراضهم هي الخاصية التي وقفوا عليها , بعد محاولة تطويع ألفاظها و أساليبها لحاجاتهم و نظرتهم التجديدية .

ومن هذا المنطلق , جاء تصور الرافعي للمذهب القديم الذي لا يراه إلاَّ في : ” أن تكون اللغة لا تزال لغة العرب في أصولها و فروعها “ 17, بحيث يمضي مدافعاً عنها , داعياً إليها , متعلقاً بأطرافها مؤمناً بأنها تبقى أبداً : ” تحمل ما حملت عليها لأنها صافية كالحق منزهة عن الريب كالواقع“ 18.

ثم ينتهي من ذلك إلى القول بالمذهب الجديد : ” لو تأمل أصحابنا تاريخ هـذه اللغـة و آدابها لرأوا في كل عصر من عصورها شيئاً كان يمكن أن يسمى مذهباً جديداً , و لكن لم نجد أحداً سماه كذلك و لا بناه على أنه شيء بنفسه “ 19 . و يتعمق الرافعي في هذا المجال أكثر فأكثر , و يفطن إلى العلة في نشوء المذهب القديم و المذهب الجديد الذي لا يراه إلا في : ” الضعف في لغة و القوة في أخرى , و أن صاحب المذهب الجديد أخذ بالحزم في واحدة و بالتضييع في الثانيـة , و أكثر من الإقبال على شيء دون الآخر , فتعلق به و أمضى أمره عليه و حسنت نيتـه فيـه و استمكنت فصارت إلى نوع من العصبية للأدب الأجنبي و أهله “ 20.

هذه هي مآخذ الرافعي في موقف أنصار المذهب الجديد من اللغة العربية , و هي مآخذ جعل سمتها البارزة في كونهم اتهموا اللغة العربية بالقصور في التعبير عن الحاضر و المستقبل . و الحقيقة أن اللغة شيء طبيعي فينا , و أنها منا أكثر مما هي لنا إذ كانت في الجاهلية لغة راقية بأطلالها و رثائها و فخرها و حكمها , في حين ننظر إليها الآن على أنها لغة جمود و فقر , و يكفيها فخراً أنها لغة القرآن, التي كلما تقدمت وثبة إلى الأمام شهدت تراكيب و مفردات جديدة , وقصص و صور و رموز وفيرة , و بذلك : ” وصفت على إثرها باللغة الشريفة , و الكريمة , و اللطيفة , و صار العلم بأسرارها جزء لا يتجزأ من السلوك وفقاً لأحكام الشريعة “ 21.

ولعل هذا الموقف المثالي من اللغة , جعلها تكسب صفة القداسة و الفضل , و هو الموقف نفسه الذي يخلص إليه رولان بارت في اللغة و دورها, حين يقرر في قوله بأنها : ” ليست زاداً من المواد بقدر ما هي أفق “ 22 . ثم حصرت– بعد ذلك- في المقامات و شعر المناسبات, فوقفت عن السير و ضاقت, فأغلقت أمامها السبل و أمست لغة الضعف . و على ذلك سارت إلى مرحلة النهضة , حين حلّ الوعي العربي , و احتك العرب بالغرب , فسايرت اللغة العربية نضج الوعي الإنساني العالمي و مشت إلى الأمام لا تعرف الوقوف . و عندها أضحت اللغة هي , بالحرف الواحد , مادة الأديب لينطلق بعدها في : ” اختيار قاموسه و تطويع مادته بحيث يكون كل يوافق كلاًّ , بلا فضول , و لا ضيق , و لا تعسر ... و يرتفع الأديب في نظر الناقد ما كان قد عبر بقدر ما أحسَّ “ 23.

وسواء قبلنا أو رفضنا هذه المعطيات , فإن الرافعي رأى ضرورة التمسك بالعربية و بتاريخها , لأنه ماض مسترسل في الحاضر , معبر في آنية عن تاريخ جارف من الأحداث و العواطف , لتغدو اللغة منعشة و منشطة للفكر , و وسيلة للإبداع الفني الخصب , لا أداة للتصنع الأجوف الذي طربت له الآذان عهوداً من الزمن . ذلك ما يحدده الرافعي في قوله : ” إنَّ الأمة لا تحيا إذا ماتت لغتها , و لن تموت لغة أمة حية , و ما دامت العربية على أصلها فأدبها ما أخرجه لنا السلف , لا ينقص منه و لكن يزاد عليه بما تمثله الأيام و تبتدعه الأفهام و تستأنفه القرائح و تتدبره العقول و يمحصه التحقيق و تبدعه مذاهب النقد , ... “ 24. و لسنا في حاجة إلى التعقيب على هذا الكلام بأكثر من حاجتنا إلى التساؤل عن صحة اتهام النقاد الرافعي بالتعصب إلى القديم , إلى درجة أنهم حجبوا عن نفسه حقيقة الجديد , و هو الداعي إلى تجديد و إثراء اللسان العربي ليتمتع إلى الأبد بقوى المناعة و الحياة .


لقد تتبعه النقاد في هذه المسألة و تعقبوه فيما عرضه, وهو الذي كان : ”تملكه لزمام اللغة لا يقلّ عن تملكه لزمام المعاني,وبصره بجمال أساليبها لا يقل عن بصره بالقوى الكامنة في حائق الأشياء “ 25 . و بتتبع ما قاله النقاد , نرى أن كثيراً مما ساقوه يحتاج إلى مناقشة و مدارسة .


فكم غفلوا عن فضائل و نسوا زيادات أتى بها الرافعي , بل كم اتخذوا من ألفاظه و عباراته مجالاً للتهمة و التشنع , متحيفين على الرجل متناسين ما بين أيديهم من مقاييس فنية , و لكن في مقابل ذلك لا ننكر صحة بعض ما عرضوه , على أنّ الرافعي سار – في مواقفه – على ضوء من أفكار غيره , و انتفع بآراء من سبقوه . و سنعرض لكل ذلك من خلال بعض النماذج الكاشفة .

ما ادعى فيه النقاد بأن الرافعي كان يسير إلى الأمام و رأسه ملتفتة إلى الوراء , و من ذلك جاء تعقب طه حسين للرافعي في مسألة الذوق الأدبي قائلاً : ” و يدور المختصمون جميعاً حول الذوق , دون أن يحددوا هذا الذوق . أليس من حقنا أن نسأل عن هذا الذوق ما هو ؟ و ما حدّه ؟ و ما الذي يريدون منه ؟ و لا تقُلْ أن الأستاذ الرافعي قد يقول في الذوق : و أنت تعلم أن الذوق الأدبي في شيء إنما هو فهمه , و أنَّ الحكم على شيء إنما هو أثر الذوق فيه , و أنَّ النقد إنما هو الذوق و الفهم جميعاً . نعترف بأننا لا نفهم هذا الكلام , بل نعترف بأننا نعتقد أنّ هذا الكلام ليس من شأنه أن يفهم “26.

ولعل في هذه الغمرة من الجدل , نسي العميد أن يحكِّم علمه و " ذوقه " , و هو الكاتب الذي يجب أن يلمح أدنى فرق بين قول و قول . مع أنَّ المعنى دقيق و جليّ . فمصطفى صادق الرافعي غيور على الأدب العربي و على لغته , متبنٍّ لفكرة الإبداع و التجديد منذ زمـن بعيـد, و لما أعلن بأن الذوق الأدبي في شيء إنما هو فهمه , إنما أراد بذلك – كما بينه العميد – أن يكون الذوق و الفهم لفظان يدلان على معنى واحد , غير أن تحليل الرافعي للمسألة هو كالآتي :

حتى يكتمل ذوق الإنسان للفنّ المطلوب , لابد أن يمر بمرحلة أولى تدعى مرحلة الذوق الاستطلاعي أو الاستكشافي , يحاول من خلاله التعرف و فهم – من بين الأعمال و الآثار- العمل الذي يجذب إليه , ليتسنى له – فيما بعد – تذوقه متمثلاً في نفسه , دون أن يغفل عن ربطه بالواقع . و عندئذ يحلّ مقياس الحكم و النقد ليحدد من خلاله ما في ذلك النص الأدبي من قيم مقارنة مع النصوص الأدبية الأخرى .


وبذلك يكتمل في الإنسان الموهوب الطبع و الذوق في إجادة تأليف الأعمال الفنية و أسباب استحسانها أو تأثيرها في المتلقي27, كما يقول بدوي طبانه . و على أساس هذه النظرة الموضوعية إلى الذوق الفني , فإننا نرى أن الرافعي رفع من شأن الذوق انطلاقاً من أنه أداة لجمال النص الأدبي و الحكم عليه , ليتهيأ له فيما بعد تنمية ذوق الناقد الذي لا يستطيع الناقد ذاته الانفصام عنه . و بذلك , يبقى الذوق السليم : ” عدة الناقد و وسيلته الأولى , فإليه يرجع إدراك جمال الأدب , و الشعور بما فيه من نقص , و إليه نلجأ في تعليل ذلك و تفسيره , و به نستعين في اقتراح أحسن الوسائل , لتحقيق الخواص الأدبية المؤثرة , ... “ 28.

ويبقى الذوق الأدبي – رغم تطوره من عصر لآخر , و من أديب إلى غيره – بقاء الفنّ و خلوده على الزمان , تتداوله الأجيال عبر أزمنة متغايرة , و هنا – كما يقول أحمد كمال نشأت – عرف الرافعي من خلال مصنفاته : ” كيف يثير في نفس المتذوق لذة فنية ... و قوة يقرر بها الأدب من حيث هو فنّ “29 .

وبعد ذلك , تناول الرافعي مسألة التجديد و علاقتها بالأدب العربي دراسةً و تحليلاً. و قد كانت جهوده في جملتها وقفاً على عرض مفهوم المذهب الجديد عند العرب استناداً إلى الأدبين الأموي و العباسي إذ يقول : ” و قد نقل عبد الحميد الكاتب أشياء من الأساليب الفارسية فأدخلها في كتابته و ترجم العلماء عن اللغات المختلفة أكثر مما يترجم كتاب هذه الأيـام ,... و ظهرت الأفكار المتباينة , و تعددت الأساليب في الكتابة, و افتنَّ المتأخرون من القرن الرابع إلى التاسع في فنون من الجدل و الهزل, و في نكتٍ بديعية لم يعرفها العرب إلى أن اختلط لسانهم, و في كل ذلك لم يقل أديب و لا عالم و لا كاتب أنَّ له مذهباً من مذهب قديم , لأنهم كانوا أبصر باللغة و أقدر على تصريفها و أعلم بحكمة الوضع فيها و أحرص على وجود الفائدة منهـا و الانتفاع بها “30.

ومعنى ذلك , أنَّ الرافعي لا يريد حصر فكرة المذهب الجديد في عصر من العصور الأدبية, بل يخلص إلى أنه كلما احتجنا إلى تراثنا القديم في كل عصر , كنا في حاجة أَلَحّ إلى بناء معان و مشاعر جديدة . و من ثم العمل على صهرها فبي بوثقة واحدة لإنتاج أعمال أدبية راقية , و في ذلك الشأن يقول ابن شرف القيرواني المتوفى سنة 460 ه :


قُلْ لِمَنْ لاَ يَرَى المُعَاصِرَ شَيْئاً

وَ يَرَى لِلأَوَائِلِ التَّقْدِيمَــا . وَ سَيَغْدُو هَذَا الجَدِيدُ قَدِيمَا 31.

إِنَّ ذَاكَ القَدِيمَ كَانَ جَدِيـداً

ثم نجد الرافعي بعد ذلك , يدعو إلى الانفتاح على العالم المتطور الذي يراه سبيلاً آخر , يكفل لاتجاهاتنا الأدبية الخلود و البقـاء , و في ذلك يقول : ” و إنْ أرادوا بالمذهب الجديد العلم و التحقيق و تمحيص الرأي و الإبداع في المعنى , على أن تبقى اللغة قائمة على أصولها , ... فإننا لا ندفع شيئاً من هذا و لا ننازع فيـه , بل هو رأينا , بل هو رأي الحياة , بل هو قانون الطبيعة, ... “ “ 32.

على أننا نخلص في الأخير , إلى أن الرافعي كلما خاض في الكلام عن الجديد , إلا و فرض مقياس إبقاء اللغة على أصولها و جذورها , لأن اللغة – في الحقيقة – ليست شيئاً خاصاً بفرد , بل ملكاً مشتركاً بين الجميع , و عليه من فقد لغته فقد ضاعـت إنسانيتـه و شخصيتـه. وظلَّ الرافعي دائمًا لا يعمل إلا بهذه القاعدة , و لا تعمل فيه إلا هذه القاعدة لأنه في نظـره يبقـى : ” للعربية سرها في تركيبها و بيانها و إذا أهملناه صارت العربية كلام جرائد يصلح لشيء و لا يصلح لشيء آخر , يصلح ليقرأ اليوم و يلقى و لا يمكن أن يصلح للغد و الاحتفاظ به ليكون ثروة للغة و البيـان “ 33.

ولعل ما أجاد فيه الرافعي و أصاب , هو تلك الموازنة التي انتهى من خلالها إلى حقيقة لا نستطيع المشاحة فيه , حيث وضعنا أمام خيار مسؤول اتجاه أدبنا و علومنا و كتبنا , حين أعلن أنه علينا إمَّـا : ” أنْ نحرص على الأصل الصحيح القوي الذي في أيدينا و نحتمل فيه ضعف الضعفاء و نصبر على مدافعتهم عن إفساده حتى ينشأ جيل أقوى من جيل و تخرج أمة خير من أمة فتجد الأصل سليماً فتبني عليه و نزيد فيه . و إمَّا أن ندع الصلاح للفساد و نتراخى في القوة حتى تحول ضعفاً فإذا جاء من بعدنا , وجد الأصل فاسداً فزاده فساداً ... و هلمَّ إلى أنْ تصير هذه العربية في بعض أزمانهـا لعنة على كل أزمانها فتنسخ جملة واحدة و يصبح الكلام المأنوس الذي نراه اليوم سهلاً ليناً “34, و هذا لعمري هو حال لغتنا الآن .

وننتهي من هذه الجولة , بعرض أقوال و شهادات نسوقها في هذا المقام للتدليل مرة أخرى على أن الرافعي أديب داعٍ إلى التجديد أكثر منه إلى القديم . و في هذا المنحى يأتي قوله: و ليس يكون الأدب أدباً إلا إذا ذهب يستحدث و يخترع على ما يصرفه النوابغ من أهله ...“35. و كذا قوله في ناحية أخرى : ”و هو – يعني الأديب – كلما أبدع شيئاً طلب الذي هو أبدع منه “ 363737.

وخلاصة هذا المبحث , أنَّ الرافعي يقرّ بالتجديد مذهباً , داعياً إليه في وقفات عديدة. لكنه يريد التجديد الهادف الذي يحسن الاستفادة منه على أساس مبدأ الانتقاء و الاصطفاء الذي يلائم فكر الأمة و انتماءها إلى العروبة و الإسلام , هذا ما جعل الرافعي – كما يقول أبو القاسم سعد الله : ” كاتباً مفضلاًّ عند كثير من الجزائريين لأنه عُرِفَ بالمحافظة و هو محافظون , و عُرِفَ بالدفاع عن الإسلام و هم غيورون على دينهم “38. و إذا كانت قضية القديم و الجديد لم يعتن بها الأدباء المتقدمون عناية واضحة , فقد كانت سعيدة الحظّ مع طبقة الأدباء المحدثين , تلك الفئة التي تمثلت فيها ثقافة مزدوجة غربية و أصلية , حيث أخذت عن الأولى مناهجها المنظمة و أهدافها من الدراسة و فهمت ذوق الثانية و معاييرها الأدبية و مقاييسها الفنية .

وعلى ضوء ذلك كله , نعرض لآراء بعض النقاد و الأدباء المهتمين بهذه القضية , مستهدين من وراء ذلك معرفة وجه الحقّ في كل ما ذكر و قٌرِّرَ . فالأستاذ شوقي ضيف بعد تحليل و دراسة و تناول للمسألة , يقف عند نتيجة حتمية يقرر فيها قوله : ” و إذن فليجدد شعراؤنا في مضمون قصائدهم كما يريدون , و لكن ليصوغوا ذلك في صياغة تروقنا , أو بعبارة أدق ليكن من أهم أهدافهم أن لا يقعوا بعيداً عن صياغتنا الفنية , بل عن الصياغة التي عاش فيها شعرنا قديماً و حديثاً , و ليعرفوا أن الصياغة عبءٌ و جهدٌ , و ليست لقىً في الطريق , و أيضاً ليست عبادة للتقليد , إنما هي نمو و تحول مع فهم أسرارها و تجليها بروح جديدة و معان جديدة, فالقديم يلتقي مع الجديد , و الماضي يلتقي مع الحاضر التقاءً مثمراً , لا تخذل فيه الصياغة المعنى , بل تريده روعةً و بهاءً “39.

ولعل بعد قراءة تحليلية لهذا الموقف, يفصح لنا عن دعوة الناقد الأديب عموماً والشاعر خصوصاً , ألاَّ يعيش – من خلال أدبه و فنه – حياة منفصلة عن ماضيه , بل فليجعل القديم نقطة بدء لها , يرى من خلالها الحياة الإنسانية وكيف تتجدد , و الأدباء و كيف أجهدوا أنفسهم في إبداع نماذج رفيعة , و عندئذٍ نكون قد وصلنا إلى العتبة التي يمكن أن تدلف بنا إلى عالم يلتقي فيه الحديث بالقديـم . و كنا نرغب أن يناقش الأستاذ شوقي ضيف نوعية هذه الصياغة الجديدة التي ما فتئ الأدباء يغزون بها عقولنا و قلوبنا اليوم , فنحن لا نرى فيما يكتب في أيامنا هذه تحت اسم أدب و شعر و قصة , إلاَّ شيء مليء بالغثاثة و التفاهة , استغل كمعول لقتل الفصاحة و تجاهل البلاغة . و هذا الموقف الذي نشدوه , لا ينبع عن تعصب فكري ة لا عن اعتراض لمنهجية الدكتور الصائبة في مناقشته للقضية المذكورة , و إنما هو القول بمغالطة واضحة تزيد يوماً بعد يومٍ في اتساع الفجوة بين الأمة العربية و بيان أسلوبها العربي و فصاحته .

وعلى النقيض من ذلك , نجد الأستاذ عز الدين إسماعيل بعد التساؤل الذي وضعه حول : أيهما تقديراً الأدب القديم أم الحديث ؟ ينتهي إلى : ” أنَّ النشاط المعاصر هو النشاط الوحيد المهم حقاًّ بالنسبة لنا . و أدب الزمن القديم لا قيمة له عندنا إلاَّ أنه يغير الحياة التي نحياها . فالأدب يُكْتَب أولاً لهؤلاء الأحياء القادرين وحدهم على أنْ يستخرجوا منه الحدّ الأقصى من كمية المعنى . و النشاط الأدبي جانب حيوي من جوانب الحياة , فلا يستطيع إنسان أنْ يحيا حياة ممتلئة دون أنْ يهتم بكل نوع من أنواع النشاط المعاصر “40. و يضيف – بعد ذلك – أنَّ دور الشاعر الجديد لابد أن يظلّ : ” يرتبط بأحداث عصره و قضاياه لا ارتباط المتفرج الذي يصـف مـا يشهـد و ينفعل بما يصف إنما هو يعيش تلك الأحداث وهو صاحب تلك القضايا “41. ومن ذلك تأتي النتيجة التي يقف عندها في قوله : ” فشعرنا القديم يتجه إلى تسجيل المشاهد و المشاعر و ليس امتداداً وراءها . أما الشعر الجديد فمحاولة لاستكناه الحياة لا مجرد الانفعال بها “42.


ومعنى ذلك , أن الأستاذ يحاول فرض كل ما هو موروث على الواقع الجديد , و من ثم فإنه لا يسجل أدنى اهتمام للماضي , بل يذهب أبعد من ذلك إلى أن يوصي بالتعامل مع الأدب الجديد باعتباره مصدر المعرفة الوحيد . و إذا كان لنا أن نخالف الأستاذ في شيء , فإنا نرى أن أدب الزمن القديم ظلََّ و سيظلّ تلك التجربة العملية الفكرية التي لم تخرج عن الإطار الذي حُدِّدَ لها في كونها عنصراً شاملاً يستحيل الاستغناء عنه لأيّ حركة حديثة و جديدة , و عليه فإننا لا نغالي إذا قلنا : بفَحْصِ و نَقْدِ تلك الآراء المعاصرة التي يحرص الأدباء على الاستفادة منها لنتحمل بصدق – فيما بعد - مسؤولية التصور الشامل لمواضع الخطأ و الصواب في أدبنا العربي . و لعل هذا - في نظرنا - ما قصده بعض الأدباء و الكتاب و النقاد من خلال إثارتهم لقضية الحداثة التي أصبحت مبرراً كافياً للخروج إلى عالم من التهريج و العبث . و من هذا كله , نذهب مع الأستاذ محمد إقبال حين إشارته إلى الأبعاد الحقيقية لتلك القضية القائمة على:” أنها رؤية مغلوطة تجعل المقدمات نتائج و النتائج مقدمات , و تخلط بين مستويات متباينة ومن ثم فإنَّ كلّ حكم أو تقييم صادر عنها سيكون متأثرا بمعطيات موشوماً بخلطها و غلطها“43.

ومما عرضناه , يتبين لنا أنَّ التجديد مطلوب , و أنه إذا أردنا استبقاء أواصر الودّ بين القديم و الجديد , علينا ألاّ ندعو للانعزال عن الثقافة و الآداب العالمية ,بل نتواصل معها لاحتضان تجارب جديدة و تصيد مقاييس أدبية و نقدية ذات بال و قيمة , و ألاَّ يتخلف الأديب و المثقف العربيين عن عصرهما , بأن يخلقا بينهما و بين واقعهما حجاباً كثيفاً , فإن معنى ذلك جمودهـما و انعدام قدرتهما على التأثير . و لعل هذا الموقف نفسه الذي يتبوَّأُهُ الأستاذ محمد العشماوي بقوله : ” أن تراثنا العربي القديم سيظلّ يشغل الباحثين المحققين فترة طويلة , ذلك أن قدراً كبيراً من هذا التراث ما يزال بحاجة إلى أنْ تتضافر من أجله الجهود لتخليصه من التحريف و التصحيف, و تنظيمه تنظيماً يضمن سلامته من العبث و الفوضى , و يوفر الثقة للباحث و ينأى به عن الريبة و الشك “44.


إذن , فالتزامنا جليّ في الوحدة الجامعة بين القديم و الحديث الذي يعكف – كما يقول العشماوي - على غايتين : ” إحداهما إحياء القديم و إثراؤه و ثانيهما توضيح الحاضر و توجيهه “45.
وعلى هذا الأساس من الوسطية و الاعتدال بين الموقفين , نسوق آراء ارتبطت بمحاولات رشيدة , أخرجت الأدب العربي القديم من سجن القوافي الملتزمة و الجمل البيانية المسجوعة التي اتسم بها ردحاً من الزمن . و أولها موقف طه حسين الذي يحدد لنا خصائص تلك المسألة بقوله : ” بأن القصد أساس الخير في كل شيء و لسنا أبناء القرن الخامس للهجـرة , بيننا و بين الماضي أسباب متصلة و بيننا و بين المستقبل أسباب ستتصل , فما لنا لا نحتفظ بالمكانة التي وضعتنا فيها الطبيعة , فلا نسرف في التقدم , و لا نسرف في التأخر ؟ لا أمقت القديم و آنف من الحديث , و إنما أرى أني وسط بين القديم و الحديث , و أرى أنَّ لغتي يجب أن تكون مرآة لنفسي. و لن تكون لغتي مرآة صادقة لنفسي إذا كانت قديمة جداًّ أو حديثة جداًّ,وإنما هي مرآة صادقة لنفسي إذا كانت مثلي وسطاً بين القديم و الحديث “46. ثم لا ينأى هذا الرأي عن نظرة عباس محمود العقاد للموروث , حين يرى أن التجديد ليس هو إنكار فضل العرب أو تعمد الخروج على الأساليب العربية , و لكنه هو إنكار أوهام الذين يحصرون الفضل كله في العرب , دون أمم المشرق و المغرب من سابقين و لاحقين , ... و ليس التجديد أن نضرب عن العرب , لنقلد الإفرنج , و ننظم كما ينظمون , و ننقد كما ينقدون , لأنَّ الإفرنج يخطئون في فهم الأدب كما يخطئ الشرقيون , و يأبون على طائفة منهم أنْ تقلد الآخرين47. أما محمود تيمور , فلا يخرج على نطاق رؤى سابقيه , بل يخلص إلى أننا : ” في حاجة إلى مجددين يشقون في الحياة آفاقاً مجهولة , و يبشرون في المجتمع بقيم لم يكن مألوفة , فتلك سنة التطور و التقدم , و ليس من سنة الوجود مناص , و لكننا في حاجة كذلك إلى من يدعم حياتنا الحاضرة بتقاليدها الموروثة , ريثما تقوم بإزائها حياة جديدة مأمولة , فالهدم قبل البناء شطط , و البناء على الخواء لا يقوم “48.


و قد ساير الاتجاه ذاته , نقاد و دارسون آخرون اتجهوا في تعليل زوايا القضية , و تعليل ما رأوا فيها من منطق و موضوعية , بدءً بالأستاذ فؤاد مرعي الذي انتهى إلى : ” أنَّ الكُتَّاب المجددين هم أولئك الذين يؤصلون أفضل تقاليد الماضي و يقدمون إلى جانب ذلك , كلمتهم الجديدة الخاصة بهم . إنَّ التجديد في الأدب يشبه ما يحدث في الفكر العلمي حيث يتمّ تملك خبرة الماضي تملكاً إنتقادياً ثم يجري تكميلها و إغناؤها و تغييرها و الارتقاء بها إلى مستوى أعلى “49.


ثم أوسع الأستاذ فتحي أحمد عامر هذه النظرة التي عَدَّهَا أساس تغير عملية التذوق الأدبي , و على أنها لم تكن إلاَّ خيراً و بركةً على الأدب في توجيهه وجهة سديدة , إذْ أنها أفادت المحافظين و المجددين معاً , و انتهت إلى شيء من الاعتدال و التصالح و التوفيق , و في ذلك يقول : ” و ليس من التطور المحمود أن يخرج بعض الدارسين على الموروث من التقاليد الأدبية و النقدية جملةً و تفصيلاً , فذلكم ضربٌ من الخطل في الرأي , و التهور الأحمق الذي لا يليق بجلال الماضي الأدبي و التاريخي , و ليس من المعقول أو المقبول أن يظلّ بعض الباحثين سجناء الماضي , يرفضون ما عداه , و لكن المنطقي الذي يرتضيه العقل الباحث ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً هو أنْ نحترم التقاليد و الموروثات الأدبية عند كل الشعوب و الأمم , ثم يضاف إلى هذه الموروثات ما يجد للعقل الباحث المستنير , و ما تتطلبه تجارب العصور المختلفة من ألوان التعبير , و مختلف فنون القول “50. في حين يذهب الأستاذ أحمد سليمان الأحمد إلى توجه يريد من خلاله التأكيد على حتمية وَصْل الماضي بالحاضر , أو توفير التعادلية الأدبية , فلا روح المحافظة يُسْتَغنى عنها , و لا شروط النهضة يُسْتَهان بها , بل نترك مَجْرَى أدب العروبة الموروث لا ينقطع مع الإبقاء على مقومات حياتنا المعاصرة , و ثمة يستبين لنا ما سموه بتجديد " المحافظين " : ” نحـن إذن أعـداء الانفصال عن القديم بمعناه الخيّـر . إننا بالأحرى مؤمنون بأنَّ هناك استمراراً في التطور – الكمي و الكيفي – لا تنفصم عُرَاه , و لا يقف عند حدّ مرسوم له . إنه تطور يواكب الحياة , و ما دام أحدهما موجوداً فالآخر موجود “51.


و يتجانس مع كل هذا التوجه , ما أجمله الرافعي في كتبه , إذْ ما كان يعنيه في وسط هذه المعركة الأدبية و الفكرية سوى نصاب اللغة العربية فيها , بصفتها كائنٌ حيّ تامّ التطور , لا يصل الحدّ إلى هدمه . و ما عدا ذلك , من وجوه التجديد فأهلاً به على أيّ نحو يكون . و يكفي لتقرير ذلك أن تقرأ قوله – رحمه الله : ” و أنا و أمثالي إنما نحرص أشدّ الحرص على هذه اللغة لأنها أساس الأمة الإسلامية فلا نرضى إِلاَّ أنْ يكون هذا الأساس ثابتاً متيناً لا يزعزعه شيء و لا يثلمه شيء و لا يضعفه شيء “52. و لعل حول هذا المعنى يتمحور قول محمد محمد حسين محذّراً من كمائن دعوة التطور اللغوي , و التي حصرها في : ” تنشئة جيل جديد من بناء العرب لا يستطيع أن يتذوق أساليب البيان العربي و موضوعاته .و إذا نَفَرَ الشباب من شعر المتنبي و أبي تمام, بل من أسلوب القرآن , و انصرف عنه ثم عجز عن تذوقه و فهمه , فقد حكمنا على تراث الأدب العربي بالكساد ثم بالموت , و قد انقطعت صلة الأجيال المقبلة من أبناء العرب بقديمهـم . و إذا انقطعت صلتنا بقديمنا أمكن أنْ نُقَادَ إلى حيث يراد بنا و إلى حيث لا تجمعنا بعد ذلك جامعة تجعل مناَّ قوة تُخِيفُ الكائدين و تَأْبَى على الطامعين “53.

و يعمق الأستاذ محمد زرمان الرؤية نفسها , بعد أنْ تبينت له حقيقة أنَّ الكاتب في العربية يكتب دون مراعاة لمقتضيات الفصاحة , و متطلبات البلاغة , مما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل الأجيال في ارتباطها بالتراث العربي , ديناً و أدباً و لغةً . و خلص إلى أنَّ هذا السبيل ينتهي إلى حفر هوّة عميقة بين الأدب و الأسلوب القرآني باعتباره من أرقى أساليب العربية54.

و بعد هذا كله , فالصراع حول لغة الأدب بين أشياع القديم و في طليعتهم مصطفى صادق الرافعي و مصطفى لطفي المنفلوطي و شكيب أرسلان , و بين أتباع التجديد من أمثال طه حسين و سلامه موسى و العقاد , إنما نخلص إلى نقطة تلاقي واحدة بين رواد المذهبين ألا و هي: محاولة تطويع اللغة العربية لمجاراة الحياة و مقتضيات العصر, و إنْ كان الأول – على قول ضيف الله - : ”يجهد نفسه و يتعهد ألفاظه بالصقل و التهذيب,فإنَّ الثاني يهتم بالمعاني أكثر من اهتمامه باللفظ “55. و تبقى مسحة النموّ و الخلود سياجاً يحدّ اللغة العربية قيماً و مُثًلاً , تنبئ بالمنهج الموسوم و التوجه الثقافي المطلوب الاحتذاء به , و هو ما يعبر عنه خليل مطران بقوله :

لِلضَّادِ عَصْرٌ بِالنُّشُورِ مُبَشِّرٌ ... إِنْ تَتَّحِدْ شَتَّى القُوَى وَ تُنَظَّمِ 56 .


و بعد هذا , فإننا مهما عرضنا من جهود الدارسين و الكتاب حول هذه المسألة , إلاَّ أنَّ الباب لن يوصد في أوجه الباحثين و المتتبعين لها , لأنَّ معارف الناس و مداركهم في تطور مستمر, و ما نرجوه هو أنْ يكون مبحثنا هذا قد أسهم موفقاً في الكشف عن بعض خفايا هذا الموضوع , التي تبقى انطلاقتها من بعثٍ واعٍ لتراث الأقدمين قبل وضع بذور التجديد , و ذلك حتى تبقى الوسطية بين التوجهين هي المنزلة الفضلى في الاحتذاء المطلوب . و هذا ما يجمله فتحي أحمد عامر في قوله : ” تلكم هي الطريقة التي نؤمن بها , و نرتضيها في دراستنا الأدبية و النقدية, لابد من النظر الطويل المتأني الرزين إلى ماضينا , نَعُبُّ من زِلاَلِه الصافي, و نروي ظمأنا, لأنه نبض حيوي في جسم الإنسانية , شارك في بنائها و تحضرها فترة طويلة من الزمان , فكيف لا نُيَمِّمُ وجوهنا شطره , نتروَّد منه , و ننْعَم بخير ما فيه. ومن جهة ثانية نتطلع إلى مستقبلنا , فنطلع على خير الثمار النقدية و الأدبية في عيون الآداب الأجنبية , فنغذي حاضرنا, ونعدّه إعداداً علمياً و أدبياً بطريقة منهجية لاكتشاف مستقبلنا , و التأثير في غدنا “ 57.


هذه نظرات سريعة في موقف الرافعي من مسألة القديم و الجديد التي تحتاج إلى وقفات متأنية، حتى يتضح من خلالها مدى ما يرمي إليه الرافعي ، و مدى ما وَفَّق فيه ، أو أخفق . لكن الرافعي بمواقفه و أفكاره باقٍ على الأيام ما بقي للأدب ذكر ومقام , و ما بقي في الأدباء من يرفعون رايته وينهلون من وحيه . و هو باقِ أيضا لأنه كان كاتبا غيورا على لغته ، غيورا على دينه ، غيورا على عروبته، ومن يُؤْتَى هذه المزايا جدير بأن يُعَدَّ من الصفوة الذين يُحْتَفَى بهم ، و يعطون حقهم من التكريم و الإكب
الإحالات
1. محمد محمد حسين , الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي – بيروت- دار النهضة العربية – ط3- 1392ه/1972م - ج2 – ص 289.
2.
2. ينظر : عز الدين الأمين , نشأة النقد الأدبي الحديث في مصر– القاهرة – دار المعارف– ط2– 1390ه/ 1970م – ص 122 .


3. الرافعي , تحت راية القرآن – القاهرة – مطبعة الاستقامة – ط4– 1376ه/1956م – مقال " ما وراء الأكمة " – ص 33 و 34 .


4. ينظر : محمد محمد حسين , الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر – ج2 – ص 275 .


5. مصطفى لطفي المنفلوطي , النظرات – بيروت – دار الثقافة – ب.ط – ب.ت – ج1 – ص 14 .


6. حافظ إبراهيم , الديوان – بيروت – دار العودة – ب.ط – 1937م.– ج1 – ص 254 و 255 .


7. خليل مطران , الديوان – بيروت – دار مارون عبود – ب.ط – 1977م – ج3 – ص 218 .


8. محمد محمد حسين , الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر – ج2 – ص 273 .


9. الرافعي , تحت راية القرآن – ص 29 .


الكنس : كَسْحُ القمام عن وجه الأرض . **الرَّش : رَشُّكَ البيت بالماء . ينظر: ابن منظور , لسان العرب– بيروت - دارصادر–ب.ط–


1374/1412ه– 1955م/1992م– مادة :كَنَسَ– مج 6– ص197/ مادة :رَشَشَ– ص 303


10. المصدر نفسه – ص 55 .


11. المصدر نفسه – ص 56 .


12. ينظر : الرافعي , وحي القلم – بيروت – دار الكتاب العربي – ب.ط – ب.ت – ج 3 – ص 257 .


13. محمود أبو رية , من رسائل الرافعي– القاهرة – دار المعارف – ط2 – 1969م – ص 302 .


14. مصطفى الشكعه , مصطفى صادق الرافعي كاتباً عربياً و مفكراً إسلامياً – بيروت– عالم الكتب– ط 3 – 1983.– ص 5 .


15. طه حسين , حافظ و شوقي– بيروت – دار الكتاب اللبناني– ط1– 1974م – ص 366 و 367 .


16. جودت فخر الدين , شكل القصيدة العربية – بيروت – دار الآداب – ط1– 1989م – ص 173 .


17. الرافعي , تحت راية القرآن – ص 9 .


18. الرافعي , السحاب الأحمر – بيروت – دار الكتاب العربي – ط 8 – 1402 ه/ 1982 م – ص 16 .


19. الرافعي , المصدر السابق – ص 10 .


20. المصدر نفسه – ص 11 .


21. جودت فخر الدين , شكل القصيدة العربية – ص 78 .


22. رولان بارت,درجة الصفر للكتابة – ترجمة محمد برادة – الدار البيضاء – الشركة المغربية للناشرين المتحدين– ط3 - 1985م – ص 33


23. أحمد كمال زكي , دراسات في النقد الأدبي – بيروت – دار الأندلس– ط2 – 1980م – ص 19 .


24. الرافعي , تحت راية القرآن – ص 75.


25. شوقي ضيف , الأدب العربي المعاصر في مصر – ص 247.


26. طه حسين , حديث الأربعاء – بيروت – دار الكتاب اللبناني – ط1 – 1974م – ص 574 .


27. ينظر : بدوي طبانه , من قضايا النقد الأدبي– الرياض– دار المريخ للنشر– ب.ط– 1404ه/1984م– ص 105.


28. فتحي أحمد عامر, من قضايا التراث العربي – النقد و الناقد– الإسكندرية – منشأة المعارف– ب. ط– 1405 ه/ 1985 م – ص 323


29. أحمد كمال نشأت , النقد الأدبي الحديث في مصر – ب.ط – 1983– ص 77.


30. الرافعي , تحت راية القرآن – ص 12 .


31. ينظر : المصدر نفسه – ص 205 ( الحاشية ) .


32. المصدر نفسه – ص 13 و 14 .


33. الرافعي , على السفود – القاهرة – دار العصور – ب.ط – 1348ه/1930م – ص 14 و 15 .


34. المصدر السابق – ص 15 و 16 .


35. الرافعي , وحي القلم – ج3 – ص 206 .


36. المصدر نفسه – ص 225 .


37. المصدر نفسه – ص 355 .


38. أبو القاسم سعد الله , محمد العيد آل خليفة – ليبيا – الدار العربية للكتاب – ط3 – 1984 م – ص 8 .


39. شوقي ضيف , في النقد الأدبي – القاهرة – دار المعارف – ط6 – 1981 م – ص 118 .


40. عز الدين إسماعيل , الأدب و فنونه – القاهرة – دار الفكر العربي – ط7 – 1978 م – ص 86 .


41. المرجع نفسه – ص 13 .


42. المرجع نفسه – ص 13


43. محمد إقبال , جمالية الأدب الإسلامي – الدار البيضاء – المكتبة السلفية – ط1 – 1978 م – ص 80 .


44. محمد زكي العشماوي , الرؤية المعاصرة في الأدب و النقد– بيروت – دار النهضة العربية –ب.ط–1983م–ص49


45. المرجع نفسه – ص 140 .


46. طه حسين , حديث الأربعاء – ص 592 .


47. ينظر : عباس محمود العقاد , ساعات بين الكتب – بيروت – منشورات المكتبة العصرية – ب.ط– ب.ت– ص 94


48. محمود تيمور , اتجاهات الأدب العربي – القاهرة – المطبعة النموذجية – ب.ط – 1970 م – ص 143 .


49. فؤاد مرعي , مقدمة في علم الأدب – بيروت – دار الحداثة – ط1 – 1981 م – ص 56 و 57 .


50. فنحي أحمد عامر , من قضايا التراث العربي : الشعر و الشاعر – ص 221


51. أحمد سليمان أحمد , الشعر الحديث بين التقليد و التجديد– ليبيا– الدار العربية للكتاب– ب.ط– 1983م– ص84


52. الرافعي , وحي القلم – ج3 – ص 310 .


53. محمد محمد حسين , الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر – ج 2 – ص 273 .


54. ينظر : محمد زرمان , المقال في أدب الرافعي – باتنة – المعهد الوطني للتعليم العالي– 1407ه/1987م.– ص 203 و 204 .


55. ضيف الله , نثر مصطفى صادق الرافعي– الجزائر– دار و مكتبة الشركة الجزائرية للتأليف و الترجمة و الطباعة و التوزيع و النشر – ط 1 - 1388ه / 1968 م – ص 293 .


56. خليل مطران , الديوان – ج3 – ص 152 .


57. فتحي أحمد عامر , من قضايا التراث العربي : النقد و الناقد – ص 324 .
ناشر الموضوع : الرافعي
د.بغداد عبد الرحمن
جامعة تلمسان / الجزائر
abderrahmane-beghdad@hotmail.com



السبت، 29 أكتوبر 2011

من عجائب الشعر العربي

عبقرية الشاعر اليمني إسماعيل بن المقرئ
كثيرون منا لا يعرفون مقام الشاعر إسماعيل المقرئ صاحب كتاب عنوان الشرف الوافي والذي ولد في جبل حبشي وله جامع اثري ترفض الأوقاف والآثار بتعز إعادة ترميمه ، في السطور التالية انقل لكم العديد من أبياته التي تدل على عبقريته من كتابه عنوان" الشرف الوافي"
مدح ولا ذم المعني في بطن الشاعر
قصيدة شعرية عجيبة ، نظمها إسماعيل بن أبي بكر المقري ـ رحمه الله ـ والعجيب فيها أنك عندما تقرأها من اليمين إلى اليسار تكون مدحا ، وعندما تقرأها من اليسار إلى اليمين تكون ذما
وإليكم بعضا من هذه القصيدة
من اليمين إلى اليسار … في المدح
طلبوا الذي نالوا فما حُرمـوا **** رُفعتْ فما حُطتْ لهـم رُتبُ
وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلقُ **** سلموا فما أودى بهـم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا **** حُمدتْ لهم شيمُ فــما كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين … في الذم
رُتب لهم حُطتْ فما رُفعتْ **** حُرموا فما نالوا الـذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فمـا سلموا **** خُلقٌ لهم تمّتْ وما وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لهم حُمدتْ **** كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
==============================
ومن عجائب الشعر كذلك
ألـــــوم صديقي وهـــذا محــــــال
صديقــي أحبـــــه كــــلام يقــــــال
وهــذا كـــــــلام بليـــــغ الجمــــال
محـال يـــــقال الجمـــال خيـــــال
الغريــب فيـــــــه..أنــك تستطيـــع قراءته أفقيــا ورأسيـــا
===================================
وهذه قصيده عبارة عن مدح لنوفل بن دارم،إذا اكتفيت بقراءة الشطر الأول من كل بيت
فإن القصيدة تصبح هجـــــاء
قصيدة المدح
إذا أتيت نوفل بن دارم **** أمير مخزوم وسيف هاشم
وجــدته أظلم كل ظــالم **** على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعـاجم **** بعـــرضه وســره المكـاتم
لا يستحي مـن لوم كل لائـم **** إذا قضى بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم **** في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم **** إذا لم يكن من قدم بقادم
قصيدة الذم
إذا أتيت نوفل بن دارم **** وجدتــه أظلـم كل ظـــالم
وأبخل الأعراب والأعاجم **** لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم **** يقرع من يأتيه سن النادم